"لماذا ينبض قلبك بسُرعة؟" سألتني مُنتهى وهي تنُظر عالياً، إليّ. "لأنَّكِ قريبةً منهُ." أجبتُها، وعلِمتُ مُسبقاً سُؤالَها التَّالي. "لأنَّ أي قلبٍ سينبُضُ بسُرعةٍ وبقوة إن كان قريباً من شخصٍ يُحبُّه كثيراً." أجبتُها قبل أن تسأل.
"هذا يعني أنَّكَ تُحبني كثيراً يا برَّاء؟" إلى يومي هذا، وبعد تِسعةَ عشر شِتاءً عشتُهم في هذه الدُّنيا، كان هذا أسهَل سُؤالٍ أُواجهُه، ورُبَّما الوحيدُ الذي لم أتردَّد وأُفكِّر قبل أن أُجيب عليه، لأن لِساني نطَقَ تلقائياً، وقلبي يحسُدُه، يتمنَّى أن يُخبرها هُو بنفسه كم يُحبَّها. "أنتِ أكثرُ من أُحبُّ في هذا العالم كُلِّه." أجبتُها. بِبراءةِ الأطفال عادَت تُشاهِد التِّلفاز دُونَ إبداءِ أي ردَّة فعلٍ على إجابتي، وقد تأمَّلتُ أن تكُون هُناك واحِدة.
كُنَّا نُشاهِدُ فيلماً، ككُلِّ ليلةٍ تقريباً، تقريباً. . فيلماً أمريكياً عن طِفلٍ وُلِد بتشوُّهاتٍ خُلقية ورِحلتِه ومُعاناتِه في المَدرسة والأماكنِ العامة. لا أعتقِدُ أن مُعانَاته تخفى عليكُم، أنتُم أيضاً تعيشُون في هذا المُجتمع وتعرفُون أن التشوه الخُلقي جريمة، بينما تشوُّه الأخلاقِ مُواكبةٌ للعصر، هذا ما يُسمُّونه بالكوميديا السَّوداء.
هذه الأفلام المحكُوم عليَّ مُشاهدتها الآن بحُكم عُمر مُنتهى، أُختي الصَّغيرة الجميلة. مُنتهى لا تزالُ في شتاءِها السَّابِع، ولهذا لا أستطيعُ مُشاهدة أشياءٍ أُخرى تُناسِبُ سِنِّي، ولا أستطِيعُ مُشاهدة أي شيءٍ وحدي لأنني المسؤُول عن تربيتِها منذُ مات والداي، فهي لا تُفارقني ولا أُفارقُها إلا عِندَما تكُونُ في المدرسة. . .كيف تُوفُّوا؟ تُوفُّوا في حادِثِ سيارة مأساويٍ قبل سنة من الآن، في الشِّتاء أيضاً.
تُوفي في ذلِك الحادِث خمسُ أفرادٍ. أبي وأُمِّي وأُختي الكبيرة ميساء. يا إلهي كم أشتاقُ لميساء، كانت تكبرُني بسِتِّ سنواتٍ، وكنتُ أتذمَّرُ من استِغلالِها لكبرها. الآن اختفت ميساء تماماً من حياتي، واشتقتُ أنا لمن يستغلني. . وتُوفي رجُلٌ وابنه في السَّيارة الأخرى. نعم، لم ينجُ أحد، للأسف. . .
منذُ ذلِك اليوم لم يتبقَ سِواي ومُنتهى، ولحُسنِ حظي فأنا الكبير وهي الطِّفلةُ. وقَعت على عاتقي المسؤُولية، وأُجبِرتُ على أن أعيشَ شبابي أباً لشقيقتي، وبقدرِ ما هي مُهمةٌ مُمتعةٌ، إلا أنَّها صعبةٌ جِداً، جداً، جِداً. . جداً. وبالعَودة إلى حظِّي فأنا لا أعني ما قُلتُه، إنَّه أسوء حظٍّ لإنسانٍ على هذا الكوكب.
أعمامي وعمَّاتي وأخوالي وخالاتي يزُورننا أحياناً، ولكنَّنا عامةً لوحدنا، أنا ومُنتهى فقط. شابٌ مُغفَّلُ وفتاةٌ تُشبُه الملِكاتِ. لا تحتاجُ عرشاً ليجعلها ملكةً، بل هي التي تجعلُ من الكُرسي عندما تجلِسُ عليه عرشاً. .
أنت تقرأ
جلالتك
Spiritualيتوفى أفراد العائلة في حادث مؤسف، ولا يبقى من العائلة الا أخ وأخت بينهما اثنا عشر ربيعاً . . . فكيف ستكون حياتهما ؟