عادت ربى وأشهم من المكتبة مع حلول المساء، وقد ملأت الحقيبة بأحلام صغيرة بدأت تنمو في قلبها بهدوء. كان في البيت ضيفٌ غير معتاد. امرأة خمسينية أنيقة، عيناها حادتان وابتسامتها مشوبة بالتوتر، تجلس في المجلس إلى جانب الجدة "كمرة"، تتحدث بصوت منخفض.
ولما دخل أشهم وربى، قامت المرأة فوراً تنظر إلى ربى وكأنها تدرس ملامح وجهها بدقة.
قالت المرأة بجرأة هادئة:
— "هي… هذه الفتاة… ربى، أليس كذلك؟"
تقدمت قليلاً ونظرت إلى الجدة:
— "أنا جئتُ من بعيد لأطلبها… أريد أن أربيها عندي، في كنفٍ مختلف. أنا أعرف والدتها."
سادت لحظة صمت ثقيلة… رمقت الجدة "كمرة" المرأة بنظرة صارمة، ثم قالت بصوتٍ واضحٍ قوي:
— "ربى ليست لأحد… ربى من لحمنا ودمنا، وهي مُنذ أن وُلدت، كتبت لها أمها — برضاها — أن تكون لابن عمها، وقد وافق أبوها. وهي اليوم في بيتها، ولن يأخذها أحد."
تجمدت ربى في مكانها، عيناها اتسعتا، قلبها تسارع نبضه، واستدارت ببطء نحو الجد:
— "ماذا؟ ماذا تقصد؟"
قال الجد بهدوء يلفّه الثقل:
— "أنتِ مُنذ ولادتك، نُوي لك أن تكوني من نصيب أشهم… وصية، وعهد بيننا وبين والدك ووالدته. لكن لم يكن الوقت مناسبًا لإخبارك. كنا ننتظر حتى تستقرين، وتشفين من تعبك."
قالت ربى بصوت مرتجف:
— "لكن… لماذا لم يخبرني أحد؟ هل كنتُ أعيش بلا رأي؟ بلا حق؟"
همّت بالخروج، لكن أشهم أوقفها بلطف، ونظر إليها بعينين صادقتين:
— "ربى… لم نُرد أن نزيد حِملكِ. أنا نفسي لم أعرف إلا بعد عودتك، وحتى الآن، لم يُفرض عليكِ شيء. أنتِ حرّة."
التفتت إليه، وبعينين دامعتين تمتمت:
— "كلّ شيء في حياتي كان يُفرض عليّ… حتى الحبّ؟"
وغادرت المجلس بخطوات سريعة، والكلّ بقي صامتاً… إلا قلب أشهم، الذي بدأ الآن فقط يدرك أنه يحمل شيئًا أعمق من الوعد القديم… شيئًا لم يختره أيضًا، لكنه الآن… لا يستطيع إنكاره.
خرجت ربى من المجلس مسرعة، تشق طريقها عبر الممر الخلفي الذي يؤدي إلى الحديقة. الهواء كان بارداً، لكن صدرها كان يغلي. وقفت هناك، ودموعها تحاول أن تشق طريقها عبر الكبرياء.
بعد لحظات، سُمعت خطوات ثابتة خلفها. التفتت بسرعة… كان أشهم.
قال بهدوء، وصوته يحمل نبرة رجاء:
— "ربى… انتظري. أرجوكِ، لا تذهبي وأنتِ بهذا الغضب."
استدارت إليه بحدة، وكأنها سكين مسنونة:
