جثة في العراء

مقدمة

كتبت هذه القصة منذ زمن بعيد وارسلتها للنشر الى جريدة الراصد والى احدى المجلات الدورية ولم تلق القبول حينها . احداث القصة واقعية .. ذكرت الاماكن كما هي ووفق ما مثبت في وقائع الاحداث وغيّرت في اسماء الرجال والنساء من اجل الحفاظ على الخصوصية .

جثة في العراء

جنوبي بغداد عند نهر بزايز اليوسفية الذي يسقي الاراضي الزراعية الخصبة الواقعة بين نهري دجلة والفرات تتناثر بيوت وقرى الفلاحين بشكل عشوائي .. في احد هذه البيوت يسكن محمود الحسن غير بعيد عن مزرعته التي ورثها عن ابائه واجداده .

اعتاد محمود الحسن الاستيقاظ باكرا كما الكثير من اقرانه والتوجه لرعاية الارض وفلاحتها .

في يوم من ايام شتاء 1975 استيقظ الرجل باكرا كعادته وتناول قدحا من الشاي وكسرة خبز والقليل من اللبن اتبعه بلفافة من السكائر .

بعد ان انهى وجبة افطاره شمّر اذيال ثوبه وثبت حواشيها بنطاق من جلد اسود يكاد يتكسر من فرط قدمه كان يطوق محزمه وحمل مجرفته ( الكرك ) وتوجه صوب مزرعته .. في الطريق .. تحاشى قدر استطاعته برك الماء في الارض الطينية الموحلة كي لا ينزلق في الوحل وتتلوث اثوابه بالطين قبل ان يباشر عمله .

كان من عادته ان يتفقد الارض ببصره ما ان يصل اطرافها شأنه في ذلك شأن معظم الفلاحين .

على غير العادة , تراءى له بأنه رأى شيئا ما اسود في منخفض وسط المزرعة .. حسبه في البداية حيوانا نافقا او كيسا قذفت به الرياح من مكان بعيد . توقف وامعن النظر .

خيل له ان شيء ما الى جوار الكيس يتحرك .

وضع احد كفيه فوق حاجبيه كي يتقي اشعة شمس الصباح التي حجبت عنه الرؤيا الى حد ما فما عاد بامكانه تمييز الاشياء البعيدة .

شيئا فشيئا اتضحت معالم ذلك الشيء الأسود .

عباءة نسوية سوداء يختبئ تحتها شيء ما .

تقدم بحذر .

عن قرب بانت من تحت اطراف العباءة قدم بشرية . فزع وتسمر مكانه واشاح للحظات بوجهه .

ما أن استوعب الصدمة حتى عاد وامعن النظر مرة ثانية . عدى عن القدم تراءت له في الطرف الآخر خصلات شعر اسود فاحم التصق بعضها بطين الارض .

حسب انها امرأة مصابة تتالم . تقدم اكثر واكثر الى ان اصبح على بعد قدمين او اكثر .

لا حركة ولا انين ولا اصوات تصدر .

بصوت مرتجف همس :- هل من شيء تشكين منه يا اختي .

ولما لم يتلق جوابا مد الكرك وحاول لكز المرأة .

تحرك شيء ما تحت العباءة .

اتكأ على الكرك ورفع طرف العباءة عند الرأس فتكشفت عن وجه أمراة مكفهر وعينين جاحضتين متجمدتين .