كان البيت هادئًا بشكلٍ خانق، وكأن الجدران اختنقت من ثِقل الأسرار، والهواء ثقيل بما لم يُقال. جلست نازلي على الشرفة، تلف جسدها ببطانية خفيفة، لا تحرك ساكنًا. عيناها شاردتان، تطاردان شيئًا لا يُرى. ملامحها جامدة، وصمتها جدارٌ سميك لم يستطع أحدٌ تجاوزه منذ أسبوع.
علي خرج من الغرفة بخطى هادئة، يحمل بيده كوبًا من النعناع الساخن، اقترب منها، جلس بجانبها ووضع الكوب على الطاولة الصغيرة أمامها.
علي (بصوت خافت):
"تعلمين… لم أتخيل أن يكون أول أسبوع من زواجنا بهذا الشكل. كنت أحلم أن أراكِ تضحكين، تتحدثين بلا توقف، تغضبين مني… أي شيء. لكن صمتكِ يؤلمني، نازلي."لم ترد. لم تنظر إليه حتى. فقط زادت من شد الغطاء حولها.
علي (يحاول أن يُخفي انكساره):
"والدكِ بخير. لقد تحدثت معه اليوم. قال لي: (طمئن ابنتي، أنا بخير، وسأعود إليها قريبًا)."هنا فقط، ارتجف جفنها قليلًا. لكن لم يخرج صوت.
علي (بصبر):
"أعرف أنه ليس سهلاً… أن تنهار كل الحقائق دفعةً واحدة. أن تكتشفي أن يومك الأبيض كان مغلفًا بالسواد. لكنكِ لستِ وحدكِ، نازلي. أنا هنا… وسأظل."تسللت من عينها دمعة، دون أن ترفّ لها جفن. شعور مؤلم بين الانهيار التام والتمسك بالفتات.
دخل الجد بهدوء، وقف عند الباب يراقب المشهد، ثم قال:
الجد:
"ابنتي… لا تسجني نفسكِ في قلبك. نحن معك. والدكِ حي، وسيعود. ووالدتكِ… ستأخذ جزاءها. الحياة لم تنتهِ."أغمضت نازلي عينيها بقوة، وكأنها تمنع الانهيار الأخير. ثم، وبلغةٍ صامتة، نهضت من مقعدها ببطء، وعادت إلى الداخل دون أن تنبس بكلمة.
علي (ينظر إلى الجد بأسى):
"إنها محطمة من الداخل يا جدي… لم تعد نازلي التي أعرفها."الجد:
"هي لم تُكسر، يا علي. بل فُتحت عيناها على وجعٍ كان نائمًا في الظل. دعها تتنفس… وستعود."في صباح هادئ، فتحت نازلي عينيها ببطء لتجد علي بجانبها، حاملاً صينية الفطور بعناية. كانت الشمس تدخل من النافذة، تملأ الغرفة بدفء لطيف.
ابتسمت نازلي وهي تقول بصوت هادئ:
"أنا محظوظة… لأنني أصبحت زوجة لرجل مثلك."ابتسم علي بحنان، وجلس إلى جانبها وهو يقول:
"وأنا أكثر حظًا، يا نازلي. كل يوم معك هو هدية لا تُقدَّر بثمن."التفتت إليه بعينيها اللامعتين، وشعرت بأن قلبها يهدأ، رغم كل ما مرّت به. جلسا معًا يتناولان الفطور، وصمتهما كان مفعمًا بالراحة والسكينة، وكأنهما يجدان في لحظات بسيطة كهذه بداية جديدة للحياة.
ركض علي حاملاً نازلي بين ذراعيه، ووجهه قد خلا من لونه المعتاد، يضرب الأرض خطوات متسارعة وهو يصيح برجاء:
