" اسطوره حية! "

201 40 79
                                    

في صغري إعتادت أمي ان تصطحبني في يوم الجمعه من كل إسبوع ، وأن نذهب الي جدي وجدتي ، حيث كانوا يعيشون في قرية قريبه مجاوره لمدينتنا.

حين كنت اسمع امي تخبرني يوم الخميس باننا ذاهبون غدا - الجمعه - الي هناك ، كانت الفرحه تغمرني ؛ فقد كانت جدتي احب الاشخاص الي قلبي الذي كان يراها الي الان بأنها ملاك ، تختلف عن باقي البشر كانت حنونه ، نقيه الروح ، ذات وجه بشوش ، وما زاد حبي لها ، تلك القصص التي كانت تقصها لي دائما ، قصص ريفيه اسطوريه خالدة في كل بيت ريفي ، وما كان يميزها اسلوبها المشوق الغامض في السرد ، ودائما ما كانت تنتهي من سردها لاي قصه بالتحذير من ان افعل هذا وذا ، وعدم الخضوع للفضول الذي قد ينتهي بالموت !.

دائما ما استمعت الي نصائحها ، وتحذيراتها في كل قصه ، عدا قصه واحده فقط ؛ قد اثارة فضول الطفل بداخلي الذي يحب الاستكشاف.. لن انسي ذلك اليوم ابدا ، اتذكره وكأنه كان بالامس القريب حقا!!.

حين وصلنا انا وامي الي هناك - كان ابي يفضل النوم والراحه في عطلته - ، ورأيت منزلهم الريفي البسيط لمعت عيناي في فرحة ، فقد حان وقت الدخول الي عالمي الخاص ، كانت القرية بأكملها احب الاماكن الي قلبي.

طرقت امي الباب الخشبي العتيق ، ورأيت الباب يفتح وجدي امامي ، اشرق وجه امي ، وصافحته بحرارة ، وتعانقا..اما انا فقد كنت لا احبذ جدي كثيرا ، ليس كرها بل لانه لم يكن يملك الروح المرحه كحال جدتي ، فقد كان مقتضب الحديث ، يذهب الي حقله - الغيط - يقضي اغلب يومه هناك ، لكني كنت احترمه رغم ذلك .

- يأم صبري !!!.
قالتها امي حين رأت جدتي تشرع في النزول علي السلم بعد ان رأتنا قادمين في الشارع ، عانقت امي كأنها لم ترها منذ زمن ، ثم ادارت وجهها الباسم لي ثم انحت لتضمني بترحاب شديد.

- كيف حالك يا دكتور مصطفي ؟!

كان يذوب قلبي حين تدعوني بذلك اللقب ، فقد كنت اخبرها بأن حلمي أن اصبح طبيب ، فقلت لها مبتهجا :
- في افضل حال يا جدتي..وانتي كيف حالك ؟!
قالت بنبره هادئه :
- اكون فَرِحة ، وبأفضل حال عند رؤيتك يا بني.
صمت برهه ثم اردفت :
- هيا تعالي معي لاحضر لك الفطير الذي تحبه ، قد خبزته عند الفجر حتي تأتي ، وتأكل منه ما تشاء.
قالت امي - في خجل - :
- ما كان هناك من داعي الي هذا التعب..نحن لسنا ضيوف يا أمي!
قالت جدتي وهي تعقد حاجبيها :
- وهل افعل ذلك للضيوف فقط ؟!

صمتت امي ولم تنطق ، ثم أتي صوت جدي الذي كان لايزال واقف عند الباب يشاهد ما يحدث..
- انا ذاهب الي الحقل - الغيط - يا أمينه.
قبل ان يغلق الباب ، عاد وكانه تذكر شئ :
- آه..سأذهب للحج محمود ايضا. وبقوه اغلق الباب ، سألت امي جدتي في حيرة :
- اشعر ان ابي ليس علي ما يرام..هل حدث شئ ما ؟!
اجابت جدتي باقتضاب :
- لا .. انه بخير!.
ثم نظرت الي امي ، ورأت في عينيها عدم قناعتها فأردفت - بتململ - :
- ربما به شئ ، لكنه لم يخبرني ، انتي تعلمين اباكِ يا مني ، مزاجه متقلب دائما .
قالت امي متسائله :
- هل لازالت الارض تؤرقه؟!
ردت جدتي بحزم :
- لا داعي للتحدث عن هذا الامر الان .

اسطوره منسية  ( رجل القش )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن