مقدمة

542 29 52
                                    


ظهر رجلان فجأة من العدم وسط الطريق الخالي الذي ينيره ضوء القمر، سارا بخطوات متناغمة جنباً إلى جنب وهما شاهران عصيهما لمواجة أي شيء.. الپاو دراكو مثلاً!

كان الطريق الذي إنعطفا ناحيته مليئاً بشجيرات العليق البري القصيرة من اليمين، ومن الجهة اليسرى إرتفعت أشجار البلوط بشموخ غير مرتبة ولا مقلمة، وكأن الذي كان يهتم بالحديقة لم يكمل ما بدأ به.

إبتزم الرجلان صمتاً غير مريحٍ أبداً منذ خروجهما المريب من مبنى المجلس الأعلى، يتلفتان حولهما بذعر ويتخيلان أن وراء شجرة يقف الپاو دراكو يصوب نحوهما عصاته السحرية

بدى يتضح أمامهما قصر ريفي جميل وسط ظلمة الفناء الخارجي في الليل، كان الضوء يشع من نوافذ الدور الارضي، فأسرعا بالمشي وكأن البيت سيختفي قريباً

فتضارب صوت نافورة مياه في مكان ما في الحديقة المظلمة خلف سياج العليق القصير وصوت طقطقة الحصى تحت اقدامهما، فبدأ الپاو يهوذا والسيد لوسيوس المرشح لمنصب رئيس مجلس الزراء بالهرولة خفيفة نحو القصر

فقال لوسيوس أخيراً وقد بدى في نبرته قليلٌ من التعب "أمتأكدٌ أن لا أحد سيلاحظ غيابنا؟" وكانت تقاسيم وجهه المرهق الشاحب تظهر وتختفي تحت فروع الأغصان كلما حجبت ضوء القمر

رد يهوذا وهو ينظر نحوه وقد بدى أقل تعباً وإرهاقاً من صاحبه "ليس الأن" فقطب لسيوس حاجباه بإنزعاج، فليس هذا الجواب الذي تمنى سماعه

ثم دلفا عبر الباب الأمامي الذي فُتح لهما دون وجود أحد خلفه وأُطبق ورائهما بهدوءٍ شديد

كان المدخل واسعاً مؤثثاً ببذخ: سجادة حمراء ثخينة تخفي معظم الارضية الحجرية، لوحات بمختلف الأحجام والأشكال زينت الجدران المغلفة بورق أحمر خامد، عكس دفء المشاعل النارية المعلقة عليه بألوان أدخلت الراحة والسلام لنفسيهما فوراً، وأمامهما وضع درجٌ يؤدي الى إتجاهين معاكسين، ووسط المدخل تدلت من السقف أرجوحة طويلة أراحة معرفة كلاهما أن الحيوان الذي إعتاد مهاجمتهما كلما دخلا غير موجودٍ لينقر رؤوسهم حالياً

تحركا بسرعةٍ ناحية الدرج الأيمن ما أن إعتادت عيناهما الضوء وأخذا يمشيان في ممرٍ طويلٍ أدى بهما لباب قاعةٍ مغلق، طرق يهوذا الباب مرتين، وفتح الباب ودخل ولوسيوس من بعده

نهضت مرأةٌ ذات وجه شاحب عن الأريكة فور دخولهما، تاركةً رأس طفلة صغيرةٍ يستريح بهدوء على الأريكة بعدما كان موضوعاً على ساقيها، وتقدم وسط الغرفة رجلٌ بدينٌ وقد بدا على وجهه توترٍ لا يقل عن توتر المرأة الواقفة بجانبه، تقدم يهوذا نايحتهما، بينما إرتمى ليسيوس فوق الأريكة قرب الصغيرة النائمة وغط في النوم من كثر إعيائه

نظرة المرأة ناحيته وهمست "ماذا حصل معكما؟" فمال يهوذا للجنب قليلا وأخرج من سترته السوداء الأنيقة ورقة مطوية فضها ثم قال مجيباً بيرل "بدأو أخيراً يبحثون عنها، وهربنا منهم بسرعة، هل هي بخير؟" سأل بصدقٍ وهو ينظر لبيرل التي إستدارت ناظرةً للفتاة ذات الشعر الأسود الطويل التي نامت على الأريكة بهدوء قبل قليلٍ بينما كانت بيرل تمسد لها شعرها

مملكة إيدايال (مسحوبن عليهِ)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن