البداية والنهاية

395 73 45
                                    

أنا أُدعى "سَليم مُحمد الخولي"، شاب صاحب سبعةٍ وعشرون عامًا، توفى والدي قبل أن أراه بينما كنت جنينًا بداخل رحم أمي، أمي رفيقة قلبي وحبيبة أيامي .. اشتقتُ لكِ كثيرًا عزيزتي.

توفت والدتي عندما كنت بالسابعة عشر بمرض وبائي قاتل، كنت حينها على أعتاب بدايتي في الصف الثالث الثانوي، تولت أمر تربيتي هي خالتي الحبيبة وزوج خالتي، لن أنسى فضلهما علي بعد ربي، لم يتأفف مني زوج خالتي بتاتًا، بل كان يحضر لي المراجعات والملازم التي سأحتاجها بالطبع، وكذلك خالتي التي بحثت عن عمل لتحضر لي أساتذة ببعض المواد.

كان حلمي منذ كنت صغيرًا هو أن ألتحق بكلية الهندسة كعادة الأولاد، ولكن بعد وفاة أمي أمام عيناي فأنا التحقت بشعبة علمي علوم، رجفة يدي ورؤية وجه والدتي الشاحب حينها جعلت رغبتي للالتحاق بكلية الطب تزداد يومًا بعد يوم..

ورغم درجاتي السيئة بمادة الأحياء، فأنا اتخذت عهدًا قويًا على نفسي، تلك المادة اللعينة سأدرسها بكل جدٍ حتى أحصل على الدرجة النهائية بها مهما كلفني الأمر.

مضت أول أيام الثانوية بسلاسة حتى بدأت أشعر بالتعب والإرهاق بالفعل، ظهري يؤلمني وكذلك عيناي، أتذكر وجه أمي فأمسك بالقلم وأضغط على نفسي وأعصابي، أتعب فأمدد ظهري قليلًا للوراء لتأتي سريعًا صورة أمي أمامي وهي تحثني على المتابعة فأنهض وأعاود الدراسة.

يتبقى ثلاثة أشهر على بداية الامتحانات، مرض زوج خالتي واضطرت خالتي بالبقاء معه حتى ترعاه، وترتب على ذلك عدم جلبهم المذكرات أو حتى المعلمين لي!

تأزم الوضع الآن، ولكنني اتخذت عهدًا قويًا على نفسي بأنني سأبذل قصاري جهدي وسأدرس بمفردي، خاصةً مادة الأحياء التي بمثابة عقدة لي..

بدأت استخلص المعلومات الهامة من الجرائد تارة ومن الكتاب وملازم أصدقائي تارة أخرى، حتى جمعت دفترًا كبيرًا مملوء بالنقط الهامة وجميعها بخط يدي! أنا من صنعتها بمفردي دون حاجة لمعلم!

مرت الامتحانات وها أنا بانتظار النتيجة، فقدت نصف وزني، وجهي شاحب، كذلك نفسيتي التي في القاع بالتأكيد، حتى أتى زوج خالتي من الخارج يخبرني بأنني اجتازت بالفعل! يا رباه! لقد حصلت على ثمانية وتسعون بالمائة!

سجدت لله شكرًا وبكيت بشدة، كنت بأمس الحاجة لعناق أمي في تلك اللحظة، كم أردت أن تكون فخورة بي الآن وتقبل وجنتي بسعادة وتبكي معي من السعادة.

الآن تحقق نصف الحلم، يتبقى النصف الأهم الذي سيعتمد على مهارتي في الجامعة، لن أبرح حتى أجد دواءً لذلك المرض الخبيث الذي تسبب في رحيل فقيدة قلبي.

في أول ليلة لي بالجامعة، وقفت أمام البوابة، أنظر للافتة التي دُون عليها بخطٍ عريض (كلية الطب) ثم ألقي نظرة على المعطف الأبيض على ذراعي وابتسم بانتصار، ها أنا هنا، حتى وإن وصلت محطمًا، فلذة الوصول حتمًا سترممني..

لأنها تستحقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن