Chapter 1: Who?

23 4 3
                                    

غرفة ذات حجم صغير، اثاثها لطيف و رائحتها زكية، تغطي النوافذ ستائر بلون ابيض نقي، و يقاسمه السرير اللون ذاته

كانت غرفة نموذجية لا خلل بها، مالكتها تتربع على سريرها بهدوء و الابتسامة لا تفارق شفتيها، بشعرها الطويل الذي اسدل على كتفيها و غطى جزءًا من وجهها، اغمضت عينيها و راحت تؤدي تمارين تنفسها كما أخبرها طبيبها

كزهرة ارجوانية بهيجة أجبرت على الذبول، و كطيرٍ قد خانته أجنحته، تلك الفتاة التي أسندت عكازها إلى جانبها تنتظر بصبر يوم خلاصها و استعادتها لجناحيها

رفرف جفنيها بخفة و تلمست باعينها الارجوانية الباهتة المكان حتى حط ناظريها على ذلك الرجل، بقوامه المهيب و لباسه الأنيق يجلس مقاطعا قدميه يتصفح هاتفه بكسل ادركته الفتاة رغم جدية محياه

ابتسامة ناعمة اتسعت بخفوت و حاربت ضد وجنتيها قائلة : و... والـ.. ـدي! انـ. ـت هنا مجددا، يـ يا لفرحتي الغامرة بو-.. بوجودك إلى جانبي!

استشعرت سعادة غامرة في وجدانها، كما بثت جزءا من بهجتها إلى الآخر ليبتسم لها بحنية الأب المعتادة،

استقام من مقعده، رتب ثيابه و اتجه نحوها و ربت على رأسها، و في المقابل غرقت هي في نعيم حنانه حتى كادت تشعر انها الاسعد في هذه الدنيا

قال بصدق : انتِ ابنتي، طفلتي الجميلة، القوية، و الشجاعة اعلم انك أقوى من هذا المرض اللئيم و ستتجاوزينه بكل سهولة قريبا.

مدت يدها لتمسك بيد الاخر، ثم انزلتها إلى خدها لتشعر بمزيد من دفء والدها، اومأت نحوه بعينيها المغمضتين لتريحه قائلة انها أقوى من هذا المرض

سحب والدها يده ببطء ليغادر مضطرا على ما يبدو بعد او ودعها بقبلة على جبينها، و لم يلاحظ بنات عينها اللاتي سرن بخفية عبر وجنتيها

احست على الفور بوجود احد في الغرفة لتجد ممرضتين جئن لتقديم العلاج او لترتيب الغرفة كما يفعلن عادة، و حالما رأت الإبر التي تحملهم احداهم حتى ارتمت على سريرها

تئن بخفة فقد آلمت عضلاتها المتيبسة لكنها غطت في عالم الأحلام على أي حال تتطلع ليوم اخر تعيش فيه شبابها دون ندم.

لكن، على الجانب الآخر من الغرفة كان لإحدى الممرضات رأي آخر : أنا خائفة...

قالت لترد عليها الأخرى : أنتِ جديدة هنا، لا أرى عيبا في خوفك، كما انها مريضة يائسة جدا، لا ألومك..

"مريضة يائسة" كان مصطلحا شائعا في وصف المرضى، لكن على ما يبدو كانت هذه مريضة في مرحلة أخرى

اكملت : لقد عملت في هذا المشفى لما يقارب الثلاثين سنة، و لم أرَ مثلها من قبل، تم تشخيصها بمرض باركنسون-

- اعتذر عن المقاطعة لكنني أجهل هذا المرض..

تساءلت اصغرهن و تلقت نظرة جانبية معاتبة لكنها لم تعر مقاطتها اي اهتمام اكبر و واصلت شرحها ببساطة اكثر : مرضها هو مرض يصيب الجهاز العصبي و يعطل وظائف جسدها إلى حد كبير لكن...

قطبت حاجبيها واجمة و قد ازدادت التجاعيد باطراد مع تضييقها عينيها في اتجاه المريضة

- اخبرتك انني عملت في هذا المشفى لثلاثين سنة، و مريضتنا هذه كانت هنا منذ اربع سنوات و قد اعتدنا وجودها كما فعلت هي في المقابل... لكن مكانها ليس هنا

- ما معنى هذا؟

تنفست الصعداء و تجعد وجهها اكثر فأكثر و كأنها تواجه صعوبة في الكلام : يرتبط مرض باركنسون بالدماغ و في حالة " كاينا" فقد تفاقم مرضها طول السنين المنصرمة حتى أثر على حالتها النفسية..

- آ-آهه أتقصدين انها تنتمي لمشفى الأمراض العقلية؟!!، لم لا تزال هنا بحق خالق الجحيم انها تخيفني!!

أومأت الأخرى بهدوء ردا على كلامها، طقطقت اصابعها تخفف توترها المفاجئ لتكمل قولها : حاول والدها فعل ذلك و أودى الأمر به إلى طريق مسدود

- وضحي كلامك من فضلك لم أعد أفقه شيئا!

تجاهلتها الأخرى مجددا و اكملت : رغم ذلك، فلا تملك كاينا الكثير من الوقت، ستلحق بوالدها قريبا

- آه!!

تنهدت الأصغر سنا الصعداء بارتياح و اردفت : ألا يعني هذا ان كاينا قد استعادت عافيتها؟ قالت أن والدها قد غادر منذ لحظات لذا هي ستترك المشفى قريبا صحيح؟

كانت لتكمل حديثها لولا النظرة الجامدة من الأخرى التي قالت بفتور : صحيح، ستغادر كاينا هذا المكان قريبا، غير أن الوجهة التي اقصدها ليست ما تظنينه

- ماذا تقصدين اذا؟

ألقت بنظرة اخيرة على الجميلة النائمة بارتياح يملأ قسمات ملامحها الناعمة و اكملت :

- " كاينا هندرسون " تسببت في مقتل والدها منذ سنتين و ستلحق به قريبا

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jul 31 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

Illusion || وهم حيث تعيش القصص. اكتشف الآن