عزِيزي البعِيدُ عن ناظِري
المُستكنُ بين خفقاتِي؛سنواتٌ مرَّت دون الكِتابة إليكِ
كُنت أحاربُ رغبتِي في حياكةِ اسمك على الوَرقِ بالأغانِي تارة، والشِّعر تارة أُخرى
ولأنَّ تلكَ القوَّة التِّي أتبدَّى بها أمام الخلقِ تخورُ كلَّما لمحتُك، خارت قِواي البارِحة
وتفتَّت صمودِي أمامَ الرَّكض إليكَ لأتساقطَ وحُزني الشَّاهق بين ذِراعيك
ذراعاكَ الأشسعُ من المُحيطات بيننا !أيُّها البعيد؛
مررتُ البارِحة إلى جوارِ حيِّكم
ثمَّ تغلغل الحنينُ في شرايينِي للحدِّ الذي دفعنِي للتَّهور !
تعلمُ تمامًا أنَّه ما من شيء قد يغلبُ صبري أكثر من حنينِي إليك، وإلى إشباع ناظريّ بملامحك...
وكما كلِّ مرَّة
رصصتُ جُلَّ صبري على فراقكَ جانبًا، وأمَّنتُ خُطاي كَي تتوغَّل في الشَّارع الذي يلتقمُ خُطاك كلَّ يوم
وكامرأةٍ نازعها الشَّوق والتفَ حول نياطِها صوب الرَّجل الذي تُحب
رُحت أتكهَّنُ في أيِّ محلٍّ من ثنايا الطِّريق وقعت خُطاك ؟
وعلى أيِّ غيمةٍ صوَّبت أحداقك !
وأيُّ صبيّ من أولادِ الحيّ أوقفكَ لتُداعِب شعره !
ولأنَّ خطواتِ المرء لا تأخُده إلَّا إلى الوجهة التِّي يرتاحُ لها
كُنت أنتَ وِجهتي هذه المرّة
وكلَّ مرَّة !
أظنُّك تذكُر تلك اللَّيلة التِّي أخبرتك فيها أنَّ
كُلُّ شيء يأخُدني إليك..
كأنَّك الوِجهة الوحيدَة لهذا الشَّتات الذِّي يقضمُ خُطاي
حسنًا...
أودُّ أن أُخبرك أنَّ ما قُلته ليلتها كانَ أصدق شيءٍ نفثهُ لِساني
بعد كلمة "أبتغيك" التِّي تخرجُ من فاهي مُبعثرة
فيُلملمها قلبُك...لقدْ كانت البارِحة
أوَّل مرَّة أتوانى فيها عن لجمِ الطَّريق والشَّوارع
فرُحت أهرول مُبتلعةً المسافة بينَ بيتِي وبيتك
بينِي وبينِك
بين رأسي وكتِفك
إلى أن وصلتُ، وحطّت رحالي قُرب أسوار بيتِك
نفسها الأسوارُ التّي ستتداعى أرضًا
لو اتكأتُ عليها بحجم حنينِي إليك
وحُزني العِملاق جدّا كجبلٍ أخرس !
وعلى ذِكر الحُزن المُترعرع بداخلي، كيف عساكَ تحتوِي ضخامته وتهدأ صخبهُ بمُجرِّد عِناق !
وكيفَ بوسعك أنْ تطردَ الأشجان التِّي تتصارعُ في قوقعة خافقِي، بنظرةٍ حانية
تقعُ عليَّ كغيثٍ بعد دهرٍ من القِحط !أيُّها الرَّجل الشَّاهق؛
ثلاثةُ أشهرٍ مرَّت بثقلِ الجُلمود
تدرَّعت فيها بالصَّبر وظللتُ أهمسُ للهشاشة بداخلِي أن انأيْ بعيدًا، وأنَّني امرأة صلبَة لا يكسرنِي البُعد
لكنَّني اليوم سلَّمت بالأمر
أنا امرأةٌ صلبة لم تكسرنِي لطماتُ الحياة
لكنَّ شوقِي إليك فعل !بودِّي لو لمحتُك البارِحة
انتظرتُ مُرورك بقلّة صبر وضُعف حيلة، لم تستدر عُنقي عن آخر الشَّارع على أملِ أن تنبثق من أحدِ مخارجه
فتلمحنِي وألوِّح لكَ بيداي المبتورتان إلَّا من لمسك
ثمَّ تأتيني راكِضًا بينما تُحكم قبضتك
وتُشير إليّ أن مالذي أتى بِك إلى هُنا
فأُجيب
بإمكانِي تكهُّن تفاصيل قسماتِك وأنت تلمحنِي
انعقادُ حاجِبيك
انكماشُ جبينك
وغضبٌ طافحٌ يقتمُ بنُّ عينيك
نفسهُ الغضب الذي سيتلاشى بمُجرَّد إخباري لك أنني "توحشتُك"
لتلفَّ وجهك عنِّي، وتداعب رأسك بأصابِعك
تلك طريقتُك في المُحافظة على توازنكَ أمامَ طيشي
وكتمِ عبارة "قتلني بُعدك" التِّي تنوي الإنبعاث من داخلك بغزارة لتنهالَ عليّ وتطرد هذا التَّعب القاتل الذي ألحقهُ بي غيابك...
لكنَّ أيَّا من هذا لم يحدث
انتظرتُك لوقت قصيرٍ، تلك النصف ساعة التي أمضيتها تحت نافذتِك
كانت كفيلة في عودتِي لهيئة المرأة الرَّصينة التي اعتدتُ أن أكونها، وبطريقة مَا، تقهقر دور المرأة العاشِقة بداخِلي فرحلتُ...
لكنِّي لا أُخفيك أن انتظاري هذا الذي دامَ لدقائق معدودة
كانَ أطوَل من الشهورِ التي حالت دُونَنا !
ولا أعلمُ مالسرُّ في تلك اللحظات التي تفصلنَا عن لقاء من نُحب
كيف عساها أن تكونَ أثقل من دهرِ انتظار...!عزِيزي؛
صحيحٌ أنَّني لم أنتظرك كفايَة حتّى تأتِي
وأنَّني كُنت أجبن من أن أتبدّى أمامَك مُنهكة من فراقك
لكنَّ شيئا ما بِداخلي يستمرُّ في التَّنامي
ويُخبرنِي أنَّنا سنلتقي
بغضِّ النَّظر عن المكان والزَّمان
عن كبريائي وغضبك
عن جُبنِي وفزِعك
إلَّا أنَّنا سنلتقي، وسأتهاوى بين ذراعيكَ لأحتمي بِك من خشونة الأيَّام التي تنهش ملامِحي
وحينَ نلتقي
سأخبرك أنَّ أكتافي ما عادت تحملُ هلعي
فتهمس لي "كتفي إليكِ، وإذا أُنهِك أمد إليكِ الثاني"سأخبركَ أيضًا أنَّ هذا البُعد كان قاتلًا
المُنهكة من بُعدك