يجلس الاطفال الخمسة المتراوحة اعمارهم بين 12 و ال 7 حول مدفأة صغيرة ،بين اضلاع الام الدافئة،كدجاجة تلمّ فراخها تحت جناحيها عند حلول المساء المعتم.تقوم الام بدورها بحكاية قصة لاطفالها دون ان تأبه بأعمارهم ، مسترجعة ذكريات الماضي،فيعود بها الزمن في الذاكرة للخلف ، لتبدأ قصتها فتقول وكل منهم يشنف مسمعه الى ما ينطقه لسان الام كما المعتاد...
—يحكى ان احدى فتيات المدينة الحمقاوات والتي تستولي عليهن العاطفة المستباحة.تنجرف في حالة حب هستيرية ،جنونية. لتخبر جميع من حولها عن حبيبها الوسيم ذو اللطافة المفرطة ،وذو الطلعة الصارمة بجمالها، وهذا ما يحببنه الفتيات غالباً في كل مكان وزمان ،وهي بالطبع لن تختلف عن بقية نضيراتها من الفتيات.كانت تزف الخبر للجميع بأنه سيأتي لطلب يدها في القريب العاجل. قبل ان يفعل ذلك طلب منها في العديد من المرات مواعدتها،وهي كانت توافقه على ذلك ،بل تتوق لاجل ذلك بشدة ، وبدورها كابنة عائلة منفتحة..ولكن لها حدودها بفتح الابواب المغلقة. باتت تواعده يوماً بعد يوم ،وتتغيب عن الجامعة كثيراً من الاحيان،حتى اصبحت تخرج من المنزل مرتين في اليوم بمواعدته..لكن الى حينها لم يحدث اي شئ بينهما قد يبعث على الريبة في نفوس الاخرين . خروجهما معاً كان مجرد احاديث عن الطفولة واخرى في المدارس من ما يصحبها من مغازلات و حبيّات غرامية . ففي احد ايام الشتاء طلب مواعدتها حزيناً،فارتاعت واخذ قلبها يدق بجنون لخشيتها ان يحدث له مكروه ،فأخذت سترتها المطرية والمظلّة ،وارتدت الحذاء المطري خاصتها ،وانتشلت الحقيبة ،فصارت تركض بفزع في عرض الشارع الخالي من البشر والناس ،وعينيها باتت مصب من الدموع ، تتخيل اشياء يستحيل لعقلها ان يستوعب ما تفكر ان حدث شئ من هذا القبيل،ومع ذلك فقد صبرت قلبها بتلك الكلمات(لا..لن يحدث انه ليس مريضاً،ولم تصدمه سيارة، ولا هو معترف بخيانته ..انه وفيّ حد الموت.) ...مرت نصف ساعة ومازالت تبكي بين احضانه تحت المطر ، وقد ابتلّ شعرها ، ودموعها و تّرته هو الاخر فقال وهو يربت على شعرها :
- سأعود في اقرب وقت ممكن ولن يطول ذلك ،صدقيني..فأنا ايضا لا استطيع اكثر من خمسة اشهر ، ولا تخافي سأعود بكامل صحتي مادمت على اتصال بي يا حبيبتي .
ابتعدت قليلا وقالت بصوت خافت يصحبه خرير المطر :
- انا لست حزينة لكون حقيقتك مرتزقة عند الامريكان فأنا لا افقه هذه الامور ،لكني اخشى ان تعود ومعك قرينتك هذا ما سيجعلني اذرف دماً بدل الدموع النسوية التافهة حسبكم .
قال معاتباً:
- انا اعلن زعلي ..
تفرّست به وقالت:
- لماذا ؟ هل فعلت او قلت شيئاً يزعجك؟
- اجل بالطبع اي حبيبة انت ،تقومين بالشك في وفائي لك واخلاصي لقلبك الرقيق؟
-ما كنت سأقول ذلك لو لم اعرف فتيات اميركا ستقع بحبهن لا محال.
-لا تقولي ذلك مرة اخرى والا حقاً لن اعود.
أرعبها ذلك و أبكاها من جديد فقالت:
- دعك مني انا الغبية لقد قمت بوضع فوضى لا لازمة لها ، انا اسفة يا عزيزي.
قهقه ضاحكاً كأب يداعب طفلته وقال يطمئنها:
- انا امزح يا عروستي المستقبلية.
قبلها على جبينها واردف:
- والان عليّ المغادرة.
قال ذلك ومدّ يده الراحتين ،فاستغربت لتصرّفه على هذا النحو فقالت :
- ماذا هناك يا عزيزي هل تريد ذكرة صغيرة قبل ان تغادر؟
قطب حاجبيه وقال:
-الم تأتي بالمال؟
- اي مال ؟
ضحك ساخراً وقال:
- هذا يفسر انك لم تقرئي رسالتي.
اخرجت هاتفها وتفحصت ثم قالت:
- لا توجد اي رسالة!
اشتد غضبه،لكن سرعان ما استعاد رابطة جأشه وقال:
- اذا سلميني ما تحمليه.
- آه حسناً يا وسيمي خذ هذا الان كل ما احمله في حقيبتي.
اخذ مبلغاً ليس بقليل وغادرها دون ان يلتفت خلفه ، بينما هي بقيت تشاهد ظلّه الى ان اظمحلّ شبحه واختفى...
بعد ثلاثة ايام يتصل،فتجيب بلهفة الوله،ضاحكة بكل ما أوتيت من فاه،قالت:
- لو لا اتصالك لما عاد قلبي من حجرة الانعاش،ولو لا انفاسك تصل عبر هاتفي لما استيقظت روحي من غيبوبتها الى هفواتها بك،ففيني النقص وبك الكمال ، ازهرت بربيعك يا منبع الجمال،ويا ضريحاً قلبي عبر هذا الاتصال،اشتقت اليك ياعزيزي.
- دعك من كل هذا وانقذيني بمبلغ يصعب عليّ تدبيره.
ذبلت من جديد وقالت:
- لقد رعبتني،ما الخطب؟
- في اتصال آخر اكلمك،لكن الان سارعي بتحويل المبلغ.
- حسنا،ابعث لي برسالة عن المبلغ .
- حسنا.
اغلقا الهاتف ، وغادرت فور سماع طرق الباب. ادخلت اخاها الكبير الذي يعمل كشرطي ، وقالت:
-اسرع يا اخي ودبر لي هذا المبلغ!
ناضر اخيها المبلغ وقال:
- يا صغيرتي هذا المبلغ زهيد مالذي تريدين شراءه؟
- انه ليس لي.
- اذا لمن؟
- انه لقريني المستقبلي.
- ماذا!! واي رجل يطلب من حبيبته هذا المبلغ؟ انه استغلال..انفصلي في الحال والا تصرفت بنفسي.
- حسنا..حسنا لا تغضب ساتصرف انا.
بعثت رسالة الى ما يسمى"فلذة"قلبها تقول:
(ارجوك يا عزيزي لا تنزعج..لكني حاولت قدر المستطاع ان ادبر هذا المبلغ ..لكنه زهيد للغاية ويصعب علي ذلك ..ما الحيلة؟)
في اليوم التالي،عبّر عن غضبه وبعث عدة رسائل ابتزازية احداها تقول ( حبك..مجرد كذبة لاعيش غنياً كما انت،وبالفعل لم اخيب ضنونك ، فأنا وفياً ومخلصاً لدرجة ان اثني امامها انها زوجتي والدة اطفالي الثلاثة،دعك من كل ذلك وركزي هنا،ان لم تذكري بأن لي صوراً فاضحة لك ، فبإمكاني ان اريك ذلك عبر اشهر تطبيق"واتس اب")
قال ذلك واطلق ضحكة ساخرة ثم اردف برسالة اخرى:
(سارعي بإحضار المبلغ تحت المكان الذي كنا نرتاده عادةً والا فضحت شرفك ايتها اللعينة)
القى اخاها نضرة مرعبة عليها ويفترسها بعينيه،ودون ان ينبس بحرف استلّ سلاحه وغادر متوعداً في قرارته.
فصاح: انه يعدّ لك محرقة حطبها غبائك.
صرخت هي الاخرى وتوسلت اليه ،لكنه اجتازها كما يجتاز حصى في شارع ..ذهب الى المكان المعني وقد سبق ذكره في الرسائل ،قابله وسأله ليتأكد منه قائلا:
- هل انت من ينتظر سارة؟
هزّ رأسه ايجاباً ومد يده ينتظر استلام المبلغ ،فقام الاخر كطائش صغير بإطلاق رصاصة صوب رأسه دون تردد اطاحته بمكانه وتم الخلاص منه كقمامة كم يعتقد الاخ الكبير،لكن هذه القمامة مختلفة نوعاً ما فلها اضرار فادحة ،والتخلص منها يعقبه عواقب وخيمة.
امسكت الشرطة بالرجل النزيه ذو الروح المجيدة،وحكم عليه بالاعدام الفوري ،اما سارة المسكينة ،غادرت المنزل ولم يعثر عليها احد الا بعد اربعة ايام ،منتحرة من على جسر.. كانت ملقاة على الساحل قد جرفتها الموجات ،منتفخة بوجهها المزرق...وبعد فترة وجيزة ،تبين ان لديها طفلة ،عمرها سنة تعيش في كنف زوجها المستقبلي..سابقاً.
اما الان فهي مجرد طفلة غير شرعية..يتيمة.
أنت تقرأ
آمنت بغبائي
Kurzgeschichtenدهاء الغباء يضع فتاة امام مقصلة الوله ،بشاب يعيش حباً عابر،ضناً منه انه سيكتب قدرها ويتركها جريحة الماضي، لكن تختلف المسألة، وتدار الخطة بلحضات ، فيكتب القلم قدره دون ممحاة ..