بخطواتٍ لا أدري أهي ثابتة أم مترنِّحة، أو لربما هي متثاقلة ترتدي لباس الثَّبات، أبصرتُه يتقدَّم ليتَّخذ مجلسًا على كرسيٍّ خشبيّ مجاور لأحد أطباق الإرسال، يبعد عني بضع خطوات، يمناه تعانق كوبَ قهوة يسترسل في بعث سحبه البخارية، كما يفعل أنفه وما بين شفتيه.
رفعتُ عيناي عنه، أعود لتفقُّد الوضع في الأعلى للمرة التي لا أدري كم عددها.
النسيم يثلج الأنوف قبل أن يعبر للصدور اليوم، على ضرار لهيب الصيف المعتاد، أهذا لكون الوقت يقترب من السَحَر؟!
وهذه السحب، مازالت لم تتوصل إلى اتفاقٍ سلميّ بعد! واثقة من أنها لن تنجح في ذلك على أية حال، ستشتعل المشاحنات بينها حتمًا كما العادة، وستنهمر أدمعها لتغرقنا سيولًا ورصاصات.أنزلتُ عيناي من جديد، واختلست نظرة إليه..
هذا الشاب - الذي صعد منذ دقائق - ما الذي أتى به إلى هنا في مثل هذه الساعة؟!يبدو لي متوترًا؛ فهذه هي المرة الخامسة التي يتفقَّد فيها هاتفه مذ أتى.
هو حتى لم يقرب كوب القهوة بعد! كما لا تبدو برودة الجو تؤثر عليه.. أهو قلقٌ لهذا الحد؟!مهلًا، هذا الوضع، أهو أيضًا.. طالبٌ في الثانوية العامة؟!
عضضت ظفر إبهامي..
لا شك في كون الأمر كذلك؛ فمثل هذا القلق في مثل هذا الوقت لا يمكن أن يكون غير ذلك.أخرجتُ هاتفي أتفقد الساعة؛ فعلى ما يبدو قد نُقلت عدوى القلق إليّ.
إنها الثانية والنصف صباحًا..
قُبِضَ قلبي.. بقيَت نصف ساعة فقط على ظهور النتيجة.إلهي! أنا مرتاعة حقًا.. أشعر وكأن كل دقيقة تمرُّ، وحوشٌ تحتشد حولي، ترمقني بنظراتٍ تخترق روحي، ولن تلبث حتى تنهشها.
أَنَفسُ الشعور لديه يا ترى؟اختلست نظرة أخرى نحوه.. كما توقعت، يتفقَّد هاتفه من جديد..
الأحمق، بهذا ستتضاعف تلك الوحوش حوله، ولن تعرف للشفقة معنًى حين تبدأ بتنازع أشلائه، عليه أن يتوقف.غير أني لم ألبث حتى أسقطتُ نظري على الأرض تحتي.. فلكم أرغب بالذهاب لمعاونته على قتال تلك الوحوش، لكن لا أستطيع، إنه شاب وسطح البناية خالٍ إلا من كلينا.
حسنًا، ليس وكأني كنت لأقدر على فعلها حتى لو كانت فتاة مثلي! فمن أنا لأقوى على ذلك؟!
إن حدث وذهبت إليه، فسيكون هو من يمد لي يد العونِ، لا أنا!تنهيدة طردتها أعماقي عبثت بالأجواء حولي..
هذا العام، أوشك على الانتهاء حقًا.. أخيرًا.
إلهي! كم كان طويلًا قاسيًا!
أعلم أنه لا يحق لي أنا بالذات قول هذا؛ فعلى عكس الجميع كنت دومًا ذلك الطالب اللا مبالِ، الذي لا يقلقه مستقبل، ولا يهمُّه ماضٍ، ولا ينغِّص حياته حاضر، لكن رغم ذلك.. كان صعبًا خانقًا حتى عليَّ.والداي - بل أهلي جميعهم - لم يضغط أحد منهم عليَّ مطلقًا بزجرٍ أو حبسٍ في الغرفة لأذاكر أو ما شابه.. كانوا متساهلين، يرسمون لي تلك الابتسامات الطيَّبة، يجلسونني بينهم، يشجعونني على أن أستمر، يوفرون لي كل ما أحتاج، يضعون كامل ثقتهم بي.. في أني سأحقق مبتغاهم على أي حال؛ فلطالما كنت تلك الابنة التي ترتقي لتوقعاتهم.
أنت تقرأ
||شبح||
Romanceيقال إنه في كل عام... يظهر شبح... يلتهم أرواح طلاب الصف الثالث الثانوي... مكتملة~