دانموك يبادر بالخطوة الأولى

538 22 17
                                    

استطاع دانموك أن يتسلق أطول شجرة في الجبل، لم يكن ذلك سهلا وخطأ بسيط يلقيه إلى أسفل الجبل بين الحجارة الرمادية الضخمة .

منذ الصبيحة وهو واقف على أغصان الشجرة، ينظر بين أوراقها الكثة إلى الأفق أين كانت قريته البسيطة تبدو من هذا الارتفاع، كأنها حفرة واسعة تحوي في جنباتها بيوت حجرية متراكمة حول قلعة بقبة ذهبية يعلوها طائر غريب لم يرى مثله من قبل.


بكل حجمه، غطى الطائر كل قبة المعبد العظيمة، ومن مكانه استطاع دانموك أن يرى لون جلده البرونزي في الشمس.

استغرب من شكله، ظن أن كل الطيور يجب أن يكون لها ريش في جناحيها لكي تطير، ولكن هذا الطائر لم تكن على جسمه ريشة واحدة. يغطي كل جسمه جلد كالأفاعي وعلى جبهته قرنان ملتويتان بطريقة فوضوية كغصن شجرة. كان منظره مفزع جدا وعندما وصل إلى القرية أهال الناس بصراخه كصوت سَيْفان عظيمان يصطدمان.

منذ ثلاثة أيام والقرية فارغة من سكانها. هرب الجميع وتركوا منازلهم لكي يختبئوا في الغابة الجبلية خائفين على أنفسه من هذا المخلوق. صعد دانموك مع أمه مرغما وبسرعة جعلته يخلف وراءه أعز صديق له في الدنيا، وهو كلبه سلزار.


انقضت ثلاثة أيام من دون أن يغادر الوحش القرية، تسلق دانموك كل يوم هذه الشجرة يحاول أن يرى بالتزار ويناديه لعله يسمعه، ولكن لم يبدو أي أثر على كلبه.

*

لاحظ وهو على حالته تلك أن الوحش يختفي من مكانه فترة من الزمن ثم يعود، رآه على ذلك البارحة وقبل البارحة يطير إلى الأفق في نفس الوقت تقريبا وفي نفس الاتجاه ثم يرجع إلى القبة، "لعله يذهب للأكل ثم يعود أو لشرب الماء" تساءل دانموك، فكانت هناك بحيرة صغيرة على ساعتين بطيران غرابٍ تقريبا ، و الفترة التي كان يقضيها الوحش في غيابه هي ربع ذلك الوقت ثم يعود.

كل أهل المدينة لم يرون في ذلك المخلوق إلا وحش لديه جناحين، أما دانموك فقد كان يشعر بأنه ليس وحشا فقط وإنما مخلوق غريب يحتاج أن يعرف عليه المزيد ، وكأنه معجب به وهو يتخيل قوة جناحيه وأين يستطيعان أن يبلغانه.


بقى دانموك مترقبا عندما وصل وقت طيران المخلوق وكان على حق. نشر الطائر جناحيه وارتفع في الجو بجسمه الضخم ورآه يختفي في الأفق في لحظات قليلة.

نزل مسرعا من على الشجرة متوجها مباشرة إلى الخيمة التي كان يقيم فيها. كان المكان مزرباً بالخشب كإسطبل وفي وسطه خيم مغروسة في فوضى، كلها خيم من جلد الماعز ومع أنها دافئة في الليالي الباردة في هذه الغابة ولكنها تجذب البعوض كالدم الساخن.

لم يظن أهل القرية أن الطائر سيبقى فوق يوم واحد أو يومين، كان المنظر مزريا، نفذ الطعام القليل الذي أحضروه منذ يوم ولم تكن الغابة الجبلية غنية بالطعام، إذ لم يكن فيها إلا أشجار كثة وأرضها مغطاة بالطحلب والفطريات السامة.


شق دانموك طريقه بين الخيم باحثاً عن خيمته، وكل يوم كان يفقد أثرها من تشابه كل الخيم وكثرتها.

" أين كنت " سمع صوت أمه في ظهره وعلم أنه قد تعدا خيمته مرة أخرى.

" نسيت المكان " قال لها وهو يدخل مباشرة إلى الخيمة يبحث عن شيء.

" ماذا تريد؟ " سألته أمه وهي واقفة عند المدخل مطأطئة رأسها من قصر الخيمة.

في داخل الخيمة حرارة لا تطاق وحجمها الضيق لا يكفي لشخصين أن يناما براحة.

خرج فارغ اليدين، كان يبحث عن حقيبته ولكن دون جدوى في ذلك الظلام.

" سوف أنزل إلى القرية لكي أبحث عن سلزال " رد على أمه.

دانموكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن