السابع عشر من ديسمبر
قطرات المطر تنقر على زجاج النافذة، اجلس في المقعد الخلفي اضم ذراعاي من حولي، ارتدي ملابس منزلية، وشعري الأشعث يغطي وجهي، قدماي حافية تماما، عيناي تفيضان بالدموع الحارقة، شهقاتي تعلو شيئَا فشيئَا، استقل سيارة شخص غريب بملابس منزلية وشعر أشعث وحالة يرثى لها.
هربت من منزلي مسرعة قبل ان تلحقني يد سوداء خشنة لم تعرف الحنان يوما واستقليت اول سيارة اشرت لها، لم يحادثني الشخص الغريب بتاتا، لم يسألني عن سبب بكائي ولا هروبي بملابس منزلية من شخص ضخم الجثة يحاول اللحاق بي ويعلو وجهه غضب اجم، طال السكوت وهدأت شهقاتي ومازال ذلك الغريب يجوب الشوارع ذهابًا وإيابًا.
نظرت له في المرآه اخيرا، هادئ الملامح وساكن تماما كأنه بمفرده في تلك السيارة
أطلت النظر في المرآه فالتقت اعيننا لثوان معدودة
نطقت اخيرا بعد تردد
-خلاص شكرا تقدر تنزلني هنا
لم اجد ردا منه لكنه هدأ من سرعة السيارة ثم اصطف جانبا وظل ساكنا منتظرا مني النزول، شخص غريب انه حتى لم يسال عن سبب هروبي بذلك المنظر
حاولت فتح الباب لكنه كان موصدا، حاولت عدة مرات اخرى قبل ان انظر له في المرآة بملامح شرسة
-افتح الباب لو سمحت
نظر لثانيتين فقط قبل ان يردف
-مش هتنزلي الا لما تقولي كل حاجة
كست ملامحي التوتر وحاولت فتح الباب لا اراديا
-مفيش حاجة تتقال انا كنت محتاجة حد يوصلني وملقتش غيرك، ومش معايا فلوس دلوقتي فمعلش سامحني، ودلوقتي لو سمحت افتح الباب
ابتسم بهدوء قبل ان يردف
-ايه اللي يخليني انزلك كدة وانا معرفش حاجة عنك، افرد كنتي هربانة من حاجة!
نظرت له بدهشة ولم استطع تمالك نفسي فانفجرت في البكاء بطريقة هستيرية فتوترت ملامحه بشده
-انا هربانة فعلا بس والله العظيم ماعملت حاجة انا هربانة من جوزي
تنهيدة قوية خرجت منه ثم حل الصمت لدقائق يشوبها صوت بكائي وشهقاتي.
-طب اسمعيني كويس، هحجزلك اوضة في فندق لحد بكرة الصبح نبقى نشوف بقى هنعمل ايه
توقفت عن البكاء ونظرت له بذهول
-نعمل ايه؟ حضرتك مش هتعمل حاجة انا اللي هعمل وشكرا كتر خيرك بس عرضك مرفوض
ابتسم بتسلية ثم اردف
-اولا انا مش بعرض انا بقولك، ثانيا الساعة اتنين بليل هتروحي فين
قلت بتوسل: ارجوك نزلني انا مش عايزة حاجة والله شكرا
-عندك مكان تنامي فيه!
حل الصمت، وبدأت اتدارك الأمر، هذا الغريب على حق تماما
اسندت ظهري للوراء واغمضت عيني، شعرت بالسيارة تتحرك الى ان وصلنا الى فندق فخم مطل على النيل
فتحت باب السيارة وترجلت منها، رفعت راسي انظر للمبنى الشاهق، شعرت به بجانبي فنظرت اليه فرأيته يحدق بي بهدوء بضع لحظات ثم تحرك ناحية المدخل فتابعت خطواته
..................
انهى اجراءات الحجز سريعا ثم سلم لي المفتاح وظل يحدق بي لثوان قبل ان يردف
-متحاوليش تهربي من الاوتيل علشان مش هتعرفي، بكرة الصبح اجيلك ننزل نتكلم ولو في مشكلة تتحل، وبكرر تاني متحاوليش تهربي عشان شكلك شاطرة في الهروب
انهى كلماته بغمزة من عينيه ثم رحل
وقفت مذهولة من ذلك الشخص الغريب الذي لم اعرف اسمه حتى، اهرب؟ ابتسمت بسخرية على تلك الكلمة، لن اجرؤ حتى على فعلها، من اين لي بمكان غير ذلك!
توجهت الى المصعد وسط نظرات المتعجبين من هيأتي ولكن لم أبالي حتى، وصلت الى الغرفة فتحتها بهدوء ودخلت واغلقت الباب خلفي، وضعت مفتاح الغرفة على المنضدة المجاورة للسرير، ثم اضطجعت على الفراش واضعة رأسي فوق الوسادة احدق بالسقف، مددت يدي الى جانب السرير وأطفأت زر القابس فأظلمت الغرفة تماما، حاولت البكاء لكن اعتقد ان دموعي قد جفت من كثرة بكائي، وماهي الا ثوان معدودة وقد سحبتني فجوة معتمة
...............
طرقات خفيفة متتالية على باب الغرفة ايقظتني من نومي، لم ينتابني الشعور بالراحة ولم انم بعمق منذ فترة طويلة، شعرت انني في امان بعيدا عن.... بيتي
قمت بتثاقل لأفتح باب الغرفة ولكن اوقفني شكلي بالمرآة
شعري المشعث وملابسي الغير منظمة وعلامات النوم بوجهي، ذهبت سريعا للمرحاض غسلت وجهي ورتبت شعري سريعا وملابسي كذلك ثم توجهت للباب وفتحته
وجدت رجلا يرتدي ملابس العمل اعتقد انه خدمة الغرف
-صباح الخير، آسف على الإزعاج بس استاذ إياد باعت لحضرتك دول وبيقولك هو مستنيكي تحت.
عقدت حاجبي وسحبت الكيس اللذي مده اليّ باستغراب شكرته وانصرف وأغلقت الباب من بعده.
أهذا اسمه إذًا ( إياد)
فتحت الكيس وجدت به بنطال من الجينز وكنزة شتوية قرمزية وحذاء شتوي أنيق. أعجبني ذوقه حقًا.
بدلت ملابسي سريعا وجدلت شعري بضفيرة أنيقة إنسابت على كتفي، ثم خرجت من الغرفة وانتظرت المصعد ثم نزلت الى الأسفل.
تلفت حولي علّني أجده، رأيته جالسًا في مطعم الفندق واضعًا ساق فوق الأخرى وهو يشرب قهوته بهدوء.
تقدمت إليه ثم سحبت كرسي وجلست عليه بخجل .
-صباح الخير، يارب تكوني نمتي كويس
-صباح النور
تعمدت تجاهل جملته الثانية لأنني لم اشعر بالراحة يوما كالراحة التي شعرت بها بالأمس
-عجبتك الهدوم اللي جبتها.
هززت رأسي بخجل وأخفضت رأسي للأسفل
-طيب تحبي تفطري ايه
-أي حاجة
أشار للعامل وطلب منه كوب من الشاي وطبق من الفطور الإنجليزي
-أفطري الأول وبعد كدة نتكلم في كل حاجة عايز أعرف منك كل التفاصيل عشان أقدر أساعدك
نظرت له طويلا ثم باغته بسؤالي
-انت بتساعدني ليه؟
نظر لي بغموض ثم ابتسم
-مش عايزة اساعدك انتِ حرة، انا ماشي
كاد ان يمشي حقًا، انه لا يتردد في قراراته ولكنني وقفت بسرعة وأمسكت ذراعه
-استنى بس، مش قصدي والله
نظر لي بابتسامة ثم جلس بهدوء، ثم تابعت
-قصدي يعني.....ايه اللي يخليك تساعد واحدة متعرفهاش؟
اسند كفيه على ذراعة وصمت للحظات ثم تابع:
-عادي، واحدة محتاجة مساعدة ساعدتها
طال الصمت بيننا الى ان وصل العامل ووضع امامي كوب من الشاي وطبق من المخبوزات الساخنة وزبدة الفول السوداني
التهمت طبقي بشهية كبيرة ولم اغفل عن نظراته التي كانت تطالعني خلسة لكنني لم اعيره اهتماما فأنا لم يدخل في فمي شئ من ليلة البارحة.
انتهيت من تناول فطوري ثم نظرت اليه بإحراج
-ها قوليلي بقى
-اقولك ايه؟
رفع حاجبه باستنكار فابتسمت ثم اكملت بشرود
-كان عندي ١٨ سنة لما بابا قرر يجوزني، مكنتش مقتنعة بالفكرة وكنت شايفة اني لسة صغيرة بس بابا أصر وقال اني كبرت ومصاريف الحياة كترت عليه فقال يجوزني عشان يعرف يصرف على باقي اخواتي، حاولت اقنعه اني انزل اشتغل بجانب دراستي بس هو كان رافض تماما
مصطفى جه واتقدم واتكتب كتابي بسرعة وفجأة لقيتني في بيته.
ابتلعت غصة بحلقي ثم تابعت وقد انسابت دمعة شريدة على وجنتي.
كان كويس جدا معايا في الاول وكان بيعاملني حلو، لحد ما لقيته فجأة اتغير بدون سبب
كان بيزعق على كل حاجة وبيتعصب مني من اقل حاجة لحد ما الموضوع اتطور ووصل للضرب
اول مرة ضربني بسبب اني في مرة نمت ونسيت اعمل الغدا وهو رجع من برة ملقاش اكل فصحيت على صوته وهو بيزعق وضربني بالقلم لما حاولت اتكلم
يومها اتعصبت جدا وروحت بيت اهلي ورفضت اقعد معاه دقيقة واحدة، بس هو جه وقعد يعتذر كتير وبابا غصب عليا اني ارجع معاه واضطريت ارجع
فضل يومين كويس لحد ما اتعودت عالضرب ومبقتش بشتكي ومبحاولش اتكلم ولا اقعد معاه.
-وإيه اللي خلاكي تهربي امبارح
-امبارح رجع من برة شكله غريب وحالته مش طبيعية كأنو شارب، كان بيحاول يضربني بس انا هربت منه بس متأكدة انه هيدور عليا ومش هيهدى غير لما يلاقيني
انهيت حديثي وقد فاضت عيناي بدموع متألمة
-مش انا وعدتك اني اساعدك؟ يبقى لازم تثقي فيا، هو مش هيقدر يلمس شعرة منك طول ما انتِ في حمايتي.
صحيح مقولتليش اسمك ايه!