في ذلك المساء، جلس الجميع في فناء البيت، تتناثر أحاديثهم وتبادلهم للضحكات الخفيفة، بينما اختارت ربى الجلوس جانبًا مع ريام تحت ظل شجرة الرمان الكبيرة، حيث الهواء منعش والهدوء يلف المكان.
جلست ريام بجانبها تهمس لها:
"أخبريني، ربى... أريد أن أعرف كل شيء عنك، لا تحملي كل هذا وحدك."ترددت ربى قليلًا، ثم تنهدت وقالت بصوت خافت، فيه نبرة ألم مكبوت:
"كنت أستيقظ في الخامسة صباحًا... أعد الفطور، أكنس، أطبخ... ثم أذهب إلى المدرسة منهكة. وإذا تأخرت… كانت تضربني بعصا المكنسة."تسمرت ريام مكانها، ثم همست:
"يا الله...!"وتابعت ربى بصوت متهدج:
"لم تكن تضربني فقط… كانت تتركني أنام على السطح، في البرد، بدون غطاء. كنت أرتجف حتى أنام، أحيانًا أبكي حتى الفجر."صمتت للحظة ثم أكملت:
"أجبرتني على بيع الماء في الشارع، ثم الكيك. كنت أبيع وأعطيها المال… ولم تكن تكتفي. كنت أعود متعبة، فأجد أعمال البيت بانتظاري. كنت أنام فقط ثلاث ساعات في اليوم، وإن شكوت... كانت تضربني أكثر."في تلك اللحظة، على بعد أمتار خلف الشجرة، كان أشهم واقفًا يسمع كل كلمة.
لم يكن يقصد التنصت، لكنه جاء يطلب شيئًا من أمه، وتوقف عندما سمع اسم "زوجة الأب". كلماته اختنقت في حلقه، ودمه بدأ يغلي مع كل تفصيلة ترويها ربى.
قبض على قبضته بشدة، ووجهه تغير... الغضب تملكه، وصدره يعلو وينخفض وكأن قلبه يكاد ينفجر.
همس لنفسه بغضب مكتوم:
"كيف... كيف لإنسانة أن تفعل هذا بها؟ فتاة بعمر الورد تُعامل كأنها لا شيء؟!"في تلك اللحظة، رفعت ربى عينيها وقالت لريام:
"تعلمين، رغم كل ذلك… كنت أصبر. لم أكن أبكي أمامها. كنت أقول لنفسي: سينتهي كل هذا يومًا…"هنا، لم يتمالك أشهم نفسه، استدار وهو يعض على شفتيه بقهر، وانصرف بسرعة إلى غرفته، يداه ترتجفان من شدة الغضب.
وفي قلبه… ولدت رغبة عارمة في حمايتها.
بدأ الليل ينسدل بهدوئه على أرجاء البيت الكبير. سكنت الأصوات، وخفتت الأحاديث تدريجيًا حتى لم يبقَ سوى أنفاس الأشجار وهمس النسيم البارد. بعد أن توجه الجميع إلى غرفهم، خرجت ربى بخطى هادئة إلى الحديقة، جلست على المقعد الخشبي تحت شجرة التوت، تحدق في السماء، وكأنها تحاول أن تفهم شيئًا من صمت النجوم.
كانت ترتدي عباءتها الداكنة وشالاً خفيفًا يغطي شعرها الأشقر الذهبي. ملامحها ناعمة، ولكن في عينيها حزن عمره سنوات.
وبينما هي تسرح في أفكارها، فُتح باب الحديقة بهدوء، ودخل أشهم بخطى ثابتة. توقف لحظة حين رآها، ثم اقترب بهدوء دون أن يصدر صوتًا.
