الفصل الأول__لِقَاء

28 1 4
                                    


أضواءٌ صاخبة أحيت الصباح في الليل و أضائت قاعة بحجم المدينة ، موسيقى كلاسيكية هادئة تتخللها همسات للحضورِ النُبلاء وقروع كؤوس النبيذ تُهدي جرس و نبأ يوحي للناظر أنه في وسط حفل زواجٍ راقٍ وفي ذلك الكُرسي الفخم إمرأة راشدة تتحلى بفُستانٍ بسيط يُبرز مفاتنها الأربعينية، مُحتضنتًا باقة ورود حمراء رومانسية بكفيها ، ترسُم إبتسامة فرح بثغرها قد زينت وجهها الجميل و برهنت أنها عروسٌ سعيدة بزواجها...

"ما الذي تفعلينهُ هُنا إبنتي الغالية؟"
هيكل أمي القادم و المصحوب بكلماتٍ ملفوظة بصوتٍ لطيف مُصطنَع أخرجتني من شرودي
"لِنحظى برقصة أمٍ و إبنتها ، ما رأيك؟"
تقدمت المعنية بخطواتٍ بطيئة وحطت بيداها على كتفي بثُقلٍ أهلك عِظامي بعد أن دحرجت عيني بملل رافضة للفكرة
"لا تُفسدي نظرة الحضور لنا، لتكوني مُطيعة"
همست في أُذني كلامها المُعتاد بنبرةٍ بِت لا أطيقها
"لا أريد ،فلترقصي مع زوجك اللعين "
أخرجت كلماتي بغضبٍ لطالما كان مدفون وغادرت المكان بحثا عن الهدوء...

يُقال أن الأم هي منبع الحنان و الدِفئ! أتعذيب أولادها بكلامٍ وأفعالٍ و عُنفٍ جسدي يُعتبر حنان؟
هذا ماتلقيته فتاة مثلي في حياتها العشرون ، أمٌ أنانية تواصل هي أفعالها المُعذبة لروحي ويتواصل كُرهي لها..

أرحت هيكلي في كُرسي مُطل على مسبح تُحيط به أضواء خافتة أعطت إضاءة ضئيلة للمكان وجعلت منه ملجئ يحتضن من يحمل همًا ، أطلقت سراح دموعٍ مُلهفة للخروج لا رُبما يرتاح قلبي
"ما بكِ يا صغيرة؟"
بعد زمن ليس بالقصير ، صوتٌ غير مؤلوف دلف مسمعي جعل مني ألتفت بعجلة لمعرفة صاحبه..
إلتقطت عيناي رجل يبدو في الثلاثين أو الأربعين من عمره بطولٍ رجولي و جسد مُغري ، يرتدي بذلة سوداء رسمية قد زادته جاذبية ، تنسدل خصلات من شعره الفحمي الطويل لتغطي جزء من وجهه مُحطة بذلك لمسة سحرية زادته وسامة و رونقًا
أفقت من شرودي بعد أن عيرت مظهره الفاحش لأدير بوجهي هربا من كشفه لملامحي الضعيفة
"هل أنت بخير؟"
قابلته بظهري لأصطنع تنهيدة إنزعاج لكن مايريده سمعي ، جرعات من صوته المخدر
"أنا على ما يُرام"
أراهن أن نبرتي المهدمة كشفت له انني عكس ذلك
إنقطع صوته فجأة وعم السكون المكان ، أستدرت بوتيرة بطيئة لتفحص المكان لكن جسده المركون أمامي أفجع قلبي ، قمت من مكاني بفزع كاد لبي يخرج من مركزه
"هدِئي من روعتك أيتها صغيرة"
ردة فعله الباردة أثارت غضبي
"لما تجلس هكذا كشبح مفقود، ما خطب لعنتك"
بصراخ اخرجت كلماتي لكن سرعان ما أيقنت طريقة حديثي مع رجل يكبرني سنا ، غطيت فاهي بكفي معبرة عن صدمتي وخطأي
"فتاة شقية"
شق إبتسامة بثغره تكاد ترى ومر من جانبي بوقار صانعا تواصل بصري أربكني لثوان عدة
شعرت بلإهانة لوهلة و أردت توقيفه بصراخي لكن إنزلاقي من على حافة المسبح دفعني للإمساك بياقته و جره معي الى الهاوية ، فقدت التوازن و بت أنا والآخر بين أحضان المياه الباردة
إنتابني الخوف والفزع ، خبرتي في السباحة محدودة لا تكفي لإنقاذ نفسي من الغرق، تشبت به وحوطت خصره بساقي ، لست واعية لنفسي حتى!!
"إهدئي صغيرتي"
كان جسده ساكن وصوته ثابت كأن لا شيئ يحدث
إسترخت أطرافي وهدئت روحي تدريجيا مع الأمان الموجود في صوته و حضنه
"فتاة مُطيعة"
تحرك بخطوات رزينة حاملا حجمي الصغير بين ذراعيه ، أراحني على الحافة وخرج بجسده بعد ذلك
"أ أعتذر"
راقبت وضعه ووضعي المزري في صمت ، يبدو أنني وضعته في موقف سيئ ، مظهره الفاخر يوحي بأنه مدعو الى حفل زواج وانا بلعنتي خربت تبرجه
تهاطلت دموع الحرج مع إعتذاري المبعثر
"يجب عليك الإعتذار بصفة رسمية يا صغيرة"
إنتفضت من مكاني بسرعة وإنحنيت بإحترام
"أنا حقًا آسفة"
زاد صوت شهقاتي وألفت ذلك إنتباهه ، تقدم مني بخطوات قلصت المسافة بيننا ورفع ذقني بسبابته
" سُحقًا ..ليس عليك البكاء ، لا بأس!!"
إستنبطت الغضب من صوته وكأن بكائي لم يروقه
"أ أنا ح حقًا آسفة ل لم أقصد ذلك"
أُراهن أن مظهري الآن كطفل ضاع من والدته و يا لحظي!!
"أُششش"
دون سابق إنذار ، رمى السيد الجذاب جسدي بين احضانه وحط بيده الخشنة على كتفي يهدأ من روعتي
لحظتها أحسست بزلزال قد عصف مشاعري ،كرعدة بُعثت لتُربك أحاسيسي ، لم يدُم جمودي كثيرًا فما شعرت به حينها دفع بي لشد الحُضن فقد تجمعت كُل ذكرياتي المسكينة ذهني حينها و أعاقت مهجتي لحظتها و قررت أنذاك بإغراق كلينا في بحر دموعي

AFTER OO:OOWhere stories live. Discover now