3

69 20 3
                                    

«إذا تذكرتني أنت، لا يهم إن نسيني كل العالم»

هاروكي موراكامي.

-

فجأة أحسستُ بألم حادّ يعتصر معدتي، وتدريجياً أخذ في التفاقم والانتشار حتى تملّك من بدني بأكمله.

أطلقت تأوهاً مزعجاً رغماً عني.

اكتسبتُ تحديقات محتارة من بيكهيون تعكس شعوره اللحظي والذي ما لبث أن استحال قلقاً نجحتُ في استشعار صدقه حينما لمح اعتصاري لجسدي جراء الألم الغريب.

استفساره عن الأمر قد حفّز ذاكرتي، فأدركتُ أخيراً أن شيئاً مشابها طرأ عليّ بالفعل مرات عديدة سابقة.

«أعتقد أنني شعرت بهذا مسبقاً»
أجبتُ بما تبادر إلى ذهني.

وحينها عدتُ مجدداً لسماع الصوت المخيف من خلف الباب.

كان أشدّ وقعاً من المرة السابقة وأعتقد أن بيكهيون أيضاً لم يتوقعه، إذ استقام واقفاً وأخذ يناظر الحجرة المغلقة بصدمة وبعض الخوف لم يحاول إخفائه، وربما لم يلتفت له حتى...

«عادت؟ لماذا؟»

خلتُه يكلم نفسه فلم أجب. ولكنّي اضطررت للرد حينما هزّني بقوّة يكرر سؤاله والمزيد منه.

«وما أدراني؟»
خرج صوتي حاداً رغماً عنّي.

حدث كل شيء برمشة عين، أسدلتُ جفناي تجنّباً لضوء شديد سُلط علينا فجأة، وحينما فتحتهما وقعتا بداية على جسد بيكهيون يطير نحو الجدار المقابل بسرعة رهيبة، أمامي من الناحية الأخرى وقفت المرأة بحضورها المهيب تجبرني عيناها ذات النظرات القاسية على التراجع للخلف دون إرادتي.

سيل من الكلمات الغريبة وصلني بصوتها الذي تفوح منه رائحة الغضب قبل أن تلتفت تحادث بيكهيون الذي تولّى مهمة الترجمة من فوره.

«هي تقول إنها وجدتك أخيراً؟»
بصيغة سؤال هو تحدث. وما أن صمتَ حتى عادت للثرثرة مجدداً.

«امم انتظري أعتقد أنّها تعرفت على روحك أو شيء ما»

هنا لم أستطع كبح ابتسامتي الساخرة. تعرفت إلى روحي؟.

«يا فتاة أنتِ معجزة!»

هو قال إبّان طوفان الكلمات المتدفق من ثغرها.
لم أكد أتلقف كلماته حتى رأيت ابتسامته تنحسر فور بزوغها، ما الذي تثرثر به تلك السيدة على مسمعه بحق السماء؟

«ايري خذي!»

صرخ بيكهيون قبل أن يقذفني بشيء ما، والتي تبين لي أنها ورقة سرخس، يبدو عليها القدم؛ هل يحملها معه أينما ارتحل؟.

والآن فقط تنبّهت أنّ الصوت الحاد ذو اللكنة الغريبة قد اختفى.

وأن الاثنان يتبادلان تحديقات توحي بمشاعر كثيرة متضاربة في جوّ من صمت راعني لسبب ما.

ولجهلي أي طريق ينبغي أن أسلكه، أنا فقط التقطتُ الورقة المعلقة على حذائي المنزلي.

في هذه اللحظة تحديداً قررت السيدة أنّ تقطع حبل تواصلهما الوجِم لتغدقني باهتمامها.

حدجتها بتوجّس لا يمكنني حتى توقع ما تنوي إليه.

هنا صرخَتْ بقوة وشعرت بأطرافي تهتزّ من هول الصوت الذي فاض عن حَنجرتها.

ولكن لحظة، أهي تتألم؟ شددتُ الورقة في يدي بقوة أراقبها تنتفض ألماً وقد عادت للصراخ بلغتها الغريبة ذاتها.

«ايري اهربي»

صاح بيكهيون ولم أنتظر ثانية أخرى، تمسكتُ بورقتي أستقيم متفادية بصعوبة الارتطام بما جاورني من أرفف ومحامل حديدية في هذا الظلام؛ الأن فقط لاحظتُ أنّ نصف العتمة قد ولّى ولست أعرف لهذا سبباً...

انطلقت أركض بجنون رغم ضيق المساحة، ذعرت حينما شُدّ معصمي وشرعت بمحاولة سحبه ولكن دون جدوى؛ لأطمئن ما أن تعرفت إلى بيكهيون.

«لا تفلتي الورقة مهما حدث»

صرخ ثم لعن بإحباط حينما وجّه صوته الشبح المَعمية إلى موقعنا.

دسّ نفسه في ركن ما قبل أن يشدّني بقوة لأقع فوقه ونصبح الآن محشورين بأعجوبة في مكان لا أظنّه يتسع لطفل في الخامسة.

هسهس بألم جراء ركلة تلقاها بطنه من ركبتي.

عوضاً عن الاعتذار أنا فقط أغلقتُ فاهه بكفّي أصمته تجنّباً لإثارة انتباهها.

توسعت عيناي بصدمة ما أن أطبق فكيه على راحة يدي ومن دون تفكير غرستُ أسناني في موضع ما من جسده، والذي تبين لاحقاً أنّه كتفه.

تزامناً مع العضة الرابعة من طرفه فقدتُ السيطرة أخيراً لأجهش بالبكاء.

«اصمتي اللعنة عليكِ!»

ربما كنتُ لأتوقف عن البكاء لو أنه فقط لم يُرفق أمره بقرصة مؤلمة جعلتني أكابد لالتقاط أنفاسي بين الشهقة وأختها.

-

One night | BBHحيث تعيش القصص. اكتشف الآن