الفونطولين

2 0 0
                                    

  اكتريت أنا و زوجتي شقة جديدة في حي شعبي وسط المدينة القديمة مساء أمس ، أكملنا جميع الإجراءات اللازمة مع صاحب الشقة و أبرمنا عقد كراء لمدة سنة كاملة..

نقلنا كل الأمتعة من الشقة القديمة ظهر اليوم و جلسنا في الشرفة مساءا، نستريح و نشرب فنجان قهوة في المسكن الجديد..

في حديثنا الطويل الذي دام لساعة، بدأت زوجتي تحس بضيق في التنفس. كانت تصاب بنوبة الربو دائما بعد الإستراحة من أي جهد بدني أو ضحك شديد ، و حين تمرض بالزكام تصبح حساسة لأي حركة مجهدة..

دخلت الغرفة لأبحث عن كيس الأدوية الخاص بها و أناولها بخاخ ڤونطولين .. لكني لم أجده..

تذكرت لحظتها أني نسيته فوق الخزانة في البيت القديم..كان علي الإسراع  في احضاره قبل أن تسوء حالتها.

السماء أمطرت فجأة، و الظلام حالك بين الأزقة المتفرعة الضيقة .. أسرعت الخطى كي أصل في أقصر وقت ، و أنا في تردد بين أن أشتري بخاخا جديدا من أقرب صيدلية أو أكمل طريقي إلى الشقة..

البحث عن صيدلية هنا قد يؤخرني أكثر.. ومن المحال إيجاد واحدة لاتزال مفتوحة حتى الساعة،  سأحضر الكيس بسرعة لا خيار عندي.

وصلت في غضون عشر دقائق أو أقل.. صعدت الدرجة لاهثا .. شقتي القديمة في الطابق الثالث ، و المفاتيح كانت لاتزال معي على نية أن أسلمها لصاحبها صباح غد.

وقفت أمام الباب أنظر بدهشة تحته.. الضوء يتسرب من الداخل .. من  هنا !؟

بحثت عن المفتاح في جيوبي كي أفتح الباب ، لم يكن معي ، ربما نسيته في الشقة الجديد أو سقط مني في الطريق أثناء الركض.. طرقت.

فتح الباب بعد وهلة قصيرة ببطئ .. ظهرت سيدة في عقدها الرابع بثياب النوم فرمقتني بخوف كأنها رأت شبحا.

-من أنت ؟

- (...) سيدتي ، ماذا تفعلين هنا ؟!

-هذه شقتي.. ماذا تريد ؟

-شقتك ! تعيشين هنا ؟

لم تجب ، بل استمرت في التحقيد  باستغراب شديد و حذر ..

-"أريد كيس الدواء"..

-أي كيس ؟!

-كنت أعيش هنا قبلك انا و زوجتي.. انتقلنا صباح اليوم ، و قد نسينا كيس دواء فوق الخزانة في غرفة النوم ..

-عن ماذا تتحدث أنت.. نحن نعيش هنا منذ سنتين.

-ماذا ؟!

-إذهب من هنا أيها المتسول..

أغلقت الباب في وجهي بقوة و هي تنظر إلي باشمئزاز.. فأسرعت في صده.. "سيدتي مهلا أعطني الكيس، زوجتي مريضة"..

أصابها الرعب و بدأت تصرخ و تستنجد بأحد في الداخل.

فجأة فتح الباب بقوة ، و وُجِّهت إلي لكمة قوية رمتني إلى الخلف حتى اصطدمت بالحائط.. فقدت التركيز و لم أعد أرى بوضوح.. رجل ضخم يقف فوق رأسي يصرخ بجنون و غضب كوحش..

"أغرب من هنا أيها المتشرد القذر.. انهض."

كان يرفسني بقوة بقدمه و يركل أضلاعي بعنف.. أصابني الهلع و الخوف فركضت هاربا أتخبط بالدرج.. أحسست بالأرض باردة تحت قدماي .. الدم يسيل من فمي و أنفي بغزارة ، كنت أمسحه بكمي فأحس بشعر كثيف يحيط بذقني.

خرجت من المبنى مرعوبا أحث الخطى على الإسفلت البارد و أنا حافي القدمين ، أمسك بسروالي الذي ينزلق باستمرار.. كانت ثيابي متسخةو رَثَّة، رائحتي قذرة..

أُمسك بنطلوني بيد و أحك شعري الأشعث بيد أخرى.
مشيت بين الأزقة متشردا أبحث عن المأوى الذي كنت نائما فيه.

                          النهاية

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Dec 26, 2022 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

نوبة اشتياق حادةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن