تربيت في بيت يخلو الحب منه أب متزوج بامرأة أخرى ولا يسأل حالنا أبدا ،وأم تحمل مسؤولية كبيرة على عاتقها بعدما فضّل زوجها أخرى عليها وأهملها ولم يعدل بينهما فسلبها كل حقوقها حتى تجردت تماما من مشاعرها ، فلم أذكر أنها سألت يومًا عن أخباري أو تقربت إليّ لتعوضني حب الأب الغائب بل كل مافعلته غابت هي الأخرى بحجة الانشغال بالعمل والبيت ، ربتني على الانصياع لأوامرها دون مناقشة فلغت شخصيتي تماما ، لم تأخذ رأيي في أمر قط فلم أشعر بكياني أبدا ، حتى حين دخولي الجامعة اختارت أن أدرس الأدب فلبيت الطلب دون حتى أن أفكر ماذا أريد أنا ،لم يسبق لي حرية التفكير أو ابداء الرأي واعتدت ذلك.
ذات يوم أخبرتني بتقدم عريس لي ويبدو شابًا محترم طيب الأصل وأنها حددت موعدًا للخطبة ومن ثم الزواج سريعا فلا داعي للتأجيل ، وبالفعل حدث ماقالت ولم أشعر أنا حينها بأي رفض فحياتي تسير هكذا كما تريد أمي ،أخبرتني أن الزواج يعني الانصياع للزوج والقيام بطلباته وطلبات بيته وعدم طلب أي احتياج شخصي هو فقط من يحدد ذلك ويجلب مايريد حتى لا يهجرك ضجرا من طلباتك ، بالفعل فعلت ماأمرتني به دون تفكير فاعتاد هو على عدم طلب رأيي في اي شيء على املاء الأوامر وتنفيذها دون مناقشة ، على عدم الاهتمام حتى أنه بات يبيت خارج المنزل لليالٍ فلا أسأله كي لا يضايقه السؤال كما أخبرتني أمي ، لعامين كاملين معه على هذا الحال حتى أننا لم ننجب ، وفي ليلة من ليالي البرد القارسة وكنت أتمنى لو يضمني إليه بدفء هتف قائلا :
-أريد الزواج بأخرى لتُنجب لي طفل .
كانت بمثابة صاعقة لقلبي فابتلعت ريقي بصعوبة وأجبته بكل هدوء :
-ربما تأخر الحمل خير ويمكننا الذهاب لطبيب .
دون أن ينظر نحوي قال :
-هذا يحتاج لتكلفة وكما ترين الحال لايسمح بهذا .
بكى قلبي حزنًا فهل لديه المال للزواج ولا مال للعلاج ، قلت له في حزن ملحوظ :
-كما تريد .لم يأبه لقولي حينها لكن يبدو أنه أشفق عليّ فتراجع عن ذلك لفترة كنت فيها كما أنا الزوجة الطيبة المطيعة الغير مكلفة له أبدا في أي طلبات أو اهتمام أو مطاردته بالأسئلة بل كنت في حالي أجعل كل الأمور تمر بسلاسة حتى وان اضطر لاختلاق المشاكل أحاول تهدئة الأمور للحفاظ على البيت ، لكنه لم يتحمل كثيرا حتى عاود وأخبرني بإقدامه على الزواج فعلا وهو مضطر ليتم الطلاق بيننا لصعوبة الأحوال المادية التي تحول بينه وبين الإنفاق على بيتين ، كعادتي لم أرد وتركت الأمر تماما لأمي وتم الطلاق بالفعل .
كانت صدمة شديدة أقعدتني الفراش لفترة ليست قصيرة فلم أود أبدا أن اتعامل مع أحد كان قلبي متعبا وروحي مجهدة فقد قدمت إليه الكثير ولم يقدم لي سوى الغدر والخذلان ، كانت المرة الأولي التي ترأف فيها أمي لحالي وبدأت تتقرب اليّ لتخرجني من تلك الحالة ولاسيما أنها مرت بتجربة مشابهة من قبل ، بدأت تعاونني في كل شيء ماذا نطبخ أين نخرج ماذا نحتاج قد تبدو الأمور بسيطة لكنها جعلتني أشعر بالاهتمام بشأني .
بعد شهور تقدم لي عريس تزوج من قبل لكن لم ينجب هو الآخر وكان الأمر يحتاج لرحلة علاج لكن زوجته لم تتقبل وطلبت الطلاق ، حين أخبرتني أمي بشأنه أتبعت كلامها قائلة :
-مارأيك بالأمر ؟
أجبتها :
- لا أعلم أمي ... مارأيك أنتِ ؟
قاطعتني بحدة :
-لا هذه حياتك وأنتِ صاحبة القرار ...اسمعي سنقوم بتحديد موعد للجلوس معه وتحكمين بنفسك عليه حتى وان تطلب الأمر جلسة واثنتين وثلاث المهم أن تقتنعي حد الموافقة او حتى الرفض .
بالفعل جلست معه وكان حديثه لبقًا كهيئته نظيفة وكان هذا مافتقدته في زوجي السابق فلم يكن يهتم كثيرا لمظهره او حتى نظافته ، المهم أني وافقت على هذا الرجل لأبدأ حياة جديدة تماما رجل يشاركني في كل شيء يأخذ رأيي في كل أمور حياتنا حتى البسيط جدا يصر كل الإصرار أن اختار لنفسي ولو شيء بسيط يأتي لي به ، أيقنت أن بداخلي شخصية أخرى لدي رأي وكيان وشعور بالذات حتى لاحظت أني بدأت اتغير أهتم أكثر لمظهري أزداد إشراقًا يوما عن يوم باهتمامه ، قضاؤه معي أغلب الوقت جعلني أتفنن في كل شيء الترتيب والطبخ ، أشعرني بأنوثتي حقا واهتم لاحتياجاتي قبل احتياجاته ، فكنت له خليطا بين الأنثى المطيعة العاقلة التي لا تحمله الكثير وبين الأنثى ذات الرأي الحكيم المتأدبة في الحديث التي تود دائما إرضاءه لما قدمه لها من حياة .
ذات يوم سألني :
-لم أسألك من قبل بشأن طلاقك فهلا سمحت لي بذلك !
أخبرته أني كنت ضحية وسردت له الأمر كله ، لكن رده كان غريبا فقد قال بأني لست ضحية أنا من تسببت بذلك وهو لم يكلف نفسه تغييري للأفضل فلم يجد مني اهتمام بكونه يغيب خارج المنزل او حتى يبيت خارجه لا أسأله عن حياته ولا عن شيء أصلا كان الصمت والبعد قائما دائما وفكرة أنه عاش معي لفترة فمعناه أنه صبر وقدم لي فرصة أن يرى مني مايبقيه لكن لم أفعل أنا كنت دائما أتقمص دور الضحية ، أخبرني أيضا أن التأثير السلبي الذي تسببت أمي به تعيش به الكثيرات لكن ما أن يتزوجن يرتدين شخصيتهم الداخلية التي أرغموا على إخفائها لطوال عمرهم لكني استسهلت ولم أكلف نفسي البحث حتى في داخلي .
حين فكرت في الأمر وجدته محقا جدا ، الاهتمام يجب أن يكون متبادل الرأي يكون مشترك الاحتياجات أيضا يجب أن نقدمها لبعضنا تجديد العلاقة باستمرار ، فلا التفاني في الانصياع وتقديم كل شيء دون مقابل نافع ولا التمرد وطلب الكثير نافع ، كانت دائما خير الأمور أوسطها .
الآن فقط أعيش سعادة لم أعشها من قبل وخاصة أن الله رزقني بشخص يعوضني عما أريده فقد أخرج من مكنوني شخص ضائع لم أكن لأجده ، فالرجل أيضا غير معصوم من الخطأ له دور في إخراج أفضل مايمكن من أنثاه بالاهتمام والحب والكلم الطيب ، وقد بدأنا رحلة العلاج سويًا وتحملنا في سبيلها الكثير وصبرنا أكثر وكان وقودنا الحب ، فرزقنا الله بعد ثلاثة أعوام بفتاة زرعت فيها الحب والدعم وبنيت بداخلها شخصية هادئة حكيمة تُوازن الأمور كي تُقبل على الحياة وتجد من تقدره ويُقدرها . #ريم_السيد
نحن من نجعل من أنفسنا ضحايا بتساهلنا في اعتياد الحياة كما هي دون محاولة البحث عن الأفضل والاهتمام بأرواحنا .بقلم /ريم السيد
من حكايات #بالود_نهنأ
Reem Elsayed