استيقظ (محسن) مفزوعا على أصوات غريبة تأتي من الشقة في الطابق الثاني، اعتدل في فراشه، ونظر في ساعة هاتفه كانت الساعة قد تجاوزت الثانية بعد منتصف الليل، وضوء القمر يتسلل إلى الغرفة يضيئها قليلا.. جلس يستمع إلى الأصوات..
كانت أصوات ضحكات مع صرخات، ووقع أقدام وهرولة، كانت أصوات صاخبة لا تتناسب مع ذلك الوقت.
هدأت الأصوات أخيرًا فزفر (محسن) وتمدد على فراشه ثانية، وما أن أغلق عينيه، حتى عادت الأصوات وأعلى من السابق وأكثر ضجيجا..
اعتدل على فراشه غاضبا، لم تهدأ الأصوات وظلت تزداد والضجيج لا يُحتمل.. فقرر أن يصعد لجيرانه.
طرق على الباب بعصبية شديدة.. ففتح له الباب رجل في الخمسينات من عمره، عيناه سوداء وشعره أسود خطه الشيب، كان شعره مشعثا يبدو أنه استيقظ للتو، ظل يتأمل (محسن)- شابا على مشارف الثلاثينات، له وجه حليق وشعر أسود مجعد قليلا وبشرة خمرية، وعيون ضيقة بنية- نظر إليه في غضب وهو يفرك عينيه:
-ماذا تريد أيها الشاب؟ وهل هذا وقت زيارة؟
أجابه (محسن) في عصبية:
-وهل هذا وقت للعب الأطفال؟
=أنا وأسرتي نائمون من أربع ساعات أيها المزعج.. من أنت بالمناسبة؟
تردد (محسن) قليلا وقد هدأت ثورته وحل محلها الدهشة:
-أنا الساكن الجديد، وصلت البارحة، واستيقظت على صوت ضجيج يأتي من منزلكم.
نظر إليه الرجل بضيق وقال:
-لم نكن نحن، قد يكون الجيران في الشقة المقابلة.
نظر (محسن) إلى الشقة المقابلة، ولكن مستحيل أن تأتي منها الأصوات أنها تبتعد عن شقته.
فنظر إلى الرجل وقال معتذرا:
-آسف لقد أزعجتك.
ومد يده إليه:
-أنا (محسن) جاركم الجديد.
نظر إليه الرجل وزفر بضيق، ومد يده هو الآخر:
-(أشرف) موجه لغة عربية.
ثم أشار للشقة المقابلة وقال:
-لا أعتقد الضوضاء تكون من تلك الشقة أيضا، لا يعيش فيها سوى عم (يس) وهو رجل وحيد وقد تخطى السبعين من سنوات.☆☆☆
نزل (محسن) إلى منزله ودخل فراشه، ونظر للسقف، ولكن لم تكن هناك أصوات أخيرًا.
في اليوم التالي قرر أن يصعد لجاره (أشرف) بعد رجوعه من عمله، ويعتذر عما بدر منه بالأمس.
طرق الباب وفتحت له هذه المرة فتاة جميلة في أوائل العشرينات من عمرها، تلعثم وهو يقول:
-مساء الخير، أنا (محسن) جاركم الجديد، هل الأستاذ (أشرف) موجود؟
قالت بابتسامة هادئة:
-تفضل، وسأخبره أنك هنا.
أدخلته للصالون، ظل يتأمله (محسن) كانت هناك أريكة مقابلة للباب، وثلاث مقاعد باللون النبيتي والجدران باللون الكافيه الفاتح ويتوسط الجدار خلف الأريكة صورة كبيرة للأسرة يقف فيها (أشرف) وزوجته والفتاة وصبي آخر.. كان المنزل يشبه منزله إلى حد كبير، مع الاختلاف في الأثاث.
دخل (أشرف) وصافح (محسن)، وقال الأخير في ود:
-أدرك أن تعارفنا بالأمس كان سيئا، فقررت أن أتعرف عليك اليوم بصورة أفضل.
ابتسم (أشرف):
-لا عليك يا بني، أتحب الشاي؟
أومأ (محسن) برأسه إيجابا، فنادى الرجل على ابنته:
-يا (نهى) كوبان من الشاي.
ظلا الاثنان يتحدثان، وأخبره (محسن) أنه سيكمل الثلاثين من عمره بعد شهرين، وأنه أخصائي تحاليل في معمل للتحاليل فترة صباحية..
دخلت (نهى) حاملة صينينة الشاي، ودخل شقيقها الذي يشبهها إلى حد كبير، نفس لون الشعر البني المجعد، والعيون البنية، والملامح الهادئة.
صافحه الصبي بسعادة، وهو يقول:
-أنا (سيف) في الصف الثاني الثانوي.
ابتسم (محسن):
-أتمنى لك كل التوفيق أيها الشاب الصغير.. بأي كلية تود الالتحاق؟
لمعت عينا (سيف) وهو يقول بسعادة:
-أعشق الهندسة.
دخلت الأم (علياء) في منتصف الأربعينات من عمرها، لها نفس عيون أبناءها، وملامح مريحة، وترتدي حجاب على رأسها ورحبت ب(محسن)، كانت أسرة لطيفة جدا، وعرف من حديثهم أن (نهى) قد تخرجت من كلية التربية وتعمل مدرسة لغة إنجليزية في مدرسة خاصة.
استأذن (محسن) وانصرف مودعا الجميع، وهو ينزل درجات السلم سمع باب شقة عم (يس) يُفتح، فصعد الدرجات ثانية، كان ينوي التعرف إليه، ولكن ما إن رآه الرجل المسن حتى تفوه بكلمات حانقة لم يسمعها جيدا، وعدل نظارته السميكة وأغلق الباب بعنف.
تعجب (محسن) من تصرفه الفظ، ونزل إلى منزله، وفي تمام الساعة الحادية عشر دخل إلى فراشه لينام، ثم انتفض فزعا على صوت ضجيج عالي جدا نفس أصوات الليلة السابقة وأشد..
اعتدل على فراشه وظل يحدق في سقف حجرته، كان الصوت مزعجا بشكل كبير، فصعد إلى الدور الأعلى ووقف يسترق السمع عند أبواب منزلي (أشرف) و(يس) ولكنه لم يسمع شيئا يأتي من منزلهما، كان صمت غريب جدا..
![](https://img.wattpad.com/cover/317531017-288-k818532.jpg)