بـعـدَ يـومٍ طـويـلٍ وشـاقْ كـادَ ألّـا يـنـتـهِـي، مَـررتُ بـسـيَّـارتـي نـحـوَ مـدِيـنـةِ طُـفـولـتـي، والّـتـي هـجـرتُـهـا مـنـذُ سِـتّ سـنـواتٍ لـأجـلِ تـحـقـيـقِ حُـلـمِـي فـي أنْ أكـونَ الـبَـطـل الـأوّل.وعـلـى الـرّغـمِ مـن نـجـاحـي وتحـقـيـقي لـحـلـمـي، لـا يـزالُ طـيـفُ صـديـقـي الـمـتـوفّـى عـالـقًـا فـي ذهـنـي يـأبـى الـزّوال، والـنّـدمُ بداخـلـي يـتـفـاقـم كـلّ لـيـلَـة. مـاتَ صـغـيرًا ويـافـعًـا.. مـاتَ مُـنـذُ زمـنٍ ولـكـنّـهُ يـبـدو كـالـقُـرونِ مـن شـدّةِ اشـتـيـاقـي لـه.
ايـزوكـو.. هـل سـأراكَ مـجـددًا ؟ لـا أظـنُّ ذلـِك.
سـتـكونُ فـي الـجـنّـةِ ربّـمَا، ولـكـنّـنِـي حـتـمًـا سـأذهَـبُ لـلـجـحِـيـم.لـمْ أكُـن مـسـتـعِـدًّا لـصـراخِ والـِدتـي وعـتـابـهـا لـأنّـي لـم أزرهـا مُنْـذُ مـدّة. لـذلـِكَ قـررتُ أن أركـنَ سـيّـارَتِـي عِـنَـد رمـلٍ كـثـيفٍ يـطـلُّ عـلـى بـحـرٍ أمـامـي.
ارتـجـلـتُ مـنَ الـسّـيّـارةِ لـأُمـدّدَ جـسـدي بـتـعـبٍ أثـرَ الـقـيـادةِ لـسـاعـاتٍ مـتـواصِـلـة. لـم يـكُـن هُـنـاكَ الـعـديـدُ مِـنَ الـنَّـاس، ووجَـدّتُ سـبـبًـا أخـيـرًا لـِكَـي أخـلَـعَ كـمّـامـتـي الـسّـوداء وقـبّـعـتي الّـتـي أرتـديـهـا كَـيْ لَـا يـتـعـرّفَ عـلَـيّ الـمُعجَـبُـون.
نَـعم، لـديّ مُـعـجَبـون. لـَو قُـلـتُ هـذَا لـنَفـسـي ذاتَ الـخمـسـةَ عـشـرَ ربـيـعًـا لمـا صَـدّقَ هـذَا.
خـلَـعـتُ حِـذائـيَ وبـدأتُ بـالـتّـجـوّل بـأقـدامِـي عَـلى الـرّمـالِ الـسّـمـراء. بـيّـنمَـا تَـخـلخـلت رائِـحـةُ نَـسـيـمِ الـبـحـرِ إلـى أنـفِـي، ورطُـوبـة الـجـوّ أضـافَـت لـمـسـةً جـمـيـلـةً لـلمـكَـان.
شـقـقـتُ طـريـقـي نَـحـوَ الـبـحـر. داعـبـَت أطـرافَ أمـواجِ الـبـحـرِ أصـابـعَ أقـدامـي، بـيـنمَـا أسـيـرُ بـخَـطٍّ أُفـقـيٍّ عـمـوديْ.
أتـذكّـرُ المـاضـي وكـأنّـهُ سـيـعـودُ يـومًـا،
اشـتـقـتُ لـهُ ولـمْ أتـق لـأحـدٍ مـثـلَ هـكـذَا مِـن قـبـلْ.سـمِـعـتُ صـوتًـا.. بـدى ضـبـابـيًـا وبـعـيـدًا قـلـيـلًـا، رفَـعـتُ رأسـي ونـظـرتُ لِـلـمـكَـانِ مِـن حَـوْلـي.. كـانَ خـالـيـًا تـمـامًـا.
ولـكـن.. مِـن أيـنَ يـأتـي هـذَا الـصّـوت؟.
تـبِـعـتُ الـصّـوتَ هـذا، وكـلّـمـا أتـقـدّم يُـصـبِـحُ أقـربَ وأوضَـح.كـان صـوتَ غـنـاء.. ولـيـسَ كـ أيّ غـنـاء.
كـانَ نـقـيًّـا وصـافـيًـا، ويُـدَنـدنُ بِـأوجـعِ الـكَلـِمَـاتِ وأكـثـرِهـا إيـلَـامًـا. يُـصـاحِـبُـهَـا عَـزفُ أوتَـارِ الـقِـيـتَـارِ الّـذي بَـدى مُـتـنـاسِـقًـا مـعَ عُـذوبَـةِ صَـوتِـهـا.

أنت تقرأ
لَـحـنُ الـبِـحَـار
Paranormalأتيتُ لكَ يا بحري أشكِي لكَ عن جرحٍ باتَ في قلبي ولَم يستفيق. بماضٍ عميقٍ مثل عُمقِكَ يا بحري. ووجدانٍ غامضٌ داكن يشبهُ جوفكَ المبهم. بألحانٍ لم تعهدها من قبل، وصوتٌ ينقّي ذهنُكَ ويجعلك تهومُ متناسيًا صخبَ حياتِكَ وجلبتها. سأجعلُ لـ قلبِكَ الوحيد...