١- صَبَاح كارِثِي

163 9 10
                                    


لم يختفي ضوء القمر من السماء بعد، و لازال ذو العرف الأحمر نائمًا منتظرًا طلوع الفجر حتى يصيح بصوته عالياً ليغني أنشودة الصباح معلنًا بذلك نهاية فترة سبات سكان المزرعة، جميعهم إلا أثنان. من لم يغمض له جفن طوال مدة تراقص النجوم في أجواء الليل، و من يستيقظ مبكرًا مع دقة الساعة الرابعة و نصف كما هي عادته.

بين جدران الغرفة التي حملت ملتقطات من طفولته مع إخوته عند كل منعطف، من صور و رسومات و أعمال فنية أشبه بخربشات الدجاج، هي غرفته الحالية، غرفة والديه الراحلين. مد يده ليطفئ منبه الساعة الذي لازال يضبطه من باب الإحتياط فقط. خرج من تحت الغطاء الدافئ يمشي بخطوات خفيفة صوب دورة المياة. أنجز روتينه الصباحي بوتيرة بطيء فالفائدة التي تحصل عليها من الاستيقاظ قبل صياح الديك هي أنه لا داعي الاستعجال أبدًا.

قبل خروجه مرتديًا ثياب العمل المريحة، ألقى نظرة سريعة على إخوته الصغار النائمين بسلام في غرفهم الخاصة. دور إيقاظ هؤلاء الجمع يبقى من نصيبك يا ديك!

خرج من المنزل متجهًا صوب حضيرة البقر، قطع الممشى هابطًا من على الهضبة الذي يتربع فوقها منزلهم ليأخذ المنعطف الأول يمينًا ليصل وجهته بعد فترة من السير.

أخذ الجرة و بدأ بحلب البقرة التي أطلقت عليها أميرة الصغيرة اسم حلوب ليعتمده هو لها. فحلوب بقرة مميزة و تستحق اسمًا خاص بها زيادة عن الأرقام المعلقة حول رقبتها. فهي البقرة الوحيدة التي يحلبها بيديه و لا يستخدم معدات الحلم الصناعية الحديثة من أجل ذلك.

و هذه فقط واحدة أخرى من عادات أمه الكثيرة التي ورثها منها. إضافة إلى حلب الحليب في جرة فخار عندما يتعلق الأمر بستخدامهم الشخصي، و غسل ملابس العمل يدويًا و نشرها لتجف في الهواء الطلق رغم تواجد كلًا من آلات الغسل و التنشيف في قبو المنزل.

لقد أعتاد الضحك على نفسه حيث أنه في الشكل طبق الأصل عن أبيه، نفس القامة و نفس الكتفين العريضين التي و لسبب ما لم يرثها غيره في العائلة، ربما رائد و التوأم المتطابق لكن ليس تماما. أما في التصرفات و العادات فهو نسخة أصلية عن أمه الغالية.

"اها أحسنتِ حلوب لدينا جرتان كاملتان من الحليب اليوم" قالها و هو يربت على ظهر البقرة لتبومئ كتعبير عن الرضا، وللحقيقة من يدري فلم يدخل أحدهم عقل البقر من قبل!

يمشي بهدوء عائدًا صوب المنزل، توقف لينزل الحمل عن يديه و يريحهما فالطريق صعودًا أصعب مع وجود حمل ثقيل معه. صادف توقفه قرب مدخل حقل الذرة، حدق ببراعمها الحديثة لتعود لذاكرته لقطات من السنة الماضية.

نظرة الرعب التي احتلت كل زاوية من وجه أبن عمه سيف، سنده في هذه الحياة، لحظة إدراكه هول ما أصاب محصولهم. و إخوته قصي و لؤي و قد بللهم العرق من الرأس لأخمص القدمن إثر حرث كل شبر من أرضهم يدويًا. كيان و أميرة الصغيرة اللتان كاتنا ضائعتان وسط القلق و التوتر الذي ضرب المنزل كهزة أرضية و صاعقة رعدية في آن واحد.

فِي أَرْضِ الصِّبَا : مَا دُمْنَا مَعًاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن