الحلقة 11

673 37 24
                                        

كانت الحديقة كبيرة بشكلٍ مدهش، تحفّها الأشجار من كل جانب، وعبق الزهور يتسلّل مع نسمات المساء، يخفف شيئًا من التوتر الكامن في الجو. الطاولة مزينة بأناقة، الأطباق مرتبة بدقة، والأضواء الناعمة تُضيء المكان بلطف.

وقفت الخادمة قرب الطاولة، تنتظر أن يجلس أشهم وربى لتبدأ بتقديم الطعام.

جلس أشهم أولاً، صامتًا، مهيبًا كعادته. جلست ربى بعده على مضض، خافتة النظرات، تتجنب التواصل البصري، يداها تقبض على طرف فستانها تحت الطاولة.

وبعد دقيقة تمامًا، بدأت الخادمة تسكب الطعام في طبق أشهم، تنفّذ ما اعتادت عليه بدقة ومهارة. وحين همّت بالالتفات لربى لتسكب لها، رفعت ربى يدها بلطف وقالت:

- "لا، شكرًا... أستطيع أن أقدّم لنفسي."

قالتها بهدوء، لكنها كانت نبرة واضحة، معتادة على ألا يتعب أحد من أجلها. نظرت الخادمة إلى أشهم تنتظر توجيهًا.

وهنا تغيّر وجه أشهم فجأة. زمّ شفتيه، وصرخ بصوت قاطع، حاد:

- "اسكبي لها، الآن!"

كانت النبرة عالية بشكل أربك الجميع، وحتى الطيور التي كانت تحلّق فوق الحديقة طارت في مفاجأة.

اتسعت عينا ربى، وتجمّدت في مكانها. لم تتوقع تلك النبرة، لم تعتد أن يعلو صوت أحد بهذه الطريقة لأجل أمر بسيط. شعرت بالخوف يعصف بها من الداخل، عيناها تلمعان من الدهشة والرهبة. جسدها تصلّب، ويداها ارتجفتا قليلاً.

بصوت خافت جدًا، تمتمت:

- "حاضر..."

الخادمة سكبت لها الطعام، بصمتٍ ثقيل، وابتعدت. أما ربى، فظلّت تحدّق في الطبق، لا تجرؤ على رفع رأسها.

شعر أشهم أنه ربما بالغ، لكنه لم يتراجع، بل ألقى نظرة جانبية طويلة نحوها وقال بصوت منخفض، لكن فيه تحذير:

- "في هذا البيت، لا تجادلي أوامري."

مرت لحظات من الصمت، والهواء في الحديقة بدا أثقل من المعتاد.

جلس أشهم أمام شاشة المراقبة في الطابق الثالث، وحده في غرفةٍ مظلمة لا ينيرها سوى ضوء الشاشات المتوهجة أمامه. أنفاسه كانت هادئة في البداية، يراقب ما يجري في المنزل بصمت. مرّ بيده على لوحة المفاتيح، فتح كاميرا الغرفة الخاصة بـربى، لا لشيء، فقط ليطمئن أنها بخير.

لكن ما رآه جمّده في مكانه.

كانت ربى تجلس على طرف السرير، رأسها منكّس، وكتفاها يرتجفان بصمت. كان الضوء الخافت في الغرفة لا يخفي دموعها، ولا نبرة الحزن التي خرجت من شفتيها المرتجفتين:

- "لماذا تركتني يا أبي...؟ كنتَ الوحيد الذي يمنحني شعور الأمان... حتى لو كنتَ مريضًا، كنتَ حضنًا دافئًا... أما الآن... كل شيء بارد."

وراء الضوء الرمادي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن