جميع الحقوق محفوظة للكاتبة: هارون أسماء
قال الشاعر:
"ما كل ما يتمناه المرء يدركه
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن"
لم أستطع استيعاب ما التقطته أذناي من حديث، كان غريبا جدا!، و ما انفك يغمز لي بعد أن ينهي أي جملة.
و كذا كان يبتسم ابتسامة عريضة، و لم ألتمس في حديثه سوء أو مزاحا، كان جادّا بطريقة أو بأخرى.لابد و أنه قد جنّ! فمن سيحبذ فكرة الإبحار مع مافيا، و التجوال في رحلة صغيرة، مرورا ببعض الأماكن، كان هذا ما قاله، و هو يضيف غمزة بعينه اليسرى، و لم يخفى عليّ ارتعاش حاجبه الأيمن و هو يتحدث، كان جادا بابتسامة لعوبة عجزت عن تفسيرها.
و لكن ما استطعت استنتاجه هو أن هذا الرجل خطير، خطير جدا!
لدرجة تجعل عقلي لا يقوى على التفكير، في لحظة واحدة ألجم لساني عن الحديث.كانت هذه مشاعري الجياشة، و لكن كل ما أظهرته هو البرود و عدم الاهتمام الذي أثاره في نهاية النقاش.
فصاح بعد أن كان يحاول جاهدا تصنع المرح و الجدية في آن واحد، و كان هذا أغرب من كلامه بحد ذاته، لدرجة أني قد شعرت برغبة كبيرة كادت تنال مني في أن أرى وجهي في المرآة، كيف كان التعبير الذي صنعته، لكي أستعمله في المستقبل و أحفظ تلك الملامح جيدا، و أقوي درعي الذي كنت و لا أزال أعمل عليه.
صاح و لم أرد عليه، لم أكن أفكر سوى بحديثه السابق عن الإبحار إلى "ترومانيا" Tromania, ذلك البلد الغريب الذي يضم مخلوقات غريبة، أو بالأحرى، تلك الجزيرة الغامضة التي لم يكتشفها أحد بعد، و لم يجرؤ أحد على الولوج إليها، لأنه و ببساطة، كل من دخل إليها، قد ولج و لم يعد أبدا، حتى الباحثون، لم يعودوا، لقد اختفوا!
الأمر أشبه بالمقامرة، غريب حد اللعنة!
و لكن .. علي أن أحزم قراري، فهل أذهب، أم أتخلى عن الفكرة و أسأله عن مصيري؟و قد آثرت الخيار الثاني على الأول، و قمت بلا تعب بعد أن كنت أفكر مغمضة العينين في الفراش، أتصنع النوم.
و ذهبت للبحث عنه، و لكني عدت أدراجي، فأنا لا أعرف هذا المكان أبدا، و قد تذكرت الجرس الذي أخبرني Maryo أن أستدعيه به.
و قد فعلت، و بعض دقيقة أو أقل كان يطرق الباب، لابد و أنه قد تعلم من آخر مرة تشاحنا فيها، أو .. أنا من فعلت.
سمحت له بالدخول فدلف ينظر إلي منتظرا مني الحديث، و الإفصاح عن سبب استدعائي له، و لكني و مرة أخرى أردت التلاعب بأعصاب الأشخاص، لذلك نظرت إليه زامة شفتي دلالة على الامتعاظ الشديد منه، و قد أفلحت خطتي في استفزاز أهدئ الأشخاص.