مقابلة الطائر

158 13 7
                                    

في لحظة رأى نفسه يطحن بين حجارة النهر لو لم تمسكه يدا من ثوبه ورفعته.

" ماذا تفعل، أتريد أن تقتل نفسك؟ " عاتبه زيرد وهو ينظر إليه من أعلى.

وقع على الأرض من قوة زيرد وشعر أن قلبه سينفجر وقد تبللت قدمه اليمنى حتى ركبته.

" تعال نرجع، لم تكن فكرة سيئة إتباع هذا الصبي " زمجر من الجهة الأخرى الشخص الآخر.

كان قصيرا على زيرد ولكنه ممتلئ وشكل وجهه منَفِّر.

" ارجع إن أردت، فهذا الطفل لديه من الشجاعة أكثر من الجميع الذين فضلوا دفيء خِيامهم الفوق " رد عليه زيد منتقما لصديقه الصغير.

" أظن أنه ليس لدينا خياراً آخر " ردد وهو ينظر على يمينه أين يَختفي النهر في الأفق." علينا أن نحاول المدخل الآخر "

لم يكن هنالك مدخل آخر غير المدخل الرئيسي. قدم يده إلى دانموك وأنهضه "أمامنا طريق طويل ".

وانطلقوا من دون أن يتكلم أحد مع الآخر ورجعوا من حيث انطلقوا، ثم نزلوا من الجبل نحو الطريق الرئيسي وقد تحمل دانموك ألم قدميه والبرودة التي تسللت إلى عظامه من دون أن ينطق بكلمة واحدة.

لم تبقى مسافة كبيرة إلى المدخل وبدأ دانموك يشعر بالخوف وأنه لن يرى أمه مرة أخرى وتخيل كل ما حصل للرجال الذين دخلوها ولم يعودوا.

في مدخل القرية لم يكن هنالك أي جدار يحيط بها ولم يكن لها إلا مدخلا بسيطا يكفي لمرور عربة واحة في المرة.

خرج زيرد من الطريق وبدأ يتمشى جانبا بين الشجر وتبعاه دانموك والرجل وراءه. برزت المساكن الأولى للقرية ووقف زيرد الأول وراء جدار أول مبني وعلى بضع خطوات كان ممر الراجلين ينتهي إلى طريق المدخل.

تبعاه فيما يفعل وتمسح بالجدار متقدما نحو المدخل وألقى نظرة إلى الداخل وواصل حتى اختفى كاملا وكان قد دخل، وفي لحظات قليلة عاد إليهما.

" لا يوجد أي شيء فوق القبة " بصوت خافت " لعله انتقل يختفي في مكان آخر "

" ولعله ذهب بعيدا لكي يأكل أو يشرب " لاحظ دانموك بعرض طمأنتهم.

" ولعله ينتظرنا حتى ندخل ويقضي علينا " تشاءم الآخر.

لم يرد عليه زيرد وأشار إليهما بإتباعه وسلك المدخل. كان المعبد أول شيء يظهر للماشي في هذه الطريق وكانت القبة فضية تحت ضوء القمر.

تابع خطوات زيرد حتى تعدى المعبد ولم يسمع غير صوت خطواته في هذا المكان الساكن

" لست أدري، لعل الوحش لا يزال هنا أو غادر أو سيعود بعد حين، ولكن لن تتكرر هذه الفرصة إن تركناها دايرون " قال وهو يتكلم مع رفيقه.

" علينا أن نسرع، إذن يجب أن نتفرق كل شخص يتأتي بما استطاع من بيته من طعام وشراب، وسنلتقي جميعا عند المخرج "

لم يظهر على وجه داريون التفاؤل لهذه الخطة ولكن دانموك شعر أن زيرد يقرأ في خاطره، طوال الطريق وهو يفكر مالذي يخبرهما لكي يبحث عن سلزار.

" ولن يغادر أحد قبل أن يعود الجميع " أضاف زيرد " سأراكم في الخارج " وانطلق على يساره ثم تقدم دايرون نحو الأمام من دون أن ينظر إليه.

وقف دانموك لا يعلم أي يذهب، فشوارع القرية لا تنتهي ولم تكن له أي فكرة أين يتواجد سلزار الآن. الشيء الوحيد الذي يعلمه هو أن في يده وقت قصير لكي يعثر على كلبه والرجوع إلى منزله وحمل ما يستطيع من الطعام والشراب. ظلمة الليل لم تساعده كثيرا وتردد ما إن ينادي كلبه أم يواصل في البحث حتى يعثر عليه.

توجه مباشرة إلى منزله لأنه المكان الوحيد الذي يستطيع أن يجد فيه سلزار. وصل ودفع الباب، لم تكن مسدودة. انطلقت أصوات الدجاج والبط عندما اقتحم الحديقة ولم يسمع أي نباح. عادةً، كلما عاد دانموك إلى المنزل ينطلق الكلب في النباح فور سماع صوت الباب وهو ينفتح ويرتمي على صدره مرحبا به.

دخل إلى الغرف وقلب في كل جانب لعله مختبئ من الخوف، قلب كل شوكة ولم يجد أثره.

أغتنم الفرصة وأخذ كيسا كبيرة من التي يضعون فيها القمح وملأها بكل ما وجد من الطعام ووضعها جانبا لكي يعود إليها بعدما يجد سلزار.

خرج مستعجلا وبدأ يفتش الشوارع واحدا واحدا، وأخذ في التصفير بصوت منخفض بنفس اللحن الذي درب كلبه على سماعها كلما ناداه ولكن لم ينفع ذلك. غامر وبدأ يناديه باسمه.

" سلزار، سلزار " في كل شارع يمر عليه، و اضطر أن يعلي صوته قليلا لعله يسمعه أخيرا " سلزار ، سلزار " حتى ظن أن زيرد وداريون قد سمعاه.

واصل ينادي حتى سمع صدى نباح خفيف يتردد في السماء السوداء.

لم يستطع أن يحدد مصدر الصوت وأعاد تصفيره وسمع نباحا ثانيا وثالثا يأتي عن يساره.

لم يبقى بين الشارع الذي كان فيه والمعبد إلا شارعا واحدا ولا يزال يسمع النباح يقترب من دون أن يرى الكلب.

وصل دانموك حتى المعبد ولم يرى الكلب بعد. " سلزار .. سلزار "

لم يرى أثر زيرد أو داريون في الشوارع وقد لن يتأخرا على العودة ولم يحمل معه شيئا بعد.

ارتفع صوت النباح مرة أخرى ولكن عن يمينه، " سلزار " صرخ بقوة قطعت هدوء الليل وسمع كلبه ينبح ويقترب نباحه شيئا فشيئا نحوه ثم رآه يظهر من الظلام ويَعْدو نحوه.

رأى دانموك ظلا أسود ينطلق من تحت قديمه ويكبر شيئا فشيئا.

تبعه بعينه وقد غطى كل المكان إلى سواد ولم يستطع أن يرى كلبه.

أحس في ظهره بشيء سيء واستدار لكي يكتشف جسدا لا ينتهي يحلق فوقه وينظر إليه بأعين مشتعلة.

دانموكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن