ولكنني حين بلغت من التشوش أقصاه، فيما هو نصب عيني
التفت ورائي ولم يعد هناك
ذلك الطريق الذي لو علمت باختفائه لخبأته في جيبي ريثما أصل...
لِما كنت على اعتقادٍ ببلوغهمن أحسب نفسي، أنا حين أتحدث عن الموت؟
حين أكون من فرط الجرأة والبجاحة لأقر بلا حتميةِ تخليصه!
لست إلا جبانًا
إنني جبان يرجو قدوم الليل ويخشى ظلمته في آنلا أتوقف عن متابعة الموت والإصغاء لخطواته في الأرجاء
أقول إنني أعترض طريقه كي نتقاطع معًا
بعد ذلك أصرخ قائلًا أنه ليس الحدّ, والحق أنه لم ينفر مني قط
بل لابد أن حريتي قد أملت علي رفضه كل مرة بعد تأمله كفاية لإدراك تبعاته، من غير الممكن أن أكون خائفا
لازلت أعارض حقيقة خوفي، بل احتماله.
أريدك أن تثق بكلامي هذا!
إذ لو كان الخوف يتملكني فلن تواجهني صعوبة للاعتراف ولما تكبدت عناء إخفاءه، وما أنا على وشك إخبارك به...
هو أنني أنسى
ربما كنت أنسى في كل مرة وجه الموت، فلا أطيق ألا أرى شيئا بعده، أو أنني أهيم كثيرًا فيه، حتى أنسى أن أسلم وأذوب بين يديه، إذ أنني في كلتا الحالتين ناسٍ.لست متأكدًا أنني قد أتمكن من إجابة أسئلتك بطريقة صحيحة
لو لم أتذكر تجربتي الحقة، جنبًا إلى روايتي المتكررة لها.« لقد انقضت السنون، ورويت هذه القصة عشرات المرات، ولست أدري ما إذا كنتُ أتذكرها كما هي، أم أنني أتذكر كلماتي فقط. » بورخِس
ليس الإنسان سوى ضحية نسيان متوالٍ
لا تتراكم عنده المعرفة، يستيقظ كل صباح كوليد، إذ يحدق في يديه بحثا عن ما أمسك به سابقًا كخيط لمواكبة العيش
لكنها فارغة من كل جهد قديم، وكل يوم تمحو شمسه أثر أطراف الحقيقة، التي لم يتسنّ له الكشف عن كاملها
كل ما يتبقى من معارك الأمس رضوضها
فيكمل مترنحا
متوجها صوب الوجهة نفسها
كل يوم
لأنه ببساطة، نسي ما لقيه من سعْيِه
ولن يتذكر
طالما تسطع شمس جديدة
كل يوم—
لا تنفك تراودني فكرة أن بعضنا قد اكتشف السر الذي يمكنه من استدعاء الموت، اتصل به بشكل كامل وانساب بين يديه بسلاسة، وأغمض عينيه بهدوء
من دون التصارع مع سكراته
بسلاسة وهدوءبعد أن نطق بكل ما بقي في قلبه، وغالبًا لا يملك سائل الموت ما يقوله، لذلك يتم الأمر بهدوء
وقد تمنى كل صحبة في مرقده
النور والأُنس
حتى من لم يعرفهما في الدنيا
إننا نصطحب بعض مآسينا للعالم الآخر، نموت محملين بأملٍ ما، لا نهاية لتلك الآمال، لا الموت ولا حتى النعيم.
إنها رويدًا تصبح ما نحن عليه، تتمازج فينا
محتلةً هذا المزيج إلى الأبد.كم هم محظوظون، هؤلاء الذين اتصلوا به
فكم من الناس يتسنى له الموت بعد أن يفرغ من خطابه، ومن كلماته!
فلا يقوم العالم إلا بالتزام الناس أحاديثهم وحكمتهم التي مُنِحوا، بل إن بعضهم لا تتاح له الفرصة للتفوه بحرف قبل أن تنسل روحه، وهؤلاء بنظري هم الأشد بؤسًا وأسوأهم مآلًا!