تفرق أسعد وبقية أولاد الجيران بين أعواد نبات الذرة التي انتشرت غزيرة على طول الحواشة طويلة باسقة فوق رؤوسهم، باحثين بين النباتات والحشائش عن بنتين من آل محمد مرجان الذين جاءوا من الخرطوم لحضور عرس أحد اقاربهم.
بمجرد وصولهم بالحافلة نحو القرية الواقعة في إحدى ضواحي مدينة سنار، إختفت البنات في جولة استكشافية بين الخضرة والمزارع، وبعد أن ارتفعت الشمس في كبد السماء، انتشر شباب الحي بحثًا عن البنتين العاصميتين التين لا بد أنهما قد ضلتا طريقهما.
سلك أسعد إتجاهًا مختلفًا عن أقرانه، وتوغل دافعًا النباتات الطويلة الجافة عن طريقه، وحين وصل لحقل عباد الشمس، توقف آخذًا أنفاسه.
كانت شمس الظهر دافئة على وجهه. رفع يده ليقي عينيه من الضوء الجاهر، وبين أزهار عباد الشمس التي ارتفعت حتى خصره، وقفت فتاة في وسط الحقل معطية إياه ظهرها، محدقة نحو بقية الحقل الذي امتد على امتداد البصر. بدت البنت من البعد متوسطة الطول، ترتدي تنورة سوداء وقميصًا بلون المانجو مع طرحة سوداء تسللت من أسفلها ضفيرتها الطويلة حتى منتصف ظهرها.حين هم أسعد بالهتاف للفت انتباهها، إلتفتت البنت وكأنها قد شعرت بأن ثمة شخصًا يراقبها. لم تبد خائفة كشخص ضائع، كانت سمراء ذات بشرة غنية وعينين عسليتين واسعتين. للحظات لم يرمش أسعد ووقف محدقًا بالبنت. لبرهة بدت والأزهار من حولها والشمس والسماء خلفها وكأنها جزء من لوحة ما.
« من تكون؟»
هتفت البنت بحذر حين لم ينبس أسعد بنت شفة، ليفيق من شروده، وحك مؤخرة رقبته ثم صاح:
« من جيران الحاج محمد مرجان.
أنت من عائلته الذين جاءوا لحضور مناسبة الزواج؟ عائلتك تبحث عنك وعن فتاة أخرى.»وضعت البنت يديها على رأسها، وقالت مستدركة:
« يا ويلي أين ذهبت عبير؟ لقد كنا معًا قبل قليل!»أشار أسعد بيده، وقال:
« تعالي إلى هنا، لا تقلقي.
بقية الشباب يبحثون في الأرجاء، لا بد وأن تكون في الجوار.
سوف أخرجك من هنا، اتبعيني.»مكثت البنت قليلًا ثم هرولت لتقف بجوار أسعد، ورفعت رأسها لتطالعه حين كانت قمة رأسها بمحاذاة كتفه.
« إذا أنت من جيران جدي؟»تحرك أسعد عائدًا أدراجه، ولحقت به البنت لتسير خلفه. أجابها أسعد بعد صمت:
« أجل، عائلة أمي يقطنون هنا بجوار السيد محمد.
يجب عليك ألا تبتعدي كثيرًا وتخرجي في الأرجاء دون أحد من المنطقة؛ قد تتوهين كما حدث الآن، وتوجد كثير من العقارب والثعابين التي قد تلدغك، ناهيك عن الحفر وال...»غاصت قدم أسعد في حفرة أخفاها العشب، وحين حاول أن يتفادى السقوط، إلتوى كاحله ليخر على الأرض على التراب والأعشاب القاسية.
تأوه أسعد واعتمد على يديه ليرفع نفسه بعد أن تعفر وجهه وقميصه الأزرق بالأرض واكتسى بنطاله الأسود بطبقة بنية من التراب. رفع رأسه حين مالت البنت بقلق نحوه وسألت:
« هل أنت بخير؟»
أنت تقرأ
نوارة
Short Storyلا أملكُ خياراً .. أنتِ شمسٌ ..شمسٌ ..شمسٌ .. وقلبي، قلبي زهرةُ عبّادٍ مجنونة ..! ¶ قصة قصيرة. ¶ فازت في مسابقة العاطفية للقصص القصيرة التي أقامها فريق النقد. ¶ ماريوس.