استيقظت ربى عند الخامسة صباحًا، في هدوء مخيف يوازي وزن الألم الذي تكتمه في صدرها.
لم تفتح عينيها على صوت المنبه، بل على وقع خطواتها الخفيفة التي تقودها بعيدًا عن سريرها البارد.تسللت إلى المطبخ بخطوات صامتة، وكأنها تخشى أن تُوقظ جدران البيت من سباتها، أو تُغضب زوجة أبيها، نوال، التي تتعامل معها كخادمة لا أكثر.
بدأت ربى تحضر الفطور، تتنقل بين الموقد والحنكة، تُعد الخبز، تُسكب الشاي، وتقطع بعض الخضروات بعناية وكأن كل حركة منها هي امتحان يُحتّم عليها النجاح فيه.
كل شيء يجب أن يكون جاهزًا ومثاليًا، حتى قبل أن تستيقظ نوال.
مر الوقت بسرعة، وربى تتابع ترتيب المائدة، تُزيّن المكان وكأنها ترسم لوحة تروي قصة حزنها المكتوم.
في الغرفة المجاورة، استيقظت نوال ببطء، مدركة أن الفطور مُعد ومُرتب بشكل يفوق توقعاتها.
خرجت نوال من غرفتها، وقفت في مدخل المطبخ، تنظر إلى كل شيء بعين ناقدة، ثم ابتسمت ابتسامة باردة:
"حسنًا... ربما لم تغلطي اليوم."
لم تقل ربى كلمة، بل أمسكت حقيبتها، وخرجت من البيت وهي تشعر بعبء يوم جديد من الصراع ينتظرها في المدرسة، وفي البيت حين تعود.
---
المشهد الثاني: في المدرسة... همس الصداقات
جلستا ربى ونهى على مقعد في زاوية الصف، بعيدًا عن أنظار المعلمين وزملاء الدراسة، حيث يمكنهما التحدث بحرية.
نهى نظرت إلى ربى بعينين مملوءتين بالقلق، وقالت بهدوء:
"ربى، ليش ما تحكي لي عن بيتك؟ أنا أشوفك دايمًا تعبانة، وعيونك تحمل سر كبير."ربى تنهدت، وأخذت نفسًا عميقًا قبل أن تهمس:
"أبوك؟ ما تدري عنه شيء. دايمًا مسافر، بين رحلة ووظيفة، ما في وقت لحياتي. وبيتنا... صار كأنه سجن."نهى أمسكت يدها بحنان:
"وكيف بتتحملي كل هذا؟"ربى ابتسمت بمرارة:
"زوجة أبيه، نوال، ما تحبني. تعاملي كأنني دخيلة، وعنيفة معي، وما عندي من يدافع عني."نهى بحزم:
"أنا معك، دايمًا معك. ما تخليني لحالك."ربى نظرت إلى السماء عبر نافذة الصف وقالت بصوت خافت:
"يمكن يومًا، ألقى حريتي. يمكن يومًا، أكون قوية."بعد أن هدأت ربى قليلاً، سمعت صوت خطوات ناعمة تقترب من مكان جلوسها هي ونهى.
ابتسمت المعلمة سمر بابتسامة دافئة، وعينها تحملت اهتمامًا خاصًا:
"ربى، هل أنت بخير؟ لاحظت أنك تبدين مُتعبة هذه الأيام."ربى رفعت رأسها بسرعة، مترددة في البداية، لكن صوت المعلمة كان مريحًا، فردّت بنعومة:
"نعم... فقط بعض التعب."
