وسط ضحكات العائلة والموسيقى التي تملأ القاعة وتمايل الفساتين على أنغام الفرح، كانت نازلي تضحك بخجل وهي تتلقى التهاني وتحيّي الأقارب، بينما علي واقف بجانبها لا يترك يدها للحظة.
وفي خضم الزحام، توقفت عينا نازلي عند طرف القاعة.
هناك، بجانب أحد الأعمدة، تقف امرأة بملامح مغطاة بخمار أسود، ثوبها رمادي بسيط، وحقيبة صغيرة ممسكة بها بيدٍ نحيلة. لا تتحرك، لا تبتسم، فقط تحدّق... مباشرة نحو نازلي.
انقبض قلب نازلي للحظة، لم تعرف لماذا، لكنها شعرت بشيء غريب، كأن الماضي واقف أمامها.
اقتربت منها ريم وهمست:
– "نازلي، في شيء؟"
هزّت نازلي رأسها بسرعة:
– "لا… لكن… هل ترين تلك المرأة هناك؟ الواقفة وحدها؟"
نظرت ريم، ولكن المرأة كانت قد اختفت بين الناس.
علت ملامح الحيرة وجه نازلي، شعرت بقشعريرة تمر في جسدها. من تلك المرأة؟ ولماذا شعرت وكأنها تعرفها؟ هل كانت ضيفة من جهة العائلة؟ أم من الماضي؟ هل هناك شيء لم يُكشف بعد؟
اقترب علي منها وقال:
– "ما بكِ؟ وجهكِ تغيّر فجأة."
نظرت إليه، ثم إلى المكان الذي اختفت فيه المرأة، وتمتمت:
– "رأيت أحداً… لم يكن من المفترض أن يكون هنا."
ابتسم علي برقة، وهو يضع يده على كتفها:
– "ربما أحد الفضوليين… أو ربما شخص أراد أن يراكِ في أسعد لحظة بحياتكِ. تجاهلي الأمر… اليوم يومنا، نازلي."
لكن قلب نازلي لم يهدأ…
وشعورٌ غريب ظلّ يهمس لها:> "هذه المرأة ليست غريبة…"
ازدادت الأضواء دفئًا واحتضنت الموسيقى أجواء الحفل أكثر، لكن قلب نازلي كان يرتجف بقلق لا تعرف له تفسيرًا. حاولت أن تشارك في الضحك، أن تبتسم، لكنّ عينيها بقيتا تفتّشان القاعة كأنّ هناك شيئًا مفقودًا… أو خطرًا قادمًا.
وفجأة، وفي زاوية بعيدة من المكان، خلف ستارة خفيفة، لمحتها مجددًا…
نفس المرأة، بنفس الخمار والوقفة، وكأن الزمن توقّف للحظة.ارتجف جسد نازلي، وكأن الكهرباء ضربتها فجأة.
تسمرت في مكانها، تمسكت بذراع علي دون وعي.قال لها علي بهدوء وهو يلاحظ لون وجهها الذي شحب:
– "نازلي، هل أنتِ بخير؟ وجهك شاحب."
رفعت عينيها إليه وقالت بصوتٍ منخفض:
– "هي هنا… المرأة التي أخبرتك عنها."
– "أين؟" سأل علي بقلق وهو يدير عينيه سريعًا في المكان.
أشارت نازلي بخفة ناحية الزاوية، لكن المرأة كانت قد اختفت مجددًا.
