مقدمة
لندن ـــ كينجستون
من قال مرة أن مراقبة النيران المشتعلة تصلح كمعالج نفسي؟
فأنت تجلس أمامها وتظل تحدق كالمنوم في اللهب المتراقص بألوانه المختلفة.. فتتسع حدقتا عينيك قليلا وتتجمد في شرود طويل.. يخطر ببالك حينها كل شيء وأي شيء.. وتهرب للبعيد مع النور ولسعة الدفء اللذيذة المختلطة برائحة الحطب.. وصوت الأمطار في الخارج مختلط بسيمفونية صادحة لموسيقى فيلمك المفضل(العراب).
هذا كان المشهد في حجرة مكتب كايدن غلاديسون نائب مجلس اللوردات والبرلمان الجديد عن الحزب المحافظ القسم الديموقراطي.. الشاب الجريء الذي تكتب صحف لندن عنه من بداية السنة حين أعلن ترشحه للحزب أمام منافسه اللورد مايكلوب سبنسر بذاته.
وها هو ذو الأصل العام يفوز منذ أسبوع مناصفة بمقعد في مجلس البرلمان.. وبشكل مثير للعجب ستحتفل الملكة بإعطائه لقب فارس في نهاية شهر يناير الحالي.. رجل الأعمال العصامي ابن البروفيسور من الطبقة المتوسطة.. يصبح حديث الساعة بنجاحه ومبادراته وتميزه و... نزاهته!
وكل هذا كان على وشك ماذا؟. على وشك أن يضيع في لمح البصر.. وبحركة قدر غريبة ملتوية.. وبنفس لعبة القدر تم إنقاذه بطريقة عجيبة.
أخفض بصره يحدق في أربع لوحات أسندها فوق الأريكة أمام المقعد الوثير الذي يستقر به أمام المدفأة الحجرية.. صور فنية!
أجل للأسف هذه صور فنية كانت ستعرض بعد إعلان المرشحين في مؤتمر صحفي ضخم.. ليراها العالم كله وتنتهي حياته السياسية قبل أن تبدأ.. أربع صور لأسوأ نقطة في حياته المثالية.. لخطأ عمره الذي ظن بغباء إنه يستطيع السيطرة عليه.
فاليريا ساينت ريدلر.. النقطة السوداء التي ستظل تلطخ حياته.. زوجته المصون!
أربع صور لزوجته.. أقل ما يقال عنها أنها... فاضحة؟. ربما أكثر بكثير!
إحداها كانت من الخلف لم تظهر وجهها بل فقط ميل رأسها وطرف ذقنها.. وكان واضحا أنها لم تكن ترتدي شيئًا.. أي شيء.. حتى شعرها الأشقر الطويل كانت قد جذبته عبر كتفها للأمام.. فظهر عنقها الرائع مظللًا ببعض خصيلات هاربة.. ثم هبط بانحناء عمودها الفقري الذي احتل رشاقة جسدها المميزة.. حتى انتهت اللوحة لما أعلى مؤخرتها بشيء بسيط.. حتى أن غمازتي ظهرها وبدء استدارة مؤخرتها كانتا ظاهرتين.
الصورة الثانية كانت كذلك بدون ملامح لفتاة عارية تجلس وتحتضن جسدها بأكمله لصدرها.. فأخفت ركبتيها صدرها وطريقة جلوسها أخفت عريها من الأسفل.. ولكن كان واضحا أنها عارية تماما.. وكانت تدفن رأسها بين ذراعيها التي تحيط بساقيها.. وشلال الذهب يتناثر حول الجسد الجالس بطريقة ميلودرامية.
أما الثالثة فكانت واضحة الوجه.. تحدق بالكاميرا بعينيها المتسعتين وشعرها مشعث حولها بفوضى امرأة مارست لتوها الحب.. ولكنها أخذت على حين غرة من حبيبها المصور.. عينان تلتمعان و وجه مليء بالتعابير.. وأنامل ترتفع لتلمس الشفاه المتورمة والمتكورة بشهقة.. وذراعها الأخرى تحيط بصدرها فساعدت مع شعرها بإخفائه.. وانحدرت بقية الصورة لبطنها فخصرها وحتى عظمتي حوضها.. ولحسن الحظ لم تكشفا أكثر.
الرابعة كانت لها نائمة في وضعية الجنين وبشكل جانبي.. ولكنها تضع ملاءة تخفي عريها من وسط جسدها وتكشف فخذيها وساقيها وبقية جسدها من أعلى.
نائمة وشعرها يتناثر خلفها مرسوم بطريقة شبه دائرية.. تبدأ من ظهرها المقوس العاري حتى أعلى رأسها.
أجل.. هذه هي زوجة النائب كايدن غلاديسون المحافظ والذي سيصبح فارسا قريبا.. هذه هي خزيه وعاره الخاص.. ويا له من عار.. تشابك بخيوط عقله وعبث به كثيرا فأصبح مصدر عذاب له في الآونة الأخيرة.. تحديدا منذ ثلاثة أشهر...
****
الفصل الأول
":باولو اتصل بتوني ليكون جاهزًا في مهبط الطائرات.. بعد نصف ساعة تماما سأسافر"
وجه كايدن أمره لحارسه الشخصي الذي وفرته له المؤسسة الأمنية التي تتبع مجلس اللوردات.. منذ أن أعلن عن ترشيحه وأصبح وجها معروفا للإعلام.. ومنذ ذلك الوقت وباولو يلازمه حتى في شقته الضخمة التي تقع في حي كينجستون الفاخر.
سأل باولو بوجه جامد غير متفاجئ من قرار رئيسه بالسفر بدون تخطيط:
"هل أحدد له وجهتنا سيدي؟"
توقف كايدن أمام السلم الداخلي الذي يقود لجناحه الخاص بالأعلى.. وقال بفك مشدود وهو يمرر يده فوق جبهته العريضة:
"فرنسا.. إلى عزبتي في جنوب فرنسا"
أومأ باولو بتلقائية وأخرج هاتفه ينفذ الأوامر.. بينما صعد كايدن لجناحه كي يجهز حقيبة سريعة.. فلديه في منزله الريفي خزانة مجهزة كاملة لو احتاج السفر سريعا.. ولكنه يحمل دائما حاسبه المحمول وبعض أشيائه الخاصة معه.
ما أن دخل لحجرة النوم الرئيسية حتى سمع سعال خجول خلفه وصوتا شابا يقول:
"هل تريد أن أوضب ملابسك سيدي؟"
لوح بيده للخادمة الشابة وهو يقول:
"لا روبي.. لن أحمل الكثير ستكون زيارة سريعة"
تنحنحت بحرج:
"و... ولكني ظننتك ستقضي بعض الوقت برفقة السيدة غلاديسون"
شعر بقبضة تمسك بعنقه فحل ربطة عنقه بضيق وهو يتمتم:
"لا.. شكرا روبي يمكنك الانصراف"
رمى ربطة عنقه على الأرض وشاهد طيفها الضئيل ينحني بسرعة ويرفعها عن الأرض وهي تقول:
"حاضر سيدي"
لوح بيده بعدم اهتمام واتجه للحمام وهو يحل أزرار قميصه حتى منتصف صدره.. وفتح صنبور المياه الباردة وبحركة غريبة وضع رأسه بالكامل أسفلها مغمضا عينيه كعادته.. فهو لا يحتمل أن تمس المياه عينيه منذ صغره.. شعر برأسه يتجمد ولكنه لم يهتم.. فكل همه هو أن يتخلص من الأفكار السوداء التي تموج بداخله.. أفعاه الخائنة.. بطلة كل الخيالات السوداء..
هو من وضعها في بيته و يجب أن يتعامل مع كل نتائج فعلته هذه.
رفع رأسه يحدق بوجهه بالمرآة.. والقطرات الباردة تهبط فوق عنقه المحمر غضبا وهو يتذكر مرآها بنفس الصورة.. منذ أربعة أشهر تحديداً.
كان أصدقاء كولين يقيمون حفلًا بمناسبة حوز مبنى غلاديسون على جائزة أفضل مبنى في العام.. ولكنهم أقاموا الحفل في إحدى الملاهي الليلية المشهورة في لندن.. ولم يكن يريد الذهاب حينها لأنه في أوج منافسته السياسية ولم يكن يريد للصحافة أن تتبعه وتثير حوله الضجيج.. فاعتذر من شقيقه الذي وطبعا لم يتفهمه واتهمه بطريقته الباردة في الحياة.. وإنه ممل وسخيف وخرج.
لم تكن أول مواجهة بينهما على طرقهما في الحياة.. ورغم اختلافهما إلا أن حبا عميقا جمع بين الأخوين بطريقة غريبة رغم تناقضهما الشديد.. كولين بانطلاقه ومغامراته المجنونة المتهورة.. وكايدن الهادئ دومًا والبارد أبدًا.. لهذا لم يستغرب كايدن حين هاتفه كولين في الثانية فجرًا يخبره أن يأتي ليوصله.. لأنه احتسى الكثير من الشراب ولا يريد أن يقود بنفسه.
في البداية فكر أن يبعث باولو.. ولكنه حسم أمره وقرر الذهاب بسيارته التي يخفيها في مرآب البناية المجاورة لمبناه.. وبالفعل ذهب للملهى المزدحم بالمحتفلين ورواد الملهى وأخذ يبحث عن شقيقه.. لم يجده بداية فقرر سؤال النادل المسؤول عن البار الرئيسي.. فاتجه يدفع نفسه وسط الراقصين المخمورين وهو يشعر باشمئزاز رهيب من هذا العرض الرهيب للأجساد العارية والحركات القذرة التي تسمى رقصًا.. اللعنة إنها ممارسة للحب علنية فقط!
وصل للبار أخيرًا وأخذ يشير للساقي الذي كان مشغولًا مع بعض الفتيات ولوح له بيده أن ينتظر قليلًا.. فزفر بغيظ خاصة أن مجموعة من الفتيات الصاخبات وصلن قربه يتدافعن برعونة.. فأدار ظهره لهن بتذمر واضح ونظرة قرف وهو يحاول للمرة الألف أن يهاتف كولين بلا فائدة.. وحين اقترب منه الساقي أخيرًا تجمد مكانه وهو يستمع لحوار الفتيات بقربه
":كولين غلاديسون إذًا.. يا فتاة أنتِ وقحة فعلًا"
ضحكت إحداهن بصخب لينقبض قلبه وهي ترد:
"وقحة ولكني سأفوز"
صوتها.. يا للجحيم من صوتها!
تابعت بصوت ظنته هامسًا متآمرًا ولكنه سمعها:
"كنا نرقص طوال الليل.. وصدقوني لن يمر هذا الأسبوع إلا وخاتمه في يدي"
هتفت إحداهن:
"أيتها الماكرة تستطيعين فعلها.. فمن سيقاوم فاليريا ساينت ريدلر!"
بغرور ردت:
"لا أحد.. وكولين لن يأخذ أسبوعا.. يمكنكن اختيار ملابس الوصيفات هيا "
صيحات وكلمات وبعض التلميحات الوقحة ولكنه استمع لما يكفيه.. فاتجه نحو الساقي وسأله مكان كولين فأشار بيده لسلم داخلي اتجه نحوه.. ليجد شقيقه الذي هتف ما أن رآه بسعادة وترنح واضح.. فأسنده وخرجا من باب خلفي للملهى.
لم يذهب لشقته بعد أن أوصل كولين لمنزله.. بل شعر برغبة بالبقاء وتلك النزعة القديمة تعود لتضرب صميمه.. نزعة حمائية غريبة لطالما تملكته بشكل رهيب تجاه شقيقه.. فمنذ صغرهما وكولين يرمي بنفسه بالورطة تلو الورطة.. يلعب بالكرة داخل الدفيئة الزجاجية.. يحاول إشعال الألعاب النارية بداخل حجرة المعيشة.. وكلما كبر كلما ازدادت مغامرته خطورة.. من سباق دراجات لهبوط مظلات نحو المياه لكل شيء قد يعجبه ويهواه.. ودائمًا وأبدًا كايدن يكون بقربه لينقذه.. أو ليهرع به لغرفة الطوارئ ولكن هذه المرة...
هذه المرة مختلفة تماما.. فهو يعلم تماما من هي فاليريا ساينت ريدلر وما الذي هي تقدر على فعله.. الأميرة ذات السمعة السيئة!
قد يستطيع والدها بنفوذه محو كل فضائحها.. ولكن إحداهن استطاعت الوصول إليه عندما كان مرةً في حانة (جوليان) الرجالية الخاصة رفيعة الطراز.. والتي يكون أغلب روادها من السياسيون ورجال الأعمال.. ولا تسمح أبدا بدخول النساء كنوع من التقليد منذ العصر الفيكتوري.. كان يحب الذهاب هناك فهي توفر له الجو الهادئ المريح والموسيقى الكلاسيكية الممتزجة بالسيجار الكوبي.. جو بارد منظم يختلف عن الحانات الشعبية العامة.. وهناك سمع عن فعلتها الفاضحة من أحد زبائن الحانة.
كان قد ذهب ليدفع الفاتورة حين التقى بوالدها السير جيرمي ساينت ريدلر وتبادلا التحية وبعض المجاملات.. فهو كرجل أعمال وكمرشح للانتخابات يبحث عن داعمين في الوسط السياسي دومًا.. ورغم أنه لا يحتاج الدعم المادي.. إلا أنه يحاول كسب الداعمين من رجال الأعمال حوله.. فما بالك برجل كالسير جيرمي.. قطب صناعة الحديد والصلب الأول في بريطانيا وأجداده من قبله بنحو مائة عام؟
إن استطاع كسب ود هذا الرجل ودعمه فسيكون شيئًا جيدًا.. انتهى لقائهما الصغير يومها بدعوة من ساينت ريدلر له ولشقيقه على العشاء في قصره في حي بلومزبيري ووافق هو بتواضع لا يتصنعه عليها.
وحين اتجه للمحاسب سمع صدفة رجلان يتحدثان عن سير ريدلر.. فلفت هذا انتباهه رغم كونه من كارهي الثرثرة والشائعات.. ولحسن حظه أنه سمعهما.. فقد عرف عن فاليريا ما يدفعه لحماية شقيقه بكل ما يملك ومهما يكن الثمن.
فقد كان أحدهما يقول بكراهية واضحة:
"يا إلهي كيف يستطيع ساينت ريدلر أن يظهر وجهه لي بعدما فعلته ابنته؟!"
ليرد عليه صديقه بفضول:
"ابنته.. ماذا فعلت؟"
مط الرجل شفتيه باشمئزاز:
"تلك الفتاة لا يهمها أي شيء.. إنها ترمي بنفسها في طريق أي رجل يعجبها فقط لكي تتسلى.. حتى أنها لا يهمها إن كان مرتبطًا أو متزوجًا.. المهم أنه راق لها ويجب أن تحصل عليه"
رد صديقه باستمتاع:
"هذا شيء جيد يا رجل.. إنها فتاة تحب الاستمتاع بوقتها"
بكراهية همس الآخر:
"ليس حين يكون استمتاعها بوقتها هادم للعائلات.. لقد قررت أن تطارد شقيقي بالقانون في كل مكان فقط لأنها رأته و أعجبها في إحدى الحفلات.. ورغم أنه متزوج ولديه أطفال إلا أنها قالت أن هذا لا يهمها.. فالمهم أنه مشهور كفاية لكي تتسلط الأضواء عليها.. فهذه هي فاليريا ساينت ريدلر.. عاشقة للأضواء والشهرة بأي ثمن وأي شكل.. ومستعدة لفعل أي شيء فقط لكي تظهر على الصفحة السادسة في أي جريدة مشهورة"
(الصفحة السادسة :*page six* هي الصفحة المتعارف عليها لأخبار المشاهير من فنانين وأفراد المجتمع الراقي والأرستقراطي.. والنميمة حول أخبارهم وصورهم)
رد صديقه باستهتار:
"لسوء حظي أنني لست من هذه الطبقة"
فقال الآخر:
"بل لحسن حظك يا رجل.. إنها أفعى جميلة الشكل ناعمة ولكن خبيثة!"
وعلم أن بقائه تلك الليلة في شقة كولين كان بعد نظر منه.. فلم تمر ساعة حتى ارتفع رنين هاتف كولين المحمول ليظهر اسم تلك الفاليريا.. فأسرع وبدون تردد ليرد عليها"
"مرحبا"
وصله لهاثها المترنح ورجح ذلك لإكثارها الشراب.. ثم ما لبث أن ردت بذلك الصوت مجددا.. صوت يجعل قلبه يقفز فزعا.. وشيء ما!
":-م... مرحبا"
ومن تلك اللحظة و فاليريا أصبحت ملكه!
استيقظ من ذكرياته على صوت باولو ينبهه أن السائق قد وصل.. فنفض رأسه من كل تلك الصور التي تملأه وخرج من جناحه مستعد بطريقته الباردة والخاصة.. وبصمت مطبق تقدم حارسه الخاص وملامحه كلها تصميم على إصلاح غلطته وبأدنى قدر ممكن من الفضائح.
*****
" :سيد غلاديسون"
التفت كايدن نحو باولو الذي اقترب من مقعده في طائرته الخاصة وجلس أمامه:
"أجل باولو"
بعبوسه الدائم رد باولو:
"لقد هاتفت السيدة روسو لأعلمها بقدومك.. ولكنها أخبرتني أن السيدة ليست بالمنزل"
اعتدل كايدن بحركة حادة:
"وأين هي؟!"
تنحنح باولو:
"يبدو... امم أنها دعيت لحفل في فيلا لأحد أصدقائكما"
عبس كايدن بحنق:
"أي اصدقاء؟. إنها لا تعرف أحد في تلك المنطقة!"
وأسرع ليخرج هاتفه ويطلب رقمها بحدة ولكن وبعد رنين متواصل أخذه للبريد الصوتي.. فأغلق الهاتف بعنف وقال لباولو:
"اتصل بالسيدة روسو وحاول معرفة العنوان.. وأين بحق الجحيم زميلك رود؟"!
كان رود هو الحارس الآخر والمخصص لحماية زوجته المصون.
أومأ باولو وقال برسمية:
"لقد هاتفته بالفعل وبعث لي بالعنوان سيدي"
تراجع كايدن في مقعده يرتدي قناع وجهه الجليدي وبكل برود الدنيا قال:
"ماذا تنتظر إذًا؟"
بنفس الرسمية العسكرية رد باولو:
"أوامرك سيدي"
لوح كايدن بيده يصرف باولو الذي وقف بآلية وغادر.. تاركا إياه وحيدا مع تلك الذكريات اللعينة.. ذكرى أول لقاء بينه وبين فاليريا!
فتلك المكالمة التي ادعى أنه وبالخطأ أجاب هاتف شقيقه مهدت للقاء بينهما.. خاصة بعد أن عرفت من هو بكل تأكيد.. الشقيق الأكبر والسياسي الأكثر شهرة.. ولابد أنها أوهمت نفسها أنها لو استطاعت الفوز به ستكون محط أنظار الصحافة كرفيقة النائب الشاب.
وهذا بالفعل ما اكتشفه من طريقة ملابسها في موعدهما الذي جعلها توافق عليه بكل سهولة..
فقد كانت ترتدي لموعد العشاء البسيط فستانا ـــ هذا لو كان من العدل أن يطلق على مثل هذا الشيء اسم فستان ـــ بدرجات اللون الأخضر قصير للغاية.. فأطول جزء منه بالكاد يغطي أسفل فخذيها.. وأجل هناك أجزاء أقصر وهناك أطول.. فالفستان كان ينسدل ومن أسفل الصدر بقطع مثلثه حتى منتصف فخذيها.. أما فتحة الصدر فبذلت جهدها لتغطي صدرها الناهد بحبلين عريضين يحيطان بعنقها.. تاركين ظهرها عارٍ بالكامل حتى حزام الخصر.
كيف يمكن لأي امرأة تحترم نفسها أن ترتدي مثل هذا الشيء.. بل كيف يمكنها الحركة والجلوس بحرية به؟!
لم يمتلك ألا أن يشعر بشيء من الفزع كلما سمع صوتها الأبح فما بالك برؤيتها مباشرة..
فزع غريب ورعشة نبذ ورفض انتشرت على طول ظهره وبأكمل جسده.. حين شاهدها من الخلف جالسة أمام الطاولة التي حجزها هاتفيا.. ظهرها العاري يواجهه وشعرها الأشقر الطويل ينسدل من فوق كتفها للأمام بضفيرة عشوائية.. تاركا بشرة ظهرها العارية المليئة بالشامات السوداء المنتشرة كالنجوم فوقها معروضة للجميع.
ازدرد لعابه كابحًا ذلك الرفض بداخله وهو يشجع نفسه أن كل هذا لأجل شقيقه.. لأجل كولين..
تقدم بابتسامة سياسية مرسومة بشكل تدرب عليه دائمًا في مواجهة الجميع.. واقترب من الطاولة ليواجهها ليجدها جالسة تضع ساقًا فوق الأخرى بشكل مخزٍ ومكشوف جدًا.
" :آنسة ساينت ريدلر"
رفعت نحوه عينان بلون السماء بعد ليلة مطر صيفي ورموش داكنة تحيطهما.. فازداد الفزع انتشارًا بداخله مع شيء غريب يصيبه لأول مرة.. شيء لا يعرفه ولم يعرفه أبدًا من قبل..
شيء كقبضة مظلمة أمسكت بقلبه وروحه وعصرتهما ألمًا.. رمش مبعدًا ذلك الألم بعيدًا وهو يشاهد ابتسامتها المغوية تتسع.. لتكشف عن أسنان لؤلؤية مثالية وهي ترد بذلك الصوت..
اللعنة على صوتها!
" :-أجل.. سيد غلاديسون كما أعتقد؟"
وكأنها لا تعرفه!
سحب مقعده مشيرًا للنادل الذي هرع لخدمتهما بخفة أن يبتعد للحظة:
"أجل سيدتي"
احمرت وجنتيها وابتسامتها تصبح جانبية ملتوية:
"أووه يمكنك أن تناديني فال"
بنفس الوجه البارد والابتسامة الدبلوماسية تابع:
"هذا جيد فاليريا.. ويمكنك مناداتي بكايدن"
رمشت بطريقتها التي لابد أنها تدربت عليها كثيرًا لتظهرها كملاك بريء:
"حسنا كايدن.. امم.. هذا غريب قليلًا.. فأنا لم أكن أظن أنك ستدعوني لموعد عاطفي"
ماذا.. عاطفي؟!
ذهل للحظة حينها.. لحظة صغيرة تجمد كل شيء حوله.. وكل غريزة فطرية بداخله تخبره أن ارفض واهرب وأخبرها أنها أخطأت.. وأنك هنا لكي تخبرها أن تبتعد عن شقيقك.. وهددها بفضحها وأن لا تحرج نفسها حين يضعها في مقارنة معه أمام كولين.
ولكن نفس الشيء الغريب الذي قبض روحه صعد للسطح وفرض فكرة مثيرة للخوف.. لِمَ لا؟
يمكنه أن يشغلها بهذه الطريقة كي لا ترمي بشباكها حول شقيقه وألا تثير حولهما الفضائح.. فكلاهما لا يحتاجانها في هذه المرحلة من حياتهما العملية.. ومما جمعه عنها من معلومات أثبتت له أنها لن تيأس حتى توقع بكولين.
إذًا.. لماذا لا يجعلها بقربه يعطيها جرعتها الدنيئة من الشهرة بطريقة يسيطر هو عليها.. وفي نفس الوقت يتحكم بها؟. يجعلها تقتنع أنها تواعد رجل الأعمال والمرشح السياسي لمجلس اللوردات كايدن غلاديسون.. فهذه سمعة أكبر من مجرد رفيقة لمهندس معماري ناجح ويظهر في صفحات الأعمال.
يعلم أنه بدا أنانيًا في تلك اللحظة ولكنه يعرف شقيقه.. عاطفي ميؤوس منه ولن يصمد أمام رفرفة الرموش المثيرة هذه ولو للحظة.. فهو يبحث دومًا عن الحب الرومانسي ويريد تجربة كتجربة والديهما الناجحة.
كولين مندفع و متهور.. وإذا أضفنا عليهما رومانسي فيصبح فريسة سهلة لأي امرأة خبيثة كفاليريا.. وهكذا حزم أمره!
ابتسم بطريقة حاول جعلها مجاملة عاطفية وهو يراقب بطرف عينيه مصوري الفضائح اللذين يحومون دومًا حول المطاعم في منطقة بيكاديلي والحي الغربي نظرا لكثافة تواجد المشاهير فيها.. واستغل لحظة انتبه إليهما المصور ومد يده عبر الطاولة ليمسك بيد فاليريا بنعومة..
ودوى وميض الكاميرا.. ودوت ضربات قلبه لتلك اللمسة!
وكأن الوميض ضرب روحه وليس عينيه.. فعاد وسحب يده مسرعا وعبس يحدق بالمصور بطريقة معترضة واعتذر لها بأسى مصطنع:
"اعذريني عزيزتي فاليريا.. أخشى أن هذه ضريبة الخروج معي في أي موعد"
ابتسمت بسعادة وهي تهز رأسها تحاول السيطرة على نشوة الشهرة التي لابد شعرت بها:
"أووه لا عليك.. أنا معتادة على وجود مصوري الفضائح"
بالطبع أنتِ كذلك!
رفع حاجبه بسخرية وقال بلطف يكبح ردا ساخرا:
"إذًا.. بالنسبة لموعدنا.. دعيني أعترف لك فاليريا.. لقد شاهدتك في إحدى الحفلات منذ أسبوع.. وكنت أبحث عن فرصة لكي أطلب منك الخروج برفقتي في موعد"
ثم وبغرور لوح براحته:
"كنت أنتظر أن تنتهي الانتخابات كي نستطيع الخروج سويا بدون أن يلاحقني المصورين.. ولكن وحين هاتفتِ كولين بالأمس أخبرني أن هذه هي فرصتي وبالفعل انتهزتها.. أرجو ألا أكون قد تطفلت عليك"
هزت رأسها بسرعة متلهفة ويديها متشابكتين سويا أمامها بقوة وقالت:
"لا.. أبدًا.. ممم أنا سعيدة أنك من أجبت"
تجنب أن يقترب من سبب مهاتفتها لشقيقه منتصف الليلة فهي ستكذب مؤكد.. وهو سيزداد نفورًا منها.
وهكذا مر موعدهما.. بتمثيل متقن من كليهما.. هو يتظاهر بكونه معجب مفتون.. وهي تتظاهر بكونها أميرة خجولة بريئة وجدت فارسها المنتظر.
ومواعيدهما الثلاثة التالية كذلك..
فقد كانا يخرجان بشكل دوري.. ويصر على أن يذهب معها حيث تجمعات الفنانين والرياضين وهي أماكن يكرهها.. ولكنه سيظل يعطيها جرعة الشهرة التي تريدها وتجعلها ملتصقة به كالغراء.. كحيوان أليف يتحكم به بكل سهولة.. المهم أن تبتعد عن شقيقه.. رغم أن هذه المواعيد لم تكن ذات تأثير إيجابي عليها فقط.. بل كذلك عليه كما أخبرته مسؤولة الدعاية في حملته الانتخابية باريس في أحد اجتماعاته مع فريقه في مقر الحملة:
"مهما كان ما تفعله برفقة فاليريا ساينت ريدلر فاستمر بفعله.. فمؤشرك يرتفع بين الناخبين الشباب"
ابتسم بسخرية وهو يراقب فريقه ويسألهما:
"حقاً.. وهل كان منخفضًا؟"
ارتبكت باريس فتدخل جون مساعده الشخصي:
"لنواجه الأمر.. أنت ممل!"
رفع حاجبه يحدق بجون وسأله:
"من يدفع لك أجرك؟"
مط جون شفتيه وهو يرمي بالتقارير أمامه على طاولة الاجتماع وينحني للأمام ليقول:
"أنت.. وزوجتي تحبك لذلك يا رجل.. ولكن وظيفتي في هذه الحملة أنا وباريس أن نجعلك تبدو أقرب وأكثر جاذبية للعامة"
فرك ذقنه متسائلا:
"ومواعدتي لفاليريا تجعلني كذلك؟"
لوحت باريس بيديها بحماسة وعينيها تشتعلان بإثارة:
"هل تمازحني؟! الأميرة والسياسي الشاب.. المتهورة والرزين.. الشابة الحيوية والرجل الرزين الممل.. أنتما ثنائي بأي وصف وبأي شكل!"
التفت إليها وهو يميل برأسه ويضيق عينيه ويسأل:
"لماذا أشعر وكأنني أهان؟!"
مجددا وبنفس الوقاحة رد جون:
"أتريدنا أن نجاملك ونكذب عليك؟. اعتذر انت لا تدفع لي بالقدر الكافي.. دعنا نكن صريحين.. أنت رائع ومميز رجل شريف ومثالي.. ولكن وللأسف هذا لا يبيع أسهمك في الانتخابات.. بحق السماء اللورد سبنسر وهو رجل عجوز يعتبر أكثر إثارة منك.. فهناك ابنته المثيرة للجدل إيزيس.. وابنه المختفي الغامض إيزاك"
تابعت باريس ملتقطة حديث جون:
"سبعون بالمئة من الناخبين وللأسف لا يهمهم ماهي خطتك الانتخابية.. ولا مشاريعك الخيرية ولا شركاتك وأعمالك وصفقاتك.. فكل هذه تظهرك بمظهر رجل الأعمال البارد البعيد عن العامة.. ولكن امرأة كفاليريا تضفي ألوانا ودفء لصورتك.. كـ... كالجميلة والوحش"
شهق كايدن فضحك جون حين هتف كايدن باعتراض:
"أرجو أن أكون أنا الجميلة في هذا الوصف!"
احمرت وجنتي باريس وهي تهز رأسها:
"للأسف لا.. خاصة وأنت بعيد عن الواقع"
استهجن كايدن:
"كيف أكون بعيدًا عن الواقع بحق الجحيم الدموي؟. أنا ابن برايان وسارينتي.. البروفيسور وربة المنزل.. ومن العامة.. ولست لوردًا أو فارسًا حتى"!
رد جون بسرعة:
"لا يهم.. المهم أنك بعيد وغامض وبارد.. دعهم يرون هذا الجانب منك.. جانب الرجل المتحفظ ولكن ذو القلب العاشق كما تظهر عيناك وأنت تحدق بفاليريا في الصور.. دعهم يشعرون أنك واقع بالحب كما أنت!"
صمت كايدن حينها يحدق بهما.. وبعد لحظة من مراقبة الصفحة السادسة التي يعرضونها أمامهم على شاشة كبيرة.. وفيها صوره هو وفاليريا من ليلة الأمس حين اصطحبها لمسرحية للكاتبة المفضلة لديه بريجيت سميث.. وتعليقات مليئة بالقلوب على الخبر.. وكلمات مثل الأميرة والسياسي الوسيم.. والجميلة و الغامض.. وهكذا.
ثم سألهما بجدية
"أتعتقدان أن أسهم الناخبين سترتفع؟"
هتفت باريس:
"أتمازحني؟! لقد حطمت أسطورة ماكرون رئيس فرنسا.. وميغان وهاري.. كل الفتيات يرغبن بك.. وكل الرجال يرغبون بأخذ مكانك!"
ارتفع حاجبيه بدهشة.. حسنا هذا يغير قواعد اللعبة.. فقد كانت تظن أنها ستلعب به وبشقيقه من قبله.. وها هو يستخدمها لمصلحته الخاصة وبكل تعمد.
إذًا.. فلترتفع اللعبة لمستوى آخر.. لتبقى برفقته أكثر.. فهو المستفيد أليس كذلك؟
برغم ذلك الشعور الغريب.. وبرغم لحظات من الندم حين يجد في عينيها نظرة سعيدة بحق لوجوده معها.. ولكلمات المجاملة الخفيفة التي يسمعها إياها.. ولكن عندما تختفي نظرة السعادة وتحل محلها الهوس الرهيب حين يتواجد مصوري الفضائح.. وكيف تتموضع لهم وأمامهم يزداد اشمئزازه منها.
هل يخدعها؟. ربما.. ولكنها تستخدمه وبطريقة قذرة وبلا أي هدف سوى الشهرة واسم في الصفحة السادسة.. إذًا.. ما المانع؟!
نظر لجون وهو يقف مغادرا وقال:
"لقد دعاني السير ساينت ريدلر للعشاء في قصره في بلومزبيري.. اتصل به وأكد موعدًا خلال هذين اليومين فأنا مسافر في نهاية الأسبوع لمنزل والدي في ويلز"
وكان ذلك اليوم فاصلا في حياته.. فحين خرج من مقر الحملة هاتفه كولين يستنجد به كالعادة:
"منقذي الرائع كاي"
أدار عينيه بيأس وسأل:
"ماذا تريد كولين؟"
كان يبدو أن شقيقه يتحرك فهناك ضجيج حوله وهو يلهث:
"لقد خرجت في رحلة تجذيف مع فريق أوكسفورد في التايمز.. ولكن وحين بدأ السباق تذكرت أنه يجدر بي جلب الهدية التي أوصى عليها والدي من المتجر كما اتفق معي"
تنهد كايدن:
"يا إلهي كولين.. هل نسيت هدية عيد زواج والدينا؟. لقد طلب منك والدي شيئًا واحدًا فقط.. أن تجلب الهدية فهو لا يستطيع أن يسافر في منتصف الأسبوع ويلغي محاضراته.. شيء واحد فقط أيها الأحمق!"
هتف كولين بيأس:
"أتريدني أن ابكي؟. لأنني سأبكي.. وسأصبح أضحوكة.. أتعلم سأقطع التايمز سباحة وأنا انتحب كامرأة ريفية أفسدت الأرانب مزرعة اليقطين خاصتها!"
ورغما عنه ابتسم كايدن للوصف:
"حقا.. امرأة ريفية كولين؟! حسنا أرسل موقع المتجر وسأذهب لإحضار الهدية وسأقابلك على العشاء"
وأخبر باولو بالعنوان ليجده متجر مجوهرات معروف.. وكانت تلك الكارثة التي قلبت معايير اللعبة.. فكل مصوري الفضائح التقطوا صورته وهو يستلم علبة زرقاء صغيرة تحمل اسم محلات تيفاني!
*****
الفصل الثاني
توقفت سيارته الخاصة التي كانت في انتظاره في مطار مدينة سان جان ديلوز.. أمام فيلا تصدح منها أصوات الموسيقى الصاخبة فتفسد السكون المسالم المحيط بالحي.. واستغرب كيف أن سكان الحي لم يطلبوا الشرطة حتى الآن.. ولكن وفي مثل هذا الوقت من السنة فأغلب المنازل الصيفية خالية من روادها.. إلا من يبغون عزلة تامة.
فتح باولو الباب وقال بهدوء:
"سيدي.. أتريد أن أدخل لأنادي السيدة غلاديسون؟"
شيء من الحذر جعله يلوح بيده وهو يتقدم نحو باب الفيلا ويقول:
"انتظرني هنا باولو"
ما إن دلف المكان حتى ارتفع شعور بالنفور داخله وهو يراقب الراقصين ورواد الحفل الثملين حتى النخاع.. بحث بعينيه فوجد رود حارس فاليريا يقف في ركن بعيد.. حيث مجموعة من الأرائك موضوعة بطريقة تجعل من يجلس عليها يحظى ببعض الخصوصية.. بعيدا عن المتدافعين على هذه الموسيقى الشيطانية.
اقترب منه فانتبه الحارس لوجوده واعتدل بسرعة بتحية عسكرية واضحة.. فأشار كايدن له بخفة أن يسترخي فهو لا يريد لفت الانتباه.. يكفيه أن رود يرتدي الملابس الرسمية ويقف كعمود جامد وسط هذا الكم من الأشخاص.. تقدم أكثر لترتبك خطواته للحظة وهو يشاهد فاليريا.. زوجته.. تجلس فوق الأريكة وتضع ساقا فوق الأخرى لتكشف ساقيها من فتحة فستانها الأحمر القاني أمام... أمام وغد يكاد يميل فوقها وهي تتحدث بدون توقف.. وهو يضحك بصخب!
اللعينة!
اقترب أكثر من خلفهما ليستمع لها تقول:
"أنا أحب فرنسا.. أنتم الفرنسيون تعرفون تماما كيف تستمتعون بوقتكم.. ليتني أعيش هنا ولكن زوجي يعشق لندن الرمادية"
ليرد الرجل بلزوجة كريهة:
"وزوجك هذا كيف يترك امرأة بفتنتك تتجول وحيدة؟. لو كنت زوجتي لم أكن لأتركك تغادرين السرير"
ارتفع صوتها بحدة ذاهلة:
"حقا؟! لأنني أغادر السرير وأذهب إليه لوحدي"
" :-لماذا؟"
ضحكت بصوت غريب:
"لا أدري.. ولكن أتعلم ربما كان كايدن لا... اممم... أنت تعلم"
ضحك الرجل وسخر:
"أتعنين أنه لا يستطيع؟. يا إلهي يا لها من خسارة!"
أومأت وهي ترد بنفس السخرية:
"أجل.. لا يستطيع.. ولا يعرف.. ولا يريد!"
وعادت برأسها للخلف ضاحكة بصخب تلفت الانتباه لها بطريقة مثيرة للتقزز.. اشتعلت له أذني كايدن حنقاً.. هذا يكفي.. لقد سمع ما يكفي!
انقض فجأة مقتحمًا الجلسة الحميمة وهو يمسك بذراعها.. ويرفعها بخفة والنفور يملأ جسده من مجرد لمسها.. وانحنى فوق أذنها يهمس:
"إن كنت تملكين أدنى حس بحب البقاء ستأتين معي بدون صوت"
التفت إليه رافعة نحوه تينك العينين اللعينتين.. مجددًا نفس البراءة المخادعة.. نفس لمعة الدموع المصطنعة التي لا تفارق عينيها.. كيف تستطيع فعلها؟!
أم هو عيب خلقي في عينيها لكي تبدوان مغرورقتين بالدموع دومًا؟
همست بدون تركيز:
"كايدن؟! أن..."
قاطعها بحدة وأصابعه تحفر في لحم ذراعها.. لتكور شفتيها بتأوه لم يسمح له أن يؤثر به:
"إياكِ.. ولا كلمة حتى نصل المنزل!"
وسحبها خلفه ولكن الرجل الغريب هتف:
"هااي يا رجل ماذا تفعل؟"!
فأشار كايدن لرود الذي وقف بينهما وبين الرجل ولم يبقى كايدن لرؤية ما الذي يفعله معه.. فكل همه الخروج بهذه القذرة من هذا المكان اللعين.
لا يستطيع؟!
الأفعى الخائنة!
خرج من الفيلا نحو سيارته ولم ينتظر حتى أن يفتح باولو الباب.. ففتحه هو بقوة ورماها فوق المقعد الجلدي بعنف.. وجلس بجوارها وهو يغلق الزجاج العازل للصوت بينهما وبين باولو والسائق.. والتفت إليها وهي نصف مائلة برعب نحو النافذة تحدق به بعينيها المتسعتين.. فعاد ليمسك بمعصمها يقربها منه ويهمس بغل وحنق وشيء آخر...
ذلك الشيء اللعين!
-: "لا يستطيع!"
رمشت بدون تركيز وهي تهمس:
"م... ماذا؟!"
هتف بها بقوة:
"اخرسي!!"
وأضاف وهو يمرر يده فوق ساقها العارية وذلك الشيء يموج بداخله مشتعلا يزيد من تأجج نيران غضبه.. فمرت أصابعه عنيفة وقوية فوق بشرتها وصولا لأعلى ساقها حيث ارتفعت حرارة جسدها أسفل لمسته.. فغرس أصابعه في فخذها فلهثت بقوة جعلت صدرها يكاد ينفجر من فتحة فستانها.. وهو يقول بهمس مشتعل بنيران مكبوتة منذ ثلاثة أشهر.. منذ أول مرة شاهد هاتين العينين وهذه الشفاه:
"أتعلمين فاليريا.. سأجعلك تحكمين بنفسك إن كنت لا أستطيع أم لا!"
وانقض بفمه يمتلك شفتيها بقسوة كاتمًا لهاثها الحار.. وآخذًا بكل قوة ما هو حقه.. أليست زوجته.. أليست ملكه؟. لماذا يترك الآخرين يتمتعون بممتلكاته؟!
سيجعلها تدفع الثمن.. سيجعلها تندم يوما لكونها فكرت حتى أن تخدعه..
تلك الصور تحمل تاريخًا في وقت مواعدتهما.. لقد كانت تخونه وهي معه!
من أي شيء مصنوعة هذه الشيطانة؟
من النبيذ والأقحوان البري الأبيض!!
فهذا هو المذاق الذي يسيطر على فمه وعلى كل حواسه كلما كانت بقربه.. مذاق مسكر مثير لكل خلية تصرخ بالرجولة بداخله.
تباً!!
متى وضع يده في شعرها؟!
لقد امتدت يده التي كانت تمسك بمعصمها لتحتضن خصلات شعرها الشقراء بلون العسل.. ثم تهبط أسفل عنقها ليضغط فوق تلك الشامة التي يعلم أنها في مؤخرة عنقها فمالت هي برأسها شاهقة.. ليستغل لسانه هذه الفرصة فاندفع بنارية غريزية يتذوق طعم فمها ويداعب بزمجرة ذكورية لسانها الناعم الرقيق.. لتئن أسفل منه فارتفعت يده التي استقرت فوق فخذها نحو الأعلى أكثر حتى...
طرقة مفاجئة جعلته يشهق مبتعًدا.. و بكل قسوة دفعها بعيدًا فانكمشت محدقة به ببركتين بحريتان مليئتين بالدموع.. وشفاه متورمة حمراء.
تبا لها.. الساحرة المشعوذة.. ماذا فعلت به بحق الجحيم؟!
نظر حوله ليجد أن السيارة توقفت أمام باب قصرهما الريفي الصغير.. فأمسك بذراعها مجددًا وسحبها خلفه مندفعًا من السيارة نحو مدخل القصر وهو يشعر بأنين معترض منها:
"كايدن.. انتظر!"
ولكنه لم يهتم.. وحين قابلته السيدة روسو:
"مسيو غلاديسون..."
هتف بها بقوة:
"ليس الآن!"
وبنفس الاندفاع هرع بتلك التي تشهق باكية خلفه كأنها تساق للإعدام.. أليست من قال أنه لا يعرف.. لا يستطيع؟!
وصل لباب الجناح الخاص به ففتحه بسرعة.. ودفعها للداخل بعنف وهو يغلق الباب خلفهما.. وحين التفت وجدها ترفع يدها نحوه وتهمس:
"كايدن توقف.. اسـ... استمع لي!"
نزع سترته وبدأ يحل ربطة عنقه وهو يقترب منها وكل الأفكار السوداء تتقافز بداخل عقله.. كم رجل عبثت معه وهي برفقته غير مارلون سانت كلير؟. هل كان الكل يعلم بتفاصيل علاقتهما؟
هل تقبل الجميع بنفس الطريقة التي.. التي قبلها بها؟!
هل تمنح زهرة الأقحوان لغيره؟!
عليها اللعنة!!
قال بوعي مغيب عن كل التعقل الذي يميزه:
"لماذا سأستمع؟. لقد سمعت ما يكفيني.. حان الوقت لكي أريك عزيزتي فاليريا.. أنك عبثت مع الشخص الخطأ"
هزت رأسها بقوة فتناثرت خصلات شعرها وهي تقول بصوت ثقيل وهي تتراجع للخلف بعدم تركيز تجاهله:
"ل... لا... ليس هذا"!
وصل عندها بحركة واحدة وجذبها لترتطم بصدره العاري بقوة.. فاستندت بكفيها على صدره ليعود ذلك الشيء اللعين ينتشر أسفل راحتيها.
سم؟! أجل أنها تنشر سمومها!
أمسك بذقنها بيده يضغط عليها وهو يقول أمام شفتيها:
"ليس ماذا فاليريا الجميلة؟. أليس هذا الفم هو من قال لا أستطيع؟!"
واقترب يأخذ شفتها السفلى بين أسنانه بقسوة يمتصها ويتركها بطريقة مهينة.. ثم مرر يده الحرة فوق خصرها حتى أعلى مؤخرتها:
"أليس هذا الجسد من يلتصق بالأوغاد بدلا من أن يمتع زوجك الذي لا يريد ولا يستطيع؟!"
وبحركة واحدة وجد سحاب الفستان وجذبه بسرعة.. وعاد للخلف خطوة ومازال يمسك وجهها بيده بقسوة وقال آمرًا:
"انزعي فستانك فاليريا"!
هزت رأسها وغامت عينيها والدموع تنهمر أخيرًا.. بكت ملكة الإغراء!
تمالك انقباض قلبه وهو يهتف بغضب جعلها تقفز مكانها:
"انزعيه!"
":-ل... لا!"
ابتسم بسخرية:
"خجلة؟! أليس الوقت متأخرًا على شعورك العذري هذا.. أليس الوقت متأخرًا لكي تتظاهري بالعفة؟!"
وبعنف أمسك بحمالتي فستانها وجذبهما لأسفل.. ولكن وما أن هبطا كاشفين صدرها حتى ترنحت للأمام والخلف.. وانحنت بسرعة لتفرغ كل ما في جوفها فوق حذائه فعاد للخلف بحركة تلقائية.. ولكنه أسرع ليتقدم ممسكًا بها حين لوحت بذراعيها بعدم اتزان تكاد تسقط للأمام.
أحاط بخصرها بذراعه وبالأخرى أخذ يزيح شعرها للخلف ممسكا به كي لا يعيقها.. وهي تتابع إفراغ معدتها بتأوه وبكاء حرق أعصابه.. فلم يدري بنفسه إلا وهو يتمتم لها:
"ششش اهدئي.. ها قد انتهيت.. هيا الآن اخرجي كل شيء"
وحين انتهت هزت رأسها فمشى بها نحو الحمام ليجلسها على حافة حوض الاستحمام.. وجلب منشفة رطبة ومسح وجهها.. ملاحظا هذه المرة وقد ذهب غضبه وحل محله شيء من الشفقة أنها كانت ثملة حد الانهيار.. ولكنه لم يرى هذا.. لقد أعماه غضبه فتهور!
لم يفعلها أبدا!!
يا لكل الأشياء التي ستجعله فاليريا ساينت ريدلر يفعلها!
****
تقلبت فاليريا في فراشها الناعم ورائحة عطرها المفضل تحيط بها فتجعلها تريد الابتسام.. تقريبا تريد.
لماذا لا تبقى نائمة العمر بأكمله؟
النوم عالم كامل من الفرص والظلام المريح.. ظلام يمكنك تلوينه كما تريد.. أحلام تتحقق.. حب يحملها ويحيط بها..
و... وهي... هناك أيضًا.. ولكنها يجب أن تستيقظ.
لا تتذكر متى عادت بالأمس من تلك الحفلة التي دعيت إليها عن طريق صديقتها.. إنها تتذكر فقط كمية الشراب المهولة التي احتستها بدون تركيز فقط كي تنسى.
فتحت عينيها بحذر مستعدة لتواجه غثيان الثمالة الذي يجب أن يضرب رأسها ما أن تفتح عينيها.. ولكن وحين فتحتهما لم يحدث شيء.. لم يضربها الصداع!. لم تئن مجفلة من الألم الحاد المعتاد.. ممم هذا غريب.. ربما جعلتها مدام روسو تتناول بعض ال...
لا!!
يا إلهي!!
ضربتها الذكريات فجأة كوميض من الصور المتتالية..
كايدن في الحفل..
كايدن يقبلها!!
كايدن..
يقبلها؟!
احمرت وجنتيها وأغمضت عينيها بسرعة تعض شفتيها تكبت ابتسامة سعادة ماتت قبل أن ترتسم حتى وهي تتذكر التفاصيل بين هذه الصور.. فعادت للانكماش على نفسها ونهضت بسرعة تريد أن تتمالك نفسها.. فلا يجب أن يراها بهذا الشكل.. لا يجب أن يراها بهذا التشتت والضياع.. يجب أن...
ولكن جسدها تجمد فجأة وهي تلمح بطرف عينيها جسدًا مستلقٍ جوارها.. في سريرها وحجرتها!
التفتت ببطء لتجد كايدن مستغرق بالنوم بجوارها مبتعدًا عنها بالطبع.. ولكن بجوارها على سريرها.. كزوج و زوجة طبيعيين!
لم تعلم ماذا يجب أن تفعل؟. فتراجعت بخفة لتركض نحو الحمام حيث تستطيع تمالك أفكارها..
نزعت ملابسها و وقفت أسفل رذاذ المياه الدافئة تفرك جسدها بقوة وهي تتذكر..
منذ البداية!
***
حين هاتفتها إحدى صديقاتها المزعومات وهي تهتف بحماس مصطنع:
"فاليريا يا ماكرة لقد استطعت الفوز وبالأخ الأكبر!"
ابتسمت بغرور تحب التظاهر به بين هذا الوسط اللعين من فتيات المخمل:
"أخبرتكن أن لا أحد يستطيع مقاومة فاليريا"
ضحكت الفتاة بمرح تكاد فاليريا تقسم أن خلفه غل وحقد مبطن.. فهذا هو واقع الجميع:
"إذًا متى الموعد؟"
عبست بعدم فهم وسألت:
"أي موعد؟"
":-هيا الآن لا تتظاهري بالجهل.. الخبر قد انتشر في وسائل التواصل ومجلات وصفحات النميمة"
أسرعت لتفتح الجهاز اللوحي الخاص بها وهي تتظاهر بمعرفة ما تقوله صديقتها:
"يا إلهي هل انتشر بالفعل؟. تبا لأولئك المصورون لا يتركون لنا أي خصوصية"
وضعت راحتها فوق فمها تكتم صيحة ذهول وهي تشاهد الخبر أمامها.. مع صورة كايدن وهو يخرج من محل مجوهرات تيفاني يحمل مغلفًا ورقيًا أزرق اللون صغير الحجم.. والخبر بخط عريض:
(السياسي المفضل لنا و الغامض شوهد يحمل صندوقًا أزرق صغير.. اتركي قالب الحلوى لمن خسرن المنافسة فاليريا ساينت ريدلر.. فقد فزتِ لتوك برجل العام.. وقد سقط السياسي المتحفظ في شباك أميرتنا المخملية)
أخذت تتقافز راقصةً و تدور حول نفسها تلكم الهواء بسعادة عارمة.. ثم رمت بنفسها فوق سريرها الضخم المحاط بالستائر الحريرية.. وهي تسمع صديقتها تثرثر عن المصورين وكيف تسارعوا لنشر الخبر.. فتمالكت نفسها وقالت بهدوء لا تملكه:
"أووه لابد أن حبي كايدن مستاء من كشفهم لمخططنا.. سأهاتفك لاحقًا عزيزتي إلى اللقاء"
ورمت بالهاتف واحتضنت الدمية المحشوة الضخمة بجوارها.. وهي تدفن رأسها في القماش الطري وتصرخ بحماسة سعيدة.
إنه يحبها...
يا إلهي كايدن يحبها!!
مازالت تتذكر موعدهما الأول.. وكيف كانت تنوي أن تدعو شقيقه الأصغر للعشاء ولكنه هو من أجابها.. يا للقدر!
ظلت تبحث عن الحب طويلًا وكثيرًا.. و حين شاهدت كولين ظنت للحظة أنه هو رجل أحلامها فهو مرح ومنطلق وناجح.. ومما سمعت عاشق عاطفي رومانسي للغاية.. ويا إلهي كم كانت تريد هذا.. ولكن القدر رمى أمامها الأخ الأكبر.
كايدن.. المتحفظ البارد صارم النظرات وقليل الكلام.. لا تنكر أنها أحبطت حين رد عليها.. ولكن فضولها جعلها توافق على الخروج معه في ذلك الموعد.. ومازالت تتذكر حين مد يده ولمس يدها.
يا للجحيم!!
أهذه هي الكهرباء الحسية التي يقولون أنك تشعر بها حين تلمس توأم روحك؟
لم تكن كهرباء بل صاعقة ضربتها كلها.. بدءًا بوعيها الذي أدرك كم كان كايدن غلاديسون رجلًا جذابًا ولبقًا وفاتنًا.. مرورًا بقلبها الذي ازدادت ضرباته سرعة برهبة حين سمعت صوته المميز.. حتى جسدها الذي انتفض حين شعر بلمسة يده التي لم تستمر سوى للحظة.. ولكنها كافية لتغير كل مفهومها عن اللمسات والقبلات وكل شيء حسي.
فراشات انطلقت ترفرف بداخلها وعينيها تكبح دموع سعادة.. أخيرًا وجدته.. أخيرًا!
صحيح أن مصور الفضائح في تلك الليلة لم يتركهما ولكن ربما ذلك كان لفائدتها.. وهذا شيء إضافي لتتمسك بكايدن.
الصحافة تلاحقه.. وليست تلك الصحافة الصفراء التافهة.. لا بل أهم قنوات الأخبار وأهم صحف السياسة والأعمال حيث سيكون دوما محط الأنظار وهي كذلك.. فبرفقته ستتصدر دائما أولى الصفحات وأول الأخبار في الصفحة السادسة.
لعلها تحقق حلمها..
لقد كان كاملا!
رجل أحلامها المثالي!
وها هو يريد أن يطلب يدها!. لهذا كان يتفق مع والدها على موعد للعشاء؟!
اعتدلت فجأة وأسرعت لتمسك بهاتفها لتحادثه وتتظاهر بالجهل بالأخبار المنتشرة.. وما أن سمعت صوته حتى قالت بحالمية وشيء من الإغواء الذي تتقنه ولكنها لا تتصنعه معه:
"كايدن حبي لقد سمعت من مساعد والدي أنك ستأتي لتناول العشاء الليلة في قصرنا"
بطريقته المتحفظة التي تعشقها رد:
"اجل فاليريا.. طلبت من مساعدي جون تحديد موعد يناسبه لنتحدث ببعض الأعمال"
كتمت ضحكتها.. أعمال.. هه إنه يريد أن يفاجئها:
"سأنتظرك إذاً الليلة حبي"
":-أتطلع لهذا"
همست بتردد:
"كايدن.. أنا أحبك"
وانتظرت.. ولكنه ودعها برسمية.. فانتظرت أكثر لعله في المساء يقولها.
وأتى مساء وقابلته بحماس وهي تكاد تقفز بسعادة مفضوحة تريد تقبيله لأول مرة!. ولكن والدها هتف من خلفها:
"فااال!"
تجمدت مكانها وارتبكت وهي تحدق نحو والدها الذي نظر إليها بخيبة أمل كالعادة.. وتقدم ليرحب بكايدن الذي ولحسن حظها لم يلاحظ شيئًا من ارتباك علاقتها بوالدها:
"غلاديسون مرحبا بك في منزلي المتواضع"
ابتسم كايدن برسمية وهو يرد:
"لا شيء متواضع فيه سير ساينت ريدلر"
ضحك والدها بصخب كعادته حين يمتدح أحدهم منزله المليء بالتحف الجامدة بلا حياة وقال:
"لا داعي للرسميات كايدن.. نحن سنصبح عائلة"
ارتفع مقياس الإثارة بداخلها حد الانفجار حين ابتسم كايدن بارتباك رائع:
"بالنسبة لهذا سيدي.. أظن أن المصورون أ..."
قاطعه والدها وهو يحيط بكتفيه يقوده نحو المكتب ويقول:
"ليذهب المصورون للجحيم إنها ضريبة أن تكون ناجحا بني.. لقد هاتفني اللورد سبنسر لتوه يتميز غيظًا.. لأنني وكل رفاقي اللورد مكارثي.. والسير هيدلستون.. واللورد ستيفنسون.. اتفقنا أن نصوت لصالحك في الحملة الانتخابية"
وغابا في الداخل لساعة كاملة لم تقترب هي من باب المكتب فقد اكتفت بالإشراف على تحضيرات مائدة العشاء حتى أخبرت كبير الخدم أن يخبرهما أن الطعام جاهز.. فهي ممنوعة من دخول مكتب والدها ككل شيء يخصه.
وحين خرجا كان كايدن يحدق بها بطريقة مختلفة جعلت قلبها يرتعش توترًا.. ولكنها تجاهلت بغباء شعورها وهي تتظاهر بحماقة كم هي سيدة راقية في تنظيم العشاء وطريقة تقديمه.. ورغم أن كلا الرجلين لم يطريا عليها إلا أنها لم تهتم.. ففي آخر السهرة ستنفرد بكايدن لوحدهما.. وسيتحدثا وستخبره بكل ما بداخلها أخيرًا.
وربما سيفهمها!
ويساعدها!
المهم إنه يحبها ومن المؤكد أنه سيساعدها.. أجل!
انتهى العشاء وانسحب والدها وهو يرميها بكلماته القاسية كالمعتاد:
"لا تجعلي كايدن يتأخر فهو رجل ذو مشاغل مهمة وليس مثلك"
"أخيرًا فعلت شيئًا عاقلًا بارتباطك برجل مثل كايدن"
"أرجو أن تتوقفي عن مغامراتك السخيفة وتصبحي سيدة بحق جديرة باسمك"
جمل سامة تخترقها كل يوم منذ ولادتها حتى هذه اللحظة..
يكرهها؟!
بكل تأكيد.. وإلا لماذا يجعلها دومًا تشعر بمثل هذا السوء؟
لماذا هو جامد وبارد معها؟
لا يهم.. أجل لم تهتم في حينها فهي كانت تتأبط ذراع حبيبها الوسيم الرائع.. وتخرج لكي تتمشى معه في حديقة قصرها كأميرة خيالية في حكاية ذات نهاية سعيدة.
ولكن كل أحلامها تحطمت حين ابتعدا قليلا حتى دائرة من زهور الأقحوان التي زرعتها خصيصًا لكي تجلس أمامها كلما شعرت بالحزن.. وواجهها كايدن حينها بالواقع كصفعات متتالية فوق وجهها.. وفوق وعيها وإدراكها:
"استمعي إلي جيدًا فاليريا أنا لا أحبك ولن أحبك.. وهذا أول شيء أرغب في إخبارك إياه.. بل أكرهك واحتقر من هن مثلك.. ربما للحظة ظننت أنني قاسٍ معك.. ولكن وبعد ما أخبرني به والدك قبل العشاء تأكدت كل ظنوني"
كل برودة الكون لم تكن تضاهي تلك البرودة التي أحاطت بها وهو يقترب منها بدون أن يلمسها حتى ويتابع:
"تريدين الإيقاع بشقيقي؟! حسنا حظًا سيئًا لك عزيزتي لأنك وقعت تحت يدي.. فأنا لن أتساهل أبدا في حمايته.. فما بالك بمن يقترب مني أنا شخصيا؟"
رمشت لا تفهم ما يقول.. ثم أدركت أنه ربما سمع شيئًا من ثرثرة صديقاتها فحاولت الكلام:
"لا.. أنت لا تفهم.. كولين كان فقط..."
بنبرة جليدية قاطعها:
"إياكِ أن تنطقي اسمه على لسانك حتى.. شقيقي خارج نطاقك الأسود السام.. أما بالنسبة لي فدعيني أهنئك.. لقد لعبتِ اللعبة بمكر وربما فزتِ في الشوط الأول.. ولكن هذا لأني ظننتك اتفه من أن انتبه لعبثك والآن اختلف الأمر يا صغيرة.. والدك وشركاته أصبحوا تحت إمرة فرقعة صغيرة من إصبعي كي لا أدمرهم تماما.. فقد استغللت لعبتك لكي أجعله يوقع اتفاق شراكة بالنصف وبميراثك تحت اسمي كوصي عليك لأنه لا يثق بك.. والآن أنا وقانونيًا أمتلك أربعون بالمائة من أسهم ثروة ساينت ريدلر كوني صهره العزيز.. و وصي على عشرين بالمائة من أسهمك التي سترثينها.. أتعلمين بعقلك الخبيث هذا ماذا يعني كلامي؟"
لا.. لا تفهم.. إنها تتحطم فقط وتنكسر ككل مرة!
ولكنه لم يهتم وتابع:
"إنني أملكك فاليريا.. أنت فزت بزوج.. وأنا فزت بانتقام سيجعلني إن فزت بالانتخابات الأكثر نفوذا.. وفزت لأنني سأحطمك وأعلمك قدرك الحقيقي.. وحين أتركك فاليريا لن تستطيعي أن تظهري وجهك أمام الإعلام مجددًا.. أنت حتى لن تملكي المال لتدفعي مقابل خططك القذرة"!
اتسعت عيناها بارتياع وهي ترمش مدركة أنها لن تستطيع التحكم بمالها بدونه.. ضاع حلمها..
ابتسم مسيئًا الظن بخوفها واقترب منها:
"إن كنت فتاة مطيعة فستدخلين هذا الزواج كاتفاق عمل رسمي.. وتتصرفين كامرأة ناضجة محترمة.. وتظهري بالمظهر الرائع والمثالي الذي تتقنيه.. سنظهر أمام الجميع كزوجين عاشقين لا أحد سيعلم بما بيننا.. إن فعلت هذا وأطعتني ربما استطيع أن أغير نظرتي عنك"
بأمل رفعت عينيها نحوه.. يا الهي هناك أمل.. أجل.. ستثبت له أنها تستحق حبه.. إنها امرأة جديرة بحبه.. لابد أن تفعل.. فلا يمكنها أن تخسره بعدما وجدته.
همست بأمل:
"أعدك كايدن أنني سأكون عند حسن ظنك فقط أعطني فرصة لأثبت لك.. أنا يمكنني أن أكون امرأة جيدة.. أجل أقسم لك أنني سأكون جديرة باسمك"
مرر نظراته عليها باستهتار وقال:
"سنرى"
وهذا ما حدث..
تزوجا تحت أنظار العامة والصحافة التي تتحدث عن ابنة اللورد.. الليدي فاليريا والسياسي الصاعد بقوة كايدن.. ثنائي بمليون دولار.. رائعي المظهر سويا تعشقهما الكاميرا.
كانت علاقتها بشقيقه حذرة رغم أنه حاول أن يكون صديقًا لها.. ولكنها اكتفت بالمجاملات الرسمية ونظرات كايدن الحذرة تراقبها كصقر.
سيعرف الحقيقة يوما ما..
أجل.. سيعرفها!
ولكن وبعد شهرين كاملين من زواج بارد وهي تحاول أقصى جهدها كي تثبت له أنها امرأة جيدة.. بعد ليالي كثيرة يكون فيها أمام الناس جذاب فاتن متحدث ومرح.. ويحتضنها ويلمسها ويهمس في أذنها ويسحب المقعد لها.. بعد كل الوهم الجميل الذي تعيشه برفقته خارج جدران منزلهما.. تعود للواقع حين يرجعان للمنزل ويذهب لحجرته بدون كلمة واحدة لها..
تصبح مجرد قطعة أثاث في منزله لا يراها حتى بعينيه.
كان الأمر مهلكًا.. مرهقًا.. ومميتًا.. ولكن ما حطم كل أمالها كان تلك البريجيت!
مما عرفته أنها تساعد كولين في كسب ود امرأة ما.. وقد عرفتها فهي كاتبة مسرحية مشهورة وناجحة.. والكاتبة المفضلة للأخوين غلاديسون.
حين حضرت لمنزلهم باحثة عن كولين الذي كان يمكث محطمًا في حجرة الضيوف حينها.. علمت فاليريا أنها أبدًا لن ترضي كايدن.
فزوجها البارد الجامد ما أن فتح الباب لتلك السمراء القصيرة حتى تحول بالكامل لرجل مليء بالحيوية وهو يمسك بيدها.. وعينيه تشع إعجابًا صريحًا وواضحًا جعل الفتاة تحمر خجلًا حتى.. ساعتان كاملتان وهو لا يدرك حتى أنها متواجدة في الجلسة.. فكل تركيزه منصب على بريجيت التي كان يناقشها في آخر مسرحية كتبتها.. ساعتين حين تلعثمت بريجيت خجلًا وسألتها من باب الذوق:
"وأنت سيدة غلاديسون.. هل تحبين المسرح؟"
حينها التفت كايدن بحدة نحوها والتقت نظراتهما لجزء صغير من الثانية.. جزء تافه عرفت فيه أنه أبدًا لن ينظر إليها بهذه الطريقة.. لا يراها ولن يراها!
هل كسر قلبها في تلك اللحظة.. وهل يهم كم مرة قد كسر؟
فهي ومنذ بداية حياتها منبوذة مكسورة القلب ومحطمة.. فلن يضير أن يأتي كايدن بجرح جديد ويضع ندبته فوق قلبها المشوه.
وبعد تلك الليلة أخذت قرارها.. ستنتظر أن تنتهي زوبعة فوزه بالانتخابات وتقليد الملكة له بوسام فارس وبعد أن يهدأ الوضع ستطلب الطلاق.. وحتى ذلك ستتحجج أنها تريد قضاء بعض الوقت في فرنسا في قصرهما على ضفاف خليج بسكاي.
ولكن حتى هذا لم تنجح به.. فها هو يلحق بها ويجدها في أسوأ وضع يمكنه أن يجدها فيه!
***
" :-لِمَ العجلة؟!"
انتفضت أسفل المياه وهي تلتفت للخلف.. لتشاهد بطل ماضيها وأحلامها وكوابيسها يقف أمامها.. يبتسم بسخرية لعينة فتلعثمت وهي تقع أسيرة تينك العينين البنيتين اللتين تشعر وكأنهما تعريانها.
يا إلهي إنها عارية بالفعل!
وهو كذلك!
":-مم... ماذا... تفعل هنا؟!"
اقترب منها فتراجعت والرذاذ الدافئ يتساقط فوق شعرها وعينيها فتشوش الرؤية.. وما أن مسحت عينيها حتى فوجئت بالمياه تغلق بحدة وهو يقترب ليحاصرها ويلتصق بجسدها بطريقة أشعلت كل أعصابها فشهقت وهو يقول:
"أكمل ما بدأناه بالأمس"
وانحنى يأخذ شفتيها بقوة متملكة وذراعه تحيط بخصرها.. بينما يده الأخرى تحيط بعنقها وتعبث بشامتها.. كيف استطاعت العيش بدون قبلته.. بدون هذه الشفاه التي تأخذ وتمتلك وتطالب؟. بقسوة ربما ولكنها كانت كصحراء عطشة لأي نوع من العاطفة.
فلا يهم طريقته.. ليكن قاسيا.. ليكن عنيفا..
ولكن ليبقى.. ليحبها فقط!
وللمرة ال... مليون.. تحطم قلبها حين رفع رأسه يجذب شفتها السفلى بين أسنانه.. فأنت باحتياج يائس وسألها ببرودة جمدت دمائها في عروقها:
"هل أنت آمنة؟!"
******
الفصل الثالث
":هل أنت آمنة؟"
بدون تركيز رمشت والدموع تغشى عينيها تحدق بحبيب القلب.. رجل أحلامها الذي كانت مجرد دمية تتحرك وفق رغباته طوال ثلاثة أشهر تحاول أن تكون مثالية له.. وها هو يسألها إن كانت آمنة؟!
هزت رأسها بأسى للأسفل ودفعته تريد الابتعاد.. ولكنه أساء فهم حركتها لأنه قيدها بذراعيه بقوة وهو يهمس بنفس القسوة:
"هذا جيد!"
رفعت رأسها بذهول وفتحت فمها برعب تحاول أن تتحدث.. ولكنها شهقت حين انحنى يحملها بين ذراعيه خارجا من الحمام معترضة:
"ماذا تفعل؟"!
لم يكن ينظر إليها حتى وهو يرميها رميا فوق السرير ويجثم فوقها بضخامته المرعبة.. وضع إحدى ساقيه بين ساقيها ويده القاسية تتمسك بخصرها بقوة.. والأخرى تمر فوق شفتيها بأصابعه وعينيه تتحداها ببرود وقال:
"أثبت خطأ ادعائك يا صغيرة"!
قرب ساقه من بين ساقيها بطريقة حميمة فهمست بيأس باكٍ
"كايدن.. لا..."
فأسرع يمسك بذقنها ويضغط أصابعه حول فمها فاكتفت بالدموع الصامتة:
"ششش.. ألم تكوني ترغبين بهذا من البداية.. ألم تقولي أنك تحبيني؟. اثبتي هذا"!
ورفع يده ليستبدلها بفمه وشفتيه التي أخذت شفتيها بكل تجبر وقسوة.. يمتلك ويقتحم ويأخذ ما هو له.. فمه يعبث بها فيذهب بعقلها بقبلاته الشغوفة.. و جسده يشتعل فوق راحتيها الممتدتين على صدره وكتفه.. فيجعلانها تشعر أنه يرغبها.. ولكن وحين يبتعد قليلا ليلتقط أنفاسه ترى عينيه.. وتشعر بيديه..
كيف تتعارض لغة جسده بهذا الشكل؟!
فم وجسد عاشقين.. ويدين وعينين جلادتين!
يداه كانت قاسية تتمسك بكل وأي شيء تطاله بها تؤلم قلبها.. وحين شهقت باكية استند بيديه جوار خصرها ورفع نفسه قليلا يلهث بقوة وأنفاسه الحارة ترتطم بجسدها وصدرها المبلل فتشعلها.. كيف تتأثر به بهذه الطريقة.. كيف تكون بهذا الرخص؟!
أما كايدن فقد تجمد جسده حين وجد دموعها تسيل وتغرق وجنتيها.. فرفع نفسه متراجعا يحدق بها وعينيها مغلقتين.. وشفاهها متورمة من قبلاته.. وجسدها العاري الرطب أمامه يلتمع وينتفض أسفل منه.
آلهة الجنس والشر!. أجل هذه هي.. إنها نوع من الآلهة الشريرة المغوية.. ليليث الشيطانة!
هل تظن أنها ببكائها ستوقفه.. ستضعفه.. ستنشر ذلك السم الحارق في قلبه؟!
همس بقوة:
"فاليريا.. انظري الي!"
رمشت.. مرة واثنتان.. حتى ظهرت بركتي الياقوت الأزرق أمامه.. فقال بقوة وهو يمرر إصبعه على شفتيها بهوس مجنون.. فارتعشت وشعر بصدرها يتصلب أسفل صدره.. اللعينة المغوية!
":أنت من طلبت هذا.. فتذكري هذا دائمًا"
وبحركة واحدة كان يرفع ساقيها لتحيط بجسده وامتلكها مقتحما جسدها بتصميم معاقب و...
اللعنة!
صرخت وهي تحفر أظافرها في كتفه وتغمض عينيها بقوة.. فتجمد كل جسده وساقيها ترتعش حول خصره ووجهها يشحب أمام عينيه المرتاعة.
لا يمكن!
مستحيل..
همس بذهول
"فاليريا!"
أنزلت إحدى يديها وغطت عينيها وهي تعض شفتيها بقوة تكاد تدميهما.. فازدرد لعابه بتوتر وعاد ليهمس وهو يقترب منها.. فانتفضت فالتة منها أنة ألم.. فعرف إنه بدون قصد تحرك بداخلها.
":اللعنة فاليريا انظري الي!"
هزت راسها بلا فعاد ليلح.. وهذه المرة وضع أكبر قدر من التروي في نبرته:
"فاليريا من فضلك"
أنزلت يدها وهي ترميه بسهام اللوم الزرقاء.. فابتلع غصة ندم وتابع همسه سائلا:
"أنت... عذراء؟!"
احمرت وجنتيها بشدة ولكن كان هذا أفضل من الشحوب.. فعاد يسأل:
"لماذا لم تخبريني؟"!
بللت شفتيها بطرف لسانها فشعر بكل جسده يستثار بحركتها وكأن هذا ما ينقصه.. ولابد أنها شعرت به فازداد احمرار وجهها وهي تهمس بالبحة التي تحيط بقلبه:
"ل... لم أدرك أن هذا مهم"
ارتفع حاجبيه بذهول ثم شاهد ارتباك نظراتها.. هل هذه لعبة جديدة؟! لا فلغة جسدها وشعوره بها وكل شيء يثبت أنها عذراء.. اللعنة!
انحنى ببطء وهو يهمس أمام شفتيها:
"حسنا هذا يغير كل اللعبة يا صغيرة"
وللحظة سمح بذلك الشيء الذي يكبحه أن يخرج للسطح.. الشيء المسمى انجذاب للمرأة الأكثر خبثا.. انجذابه الذي يحاربه منذ أول لحظة سمع بها صوتها في تلك الليلة.. انجذاب أشعل غضبه وجسده وقلبه.
سمح لانجذابه لها أن يسيطر وهو يمرر شفتيه برقة فوق شفتيها وهو يهمس لها:
"استرخي يا صغيرة"
وأحاط بيده جانب وجهها.. بينما تمسك يده الأخرى بخصرها تمسده بنعومة.. وهو يأخذ شفتيها بقبلة وضع فيها كل انجذابه المكبوت إليها من أول مرة شاهدها.. قبلها كما كان يحلم أن يقبلها.. بشغف عاشق متحكم يتذوق لأول مرة طعم الربيع.. وزهرة الربيع.
انزلق لسانه بداخل فمها يداعب لسانها المثير الناعم.. بينما يده ترتفع من خصرها لتمسك بصدرها المثالي.. فشعر بسرعة بتقوس جسدها واسترخاء ساقيها حوله.. فزاد من مداعبته لصدرها وهو يتحرك بداخلها ببطء حذر متجنبا إيلامها أكثر.. تشنجت في البداية ولكن ومع مداعباته التي كانت رقيقة مثيرة لكل نقاط ضعفها الحسية.. أخذت تسترخي أكثر وأكثر بين ذراعيه.. فازداد نسق حركته وهو يشتعل برائحتها ونعومتها والحرارة المشتعل بينهما.. وهي تعود لتتمسك بكتفيه وعمقه وتئن بلذة أشعلته أكثر وأكثر.. فتمسك بشفتيها الشهيتين ويديه تجتاحان صدرها العارم.. ثم تهبطان لتحيطا بخصرها وأعلى ظهرها مندفعا بداخلها أكثر وهو يشعر أنه يكاد ينفجر.. ولكنه سيطر على نفسه حتى يجعلها تحصل على نشوتها أولا كي تخفف من ألم فقدانها لعذريتها.. فتحرك بيده نحو جسدها يثيرها بحركة ناعمة فشهقت وتقوست نحوه هامسة بنبرة لطالما داعبت أحلامه:
"أووه كايدن!"
فعلم أنها مستعدة فأمسك بها بقوة يحيط بخصرها وهو يزيد من اندفاعه.. حتى شعر بكل جسده ينتفض نشوة وكأنه ينفجر متناثرا كألعاب نارية تضرب جسده وما حوله.
يا إلهي كانت تفوق أكثر أحلامه جموحا حتى!
كتم زمجرة باسمها وهو يراها تنتفض مرتعشة أسفل منه وبين ذراعيه.. وجسدها الرطب يلتصق به هاتفة باسمه فظل ممسكًا بها حتى استرخى جسدها.. وبحركة خفيفة انقلب على ظهره ساحبا إياها معه ممدةً فوق صدره وشعرها يغطي ملامحها بأكملها.. فأغمض عينيه وهو يغطي جفنيه بذراعه وذراعه الأخرى يحيطها بها.
أخذ يحاول تنظيم أنفاسه اللاهثة وأفكاره لبضع دقائق.. ثم رطب شفتيه وبدأ الحديث"
"فاليريا.. يجب أن نتحدث عما حدث"
ولكنها لم ترد.. ومن انتظام أنفاسها علم أنها سقطت نائمة.. كيف تنام وكأنها ذات ضمير نظيف؟
زفر بحدة وغضبه يعود ليسيطر عليه بقوة.. جالبًا كل ما يعرفه وكل ما رآه منها.. انسحب ببطء من أسفلها ووقف يحدق بجسدها المسترخي فوق السرير.. وآثار أصابعه وما فعله واضحة فوق بشرتها المرمرية.. فأدار عينيه بيأس من كم التعقيدات التي تشكلت بسبب ضعفه.. وضع قميصه وسروال البذلة الذي كان يرتديهما بالأمس عليه وخرج من حجرتها نحو جناحه الذي لابد أن الخدم قد قاموا بتنظيفه من آثار مرضها بالأمس.
اتجه للحمام يأخذ دوشا سريعا ثم ارتدى ملابس رياضية خفيفة.. وخرج مسرعا يستغل الصمت الذي يحيط بالقصر كي يركض قليلا عله يستطيع التفكير.
كان الركض دوما يساعده على تصفية ذهنه من كل شيء.. فكلما يؤرقه أمر ما يذهب للركض ويريح عقله حتى حين قابل الكارثة التي قلبت كل حياته.. فاليريا أفعاه الغريبة.
منذ اللحظة الأولى كره انجذابه نحوها.. كره كل عصب حسي يرغبها.. وكل شعور ذكوري يريدها له.. كره جسده وأخذ يرهقه بالعمل والركض.. ولكن كلما خرجا معا ورغم أنه يتجنب لمسها.. إلا أنها وبكل شعوذة شريرة تستطيع إشعاله بلمعة عينيها.. ببحة صوتها ونغمة ضحكها.. بل أن شعرها اللعين يثيره!
تلك الشامة بجوار أنفها والتي تنافسها الشامات المنتشرة على ظهرها وعنقها.. وكأنهن يغظنه ويشاكسنه ليمسهما فقط بشفتيه.
أما جسدها.. فيا للجحيم الدموي.. كم كان عذابا متحركا يرسم خططا جهنمية لتحطيم إرادته.. إرادته التي تكاد تكون مستنزفة كل موعد حين يرجع للمنزل وحيدًا بعد أن يودعها.. وهي تعض شفتيها بحركة واضحة تستجديه كي يقبلها.. ولكنه كان يعلم أن كل سيطرته تكون حينها على المحك.. ولن يكتفي أبدًا بقبلة.
فكل موعد يكون اختبارًا لصلابة أعصابه وقوته.. تحدي له كي يصمد.. وقد فعل!
صمد واستطاع الثبات أمام حرب سحرها وانجذابه وجسده اليائس.. استطاع أن يكون أقوى وأكثر صلابة.. تصميم غذاه بكرهه لها.. وكلما وجد جسده يؤلمه رغبة بها يتذكر فقط خططها المشينة وتصرفاتها المريضة الأنانية.. وكان هذا التذكير ينجح تماما في كبت أي رغبة تتأجج بداخله.
ولكنه الآن خسر.. وأي خسارة!
لماذا يعاقب بانجذابه لامرأة مثلها؟!
لماذا يبتلى بها في طريقه؟!
لماذا لا ينجذب لامرأة مثل بريجيت مثلا؟
ولكن لا.. تلك الفاتنة السمراء الرقيقة لم تجعله يشعر بأكثر من إعجاب أفلاطوني بشخصيتها وجمالها.. أما النيران المشتعلة فكانت من نصيب الأفعى.
لماذا كان يجب أن تكون هي؟!
زاد من سرعة ركضه وهو يتذكر تلك الليلة.. العشاء الكارثي.. كان قد علم ما تناولته الأخبار والصحف عن صورته وهو يجلب هدية والدته من متجر تيفاني للمجوهرات.. وقرر الذهاب كي يوضح الأمر لها ولوالدها الذي لابد قد فهم نفس ما فهمته إنجلترا بأكملها.. ولكن وما أن انفرد به في مكتبه حتى بادره السير ساينت ريدلر بشيء من الاعتذار المليء بالكبرياء:
"أعلم أنك لابد تكره كل تلك الصحف وأولئك المصورين اللذين يقتحمون أكثر لحظاتك خصوصية.. ولكن صدقني حاولت منعها ولكن كل مره تستطيع الدفع لهم"
عبس وهو يتراجع عما كان يريد قوله وسأل بحذر:
"الدفع لهم؟!"
أومأ الرجل بدون أن ينتبه لاستغراب كايدن:
"أجل.. فال تدفع للمصورين كي يتبعوها.. كل مرة تريد شيئا تدفع لهم كي يلاحقوها حتى يئست حقًا.. أظن أن ارتباطها بك سيمنع تواجدهم إن فزت بالانتخابات.. فستنتهي فورة الشهرة هذه وأرجو أن تتعقل فال حينها"
بسيطرة رهيبة دفع بغضبه الهادر للخلف وهو يقول:
"إذًا هي تحقق ما تريد عن طريق الدفع للمصورين؟"
لوح السير بيده بلامبالاة:
"حركة تافهة لفتيات يريدن أن يتصدرن الصحف.. لا عليك.. دعني أريك شيئا ما"
وبدأ بعدها يتحدث عن الصفقة التي يحلم بها معه.. وكيف سيساعده بدعمه وأصدقائه في الانتخابات.. ولكن كايدن كان في عالم آخر تماما.
تلك الحقيرة.. اللعينة!. كانت تجعل الصحافة تتابعهما كي توقعه في فخ الارتباط بها.. هل تظن إنه بهذه السذاجة والضعف كي يسقط تحت ضغط الإعلام؟!
الشيطانة!. كيف تجرؤ على أن تتلاعب به بهذه الطريقة؟
إن المصورين لا يتركونه في أي لحظة.. حتى أنهم نبشوا تاريخ والديه وشقيقه وكم كره هذا.. كم كره خروج حياته الخاصة على الملأ بهذه الطريقة.. لم يكن أحمقا فقد كان يعلم أن كونه سياسي ونائب محتمل سيجعله محط أنظار الصحافة.. ولكن وجودها وطريقتها البشعة في البحث عن الشهرة وتحقيق رغباتها جعلت الأمر أكثر صعوبة.
لم يكن يخجل من حياته بل العكس.. ولكنه رجل محافظ بطبعه.. يحب ويقدس خصوصيته لأقصى حد.. وقد اختارت الأفعى فاليريا أن تعبث بأكثر شيء يميزه ويحبه.. وبنفس السيطرة الرهيبة قرر قلب اللعبة عليها.. ألم تكن تريد أن تحظى بزوج مشهور؟. ستحصل عليه.. ولكن سيكون ملعونا لو جعلها تستفيد من الشهرة المرافقة لهذا الزواج.. سيجعلها أسيرة هذا الزواج بكل شيء.. لن ترى صورة واحدة لها على أي صحيفة أو في أي موقع ستكون مجرد ظل خفي له.. ونظرا لما يتحدث به والدها طمعا بالشراكة معه بدأت تتشكل لديه خطة لسيطرة أكثر قوة حتى على أموالها التي تستخدمها في مثل هذا الهوس.
وقد فعل!
قيدها بزواج بارد.. أمسك بيديه بكل مصادرها المالية ومصاريفها وبطاقات ائتمانها.. لم تتواصل مع أي مصور أو أي صديقة حتى طول فترة زواجهما.. وللحظة فقط.. للحظة ظن أنه انتصر.. لتأتي بعدها الصور الأربعة لتكاد تنسف كل شيء.. وهو يتخيل ماذا كان سيحصل لو عرضت؟
توقف عن ركضه متجمدا بغضب.. ماذا يفعل.. هل يندب حظه كما النساء.. ألا يجب أن يكون في قصره يسيطر على الفوضى التي سببتها ال.. فاليريا؟!
أما الفوضى التي بداخله فسيستطيع ترويضها والتخلص منها.. أجل لابد أنه سيستطيع.. سيجد حلًا لانجذابه لتلك المتناقضة التي تعبث بكيمياء جسده فقط بنظرة.. لابد أنه سيمل من هذا الانجذاب في مرحلة ما.. فكل المشاعر السطحية كالانجذاب الجسدي البحت تبدأ مشتعلة ثم تبرد مع الوقت وال... الممارسة!
أجل.. أليست زوجته.. ألم تكن تبحث عن علاقة عابرة بالأمس وتتبجح أنه لا يستطيع؟
إذًا وإن كانت يائسة لتصبح عشيقة أحدهم أليس الأجدر أن تكون عشيقته؟. سيستهلكها.. سيمتلكها مرارا وتكرارا حتى يزدريها ويملها
بهذا القرار عاد للقصر باردًا ومصممًا وكله غضب متجدد.. وما أن دلف للقصر حتى اقترب منه باولو وهو يكتم لهاثه.. فعلم أن حارسه كان يركض خلفه كالعادة وقال:
"سيدي هناك اتصال هاتفي لك"
سأله بعبوس فمن يمكن أن يهاتفه في مثل هذا الوقت:
"من؟"
تنحنح باولو:
"السيد غلاديسون سيدي.. يبدو أن هاتفك المحمول مغلق منذ الأمس حين صعدت للطائرة.. فجرب الاتصال بهاتف القصر"
أومأ كايدن واتجه لمكتبه وهو يقول لباولو:
"فلتصنع لنا السيدة روسو بعض القهوة.. وبحق السماء تناول إفطارك"
و أغلق باب المكتب خلفه وهو يتناول الهاتف ويرد:
"مرحبا كولين"
" :-يا رجل أين اختفيت؟. أنا أبحث عنك منذ الأمس!"
جلس فوق مقعد وثير وهو يجيب:
"أنا في فرنسا.. وسأعود اليوم لاستعد لحفل الملكة"
بنبرة حذرة يعرفها سأله كولين:
"امم كاي.. هل تحدثت لفاليريا؟"
اعتدل بحدة وببرودة رد
"ليس من شأنك كولين!"
استطرد كولين بدفاعية قبضت قلبه:
"استمع إلي فقط.. سانت كلير كان وغدًا كبيرًا يا رجل.. لقد التقط الصور لإيزي رغما عنها واستغلها.. وربما فعل نفس الشيء مع فال"
يا للجحيم.. كم كره أن يناديها باسمها المصغر.. ويبدو أن كولين فسر صمته بطريقته فتابع بحماس يدافع عنها
"استمع الي يا رجل.. أنا لم أتحدث معك أبدًا بشأن ارتباطك بفاليريا ولكن..."
وقف بحدة قائلا:
"كولين.. لن أتحدث في هذا الشأن.. من فضلك دع حياتي الشخصية جانبًا!"
هتف كولين"
"يا إلهي كاي.. أنا شقيقك!"
رفع يده يفرك جبهته بتوتر:
"وأنا أحبك كولين.. ولكن دع هذا الأمر لي.. أعدك أننا سنتحدث قريبا"
صمت كولين للحظة منتبها لنبرة شقيقه التي اختلفت ورد:
"حسناً.. فقط سأقول أن تتحقق من أمر سانت كلير قبل أن تطلق أية أحكام.. وداعا"
وأغلق الهاتف ليقف كايدن للحظة يتمالك مشاعره المتأججة.. يحاول جهده إخراس السؤال الذي يؤرق مضجعه منذ ثلاث أشهر...
هل يعلم كولين أن فاليريا كانت معجبة به؟
هل حاولت مع شقيقه بأي طريقة مشينة؟!
اشتعل عقله ليفقد اتزانه ويخرج ..وكاد يصطدم بباولو الذي يحمل القهوة فهتف به وهو يتجه للطابق العلوي:
"خلال ساعتين سنسافر"!
واختفى ليتمتم باولو:
"حسنا.. سأشرب القهوة أنا"
******
":طفلتي يجب أن تشربي شيئًا من العصير فقط"
أمسكت السيدة روسو بكوب العصير وهي تقترب من منضدة الزينة.. حيث تجلس فاليريا تستند بيديها على المنضدة.. وتحدق بملامحها في المرآة بشرود غريب.
كانت قد استيقظت وحيدة ما أن شعرت بالبرد يجمد جسدها.. لتجد أنها عارية تماما وممددة على سريرها لوحدها.
لقد خرج وتركها.. حتى إنه لم يغطها.. خرج فقط مبتعدًا عنها كعادته حين يختفي العالم من حولهما.. فتصبح هي مجرد نبات زينة بارد لا حياة فيه.. خرج بعد أن أفقدها عذريتها بأقسى الطرق.. كان يعاقبها.. صحيح أنه لم يتابع قسوته حين اكتشف الأمر.. ربما فقط كان يشفق عليها.. أو فقط يعاقبها بطريقة ما؟
كيف يعاقبها؟. إنها لا تفهم هذه الأشياء.. أجل هذه هي الحقيقة.. فرغم كونها في الخامسة والعشرين و فتاة من أميرات المجتمع اللندني المخملي.. إلا أنها لا تعلم عن العلاقات إلا بعض قصص صديقاتها الوقحة فقط.. و كلها تكون وقحة مليئة بالإيحاءات فلا تستطيع فهم ما يجب أن تشعر به حقا.
هل كانت ترغبه؟
يا للهول أجل.. منذ اليوم الأول وهو يشعلها ويطفئها ويحركها كدمية بين أصابعه.
تحبه؟. أجل وبكل جزء من قلبها المكسور المحطم.. وبكل ندبة تحملها روحها.. بكل خلية حسية اشتعلت أسفل لمساته القاسية أجل تحبه.
هل هي مريضة.. غبية.. لديها عقدة ما.. أتحب رجلا صرح لها إنه يزدريها؟
لا ليست مريضة.. إنها فقط مؤمنة.. فهي تحيا بالأمل بحق كل شيء مقدس.. فلولا الأمل لما استطاعت الصمود للحظة أمام كل أعاصير هذا العالم القاسي.. ولفضلت الانتحار ربما لو كانت أكثر شجاعة.
الأمل هو ما يحركها منذ أن كانت طفلة تبحث عن ذراعين تسندها...
الأمل بأنها ستحقق حلمها يوما.. وستجد الحب يوما.
أما الحلم مازال حيا رغم توقفها عن الظهور في صحف المجلات وفي مواقع التواصل.. ولكنها تستخدم مصروفها لتحقيقه بطريقة أخرى.
وأما الحب فقد وجدته.. ولكنه لم يحبها.
هل ستفقد الأمل الآن؟
هل ستتوقف عن الإيمان؟
هل...
فتح باب حجرتها بقوة فانتفضت من أفكارها.. ورفعت عينيها لتواجها الظلام في عينيه وهو يقول لمدبرة المنزل التي فزعت من منظره:
"يمكنك الخروج سيدة روسو"
التفتت إليها ليديا روسو المرأة الوحيدة التي تشعرها أنها كائن حي يستحق الحياة.. فابتسمت لها بضعف وقالت بالفرنسية:
"أنا بخير مدام"
ابتسمت المرأة الأكبر سنا وربتت على كتفها وغادرت مغلقة الباب خلفها.. فقبضت بيدها حول مئزرها الحريري وعينيها مازالتا معلقتين بعينيه عبر المرآة تنتظر قراره.. فلابد أنه جاء ليعلن أنه لن يصبر أكثر ويريد الطلاق.
":يجب أن نتحدث"
أومأت بضعف ولم تستطع أن تلتفت حتى أو أن تقف.. فجسدها كله يؤلمها من علاقتهما المشتعلة صباحا.
اقترب منها وهو يثبتها بعينيه وسأل:
"سانت كلير؟"
ارتفع حاجبيها دهشة فهذا آخر شيء ظنت أنه سيتحدث عنه.. و تابع
"لقد شاهدت الصور"
رفع يده يفرك جبهته كما يفعل دوما حين يحيره أمر ما وأضاف:
"مصادري أخبرتني أنه قد أجبر فتيات أخريات على التموضع لصوره.. فهل هذا ما حدث؟"
عبست للحظة.. هل يسألها حقا.. ألا يحكم؟!
ردت بهدوء متسائل:
"أجبر فتيات؟"
أومأ وعينيه تلتمعان بشيء غريب.. وكأنه يأمل أن تكون من هؤلاء الفتيات:
"أجل.. التقط صورهن رغما عنهن مستغلا إما ثمالتهن أو جهلهن"
ابتسمت بسخرية مومئة.. ثم ردت باستسلام فهو يكرهها على أية حال:
"لا.. لم يجبرني"
اتسعت عيناه للحظة وتمالك نفسه وهو يقترب منها بهدوء.. والبرودة الكارهة لها تشتعل في عينيه:
"لم يجبرك؟!"
تمالكت ألم جسدها واستدارت تقف وتواجهه وكأنها ترغب أن يؤلمها أكثر.. أو أن تؤلمه لتجعل فقط جبل الجليد يشعر بشيء:
"لا كايدن لم يجبرني.. لقد تموضعت لهذه الصور بكامل إرادتي"
تجمد المشهد حولهما لدقيقه كاملة.. كلاهما يقف أمام الآخر بتحدي والألم ثالثهما.. ألم يجتاحها ويقتلها وهي ترى تحول نظرة الدهشة الباردة والكره لذلك الازدراء الذي لطالما حمله لها.. فابتسمت بألم ساخر عندما سمعته يقول
"تتموضعين بصور عارية كي تحصلين على هوسك المريض بالشهرة؟. يا إلهي فاليريا أنت حقا تذهلينني.. ألهذه الدرجة؟!"
مطت شفتيها وهي تسأله وقلبها يخسر قطعة أخرى متفتتة بداخلها فلم يعد يهم أي شيء.. لن يفهم.. لن ينظر إليها أبدًا كما نظر لبريجيت.. لن تكون جديرة أبدًا:
"لهذه الدرجة ماذا كايدن.. لهذه الدرجة أنا تافهة وسطحية؟"
وهزت كتفيها وهي تستطرد:
"أجل!"
ليكرهني أكثر.. ليحتقرني وليؤذيني بكلماته علّي أنساه بسهولة حين يبتعد.. صلت بداخلها وهي تبكي دمًا من بين تشققات قلبها المحطم.
اقترب منها يمسك بذراعها بقسوة جعلتها تكبت تأوهًا.. وهمس بفحيح أمام وجهها وهي تتشرب أنفاسه الحبيبة بجوع عاشق نهم لأي شيء:
"إذًا يا لسوء حظك يا صغيرة.. لقد اشتريتهم ولن يظهروا أبدًا"
ارتفع حاجبيها وتجمعت الدموع في عينيها وهي تهمس بصوت معذب:
"لماذا فعلت هذا؟!"
كانت تلك اللوحات آخر محاولة منها لتحقيق حلمها.. وها هو تدمر!
ابتسم بتشفي وهو يقترب أكثر:
"هذا عقابك أم نسيت؟!"
أغمضت عينيها للحظة ثم فتحتهما وهي تستجمع إيمانها بالأمل بعض الشيء:
"متى سأحصل على الطلاق؟"
ضحك ببرودة ساخرة جمدتها وهو يقول:
"يا لك من ساذجة.. أي طلاق يا صغيرة؟. أنا سأحمل لقب فارس من الملكة نفسها خلال أيام.. ولن أثير حولي أي ضجيج حتى مرور فترة مناسبة و..."
واقترب أكثر لتشعر بجسده يمسها.. فشهقت وعينيه تلتمعان وذراعه تمتد لتمس خصرها بخفة جعلتها ترتعش.. فازدادت ابتسامته الشامتة اتساعًا:
"لِمَ الطلاق ويمكنني الاستمتاع بما تقدمينه لي بكل... حب.. ألم تقولي أنك تحبيني؟!"
اتسعت عيناها بارتياع:
"م... ماذا تعني؟!"
بحركة واحدة قربت يده خصرها لترتطم بصدره بقوة وهو ينحني ليهمس أمام شفتيها:
"ما أعنيه فاليريا المخادعة.. أنني سآخذ كل ما ستقدمينه لي بطيب خاطر.. ستصبحين عشيقتي من الآن فصاعدًا.. وحين أمل من هذه الرعشة المتلهفة التي تقدميها لي بكل رخص.. صدقيني حينها سأمنحك الطلاق الذي تريدينه"
فتحت فمها لتعترض.. ولكنه امتلك شفتيها بقوة.. محطما كل اعتراضاتها فوق صخرة اجتياحه الغامر لكل أحاسيسها.. وهو يقتحم شفتيها وفمها ويديه تلمسها وتشعلها وتشكلها و... تطفئها!
وعرفت في تلك اللحظة.. ما أن شعرت بأنين اللهفة يخرج من بين شفتيها ليلتهمه فمه أنها بالفعل ملكه..
ليفعل بها ما يريد..
عشيقة؟!
زوجة معاقبة؟!
أسيرة؟!
مهما يكن.. ذلك الجزء الأناني بداخلها والذي يعشقه بكل كيانها يقول.. أجل ولم لا؟! أنت بين ذراعي حبيبك ورجل أحلامك.. استمتعي يا غبية مادمت تملكينه.. اقبضي على تلك اللحظات الصغيرة من السعادة مادمت تستطيعين.
ليوافقه الجزء المؤمن بالأمل بداخلها ليقول بهمس مرتعش خافت خائف:
(أليس من الممكن أن يقع في حبك؟!)
******
الفصل الرابع
توقفت السيارة أمام المنزل الريفي في ضاحية جرينيتش وخلفها سيارة فريق الأمن المكون من رود وباولو وسائق خاص لهما.. هبط كايدن من سيارته ممسكًا بيد فاليريا وقال للسائق:
"اجعل باولو ينقل حقيبة ملفاتي والصندوق المغلق لمكتبي الخاص"
واتجه للمنزل وعينا فاليريا معلقة بظهره وهو يجذبها خلفه.. بدون أن يترك يدها للحظة منذ هبطت طائرتهما قبل ساعة.. كان صامتًا طوال الرحلة القصيرة وتجاهلها تمامًا منشغلًا بالعمل على حاسبه الشخصي واكتفى فقط بأن قال لها:
"اجلسي جواري وتناولي إفطارك"
فقط!
حتى أنه لم ينتبه إن أكلت أم لا.. حسنا لقد أتت على كل الوجبة التي قدمها المضيف ولكنه لم ينظر ليرى؟. لم يلتفت إليها منذ قبلتهما الأخيرة وتصريحه المتعلق بتغير إطار علاقتهما الخاصة.
زوجة عشيقة.. يا للسخرية!. وكأنه عنوان لرواية عاطفية من التي تحب قراءتها.. حيث دائمًا ما يعيش البطل والبطلة في سعادة تامة في النهاية.. أجل لهذه الدرجة هي ساذجة.. لأن تصدق أنها بطلة رواية عاطفية وأنها ستحصل على نهايتها السعيدة.. ولكن في تلك الروايات يعتذر البطل ما أن يعلم أن بطلته عذراء.. وأنه أول رجل تسمح له بلمسها ويصدق أنها بريئة.. فلماذا لا يتصرف كايدن بهذه الطريقة؟
لماذا يعرض عليها أن تصبح عشيقته بعد أن عرف أنه لم يمسسها رجل قبله.. ألا يجب أن يسعده هذا؟!
(يا غبية سيسعد حين يكون يكن لك بعض المشاعر على الأقل.. ولكن كايدن يكرهك!)
همس صوت موبخ بداخلها..
أجل كايدن يزدريها.. يكرهها!
أما هي فتحبه.. وستحبه دوما.. وحين ينتهي ما بينهما حين يفرغ غضبه ويتخلص من الزوبعة الإعلامية التي تحيطه سيطلق سراحها.
بمجرد أن أصبحا بداخل المنزل ترك يدها واتجه لمكتبه لوحده.. فاستغلت هي هذه الفرصة كي تصعد لتنام قليلًا.. فمنذ استيقاظها بعد صباحهما الحافل في فرنسا وهي مرهقة الأعصاب والجسد.
بدلت ملابسها واندست بين الملاءات الدافئة وأمسكت هاتفها المحمول لتبعث لرقم بدون اسم رسالة:
"هل هناك جديد؟. أنا انتظر خبرًا منك"
وما أن تأكدت أنها أرسلت حتى مسحتها من هاتفها بتلقائية.. ثم فتحت ملف الصور المحمي ببصمة إصبعها ككلمة سر وأخذت تقلب في الصور القليلة التي لا تتجاوز خمسة صور.. وبأناملها تلمس الوجه الوسيم الذي يظهر أمامها برقة وهي تهمس:
"لماذا.. كرهتني؟!"
احتضنت هاتفها والدموع تغشى عيناها وهي تراقب تساقط الثلوج من النافذة الضخمة جوار سريرها.. حتى لم تعد تستطع مقاومة النعاس وغرقت في النوم ودموعها لم تجف بعد من فوق وجنتيها.
هكذا وجدها كايدن حين انتهى من عمله وخرج ليبحث عنها.. وقد ظنها تستعد لتناول الغداء الذي طلب من السائق إحضاره.. خاصة أنه لم يبلغ أيًا من الخدم بقدومه للمنزل الريفي.. فقد أراد أن ينفرد بفاليريا لوحدهما بعيدًا عن الأعين الفضولية.
ولكنه وجدها نائمة تحتضن جسدها وأثر للبكاء فوق وجنتيها واضح.. هل كان قاسيًا عليها..
لماذا تبكي.. ألم تحقق كل ما تبتغيه؟
للحظة تصرف بغريزية ونزع حذائه وملابسه وتمدد بجوارها.. وآخذها بين ذراعيه يريد أن يفعل أي شيء ليخفف من قسوة قبضة الذنب التي تمسك بروحه.. ولكنه وما أن أدارها نحوه كي يحتضنها حتى غمغمت بحزن وهي غارقة في نومها:
"مارلون.. أوه"
وسقط شيء بجوارها مرتطما بالأرض فاستيقظت فزعة وهي تشهق.. كانت ذراعيه تحيطان بها وجسده المتصلب غضبًا ملتصقًا بها يكاد يكون فوقها وهي تئن باسم رجل آخر.. كلما شعر بشيءٍ من الذنب نحوها تثبت أنها أسوأ شيء حدث له.
كانت تنظر إليه برعب ترمش وهي تهمس:
"ك... كايدن؟"
ثم تلفتت حولها وهي تسأل بجزع:
"هاتفي؟!"
عبس وأسرع يمسك بهاتفها وهو يشعر بتوتر جسدها أسفل منه.. وشيطان الغيرة والشك يشتعل بداخله:
"كنت تحتضنين الهاتف؟!"
كان سؤالًا تقريريًا أكثر منه استفهاميًا.. وحين ظهر الذنب واضحًا في عينيها هتف بقسوة:
"افتحي هاتفك فاليريا"!!
حركت رأسها بقوة رافضة وهي تهمس:
"لا.. لا أريد.. أعطني هاتفي"
مدت يدها تريد أخذ الهاتف.. ولكنه أسرع وأمسك براحتيها ورفعهما فوق رأسها بقوة بيد واحدة وهو يأمرها والبرودة تنتشر بداخله:
"فاليريا افتحي هاتفك الآن!"
ضمت أصابعها بقبضة مغلقة وهتفت بقوة تهاجمه:
"لا.. ولن تجبرني كايدن.. هذه حياتي الشخصية لا علاقة لك بها.. أم أنك تريد أن تغصبني على كل شيء كما..."
وعضت شفتيها شاهقة تكتم اندفاع الكلمات من بين شفتيها.. فرفع حاجبه ينظر إليها بسخرية:
"حقًا؟!"
بيده التي تمسك الهاتف وضعه على المنضدة ثم مررها فوق خصرها.. ومن أسفل قميص منامتها الذهبية حتى وصل لبشرتها التي اشتعلت أسفل لمسته.. واقترب من شفتيها يمرر شفتيه فوقهما بحركة خفيفة كلمسة ريشة وهمس أمام فمها:
"أغصبك.. أجبرك؟"
وبتعمد ضغط بجسده فوق جسدها ويده مازالت ساكنة فوق خصرها.. وحين هزت رأسها بتحدي وإنكار:
"أنت تعلم أنني لم أكن راضية ولم... اووه"!
شهقت وقد بدأ يحرك إبهامه أسفل خصرها فوق عظام حوضها قليلًا.. بحركة دائرية ناعمة مستفزة ومثيرة فعلم أنه استطاع امتلاكها.
اتسعت ابتسامته وهو يطبع قبلة ناعمة فوق فكها بجوار أذنها وهي تعض شفتيها تكتم ردة فعلها.. فزاد من تحديه لها بأن صعد يقبل شامتها فوق خدها.. ثم انحدر لأذنها يأخذ طرفها بين شفتيه وهو يهمس:
"أووه فال فال.. إذا تركت يديك ستدفعينني بعيدًا أليس كذلك؟"
هزت رأسها وقالت:
"أجل"
انحدر ليلعق الشريان النابض في عنقها وإبهامه مازال يرسم دوائر عشوائية فوق بطنها.. وهمس أمام عنقها الرطب وهو يرى كيف تتفاعل بشرتها النقية بارتعاش أمام أنفاسه وقبلاته:
"بالطبع ستدفعينني فأنت لا تريدينني"
وحرك يده لأعلى وأسفل فوق بطنها التي رفع قميص المنامة يكشفها أسفل منه وتابع عبثه بها:
"إذاً فال.. هل أصعد أم اهبط؟"
كادت أن تمزق شفتها وهي تعضها.. ولكن تقوس جسدها كلما صعد وهبط فضح ردة فعلها.. فعاد ليقبل شفتها التي حررها بقبلاته حتى تخلت عن مقاومتها حين تابع إغاظته لها.. فانفرجت شفاهها متيحة له الفرصة ليعمق قبلته أكثر وأكثر بينما هي تئن وتشعله.. وحين تراجع ليلتقط أنفاسه قال لها:
"حين أنتهي منك فاليريا ساينت ريدلر لن تحلمي برجل آخر سواي"
عبست وحاولت الحديث ولكنه لم يمهلها.. فاندفع يمتلك شفتيها بكل غضبه واشتعاله وانجذابه لهذه الأميرة الذهبية ذات العيون الزرقاء.
أخذ ينهل من رحيقها كل ما تقدمه له بكل رحابة.. أجل فقد أطلق سراح يديها منذ قبلة عنقها ولكنها كانت تتمسك هي بيده.
يا للانجذاب الحسي اللعين.. كلاهما لا يريد الآخر.. كلاهما يستغل الآخر.. هو يكرهها وهي لا تحترمه وتستغله وتحلم برجل آخر.. ورغم هذا فكل ما يتطلبه الأمر هو لمسة واحدة لكي تندلع بينهما نيران متأججة تحرقهما وتحرق كل ذره تعقل يحملانها.. كيف يمكن للأجساد أن تكون خائنة بهذا الشكل؟!
نفض أفكاره وغيمت الرغبة الداكنة تعقله وهو يمتلك عشيقته المخملية مرارا.. يأخذها وتأخذه للسماء لمكان لا يملكان فيه الآن أن يشهقا تلهفا لأي لمسة كي تنفجر نشوة أجسادهما.. فتتركهما متناثران يسقطان في بحر اللذة محطمين تماما.
هل انتصر.. أم هزم؟
حتما لا يعلم.. فكل ما يعلمه أنه متعلق بها يرتعش ذروة وهي تتمسك به وآثار ذروتها مازالت تجتاح جسدها الندي.. متعلقان ببعضهما بكل طريقة ممكنة.. فذراعيه تحيط بخصرها وراحتيها تتمسكان بكتفيه.. وتدفن وجهها في تجويف عنقه تلهث فتكويه بنيرانها أكثر وأكثر.
وحين هدأت حدة جولتهما العشقية تركها بحذر.. ثم تمدد على ظهره جوارها يحدق بالسقف ذاهلا لبعض لحظات.
":كيف تفعل هذا؟"!
التفت إليها بسرعة مستغربًا من سؤالها:
"أفعل ماذا فاليريا.. هل ستعودين لنغمة أجبرك واغتصبك؟"
كانت مكورة على جانبها تواجهه ولكن بعيدة مسافة حذرة.. تنظر نحوه وفي عينيها براءة تقتله وحيرة وكأنه يحدق بعيني قطة وليدة.. هزت رأسها ببطء نافية:
"لم أقصد هذا كايدن.. أقصد كيف يمكنك أن تكرهني؟ و ممم..."
ابتسم بسخرية لسذاجة السؤال واعتدل يزيح الملاءة عن ساقيه.. وجلس يبحث عن سرواله الداخلي وهو يقول بسخرية:
"ممم ماذا؟. كيف يمكنني أن أكرهك وأمارس معك الجنس بهذه الطريقة؟. لا تخلطي الأمور يا صغيرة فالجنس لا علاقة له بالحب والكره.. وإلا لما ذهب الرجال للعاهرات منذ قديم الزمان"
تباً!
حتى هو شعر بحقارة كلماته.. ولكن كبريائه اللعينة لم يجعله حتى يلتفت للخلف وهو يرتدي سرواله.. ثم وقف وسألها متابعا سخريته:
"كيف يمكنك أنت أن تفعلي هذا؟"
صمت بليغ من خلفه فالتفت ليجدها مازالت بنفس وضعيتها تحدق بمكان وسادته الخالي.. ولكن وجهها شاحب للغاية وعينيها متجمدتين بتلك الدموع التي تأبى الانهمار.. ولكن ما قهره بحق كان يديها اللتين كانتا ترتعشان ممسكتين بالغطاء.. فعاد ليجلس بجوارها ويسحبها إليه.. فانتفضت بين ذراعيه رافضة وهي تهمس بضعف:
"لا!"
ولكنه أحاطها بذراعيه بقوة وقال بندم حقيقي:
"آسف.. لم يكن يجب أن أتحدث بهذا الشكل فاليريا.. أنت لست بعاهرة"
همست بألم غريب:
"لا يهم"
رفع ذقنها لينظر إليها وهو يقول:
"لم تجيبي على سؤالي.. كيف تفعلين هذا؟"
هزت كتفيها بخفة:
"لأني أحبك"
بسرعة برد جسده وهو يتركها لتجلس جواره وهو يفرك جبينه وهو يقول:
"فاليريا توقفي عن لعب هذه اللعبة.. أعلم أنك لا تحبينني"
لم ترد فتابع:
"لن تتوقفي عن هذا أليس كذلك؟"
هزت كتفيها وهي تقول:
"أنا لا أكذب"
ضحك بسخرية وهو يلتفت إليها مستهجنًا:
"والآن هذه جديدة.. كيف لا تكذبين؟"
تحدته برفع رأسها أمامه:
"أخبرني كذبة واحدة قلتها لك"
حدق بها بغضب للحظة ثم قال:
"ألم تدفعي للصحفيين؟"
أومأت
"بلى.. ولكن لكي يتبعوني وليس ليتبعوك وهذه ليست بكذبة"
أمسك بذراعها وهتف:
"وعذريتك؟!"
اتسعت عيناها بعدم فهم:
"ومتى كذبت عليك بشأنها كايدن.. أنت لم تسألني..."
وصمتت فجأة.. واغرورقت عيناها بالدموع:
"أنت لم تسأل أبدًا.. أنت افترضت... افترضت أنني عاهرة وأنني أكذب.. ولكن لا.. أنا لست بكاذبة ولست بعاهرة!"
ترك ذراعها ونهض غاضبًا:
"تبًا فاليريا أي لعبة حقيرة تلعبين الآن. ومارلون سانت كلير الذي تنادينه في حلمك.. وكل التصرفات المشينة التي تقومين بارتكابها بدون خجل؟! لقد سمعتك فاليريا.. سمعتك تخبرين صديقاتك أن كولين لن يأخذ وقتًا كي تسقطينه في شباكك.. سمعت كل تبجحك بقدرتك على جذب الرجال.. بل سمعت عن مغامراتك مع رجل متزوج.. لقد رأيت صورك العارية كلها"!!
ولوح بيده والحيرة بين كل هذه الدلائل وبين عذريتها وسذاجتها بين ذراعيه.. فاشتعل غضبه أكثر وأكثر وهو يتابع:
"ربما احتفظت بعذريتك للرابح الأكبر.. ربما كانت نوعًا من الألعاب المريضة كانظر ولكن لا تلمس.. ألهذا كنت تثيرين المتاعب من حولك؟. لا أعلم مبررك فاليريا ولكني متأكد أنه ملتوٍ خبيث مثلك.. قد لا تكونين عاهرة ولكنك تتصرفين كواحدة وهذا..."
وتابع بصمت يقتلني!
واندفع خارجًا من أمامها بعد أن أخذ هاتفها وهو يقول ببرود:
"حتى تحترمين خصوصية هذا الزواج قبل خصوصيتك"!
وهرب فزعًا مما كاد أن يقوله.. كان يفقد أعصابه معها وكل مرة يكتشف بداخله تساؤلات جديدة محيرة تشقق قشرة كرهه لها.. كل مرة تنظر إليه بعينيها وكل مرة تفتح فمها اللعين بكلمات تبدو بريئة غبية تجعله يتساءل وهو لا يحب هذا.. لا يحب الحيرة التي ترميه فيها..
لا يريد أن يكون ضعيفا.. فالضعيف سيتأذى عاجلًا أم آجلًا.
وهو ليس بضعيف.. ويستحق أفضل من هذا.. أفضل من امرأة تبدو كملاك مغوي لعين وتتصرف كشيطانة بتصرفات ساقطة.
أجل.. هو أفضل...
وقريبا سينتهي منها!
*****
بعد مرور بعض الوقت هبطت فاليريا يحركها الجوع نحو المطبخ في الطابق السفلي.. ووقفت أمام الرفوف بحيرة لا تعرف ماذا تفعل.. أخذت تفتش فيها فوجدتها ممتلئة بالمعلبات والثلاجة كذلك مليئة بالخضروات والفاكهة.. ولكنها لا تعرف كيف تصنع أي طعام.. بحق السماء هي لا تستطيع قلي بيضة حتى!
كانت قد توصلت لاستسلام غريب منذ أن قرر استمرار زواجهما.. والآن ازداد استسلامها بعد أن أدركت حقيقة أنه أبدًا لن يقتنع إلا بالحقيقة.. وهي لا تستطيع إخباره بها.. فحينها ستخسر حبه.. أجل.. ربما يشفق عليها ولكن لن يحبها.. لهذا ستتمسك بموقفها.. لن تكذب ولكن لن تكشف له عن أسرارها.
والآن هي جائعة بحق الجحيم.. من يخمن أن ممارسة الحب ستكون مثيرة للجوع بهذا الشكل؟. ورغما عنها ضحكت بخجل وغطت وجهها الذي اشتعل ما أن سمعت نحنحة من خلفها.. فانتفضت لتجد كايدن يستند على إطار الباب يكتف ذراعيه ويسأل:
"ماذا يضحكك؟"
أطبقت شفتيها للحظة.. ثم هزت رأسها وردت بخفوت:
"لا شيء"
ووقفت مكانها حائرة هل تغادر أم تظل حتى يبتعد وتبحث عن حل لمشكلة جوعها.. ولكنه اعتدل وهو يقترب منها.. فتراجعت برعب غريزي فوقف مكانه ورفع يديه:
"دعينا نعلن هدنة للحظة"
أومأت بحذر فابتسم وهو يقول:
"أنا جائع.. ماذا بشأنك؟"
بنبرة باكية قالت:
"سأموت جوعًا"
أشار للرفوف المفتوحة على مصرعيها وسأل بسخرية:
"وماذا قررت.. تناول كل الموجود في المطبخ؟"
ابتسمت بخجل مميلة شفتيها بجنب كعادتها كلما خجلت وقالت بإحراج:
"أدركت أنني امرأة بطريق الخطأ حتمًا.. فأنا سأموت من الجوع ولا أستطيع تحضير حتى شطيرة تافهة"
هز رأسه متفهما ثم قال:
"حسنا لقد أتى الفرسان لإنقاذك سيدتي.. حرفيًا"
وبدأ برفع أكمام قميصه وهو يقول لها:
"احضري بعض البيض من الثلاجة"
رفعت حاجبيها بذهول:
"هل تجيد الطهي؟!"
ابتسم بغرور:
"أنا بارع في الطهي.. والآن هيا احضري بعض البيض"
فتحت الثلاجة وأحضرت أربع بيضات ووضعتهن أمامه فرفع حاجبه:
"ألهذه الدرجة؟!"
بخجل أومأت
"أخبرتك أنني جائعة"
ابتسم لها بطريقة أول مرة تلاحظها ولكنها لم تستمر سوى لحظات.. كانت كافية لإيقاظ ذلك الإيمان.. وذلك الأمل!
وبصمت وسلام غريب يلفهما لأول مرة أخذا يعملان معا في تحضير وجبة بسيطة.. كان يعلمها وهو يتحرك ويتحدث بانطلاق جعل قلبها يتراقص رغم جراحه.
":قد لا تصدقين ولكني كنت طفلًا سمينًا للغاية وأنا صغير من حبي للطعام.. دائما تجدني أمي في المطبخ أصنع وابتكر شطائر غريبة وأجبر كولين على تناولها أيضًا.. يا إلهي كم كان يثير هذا جنونها فتبدأ بالصراخ بلغتها الأم ونحن ملطخان بالمربى وزبدة الفول السوداني.. حتى يأتي والدي وبكل هدوء يجذبها خارجا ويسيطر على الموقف بطريقته"
كان مسترسلًا بحكايته وهي تحدق به بعينين متسعتين تتشرب كل ما يقوله بصمت عاشق وقلبها يدمى لكل ما يقوله.. يا إلهي.. لماذا لم تحظى بهذه الحياة.. لماذا لم تصرخ بها والدتها حين تجدها تعبث بأدوات الزينة؟
لماذا؟!
تراجعت تحاول ترتيب طاولة الطعام الصغيرة ولكي تتمالك نفسها أكثر.. تكبح تلك الدموع القاهرة التي أحرقت مقلتيها.. وبحركتها المتوترة أسقطت كوبًا زجاجيًا كانت تضعه.. ولكنها أخطأت بسبب تلك الغشاوة التي تشوش رؤيتها.. فهبطت بسرعة تجمع قطع الزجاج وهي تسمعه بدون تركيز يناديها:
"فاليريا.. فال توقفي!"
أمسك بيديها المرتعشتين ورفعها ليجلسها ويركع أمامها قائلا بهدوء:
"هااي ماذا حدث.. إنه مجرد كوب هل جرحت؟"
فتش راحتيها وهي تهز رأسها وتهمس:
"لا.. لم أجرح"
حدق بها بصمت للحظة يراقب شحوب وجهها.. ثم قال بهدوء غريب:
"دعيني أجمع الزجاج.. اجلسي هنا للحظة"
وبخفة أحضر مكنسة من مكان ما.. وأخذ يجمع القطع الصغيرة حتى نظف المكان.. ثم فوجئت به يقدم لها كوبا من النبيذ ويقول:
"اشربي هذا"
رفعت رأسها له وقالت:
"لكن أنا بخير.. أنا..."
قاطعها:
"لا لست بخير.. أنت مشدودة كوتر يكاد يتمزق.. اشربي جرعة فقط ستجعلك تهدئين.. ثم سنتناول الطعام الذي سيجعلك تشعرين أفضل"
كم تشك بهذا!
أخذت جرعة من كوب النبيذ البندقي الرائحة وحاد الطعم.. وعلى الفور شعرت بالدفء ينتشر في معدتها فهمست:
"أنت محق.. شكرًا"
كان قد انتهى من وضع طبقيهما وجلس أمامها يتأملها للحظة أربكتها ثم قال:
"هيا.. دعينا نأكل"
جعلتها رؤية طبق الأومليت الياباني وطبق السلطة الخفيفة باللحم المقدد والخبز المقرمش تنسى حزنها فورًا.. خاصة وأن معدتها هدرت بصوت عالٍ أحرجها.. فاندفعت تتناول طبقها بسرعة كي تخرج من هنا بسرعة.
أما كايدن فشرب القليل من شرابه وهو يراقب حركات السر الملتوي المدعو فاليريا.. وللحظة قرر سؤالها:
"فاليريا.. أخبريني عن والدتك"
تجمدت أمامه وعلم أنه أصاب الهدف.. فمنذ حديثه عن ذكرياته وهي متوترة ولبعض الوقت ظن أنها كذلك بسبب ذكره لكولين بدون انتباه.. ولكنه عاد وراجع كل ذكرياته عن لقاءاتها بكولين.. فهي لم تكن أبدًا متوترة معه بتلك الطريقة المسيئة.. إنما كان تجنبها لشقيقه إرضاء لأوامره فقط.. إذاً فهي ارتبكت وحزنت بسبب ذكره لوالديه.
راقب شحوب ملامحها وهي تجيب بنبرة ميتة:
"لا أعلم عنها أي شيء.. لقد توفيت وهي تلدني"
كان يعلم أن السير ساينت ريدلر أرمل.. ولكنه ظن أنها على الأقل قد عرفت والدتها.
غمغم بأسف:
"اعتذر"
مطت شفتيها وهي تحاول التصرف بمرح مصطنع:
"حسنا.. كان هذا منذ وقت طويل أليس كذلك؟"
وتابعت تناولها الطعام بصمت ولكنه أراد معرفة المزيد.. فأدرك أنه يجب أن يقدم المزيد
فسألها:
"هيا الآن أخبريني بعض التفاصيل المحرجة عن طفولتك.. لقد أخبرتك لتوي بأقذر سر لي.. ستكون فضيحة وسط بلاط باكنغهام إن علموا أن لي صورًا وأنا ارتدي زي مصارع ثيران أسباني.. ستتقلب الملكة إليزابيث الأولى في قبرها"!
انفجرت ضاحكة بطريقتها الصاخبة الغريبة.. ضحكة مزيج من إغواء وبراءة.. كيف هذا؟!
كتمت ضحكتها بيدها بحرج وهي تعتذر:
"آسفة.. أعلم أن ضحكتي سيئة ولقد حاولت كل معلمات السلوك أن يجعلنني أسيطر عليها ولكنهن فشلن"
رفع حاجبه متظاهرًا بالانبهار:
"واو فال.. معلمات سلوك؟. هذا شيء لم أدرسه.. أنا يا سيدتي من طبقة العمال المساكين"
أومأت باندفاع:
"أجل.. والعديد منهن أيضًا.. لقد كنت طفلة مثيرة للمتاعب.. حتى أن مربياتي كن لا يكملن سنة معي"
سألها بفضول:
"ووالدك؟"
ترددت لحظة ثم حشت فمها بالمزيد من الطعام كي تتهرب للحظة.. وعادت لتجيب:
"والدي مشغول.. فقط مشغول!"
انتهت من طبقها وتناولت كوب النبيذ واستندت للخلف شاردة في السائل الأحمر:
"كنت أهرب للبرج الشمالي حيث صنعت لي مخبأً.. وملأته بأدوات الزينة والفساتين البراقة التي كنت اشتريها أو آخذها من صديقاتي وأخفيها هناك مع رواياتي"
احتست رشفة من كوبها فسألها بخفوت مستغلًا لحظة الحقيقة التي تظهر جزءً من شخصيتها:
"رواياتك؟"
ابتسمت بتلك الطريقة التي تقبض قلبه.. ابتسامة جانبية تحمل خجلًا وقليلًا من الفرحة وبعض الخوف.. خوف من ماذا؟
":-أجل رواياتي.. تلك الروايات العاطفية التي لا يعتبرها والدي أدبًا.. بل إسفافًا وانحدارًا في الذوق العام للأدب الإنجليزي.. ولكني لم أهتم لرأيه.. فتلك الروايات كانت أروع شيء يمكنني الحصول عليه في حياتي.. بطلات عذراوات يلتقين برجال وسيمين خارقين ويقعن في حبهم.. مغامرات عشق.. إحداهن تقع في حب رجل معقد وتفوز به.. وأحدهم يعشق فتاة مريضة وتشفى بمعجزة.. أما المفضلة لدي.. فالفتاة البريئة التي تسقط بين يدي وحش يعذبها و..."
أكمل عنها:
"وينقذها أمير وسيم"
ارتفع رأسها فجأة والاحمرار يغزو ملامحها.. وكأنها تدرك لأول مرة وجوده فتلعثمت:
"امم... اووه... لا عليك.. إنها أشياء سخيفة أنثوية"
تراجع للخلف قليلًا
"ألهذا حافظت على عذريتك فال؟"
تجمد جسدها فشتم في سره.. ولكنها ابتسمت بحزن:
"حسنا.. لا يهم.. أجل كايدن.. لأجل هذا احتفظت بعذريتي.. لأنني كنت مؤمنة أنني سأجد ذلك الحبيب الخارق الذي أعطيه كل حبي وكل عاطفتي"
اشتعلت الغيرة بداخله لفكرة أن تقدم شغفها العاطفي الذي تذوقه ولم يشبع منه ومازال يشعله ويثيره لرجل آخر.. وبكل سخرية قال:
"هذه خسارة يا صغيرة لقد انتظرت بلا فائدة.. فتهورك وتصرفاتك الخاطئة جعلنك تنتهين مع الوحش بدلا عن الأمير"
رفعت نحوه عينان ممتلئان بالدموع وهي تقول:
"هل تظنني سأيأس؟"
هز رأسه ببرود ووقف معلنًا انتهاء هدنتهما:
"لا.. لن تيأسي.. ولكني حينها سأكون قد انتهيت منك.. فلن يهمني إن ألقيت بنفسك فوق كل رجل في لندن"
وبكل جمود خرج من المطبخ يقاوم قبضة تعتصر روحه.. وصورتها مع رجل يحبها بحق وتحبه تحرقه..
اللعنة عليك فاليريا!
****
الفصل الخامس
"كوني جاهزة في التاسعة مساءً وارتدي ملابس رسمية"
قرأت فاليريا رسالة كايدن للمرة الثالثة خلال النهار.. فبعد لقائهما القصير بالأمس في المطبخ وهما لم يتواجها أبدًا بعدها.. حتى استيقظت صباحًا لتجد ملاحظة منه معلقة فوق مرآة منضدة الزينة في حجرتها.. والكارثة التي اكتشفتها لتوها أنها شعرت بالإثارة فقط من فكرة أنه دخل حجرتها وهي نائمة.. أجل لهذه الدرجة هي يائسة.
لقد ظلت في حجرتها بالأمس تنتظره كامرأة سخيفة متلهفة ..ك... عشيقة!. ارتدت أكثر ملابس نومها إثارة.. ووقفت أمام المرآة تتخيل أن يدخل الحجرة ليحتضنها من الخلف ويقبل عنقها و... اللعنة!!
كورت الورقة في يدها ورمتها بإحباط وهي تزمجر بيأس.. الى أي درجة هي بائسة؟!
اتجهت للحمام لتأخذ حمامًا سريعًا ثم ارتدت ملابسها تبحث عنه لتفسر وجود مثل هذه الملاحظة.. وهل يتوقع السيد العظيم كايدن غلاديسون أن تظل حبيسة حجرتها كالجواري في الروايات الشرقية؟. حسنا ستخبره أنه مخطئ وأنها لن تبقى حتى بالمنزل الريفي.
هبطت الدرج بسرعة تبحث عنه في مكتبه.. ثم في حجرة المعيشة والمطبخ ولكن لاشيء.. لم تجده.. فتحت باب المنزل لتغلق عينيها من شدة بياض الثلوج المحيطة بها وبرودة الجو..
فتحت عينيها ببطء لتجد رود يتقدم من غرفة صغيرة تقع بجوار البوابة ويقترب منها باحترام وهو يسألها:
"هل تريدين أي خدمة سيدتي؟"
" :-هل تعلم أين ذهب كايدن؟"
أجابها برسمية:
"إنه في اجتماع في مجلس اللوردات سيدتي.. وسيتجه بعدها لشركته"
عبست بغضب وقالت:
"حضر السيارة رود.. أريد الذهاب لكينجستون"
تنحنح الحارس بحرج ثم قال:
"سيدتي لقد أصدر السيد غلاديسون أوامره ألا تخرجي لوحدك بدونه"
بذهول حدقت برود وكادت أن تنفجر به موبخة ثم تخرج من هذا الكابوس الريفي إلى الأبد.. ولكنها عادت وتمالكت نفسها.. فهي مرهقة بحق من المواجهات مع كايدن.
لم ترد على حارسها واستدارت بأكبر قدر من الكبرياء استطاعت رسمه على ملامحها بعد أن أهينت لتوها وعادت للمنزل.. و اتجهت للمكتب الضخم الذي يحتل إحدى الغرف الجانبية وهي تحدق بغيظ في الهاتف الأرضي السخيف فما فائدته إن لم تكن تحفظ الأرقام؟. تلفتت حولها لعلها تجد كتابًا أو شيء ما تقرأه.. ولكن نظراتها وقعت على صندوق خشبي طويل و رفيع موضوع بشكل خفي بين الأرفف.. إنه يشبه صناديق حفظ اللوحات.
يا إلهي.. هل هذه صورها؟!
أخرجت الصندوق وفتحته بصعوبة وبدأت بإخراج الصور واحدة تلو الأخرى ووضعتها أمامها على أريكة جلدية طويلة.. يا إلهي كم هي صور جميلة!
تأملت موهبة مارلون في التقاط الصور وإظهار الضوء في طريقة جعلتها تكاد تبدو حية.. جلست أمام الصور بحسرة.. كيف كانت ستتغير حياتها بانتشار هذه اللوحات.. ستقربها من حلمها الضائع خطوات كثيرة.. ولكن كل هذا انتهى!
بتنهيدة وقفت وجمعتها لتضعها جانبًا.. وتناولت أحد الكتب كي تقضي وقتها بدلًا من الجلوس وحيدة بلا أي شيء تفعله.
ولكن الوقت مر بدون أن تشعر وهي مستغرقة في تلك الرواية الرائعة التي اختارتها.. والتي لفتها اسمها الذي ذكرها بأحد الأفلام التي ظنته ممل فلم تشاهده.
آنا كارنينا لكاتب يدعى ليو تولستوي.. غرقت في أحداث الرواية الرائع وسرده للأحداث بطريقة جميلة.. أما الحوار فقد كان ذكيًا رومانسيًا حزينًا.. لدرجة أنها وجدت نفسها تتناول قلمًا بدون وعي وأخذت تضع خطوطًا فوق بعض العبارات التي أعجبتها في الرواية.. وكانت أكثرها ألمًا جملة توقفت عندها كثيرًا وهي تبكي تأثرًا:
(أنا أحبك دائمًا.. وإذا أحب الإنسان فإنه يحب كل شيء في الشخص كما هو.. وليس كما يتمنى أن يكون)
كيف لخص هذا السطر الضئيل مأساة حياتها؟
حلمها الضائع و كايدن!
ستظل تحبه مهما حدث كما أحبت آنا كارنينا الضابط الوسيم.. ولكن بلا أمل!
مر الوقت ولم تفق إلا والظلام يغمر المكتب.. فرفعت رأسها لتجد الساعة أصبحت السابعة وهي لم تستعد بعد.. أخذت الرواية معها لحجرتها لكي تتابع قراءتها بعد أن تنتهي من ارتداء ملابسها.. ولكنها وحين انتهت من ارتداء فستانها الأسود ذو الحمالات العريضة الذهبية.. لم تجد وقتًا لتسريح شعرها فرفعته للخلف بذيل حصان مرتب.. مظهرًا جبينها وملامحها الناعمة رغم أنها تكشر كلما نظرت لنفسها بالمرآة غير راضية عن ملامحها.. سواء أنفها الكبير أو شامتها البشعة التي تشبه شامات الساحرات الشمطاوات كما كن يقلن لها فتيات الثانوية.
لم تطل النظر لهيئتها فهي تعلم أن الفستان الثمين وذا التصميم المثير سينسي أي أحد ملامحها البشعة.. وجلست في مقعد تتابع قراءة الرواية حتى فوجئت بمن يناديها:
"فاليريا"!
رفعت رأسها بتوتر لتجده يقف أمامها مرتديا ملابس السهرة كاملة.. فارتبكت لوسامته وجاذبيته الطاغية.. إن حضوره فقط يجعلها تشتعل إثارة.. وضعت كتابها جانبًا ووقفت بسرعة تريد أن تبدأ بمهاجمته:
"استمع إلي كايدن.. أنا ..."
" :-تبدين فاتنة"
ها؟!
تلعثمت بابتسامة خجل.. اللعنة على ضعفها!
رفعت يدها تضعها فوق صدر فستانها المتشابك بخيوط الذهب وهي تهمس:
"شكرًا.. ولكن..."
مد يده نحوها بغطرسة فطرية:
"هيا بنا لقد تأخرنا"
لو تشكلت كرامتها شخصا للكمتها بغيظ.. لأنها وبكل حماقة تقدمت تضع يدها في يده وتتركه يقيمها بعينيه ثم يقول بشرود:
"شعرك ليس منسدلًا؟"
تذكرت غضبها فعبست:
"لم استطع الخروج لتصفيفه!"
لمعت عيناه ببرود:
"أخبرني رود.. ظننتك من الذكاء بحيث تعلمين أنك لن تخرجي من المنزل بدوني"
تجمدت مكانها وبحنق سألته:
"لماذا.. هل هذه هي العصور الوسطى وستأسرني؟!"
ابتسم بسخرية:
"لو كان الأمر كذلك ألا يجب أن تكوني سعيدة؟. فقد اقترب موعد وصول الأمير لكي ينقذك"
تلعثمت وحاولت الكلام ولكن سخريته أوجعتها وهو يتابع:
"لكن لا.. لست أسيرة إنما تحت المراقبة فاليريا.. لن تخطي خطوة واحدة بدوني"
ثم جذبها وهو يخرج:
"هيا يكفينا إضاعة للوقت"
هتفت من خلفه:
"الى أين سنذهب؟"
وصلا للطابق السفلي فأسرعت لرفع رأسها وتأبط ذراعه بطريقتها الرسمية أمام الحراس وباولو يفتح لهما الباب.. ولكنها حين نظرت إليه تنتظر إجابته وجدته يحدق بيدها وطريقة التصاقها به بسخرية:
"كالعادة.. أداء رائع أمام العامة!"
ابتلعت إهانته فتابع:
"إن اللورد سبنسر يقيم حفل خطوبة لكولين وإيزيس في قصره"
اعتراها الوجوم بينما يصعدان في السيارة.. حفل خطوبة كولين.. متى.. وكيف؟!
"ماذا.. كولين سيعلن خطوبته.. متى وكيف؟!"
التفت إليها بحدة وهو يلقي بنظرة نحو الحاجز المغلق دوما بينه وبين السائق.. ثم قال بحنق مكبوت:
"هذا ليس من شأنك اللعين!. أقسم فاليريا إن تصرفتِ بـ..."
قاطعته هاتفة بذهول:
"بالله عليك كايدن كيف ليس من شأني.. أليس شقيقي بالقانون؟!"
ابتسم بقسوة:
"حقًا.. ألم يكن صيدًا محتملًا قبل ثلاثة أشهر؟!"
أحرقتها دموعها:
"هذا ليس..."
زفر بصوت عالٍ:
"اووه فاليريا فقط توقفي بالله عليك.. الكذب سيزيد الأمر سوءًا.. تصرفي بلباقة وفقط.. والديّ سيكونان موجودان.. تذكري إياكِ أن تختلطي بهما هل فهمت؟!"
تراجعت للخلف بصدمة وهي تتذكر حفل زفافهما الصغير المقتضب حين حاولت التقرب من والديه.. وكيف أهانها في ذلك الوقت بألا تختلط بهما وألا ترد على اتصالاتهما حتى.. فإن مصير علاقتهما هو الانتهاء وهو لا يريد أي روابط تربطها بأسرته المثالية الصغيرة..
أدارت وجهها نحو النافذة وهي تقول بانهزام:
"أتصرف بلباقة.. حسنًا"
وأخذت ترمق ندف الثلج المتساقط بعشوائية فوق شوارع لندن الكئيبة في يناير.. فشعرت بها تطبق فوق روحها وكأن البرد يصيب قلبها وليس فقط الجو من حولها.. متى سينتهي كل هذا وأتحرر؟
":-قريبا لا تقلقي"
ماذا.. هل تحدثت بصوت عالٍ؟!
توتر جسدها وهو يمسك بذراعها ويديرها ناحيته:
"لا تقلقي فاليريا.. أخبرتك حين أنتهي منك سأحررك.. والآن لم لا تتقنين دورك"
وجذبها نحوه يأخذ شفتيها بقسوته التي تعشقها.. قسوة تغلف شغفًا يشعلها ويحتضنها ويملأها بدفء رائحته.. قوة رجولته تجبرها على التمسك به بسذاجة حشرة تنجذب نحو النار فتحرقها وتقتلها كلما اقتربت.. ولكنها لا تملك إلا أن تقترب.
تراجع قليلًا ويده تحيط بجانب وجهها وبطرف إبهامه يمسد وجنتها الدافئة ويبتسم باستهزاء:
"مثالية.. أنت تبدين كزوجة عاشقة مطيعة.. ابقي هكذا طوال الحفل وتصرفي بتعقل"
رمشت بعدم فهم للحظة.. ولكن ما أن أحاطتها أضواء القصر حتى فهمت سبب قبلته.. فأطرقت بخيبة وهو يفتح باب السيارة ويهبط.. ثم رفعت رأسها بكبرياء وفتحت الباب المجاور لها قبل أن يصل كالعادة لناحيتها ليمسك بيدها.. وخرجت بتهور معاندة له بدون انتباه.. ولكنها شهقت بفزع وكادت أن تزل قدمها حين وجدت الحارس الضخم باولو يقف مباشرة أمامها.. و الذي اعتذر بسرعة وهو يمسك بذراعها بتلقائية كي لا تسقط:
"سيدتي آسف لم أكن أقصد إخافتك.. كنت على وشك فتح الباب لك"
وضعت يدها فوق صدرها ويدها الأخرى تتمسك بكم باولو كي تحافظ على اتزانها وهي تلهث للحظة.. ولم تكد تفعلها حتى فوجئت بكايدن يمسك بخصرها ويأخذها جواره بعنف وهو يقول بقسوة:
"شكرا باولو"
تراجع الحارس باحترام صامت ليقف خلفهما.. أما كايدن فقد انحنى يهمس في أذنها باحتقار:
"إن فعلتها ثانية ستندمين فاليريا"!
اندفعت بغضب:
"أفعل ماذا؟!"
حفرت أصابعه في خصرها فتأوهت بألم وهو يقاطعها:
"سيطري على رغبتك المريضة بلفت الانتباه لهذه الليلة فقط"!
تصلب جسدها وهي تقول بضعف:
"أتعلم لقد انتهيت.. افعل ما تريد وقل ما تريد.. أنا انتهيت.. بعد هذه الليلة سننفصل سآخذ اللوحات وأحصل على الطلاق وسننتهي"
وتحركت تريد دخول القصر ولكنه سحبها نحوه يريد أن يقول شيئًا.. ولكنه قوطع من كولين الذي هتف ما أن رآهما:
"ها قد وصلتما.. كنت على وشك أن أهاتفك يا رجل!"
اقترب منهما وعينيه تتفحص وقفتهما المتحفزة.. ثم رحب بفاليريا مقبلا وجنتها:
"فال عزيزتي تبدين فاتنة"
حاولت الابتسام بتوتر:
"شكرا كولين.. مبارك الخطوبة.. ألن تعرفني على إيزيس؟. أنا فقط سمعت عنها"
أشار إليها لتتقدمه وهو يقول بحماس:
"أجل بالطبع.. وهي كذلك متشوقة للتعرف عليك"
مشت للداخل وبدأت سلسلة من المجاملات السطحية لجميع رواد الحفل من عائلات النخبة في لندن والطبقة الأرستقراطية.. ولم تتخلص من قبضة كايدن المحذرة فوق خصرها فالتفتت تراقب قسماته التي كانت جامدة مجاملة وهو يتحدث مع الجميع.. حتى وصلوا لمكان وقوف والديه ووالدي إيزيس.. حينها تغيرت ملامحه مائة وثمانين درجة كاملة.. فالتمعت عيناه بحنان وهو يحتضن والدته سارينتي ووالده برايان غلاديسون.. ويبتسم بحب صافٍ لوالدته وهي تعدل ربطة عنقه وتطمئن عليه.. كانت سارحة في ملامحه ورغمًا عنها ارتسمت ابتسامة عاشقة ميؤوس منها وهي تتخيل فقط لو كان ينظر إليها بهذا الشكل!
: "فال أقدم لك خطيبتي الرائعة إيزيس سبنسر.. إيزي أنت تعرفين فال؟"
اندفعت كتلة قصيرة من الجمال الأشقر الباهر لتحتضنها بفرح:
"بالطبع التقينا في حفلات رسمية كثيرة ولكننا لم نتعارف بشكل شخصي.. يا إلهي فاليريا أنا سعيدة حقا بالتعرف إليك"
ابتسمت بسعادة ورغمًا عنها كان لطف إيزيس معدٍ وجميل:
"شكرا إيزيس.. وأنا كذلك سعيدة بلقائك"
هتفت إيزيس بمرح:
"سنكون صديقتين وشقيقتين بالقانون.. انتظري حتى تتعرفي على بريجيت صديقتي ستحبيها"
تجمدت وهي تسمع اسم بريجيت.. ولكن واجهتها الزجاجية لم تتأثر وهي تومئ بأدب:
"لقد تعرفت عليها حين كانت ترسم الخطط مع كولين لكي يصالحك"
احمرت وجنتي إيزي وهي تلتفت نحو كولين الذي احتضنها بعشق:
"مذنب بالتهمة سيدتاي"
ضحكت فاليريا لمرحه.. وقبل أن ترد تدخلت ساره سبنسر والدة إيزيس وهي تسألها:
"عزيزتي فاليريا لقد افتقدناك في المجموعة.. ألا تفكرين بالعودة؟. روبن لا يكف عن السؤال عنك"
ابتسمت بحزن وهي تراقب انشغال كايدن بحديث جدي مع والده.. وقالت بخفوت مهذب:
"قريبًا ليدي سبنسر.. قريبًا سأكون متفرغة لكي أعود"
ابتسمت المرأة الأكبر سنًا وهي ترمق كايدن بإعجاب وغمزتها بالسر وهي تهمس:
"أتفهم انشغالك بزواجك الحديث يا فتاة.. أتذكر حين تزوجت مايك اختفيت أنا وهو لخمس شهور بعيدًا عن كل هذه الضوضاء"
احمرت وجنتي فاليريا وهي تبتسم لساره بمجاملة وقد سرت أن المرأة فهمت كلامها بهذا الشكل.. على الأقل الجميع يظنها عروس غارقة في شهر عسلها الممتد!
استغلت انشغال الجميع واستأذنت لتبتعد قليلًا كي تتمالك نفسها.. ولكنها قابلت بعض صديقاتها اللواتي جذبنها لكي يتحدثن بآخر الأخبار.. والتي طبعا أهمها اختفاءها التام عن كل التجمعات التي كانت تحضرها سابقًا.. من أسبوع الموضة لافتتاح الملاهي الليلية والحفلات الخاصة.. فقالت إحداهن
"فال يا فتاة لقد تحولت لامرأة متزوجة مملة وربة منزل"
رفعت حاجبها وقد استعادت شيئًا من شخصيتها القديمة:
"امرأة متزوجة أجل.. ولكني لست بربة منزل مملة.. أم أنك لا تتابعي الأخبار الجادة دولي صغيرتي.. إن مركزي الآن لا يسمح لي أن احضر هذه المناسبات التافهة"
ارتفعت الضحكات المنافقة وكلمات الإطراء وبعض العبارات اللاذعة كذلك.. ولكن وسط كل هذا توقفت فاليريا لتنظر حولها تراقبهن وتعترف بداخلها كم أن كل هذا سطحي وممل و... تافه.. هذه كانت حياتها!
أجل وهي تعلم ما الذي كانت تقحم نفسها فيه حين عاشتها.. أرادت حلمًا مستحيلًا وكان هذا هو السبيل الوحيد لتحقيقه.
ولكن لماذا الآن تنظر إلى هذه المجموعة وتراقب في الخلف عائلة كايدن.. والتي تتوق لكي تكون هناك بين ذلك الرجل الرصين والمرأة العاطفية المحبة.. ولتكن زوجة مملة؟
هل بدأ حلمها يصبح بعيدًا؟. أم أنها ترغب في كلا الأمرين؟
بكل أنانية اجل.. تريد الحلم المستحيل وتريد كايدن!
وضعت كوبها جانبًا وقد استمعت لما يكفي من الثرثرة الغبية.. ووقفت تعتذر بتصنع:
"اعتذر يجب أن أجد كايدن لابد أنه يبحث عني"
واستدارت بجسد متصلب تحاول تجاهل ضحكاتهن وإحداهن تهمس(بصوت مرتفع متعمد):
"أجل يبحث عنها.. إنه تقريبا لا يراها"
لترد إحداهن بنفس التعمد:
"اوووه مسكينة فال"
رفعت ذقنها بكبرياء وهي تمشي بخطوات رشيقة لطالما أتقنتها وملامحها ثابتة.. هه.. الشكر لمعلمات السلوك.. واتجهت نحو كولين وإيزيس اللذان جلب منظرهما الرائع غصة في حلقها.. وهي تشاهد كولين يحتضن إيزيس من الخلف محيطا خصرها بذراعه.. بينما بيده الأخرى يمسك براحتها وهما يتحدثان مع والديه.. وكلما تحدثا ترفع الفاتنة الشقراء عينيها نحوه مستديرة برأسها.. فيبتسم لها بطريقة أذابت قلبها حزنًا.. وينحني يقبل إما طرف أنفها أو شفتيها برقة.. فتشتعل وجنتيها احمرارًا ولكنها تبتسم بسعادة صافية.. سعادة من وجدت أخيرا حياتها.. وروحها!
ابتلعت لعابها بصعوبة قاسية.. وحافظت على الابتسامة الرسمية التي لطالما أتقنتها وهي تلمس ذراع سارينتي بخفة.. فالتفتت لها بعينيها التي تشبه عيني ابنها:
"أووه عزيزتي فال.. كنا نتحدث للتو عنكما"
رمشت بعدم فهم مبتسمة:
"عنا؟"
بحماس هتفت إيزيس
"أجل فال.. لقد قررنا أننا سنقيم زفافًا صغيرًا كما فعلت أنت وكايدن.. هروب على الطريقة الرومانسية"
طبع كولين قبلة على وجنتها وهو يبتسم بحنان:
"أنا موافق على أي شيء سيجعلك السيدة غلاديسون"
بحنان ابتسمت فال وهي تراقبهما:
"أظن أن هذا رائعا!"
ثم التفتت نحو سارينتي:
"سارينتي هل شاهدت كايدن؟"
تلفتت المرأة حولها وهي تقول:
"لم أره منذ بعض الوقت"
ليقول برايان بهدوء:
"أظنني رأيته يتجه حيث ممر الخدمة"
تلفتت إيزيس حولها وهي تسأل كولين:
"هل شاهدت بريجيت؟. يجب أن أخبرها شيئًا مهمًا"
أجابها كولين:
"لا حبيبتي.. ولكن دعينا نبحث عنها"
أما فاليريا فقد شكرت برايان واستأذنت تتجه نحو الناحية الخلفية من القاعة.. حيث ممر الخدمة الذي يؤدي للمطبخ.. وحين وصلت وجدت العديد من العاملين والندل يتحركون.. فاقتربت من أحدهم تسأله فأشار نحو باب يؤدي لحديقة القصر الخارجية.. تحركت بخفة في الممر المعتم جزئيًا.. ولكن وقبل أن تصل للحديقة تجمدت مكانها وهي تستمع لصوت كايدن يتحدث بلطف ورقة:
"ألا يمكنك البقاء قليلا فقط؟. لم أحظى بأي وقت معك"
ليتبعه صوت بريجيت الحزين والناعم.. لدرجة كرهت نفسها وهي تتخيلها تنطق كماتها هذه أمام كايدن:
"آسفة كايدن.. أنت تعلم أنه لا يمكنني هذا"
بغضب رد كايدن:
"يا للجحيم الدموي.. لماذا يحدث هذا.. وإلى متى سنظل نهرب من الجميع بهذا الشكل المشين؟"!
سقط قلبها تماما..
بريجيت وكايدن!
يهربان؟!
اقتربت أكثر لتشاهدهما وبريجيت تضع راحتيها فوق ذراع كايدن.. وتهمس بصوت متقطع باكٍ:
"لا يمكنني كايدن.. ليس وهي بالداخل.. أنا فقط لا استطيع.. لن أتحمل رؤية... معها.. لن أتحمل!"
وبذهول راقبت زوجها وهو يأخذ بريجيت بين ذراعيه.. يحتضنها بحنان لم تره أبدًا منه وهو يتمتم ويقبل خصلات شعرها الداكنة:
"شش لا تبكي عزيزتي.. سينتهي كل هذا قريبًا أعدك.. هيا الآن ارني ابتسامتك الفاتنة.. لأجلي!"
لم تستطع فاليريا التحمل أكثر وعادت للداخل وهي تشعر أنها ستسقط أرضًا من شدة الألم الذي أخذ يضرب قلبها وجسدها.. كانت الدموع تغشى عينيها فتحولت كل الأشكال أمامها إلى ضبابة لامعة فلم تستطع تميز طريقها.. فأحنت رأسها تحاول أن تخفي دمعتان فرتا من سجنهما.. ولكنها اصطدمت بأحدهم وكادت أن تسقط لولا أن أمسكها من ذراعيها.. وحين رفعت عينيها وجدت كولين يرمقها باستغراب:
"فال.. ماذا حدث؟!"
هزت رأسها بارتباك متلعثمة:
"لا... لا شيء!"
التقى حاجبيه بعدم فهم للحظة ثم جذب ذراعها يقول لها:
"أتعلمين.. لم تراقصيني بعد هيا رافقيني"
حاولت الاعتراض فهي لا تعلم إن كانت تستطيع التماسك أمام نظراته المتعاطفة:
"لا.. كولين توقف فقط..."
ولكنه وصل بها لحلبة الرقص وأدارها لتقبع بين ذراعيه.. وبتلقائية وضعت يدها فوق كتفه وهو يبتسم لها:
"من الحظ السيئ ألا يرقص العريس مع أجمل امرأة في القاعة"
لم تستطع إخفاء ابتسامتها خاصة وهو يحرك حاجبيه لها بهذه الطريقة المشاغبة:
"يا إلهي.. أنت مليء بالهراء.. أولا أنت لست بعريس"
اعترض بغمزة:
"بعد!"
فتابعت باعتراض حزين:
"وأنا لست أجمل امرأة في القاعة"
ولم تستطع حتى أن تواجهه فاكتفت بالنظر إلى ربطة عنقه المواجهة لعينيها.. ولكنه أمسك بذقنها يرفعه:
"أنت تمازحيني!"
ارتبكت:
"لا.. لا أمزح!"
فابتسم لها وهمس:
"لو لم تكوني أجمل امرأة في القاعة.. إذاً لماذا يحدق بي كايدن وكأنه يريد رميي بالرصاص؟"
شحبت ملامحها وهي تتمسك بيده بذعر فارتبك للحظة:
"فال.. أنت شقيقتي بالقانون.. ونحن أبناء غلاديسون نعتني بأشقائنا.. لو أن هناك شيء ما يضايقك يمكنك أن تلجئي لي في أي وقت"
حاولت الابتسام وهي تهز رأسها بدون وعي.. وتشعر بأن مؤخرة رأسها تحترق من تركيز ذي النظرات الداكنة.. فلابد أنه يظنها تعبث هنا وهناك.
وهل يجرؤ.. بعدما سمعته؟!
انتهت الرقصة ورفع كولين راحتها لشفتيه يقبلها برقة.. فابتسمت للطفه الذي جلب لعينيها الدموع وهي تهمس:
"أتمنى لك السعادة كولين.. أنت تستحقها"
واستدارت لتجد سهام الجليد ترميها بنظرات قاتلة ولكنها رفعت رأسها بتحدي.. لن يستطيع إهانتها.. لن تسمح له.. لن يكيل تصرفاتها بمكيالين بينما هو يعبث مع الآنسة المثالية بالخفاء.
مشت بتعالي تريد تجاوزه.. ولكنه أمسك بيدها وقربها منه وكأنه يحتضنها فشعرت بالغثيان وهي تشم رائحة عطر الأخرى فوقه:
"ماذا أخبرتك فاليريا؟!"
هددها بغضب سائلًا.. فكتمت اشمئزازها وهي ترمقه بذهول للحظات.. ثم ضحكت.. أجل ضحكت بصوتها العالي الصاخب.. وبيدها المستندة فوق صدره شدت أصابعها فوق قميصه وهي تقول:
"لم تخبرني بأي شيء كايدن.. ولن تخبرني.. أنا اكتفيت.. من مثاليتك الكاذبة وخيانتك الحقيرة.. انتهيت.. نحن انتهينا"!
واستغلت ذهوله فدفعته وأسرعت تخرج من القصر مسرعة.. ولكنه وقبل أن تصل للسيارة كان قد أمسك بأعلى ذراعها وأدارها ناحيته وهو يهمس من بين أسنانه
"اخرسي.. لا تنطقي بأي كلمة.. سنكمل هذا الحديث الشيق في منزلنا"
وفتح باب السيارة لتنفض ذراعها من يده وترفع رأسها بكبرياء.. وهي تجلس في المقعد وتتجاهله تماما بصمت يحيط بهما.. حتى وصلا للمنزل وهبطت تسبقه ووصلت لمنتصف السلم الداخلي حين سمعت صوت صفقه للباب بقوة وهو يهتف بها:
"من هو روبن؟!"
تجمدت للحظة ثم استدارت ترمقه بعدم تصديق:
"ماذا؟!"
اقترب من السلم وهو يقول بغضب وعينيه تشعان ازدراءً:
"سمعتني.. من هو روبن.. هل هو عشيق آخر؟!"
بذهول هبطت إليه ووقفت أمامه تراقب الكره الواضح في عينيه:
"حقًا.. أنت لا تصدق كايدن.. انت بالفعل لا تصدق!!"
أمسك بذراعها بقوة يهزها:
"أجيبي عن السؤال فاليريا!!"
مطت شفتيها بلامبالاة:
" وأنا من ظننتك ستغضب لأنني راقصت كولين"
هتف بها وهو يقترب منها فاشتعل جسدها خطرًا:
"اخرسي!"
رفعت رأسها بتحدي
"لا لن أخرس.. ظننتك تخاف على شقيقك الثمين من الأفعى فاليريا.. حسنا احزر ماذا؟ لقد راقصني وجاملني وقبل يدي باحترام وقد أعجبني هذا!"
ابتعد خطوة وكأنه يكبح جماح غضبه فأرادت هذا.. أرادته فاقدا للسيطرة فاقتربت منه:
"أعجبني أن ينظر الي باحترام كشقيقته بالقانون.. أعجبني أن ينظر إلي شخص واحد فقط بشكل مختلف عن مجرد جسد رخيص"!
مرر نظراته عليها بسخرية:
"تبحثين عن الاحترام؟. توقفي عن الالتصاق بكل رجل يقترب منك والنظر إليه.. وكأنك آلهة لعينة للإغواء"
فغرت فمها بذهول لكلماته وهتفت صارخة بغضب:
"بالله عليك متى فعلت هذا؟. منذ أن عرفتك لم أنظر لرجل غيرك.. لم التفت لغيرك!"
لوح بيده متهما:
"واستنادك فوق جسد باولو بتلك الطريقة.. والتصاقك بكولين وذلك الروبن.. وكل الرجال من قبلي؟!"
" :-باولو.. روبن.. وبحق السماء أي رجال؟!"
ابتسم بسخرية واقترب منها:
"أووه نسيت فال العذراء الخجولة.. دور البطولة الذي تلعبينه بشكل متناقض مع حفلاتك الصاخبة!"
رفعت رأسها والقهر يملأها:
"كيف تجرؤ؟. على الأقل أنا أفعل كل شيء أريده بدون أن أدعي شيئًا.. أجل أحضر الحفلات وأحب الظهور على صفحات المجلات.. أجل كنت أبحث عن رجل يحبني وأحبه.. أجل وأجل.. ولكني كنت أفعل هذا على الملأ بدون كذب أما أنت..."
اقترب منها بتحدي وقد أشعله اعترافها بكل ما يدينها بنظره:
"أنا ماذا فاليريا.. ماذا؟"!
دفعته بيديها وهي تهتف:
"امسح رائحة تلك اللعينة عن جسدك قبل أن تتحدث عن أخلاقي سيد غلاديسون المحافظ"!
وتجاوزته متجهة للمكتب كي تجلب صندوق اللوحات كي تضعه في حقائبها حين تغادر هذا المكان للأبد.. فلن تنتظر بعد الليلة.. لقد ذهب إيمانها بالحب.. ذهب للأبد!
":-ماذا تظنين نفسك فاعلة؟!"
التفتت لتحدق به وهي تمسك بالصندوق:
"أغادر.. أتركك وللأبد.. وهذه صوري أنا"!
اقترب منها وسحب الصندوق من بين يديها بقوة.. فصرخت بألم حين جرحتها إحدى القطع الخشبية ولكنه لم يهتم.. وهو يقول ببرود:
"ماذا تعنين بكلماتك تلك فاليريا؟"
رفعت رأسها وهي تهتف به:
"اذهب للجحيم كايدن.. أنا سأغادر أعطني صوري!!"
فتح الصندوق وأخرج الصور الأربعة وهو يقول بينما يقترب من المدفأة الحجرية.. فاتسعت عيناها بارتياع:
"هذه الصور"
قلبها بين يديه وهي تقترب منه هامسة بجزع:
"لا كايدن لا!"
ولكنه تابع وهو يرمقها باحتقار:
"هذه الصور أنا من دفعت ثمنها.. إذاً هي ملكي ولن يراها غيري"
ورماها كلها في داخل المدفأة لتندفع شرارات النيران وهي تصرخ بألم وتحتضن جسدها:
"لااا.. لماذا فعلت هذا.. لماذا؟!"
اقترب منها وهو يقول"
"ما هو ملكي يبقى ملكي.. يمكنك رمي نفسك على أي رجل تريدين.. ولكن لن تعرضي صورا التقطتها وأنت برفقتي"
أخذت تضربه بقوة وهي تهتف والدموع تحرق عينيها وروحها:
"أيها اللعين.. أيها الوغد عديم القلب.. لماذا تفعل هذا بي؟!"
أمسك بيديها يقربها منه:
"أنت من فعلت هذا فال.. أنت من عبثت مع الرجل الخطأ.. أنت من كدت تخونينني في تلك الحفلة في فرنسا!"
قاومته بقوة:
"كيف تجرؤ.. تتحدث عن الخيانة وتلك اللعينة مازالت رائحتها عالقة بك؟. أتعلم أنت تثير اشمئزازي.. أنا أكرهك.. أكرهك.. أتمنى لو كنت خنتك.. لو كنت اخترت أي رجل سواك!!"
قربها منه محيطا خصرها بذراعيه ملصقا إياها به بقوة:
"اخترتِ؟!"
وانحنى يهمس أمام شفتيها:
"أتظنين يا حمقاء أنك تمتلكين حتى حق الاختيار؟. أنا من اخترتك لأعبث بك.. أنا من يملكك!"
بكت شاهقة تضرب صدره:
"أكرهك!"
همس وهو يقترب من وجهها أكثر ليلفحها بأنفاسه.. فأغمضت عينيها لتخفي ارتعاشة جسد فضحتها وزادت من كرهها له ولها:
"لنرى بشأن هذا"
وأطبق بفمه فوق شفتيها ممتلكًا ومقبلًا وهي تئن أسفل منه تقاومه بيأس وتقاوم جسدها.. تقاوم حبها وضعفها.. تقاوم قلبها الذي هدر بداخل صدرها يبكي حرقة عليه ومنه!
تأوهت بداخل فمه فابتسم وهو يهمس فاركًا شفتيه بشفتيها:
"تكرهينني؟!"
همست والدموع المالحة تختلط بشفتيها وشفتيه:
"أكرهك واكره نفسي!"
قست عيناه والبرودة تحتلهما معاكسة لحرارة اشتعال جسده الملتصق بها:
"وتقولين انك لا تكذبين؟. انظري لجسدك المشتعل بين يدي يا صغيرة قبل أن تصرحي بكذبك!"
مرر يده يسحب قماش فستانها الأسود حتى استطاع الوصول لبشرة ساقيها الناعمة.. فتسللت يده تعبث بدفء جسدها وهو يقول أمام شفتيها:
"توقفي عن الاشتعال أسفل لمستي ثم قولي أنك تكرهينني!"
وأخذ شفتيها بين شفتيه مقبلًا بشغف.. ويده الأخرى تحاول فك زمام فستانها ولكنها دفعته وتراجعت بقوة وهتفت:
"لا.. لا.. ليس بهذا الشكل.. ليس ورائحتها عليك.. ليس وأنا أكرهك وأنت لا تثق بي مقدار ثقتك بعاهرة.. لا كايدن"!!
كان يسيطر بالكاد على لهاثه ويديه تحرقانه لملمس بشرتها التي كان يسكره ويفقده اتزانه.. نظر إليها تقف أمامه باكية وملامحها مليئة بالألم.. جسدها ينتفض بعاطفة لا يفهمها وفستانها متهدل فوق كتفيها.. حيث شعرها المتناثر والذي أفلت من ربطته لينتشر فوضويًا مكملًا لوحة الألم التي رسمتها هيئتها.. اقترب منها فرفعت يدها توقفه فعبس:
"فال!"
هزت رأسها وهي تهمس باستسلام:
"لقد تعبت كايدن.. أنا تعبت.. حبًا بالله توقف!"
أسرع يمسك يدها برعب من جرح يدها:
"فال يدك"!
هو من فعل هذا؟. ألهذه الدرجة وصل به الأمر.. أن يؤذيها؟!
أصبح أعمى بالرغبة فيها.. بالجاذبية الكيميائية الخام التي تقوده للجنون كلما تخيلها مع آخر.. كلما تخيل أن يرى احدهم تلك الصور اللعينة!
إنه يتحول لمسخ!
أمسك بيدها برقة وقال:
"اجلسي قليلًا فال ودعيني اهتم بيدك"
وبحذر اقترب منها كي لا تنفجر مجددًا ولكن يبدو أنها استسلمت حقًا كما قالت.. فلم تعترض حين أمسك بكتفيها وجعلها تجلس على مقعد مكتبه.. وسلط مصباح المكتب فوق يدها ليجد قطعة خشب عالقة في راحتها وقد انتشر احمرار رهيب حولها.. نزع سترته وأسرع للحمام المجاور لمكتبه ليجلب لاصقًا طبيًا وبعض المناديل المعقمة.. وعاد ليجدها تحدق في النيران بنظرة ألم مستسلمة.. فابتلع غصة خنقته وجلس أمامها وهو يقول بخشونة يداري ألمه
"سيؤلمك هذا فال"
لم ترد ففتح درج مكتبه ليخرج منديلًا قطنيًا وفرده فوق ركبتيها حيث اسند راحتها.. وأخرج قطعة الخشب بحذر وأسرع بتطهير الجرح الدامي وتغطيته باللاصق الطبي.. وحين انتهى ظل ممسكا بيدها بين يديه صامتًا لا يجد كلامًا يقوله.. وكأنه اكتفى من هذه الحرب.. وكأنه يريد شيئًا غير استسلامه لطلبها بالمغادرة.. فاكتفائه بهذه الحرب يعني أن يتركها أليس كذلك..
فلا سبب لوجوده؟
":-لقد رأيتكما"
رفع رأسه نحوها ليجدها تحدق بالنيران بعينين غارقتين بدموع حبيسة جعلت الياقوت الأزرق محترق بألم
":ماذا؟!"
سأل بخفوت فرمشت عدة مرات.. لتتساقط حبيبات اللؤلؤ الغالية وهي تتابع بنفس النبرة المريرة الخافتة.. وشيء بداخله أخبره أن دعها تتحدث:
"رأيتك مع بريجيت.. رأيتك تتوسل إليها أن تبقى وهي تخبرك أنها لا تستطيع رؤيتك معي وأنها لن تتحمل هذا.. رأيتك تحتضنها وتقبلها و.. أتعلم؟. لقد حاولت.. يعلم الرب أنني حاولت!"
رفعت يدها السليمة تمسح عينيها وتابعت:
"منذ زواجنا وأنا أحاول أن أفوز بحبك.. أحاول جهدي كي أنفذ تعليماتك كلها.. ولكني اكتشفت أنني مهما فعلت لن تنظر إلي كما نظرت لها ولهذا غادرت لفرنسا"
مدت يدها وأخرجت هاتفها من درجه المفتوح وقامت بفتحه ببصمة يدها.. وأضافت وهي تضع الهاتف المفتوح فوق مكتبه:
"روبن هو طفل فيتنامي أرعاه ضمن أنشطة مجموعة حماية الطفولة التي أعمل بها مع الليدي سبنسر.. ذلك الرجل الذي أخبرك بتلك القصة المشينة كان كاذبًا.. حاول إجبار نفسه علي مسيئًا فهم تصرفاتي.. وحين رفضته أخذ يتجول بحكايته عن فتاة ساينت ريدلر الشائنة.. ربما الجميع يرون في مشروع عاهرة.. أما كولين... فكان شابًا أعجبني.. فقط أعجبني!"
ثم وقفت فجأة وهي تقول:
"سأصعد لأنام.. أنا الآن انتظر قرارك بشأن هذا الزواج"
وغادرت المكتب وسط ذهوله مما سمعه..
إنها تتصرف بدافع غيرة من بريجيت؟!
وكلامها عن قصة ذلك الرجل؟!
ماذا يصدق؟!
وقف يذرع الحجرة حوله بتوتر وهو يحل ربطة عنقه.. كلماتها ودموعها وجسدها.. كل شيء بها صادق ويصرخ بالبراءة.. ولكن ما سمعه.. ما رآه.. ما أخبره والدها عنها؟!
هوسها بالشهرة والظهور المبالغ به.. رغبتها بتلك الصور اللعينة؟!
كل شيء بها متناقض.. يا لها من امرأة بها كل شيء وعكسه..
براءة ملاك و إغواء شيطان..
كذب و صدق..
ألم دفين وكبرياء لعينة!
أمسك بهاتفها يحدق به للحظة يحارب شياطينه.. ثم رماه فوق المكتب بدون اهتمام فسيثق بحدسه هذه المرة.
سيمنح الشيء الذي يخيفه كثيرا فرصة...
الشيء الذي انفجر ما أن لمس يد فاليريا...
الشيء المسمى حب...
سيجرب!!
خرج من مكتبه يحمل الهاتف بيده وصعد لحجرتها.. فوجدها قد نزعت ملابسها وتمددت بملابسها الداخلية فوق سريرها متكورة تحتضن الوسادة التي بجوارها.. حتى أنها لم تلتفت له حين دخل الحجرة وأغلق الباب خلفه.
نزع ملابسه واقترب منها يضع الهاتف فوق المنضدة فلم تتحرك من مكانها ولم تواجهه حتى.. فاندس خلفها وأحاط خصرها بذراعه يجذبها نحو صدره ويضع رأسها على ذراعه الآخر.. وحين شعر بمقاومة خفيفة منها همس في أذنها:
"ششش فال.. دعينا نحظى بلحظة سلام فقط"
صمتت متجمدة ولكنها لم تسترخي بعد.. فألصق فمه في تجويف عنقها وتابع همسه وكأنه يخاطب شريانها النابض كي يصل بسرعة لقلبها:
"بريجيت ليست سوى صديقة"
حاولت الحركة فتمسك بها بقوة:
"شش اسمعيني فقط.. بريجيت تعاني من مشكلة خاصة بها ولا تستطيع الظهور في العلن بسببها.. إيزيس تعرف هذا وكولين كذلك.. وكانت تخبرني أنها لا يمكنها أن تبقى وأحد يعرفها بالداخل.. شخص ما غيري هو من كانت تعنيه فاليريا ليس أنا.. أنا لا أكن لهذه المرأة سوى الصداقة والاحترام فقط"
توتر جسدها وعلم أنها تبكي.. فأدرك أنه جرحها حتى بكلمة الصداقة والاحترام:
"فال لنحاول.. لنعطي هذا الشيء الذي بيننا فرصة"
أدارها بين ذراعيه ومقاومتها تهدأ ورفع ذقنها لينظر إليها وتابع:
"هذا الانجذاب الذي نشعر به تجاه بعضنا البعض.. لنبدأ به ولنمنحه فرصة بأن نكون صديقين ونثق ببعضنا البعض ل... لنرى لأين سيأخذنا هذا"
كورت شفتيها الحمراوين الشهيتين وهمست بصوتها الأبح اللذيذ:
"هل ستثق بي؟"
غرق في عينيها الزرقاوين المليئتين بالبراءة والألم والحب الخالص وأجابها:
"أجل!"
*****
الفصل السادس
":بالله عليك قل أجل!"
هتفت بها فاليريا بيأس وهي ترمق كايدن الذي يجلس أمامها فوق مقعد مكتبه بغيظ وهو يرفض الفستان الرابع الذي تجربه.. فوقف واقترب منها يحيطها بذراعه وبيده يمسد ذقنها كعادته المتملكة في تحريك ملامحها ليقربها منه:
"لن أقولها.. لا يعجبني هذا الفستان"
أدارت عينيها بيأس:
"لا تفعلها.. لم يعد لدي فساتين رسمية كايدن!"
مرر يده فوق خصرها يحتضنها ويمرر شفتيه فوق شفتيها برقة:
"حسنا سأصعد واختار واحدًا"
رفعت حاجبها:
"وهل تعلم ما بخزانتي أكثر مني؟"
مط شفتيه:
"لا.. ولكني أعلم ما هو جميل عليك"
احمرت وجنتيها وهي تحدق بشفتيه التي تبعد مسافة خطوة جريئة فقط عن شفتيها.. وكلها يصرخ أن تأخذ هذه الخطوة ولكنها مازالت خائفة.. مازالت تخطو بحذر في هذه الهدنة التي يعيشانها منذ أسبوع.. منذ تلك الليلة المشؤومة.. وكم ترغب في ترك حذرها.. كم ترغب فقط بالاندفاع والالتصاق به وامتلاكه كما تريد.. الأمر ليس فقط علاقة جسدية مشتعلة ـــ والتي لم تتوقف عن إذهالها في كل مرة بكم الجاذبية التي تحيط بهما ـــ ولكن أيضًا بالتصرفات اليومية العادية.
أجل هي تستسلم بين يديه دائمًا وكل مرة.. وتصبح أنثى صنعت للعشق فقط بين ذراعيه.. ولكنها تريد أكثر.. تريد أن تتحدث معه بحرية.. تريد أن تنزع ذلك الخوف من قلبها.. كلما كانت برفقته تشعر وكأن هناك ساعة مؤقتة تدق فوق رأسيهما وستعلن فجأة انتهاء الهدنة وسعادتها المشوبة بالخوف.
خطوة شجاعة جريئة فقط هي ما تفصلها عنه.. ولكن إحساس الرفض بشع للغاية وقد تعبت منه.. إنها الآن تتلقى ما يمكنها تلقيه منه وستعيش فقط اللحظة وفقا لما يقدمه.
طوال الأسبوع كان رائعًا لطيفًا وعاشقًا مميزًا.. قضيا بقية عطلة نهاية الأسبوع في منزل جرينيتش ثم انتقلا للندن حيث شقتهما.. ومنذ تلك الليلة لم يحدث ما قد ينغص حياتهما.. حتى الحديث كان سطحيًا حذرا.
أما عن علاقتهما فقد كانت أكثر اشتعالًا من بركان منفجر.. لم يتمكنا من إبقاء أيديهما بعيدة عن بعضهما البعض وكأنهما يشبعان نهما مكبوتًا منذ زمن.
واليوم فقط شعرت بتوتر الأجواء بينهما.. فقد غادر للعمل صباحا ثم هاتفها ليبلغها أن موعد حفل قصر باكنغهام قد اقترب.. وقد كان صوته مقتضبا وغريبا بعض الشيء.
هل كان يخاف من خروجهما مجددًا على الملأ؟
صارعت طوال اليوم مع هذا الهاجس المروع.. وهي تحاول التفكير كيف ستستطيع التعامل معه لو كان هذا يقلقه.. وحين انتهيا من عشاءهما طلب منها أن تجرب الفساتين التي أخبرته أنها تشعر بالحيرة بينها.. وها قد رفضها جميعا.. مما يعزز خوفها من قلقه لظهورهما سويا.. رفعت عينيها إليه لتجده يحدق بها متسائلًا بصمت فاستجمعت شجاعتها:
"أستطيع الاعتذار عن الحفل كما تعلم"
عبس للحظة:
"ماذا تعنين؟"
عضت شفتها السفلى وراقبت اشتعال عينيه مع حركتها:
"أعني أنه لا داعي لرفضك كل هذه الفساتين.. أعلم أنك قلق بشأن ظهورنا إلى العلن و..."
انحنى وأخذ شفتها بين شفتيه وعينيه مفتوحتين يحدق بها مثبتًا نظراتها.. فارتعشت شغفًا به واتسعت عيناها وهي تراقب حركته بصمت.. امتص شفتها السفلى برقة ثم تركها وقبلها بخفة وجسده يضغطها إليه بقيود ذراعيه:
"حسنا يا ذات الشفاه الكبيرة اللذيذة.. تعالي لنختار فستانًا ثم دعينا نحلل كلامك"
عبست معترضة:
"شفاهي ليست كبيرة!"
مد يده يمرر إبهامه فوق فمها وهو يقول بصوت أجش:
"اصمتي فال.. وإلا لن نخرج من المكتب"
تحول عبوسها لضحكة صاخبة وهي تستدير بين ذراعيه متجهين معا للطابق العلوي..
ولكنها وما أن وصلت باب جناحهما حتى وجدت روبي الخادمة تقف بشكل غريب وعلى ملامحها ابتسامة بلهاء.. فحدقت بها باستغراب وخاصة أن كايدن توقف خلفها يحتضنها.. ثم أشار لروبي التي فتحت الباب المزدوج بطريقة مسرحية لتشهق فاليريا بذهول وترفع يديها لتغطي شفتيها.
فأمامها كان يقف مجسما لعرض الملابس وفوقه فستان أحلامها.. الفستان الذي تصدر عروض أسبوع الموضة في نيويورك قبل يومين ومازال لم يصل لأسبوع الموضة في لندن بعد.. تصميم لدار شانيل العالمية أسود بدون أكمام.. ينسدل بتصميم كساعة الرمل وينتهي بقماش أبيض يحيط بأعلى مؤخرته نزولًا ليلامس الأرض.. كان المجسم يضع في محل العنق طوقا ماسيا مجدلًا يلتمع بشكل مبهر.. وأمامه وعلى وسادة سوداء صغيرة يقبع حذاء من لوي فيتون أسودًا رائعًا.
تقدمت بخطوات بطيئة ترمش غير مصدقة ما تراه.. ولمست القماش الناعم والقوي براحتيها.. ثم استدارت تحدق بكايدن الذي كان يستند على إطار الباب وهمست:
"يا إلهي كايدن!! متى استطعت جلبه.. كيف عرفت؟. أووه يا إلهي!"
اتسعت ابتسامته وهو يقترب منها ويتصنع اللامبالاة:
"متى استطعت.. لقد أرسلت رود بمهمة سرية إلى نيويورك وتهديد من مجلس اللوردات للآنسة كوكو شانيل بنفسها.. أما كيف عرفت فلا أدري.. ربما بسبب هوسك الرهيب به منذ أن شاهدت صور أسبوع الموضة في الصحيفة"
أصبح أمامها فضربته بخفة وهي تعترض:
"لم أكن مهوسة به!"
رفع حاجبه وهو يمسك ذقنه متسائلا:
"ممم إذاً لو بحثت في حاسبك لن أجد سوى عشر صور له؟"
احمرت وجنتيها:
"بل ثلاثون"
ضحك بصخب وهو يرفع يديه:
"أرأيت؟"
التمعت عيناها وهي تراقبه يحدق بالفستان ويتابع ممازحتها و إغاظتها.. ولكنها كانت فقط تتأمله.. هل هناك فرصة أكثر روعة من هذه لكي تخطو خطوتها؟
لا.. لن يكون!
تراجعت للخلف وأغلقت الباب واستندت إليه وهي تنزع حذاءها.. فاستدار كايدن يحدق بها وهو يضع يديه على خصره:
"هل ستجربينه الآن؟. ظننتك ستتركينه لليلة الغد"
فكت زمام فستانها الذي كانت تجربه وأنزلت حمالاته العريضة ببطء.. وهي لا تزال تثبت نظراتها على عينيه التي اشتعلت بشيء ما وهو يقف أمامها ثابتًا.. انسدل الفستان حتى أحاط بكاحليها فخطت من فوقه وتقدمت ببطء حتى وصلت إليه وهمست:
"لن أجربه.. إنه مثالي"
رفع حاجبه وبلمعة إثارة سألها ومازالت يديه على خصره:
"إذاً لماذا نزعتِ ملابسك؟"
عضت شفتيها وراقبت انحدار نظراته لشفتيها ثم قالت:
"أريد أن أشكر زوجي"
عاد ينظر لعينيها وقال بنبرة فهمتها:
"لست مضطرة لشكره"
ابتسمت بسعادة خالصة من الخوف لأول مرة:
"أعلم.. ولهذا أفعلها.. لأنني لست مضطرة"
ببطء ابتسم كايدن وقد فهمها.. فمنذ هدنتهما لم تكن أبدًا المبادرة في أي شيء يخص علاقتهما.. حتى الأحاديث العادية كان هو من يبدأها.. برغم أنهما لم يتحدثا فعليًا فقد قضيا الليالي السابقة كمراهقين شبقين يكتشفان الجنس لأول مرة.. وفي كل مرة يكون هو من يبدأ وهو من يكسر حواجزها.. مستعدًا تمامًا لطمأنتها نظرًا لتصرفاته السابقة في علاقتهما.
أما الآن وهي تتقدم نحوه كآلهة إغواء خيالية.. علم أنه فاز بها مجددا.. فاليريا.. آلهته المغوية الخاصة.
وضعت يدها فوق صدره وهي تقول بنبرة آمرة:
"انزع قميصك!"
رفع حاجبه بمشاكسة وهو يبتسم:
"أوامرك مطاعة ليدي فاليريا"
فتح أول زرين في قميصه ثم فوجئ بها تجذبه من سرواله وترفعه لأعلى.. فسحبه من فوق رأسه ورماه جانبًا ثم قال:
"ماذا أيضًا؟"
كانت وجنتيها تشتعلان والاحمرار ينتشر من وجهها هبوطا لعنقها.. ثم أعلى صدرها الناهد بطريقة ضربت رجولته إثارة.. فهي هكذا له.. ومعه فقط.. امرأته.. إلهته.. أميرته.
همست بعينين تتصنعا الجرأة وشفاه عابثة بكل أعصابه:
"سروالك"
نفذ كلامها بسرعة.. وما أن اعتدل أمامها حتى دفعته براحتها ليتراجع وصولًا للسرير وقالت:
"اجلس"
أصبح يواجه صدرها بجلوسه بهذا الشكل.. فرفع رأسه يتحداها:
"أي أوامر أخرى؟"
بضغطة خفيفة وضعت راحتيها على كتفيه وجلست في حضنه تحيط ساقيه بساقيها.. وتتحرك ببطء فوق حضنه متعمدة إثارته رغم أنها لم تكن تحتاج لهذا.. فقد تكفل احمرار وجنتيها وهي بملابسها الداخلية بإشعال كل خلايا جسده الحسية.. مدت لسانها ببطء ولعقت شفتيها وهي تقول
"إذاً أنت تجد شفتي كبيرة؟"
ازدرد لعابه يحاول السيطرة على يديه التي تأكله كي يمسك بخصرها.. يثبت حركتها التي تقوده للجنون ويمسك هو بزمام الأمور مسيطرًا.. ولكنه أرادها أن تمتلكه بنفسها.. ورد بصوت مليء بالعاطفة:
"لذيذة.. شهية.. ممتلئة"
رفعت حاجبها:
"ممم.. وهل هذا شيء جيد؟"
همست بسؤالها أمام شفتيه فأحاط جسدها بذراعيه وهو يقول:
"شيء جيد؟. إنه شيء لعين مثير!"
اتسعت ابتسامتها فعاد ليتابع:
"أنت أجمل امرأة وقعت عيناي عليها فال"
لمعت عيناها بتلك الدموع مجددًا فهمس لها:
"قبليني"
أمالت رأسها وامتلكت شفتيه بتردد.. وهو ثابت يترك لها المجال لكي تستجمع شجاعتها وقد أعجبه هذا.. أعجبه كيف تقبله بتردد وبسذاجة وبشجاعة وتطالب به.. بادلها القبلة مشجعًا وبيديه نزع حمالة صدرها وأخذها وهو يتراجع فوق السرير ليصبح مستندًا برأسه وظهره على الوسائد الضخمة خلفه.. وهي مازالت قابعة بحضنه ولم تنقطع قبلاتهما.. إنما تحولت لتصبح أكثر قوةً وشغفًا وحدة.. تقطعت أنفاسه وهو يمتلك زمام القبلة ليقودها لتصبح أكثر جموحًا وعمقًا.. بينما يديه تحومان فوق ظهرها لتخفف توترها وهي بين ذراعيه.. وحين تراجعا ليلتقطا أنفاسهما همس لاهثًا:
"المسيني فال"
هبطت براحتيها لتستند على صدره.. وانحنت تقبل عنقه وصدره ويداها تعيثان فسادًا بكل سيطرته حتى لم يعد يستطع التحمل أكثر.. وبحركات متخبطة نزع ما تبقى من ملابسهما وهو يجعلها تمتلكه.. ويشجعها كي تقود جسديهما لما يثير نشوتها.. بينما يتابع تقبيلها ومداعبتها بيديه وشفتيه وهي تستمر بحركتها التي كلما ازدادت حدة كلما رفعتهما كليهما لذروة حد السماء.. حتى صرخت باسمه وهي تقوس جسدها للخلف وشعرها يتناثر خلفها بينما تستند براحتيها فوق صدره.. وفي تلك اللحظة لو قدر لكايدن أن يحتفظ بصورتها بهذا الشكل لجعلها لوحة فنية باسم الحب..
ماذا.. حب؟!
******
تراجعت غيمة الذروة السحرية ولكنهما لم يخرجا من سريرها.. بل كان يحتضنها من الخلف وهي ترمق الفستان أمامها.. فرك أنفه في عنقها وهو يسألها:
"هل أحببته؟"
استدارت في حضنه ونظرت إليه للحظة ثم قالت:
"أحببت أنك فعلتها"
عبس بعدم فهم فتابعت:
"أنك علمت ما أحب وفكرت بطريقة لجلبه.. أحب كونه أول هدية حقيقية أحظى بها"
تلك القبضة مجددًا عادت تمسك بروحه:
"ماذا تعنين بأول هدية؟. لابد أنك حظيت بالكثير في حياتك"
ابتسمت بحزن وهزت رأسها:
"لا!"
اعتدل مسندًا رأسه بيده وذراعه تقربها أكثر إليه:
"وأعياد ميلادك.. ووالدك وأصدقائك.. وعيد الميلاد بحق السماء؟!"
ضحكت بطريقة مريرة:
"لم أقم أعياد ميلاد حتى بلغت العشرون من عمري.. وحينها كنت قد فهمت أن من يقدمون لي الهدايا كانوا يتوقعون مقابلها فلم اعتبرها كذلك.. كانت مجرد مجاملات متبادلة.. احضر لك هدية بآلاف الجنيهات لتحضر لي مثلها.. كل شيء له ثمنه.. أما والدي فلم يهدني سوى جيناته واسمه ودفتر شيكات استخدمته كي أحظى بالهدايا لنفسي"
ابتلع غصة خنقته ورفع يده من خصرها واحتضن وجهها الذي يحدق بالسقف ليجبرها أن تنظر إليه.. وتابع سائلًا مستغلًا لحظة الصراحة النادرة هذه:
"وما أول شيء أهديته لنفسك؟"
ضحكت وهي ترفع إصبعها لأنفها وتربت عليه فلم يفهم فقالت:
"عملية تجميل لأنفي"
اتسعت عيناه وهو يرمق أنفها المثالي:
"أنت تمزحين؟!"
اهتز جسدها ضحكًا وهي تهز رأسها:
"لا.. لا أمزح.. كنت أريد أن ابدو جميلة"
بعدم تصديق هتف بها:
"يا إلهي فاليريا.. أنت جميلة للغاية.. كيف لا تصدقين هذا؟!"
مطت شفتيها:
"لا.. لست جميلة.. وإلا لماذا لا يحبني أبي ولن يحبني.. لماذا وصلت لعمر الخامسة والعشرين بدون حبيب حقيقي أحظى به كالفتيات؟. حتى موعدًا تافهًا لحفلة التخرج لم أحصل عليه.. أنا لست جميلة كايدن ولهذا ما أن أخذت أول بطاقة ائتمان لي في سن السادسة عشر حتى سافرت لفرنسا.. وأجريت جراحة لأنفي كي أصغره قليلا.. ولكن حتى الطبيب لم يرضخ لطلبي بأن يصغره أكثر واكتفى بهذا"
كان يستمع لها بذهول وهو ينظر لملامحها المتألمة وهي تتحدث ببساطة.. لم يعرف بماذا يرد عليها.. كيف يمكن أن يرد حتى؟!
سألها فجأة:
"أريد رؤية صورتك قبل العملية"
مطت شفتيها وهي تتناول هاتفها وتضغط فوق صورة لتظهر وهي بزي المدرسة الثانوية.. فأخذ منها الهاتف وقرب الصورة ليدقق النظر في ملامحها الفاتنة البريئة.. رغم مساحيق التجميل الكثيفة التي كانت تضعها إلا أن ملامحها واضحة وجميلة.. لم يكن التغير كبيرًا في أنفها.. فقط لمن يدقق النظر يرى اختلافًا في حجم عظمة أنفها.. أما شكله العام فمازال كما هو.
":-بالله عليك فال لم يكن كبيرًا.. ثم أنه لم يتغير كثيرًا"
سحبت منه الهاتف ورمته جانبًا:
"لا.. أخبرتك أن الجراح لم يرد المخاطرة بجراحه أصعب لأنني صغيرة.. ولكن ربما سأجريها قريبًا"
هتف بها بقوة:
"لا!"
نظرت إليه باستغراب فأضاف بتصميم:
"لن تغيري أي شيء بك فال.. أنت مثالية للغاية.. فاتنة ومغوية ورائعة!"
رمشت للحظة ثم أشارت لشامتها:
"حتى هذه؟!"
انحنى يقبل الشامة ويهبط ليقبل شفتيها بعمق ثم يتراجع:
"هل تدركين كم مرة أصابتني هذه الشامة بالجنون كي أقبلها؟"
ابتسمت بضعف:
"حقًا؟"
أومأ وتراجع يحتضنها أكثر:
"أجل.. كل ما فيك فال يشعلني ويثيرني.. ويجعلني على حافة الجنون"
اندست في عنقه وهي تغمغم بصوت ناعس:
"أنت لا تكذب كايدن"
كان يريد أن يجيبها.. ولكنه انتبه أنها لم تكن تسأل.. بل تقر إقرارًا بصدقه.. وكم شعر بصدره يتضخم فخرًا لأنها تمنحه هذا الوسام.. يا الهي!
هو كايدن غلاديسون الذي ستقلده ملكة بريطانيا العظمى غدا وسام فارس.. يشعر بالفخر لثقة هذه القطة المثيرة المندسة في صدره به!
الشيء الذي كان يختبئ خائفا بداخله أصبح أكثر جراءة وهو يحتضنها.. وأخذ ينتشر وصولًا لقلبه وعقله وروحه..
شيء يدعى الحب!
****
في اليوم التالي عاد من عمله مبكرًا كي يستعد للحفل الملكي.. ليجدها تقف أمام الشرفة تحدق بالثلج المتساقط بصمت حتى أنها لم تلحظ وجوده.. فاقترب منها واحتضن من الخلف يقبل وجنتها فلم تلتفت نحوه فشعر بالقلق وسألها:
"فال هل حدث شيء ما؟"!
رفعت نحوه نظرات حزينة وهي تهز رأسها تحاول رسم ابتسامة ضعيفة لم تقنعه:
"لا.. أنا بخير.. متى سنستعد؟"
رفع معصمه يحدق في ساعته:
"الحفل سيبدأ في الثامنة"
تنهدت وهي تستدير مبتعدة عن الزجاج الضخم:
"بالكاد سأستطيع الاستعداد"
قبل أن تبتعد أمسك ذراعها يوقفها:
"فال.. يمكنك إخباري بأي شيء"
ابتسمت وربتت على ذراعه:
"فقط الثلج يشعرني بالإحباط كايدن"
أمسك بيدها يأخذها لجناحهما كي يستعدا سويا وهو يقول مبتسمًا:
"هذا شيء نتفق فيه سويًا عزيزتي"
رفعت حاجبيها:
"حقاً؟. أعني.. إنه دومًا ما يشعرني بالحزن وكأنه يضع نهاية لشيء ما"
أومأ لها يرمق شفافية عينيها:
"أنت محقة.. أتعلمين حين كنت صغيرًا كان والدي وكولين يخرجان دومًا للعب في الثلج.. ولكني كنت أفضل البقاء في المنزل.. أنا بطبعي لا أحب المغامرات ولا الاندفاع والتهور"
وابتسم بحنين فردت عليه:
"تشبه والدك أكثر"
رفع عينيه بدهشة نحوها فابتسمت:
"أنت مثله.. هادئ ورزين.. لا.. لا أستطيع تخيلك تلعب بالثلج وتركض منزلقا متسخا وملطخا بالأوحال"
اتسعت ابتسامته وهو يراقبها تحدق به وقد اختفى حزنها وهي تقول مستطردة:
"ولكنك تشبه والدتك في الملامح"
جذبها نحوه يشاكسها
"أتعنين أنني ذو ملامح أنثوية"
رفعت يدها تمررها على وجهه فانقبض قلبه وهو يراها بهذا الشكل.. وكأن شيئا على وشك الحدوث:
"أعني أنك ذو ملامح مثيرة"
وارتفعت على أطراف قدميها لتقبله برقة.. وقبل أن تتراجع أمسك بها بقوة متسائلًا
"فال؟!"
ربتت فوق صدره وقد فهمته:
"أنا بخير كايدن أعدك.. إنه الثلج فقط.. هيا لنستعد ألست متشوقًا لتراني بالفستان؟"
وابتعدت تتجه لخزانة ملابسها ولم تخبره أنها ومنذ أن استيقظت وهي تشعر بذلك الألم الرهيب بداخلها.. ألم بدأ بنغزة حزن وخزت قلبها.. ثم بدأ ينتشر في صدرها ويضيق بها حتى أنها فكرت جديًا في الاعتذار عن الذهاب برفقته للحفل.. ولكنها عادت وسيطرت على مشاعرها مرجعة شعورها لانفعال هرموني سخيف.. أو كما قالت بسبب الثلوج التي تشعرها بالاختناق.. واستعدت للحفل وكلها تصميم ألا تخذله.. وأن تتصرف كالمرأة التي يستحقها.
انتهت من شعرها وملابسها حين ظهر خارجًا من الحمام يلف منشفة حول خصره.. فوقفت أمامه تشبك أصابعها وتدور بفستانها كطفلة تنتظر إطراء والدها.. ولكن بعد صمته وتحديقه بها سألت برعب:
"ماذا.. هل هو مبالغ فيه.. أأغيره؟"!
وتحركت تريد الوصول لحجرة الملابس ولكنه هتف بها:
"إياكِ أن تتحركي"
تجمدت مكانها وهي تراقبه يتحرك بجسده الرائع ويمسك بهاتفه المحمول ويقول:
"سأكون ملعونًا لو لم أوثق هذه اللحظة.. هيا الآن استديري لأجلي"
ابتسمت وهي تدرك مجاملته.. ووضعت يدها على خصرها وأخذت تتموضع أمامه وهو يلتقط لها صورًا عديدة.. حتى اقتربت منه وسرقت هاتفه وهي تفعل خاصية التسجيل.. وتقف أمامه لتصورهما وهي تقول بمرح.. بينما يحاول بدون جهد حقيقي أخذ الهاتف منها:
"هذا لك كايدن لتدرك أنني احتاج لثلاث ساعات كي أبدو فاتنة.. بينما أنت وبكل ظلم تخرج من الحمام رطب وترتدي منشفة كطرزان وتبدو وسيمًا وجذابًا لدرجة تجعلني أريد نزع... "
وصرخت وهي تراقب الشاشة حين نزع المنشفة وهو يقول:
"طرزان سيفوت حفل الملكة لأجل الجميلة جاين"
أغلقت الهاتف ورمته فوق السرير وهي تركض منه ترفع يدها محذرة:
"إياك!. لقد شلت ذراعاي لكي أتقن هذه التسريحة.. والآن هيا كن فارسا مهذبا وارتدي بذلتك الرسمية"
اقترب منها وقال بأمر
"قبلة واحدة من أجمل أميرة في الحفل"
تنهدت بيأس وهي تستسلم.. بينما يحتضنها ويقبلها بقوة حتى أنت وهي تستند بيديها على صدره وتدفعه لاهثة:
"لا... توقف... سنتأخر هيا الآن!"
زمجر معترضًا وهو يستدير بجسده المثار.. فضحكت بمرح وهي تقول من خلفه مشيرةً لجسده:
"ستصاب الملكة بحازوقة لو رأت هذا"!
رفع حاجبه مشاكسًا
"إذاً واجبك الوطني أن تحافظي على ملكتك.. وأن تخففي من ظهوري كمراهق مثار"
رفعت حاجبها بشر وهي تقول:
"ومن قال أنني وطنية؟"
ضحك بصخب وهو يختفي في حجرة ملابسه.. بينما جلست فوق السرير تشاهد الصور التي التقطها لها مبتسمةً بسعادة حقيقية.. لولا ذلك الشعور الآسن الرهيب.
وصلت كي لا يتسبب إحساسها بإصابتهما بالنحس.
يا إلهي كم ترغب فقط في إغلاق هذا الباب عليهما لهذه الليلة فقط!!
*****
توقفت السيارة الليموزين الرسمية أمام مدخل قصر باكنغهام المهيب والمحاط بالحراس بزيهم المميز.. وشعرت بيد كايدن تضغط على يدها فالتفتت إليه لتجد ملامحه جامدة متصلبة.. فابتسمت له بخفة ورفعت يده بين يديها وقبلتها أمام نظرته المندهشة.. ثم أمسكت ربطة عنقه الفراشية وعدلتها وهي تهمس له:
"ستكون رائعا.. إن كان هناك أحد يستحق لقب فارس فهو أنت كايدن.. أنت فارسي بحق"
رمش يريد قول شيءٍ ما ولكنها ربتت على وجنته وهي تتابع:
"لاحقًا.. سنتحدث.. ولكن الآن دعنا نحتفل بك حبي"
أمسك بيدها يقبلها بشغف قبل أن يفتح باولو الباب بجواره.. ليهبط ثم ينحني أمامها ويمد يده إليها.. فتمسك بيده وتخرج لتقف بقربه على السجادة الحمراء وعدسات الصحافة تضيء تحيطهما من خلف أسوار القصر.. فتأبطت ذراعه وهي تحدق به بفخر حقيقي لمسه.. فانحنى يسند جبهته على جبهتها فازداد جنون الأضواء الوامضة وهي تهمس له:
"ماذا تفعل؟"
فابتسم بسعادة:
"أفكر بخطة شريرة"
اتسعت نظراتها ذهولًا وابتسامتها مرحًا وهو يهمس لها بخطته.. وتحركا ضاحكين برفقة منظم الحفل الرسمي لداخل القصر الضخم.. الذي احتضن العائلة الحاكمة لقرون بنقوشه العريقة واللوحات والتماثيل التي تثير حسد أضخم متاحف العالم.
كان الحفل خاصًا بأعضاء مجلس اللوردات الديمقراطي والمحافظ والذي تقيمه الملكة كل دورة انتخابية.. وهذه المرة سيتم تكريم ومنح كايدن لقبًا رسميًا لإنجازاته وأعماله التي جعلته يستحق اللقب بجدارة.
تقدما باتجاه مراسم التحية الرسمية حيث يصطف أعضاء العائلة المالكة. بدايةً بالملكة إليزابيث الثانية التي تقف بجوار زوجها.. ترحب باللوردات الذين ينحنون أمامها بالتحية الرسمية وزوجاتهم بنفس التحية.. ثم جوارها يكون ولي العهد وابنيه الأمير ويليام وهاري كلًا وزوجته .. ولكن وما أن وصل الدور لكايدن لكي يحي الملكة ابتسمت له بسعادة ومدت يدها.. فصافحها مبتسما بتحفظ جلب ابتسامة حنان غمرت قلب فاليريا.. وهي تراقبه وتعرف أنه متوتر ومرتبك.. ولكن ملامحه ثابتة لا أثر لارتباكه ظاهر.. إنما هي فقط تعرف هذا.. وملأها هذا فخرا.. إنها تقترب.. إن لم تكن قد وصلت لقلبه.
ستعترف له الليلة.. أجل.. ستقولها مجددًا.
أما كايدن فما أن انتهت التحية الرسمية بدأت مراسم تنصيبه فارسًا.. حيث وضعت وسادة حمراء فوق مقعد صغير على الأرض أمام الملكة.. و طلب منه منظم الحفل أن يتجه عند الإشارة ليقف برسمية أمام الملكة.. ثم يركع واضعا ركبته على الوسادة والأخرى بزاوية حادة.. ويكتف ذراعه فوق ركبته المرتفع.. وبالفعل ارتفعت موسيقى عسكرية استعدادًا لاقترابه.. فرفع يد فاليريا وقبلها أمام نظرات البلاط الملكي بأكمله.. واقترب من المقعد راكعًا أمام الملكة وهي ترفع سيفًا تقليدًا سلمه لها زوجها.. و وضعته فوق كتفه اليمين وبدأت تقول بنبرتها الحادة الثقيلة:
"كايدن برايان غلاديسون.. أعلن أنا إليزابيث الثانية تقليدك رتبة فارس الصليب الأكبر.. لأعمالك النشطة في تطوير مشاريع حزب العمال والحزب المحافظ"
ثم نقلت السيف للكتف الأيسر وهي تتابع:
"وبموجب تقاليد ألقاب الإمبراطورية البريطانية سيتوجه إليك من اليوم بلقب (سير)"
وأخفضت السيف وأشارت له ليقف.. واقتربت منه تتناول من منظم الحفل الذي يحمل علبة مخملية مفتوحة الوسام الأزرق.. ذو شكل الصليب المتساوي الأضلع و المعلق بشريط قرمزي حريري.. وثبتته في ياقة سترته الرسمية ثم ربتت على كتفه وهي تهمس له:
"أنت رجل جيد كايدن"
لم يعرف لماذا ولكنه شعر وكأن كلمتها اختبار لشيء ما سيواجهه.. انحنى مجددًا وسط تصوير صحافة القصر وتصفيق البلاط الملكي.. وتراجع مع إعلان منظم الحفل بدء وجبة العشاء الرسمي والذي سيفتتح بعدها قاعة الرقص الرئيسية.. ولكنه اتجه مباشرة وبحماس يغلي بداخله نحو فاليريا التي كانت تقف تشاهد المراسم ويديها متشابكتين وعينيها تلتمع بسعادة بدأت تختفي وهو يقترب.. فتجمدت خطواته وثقلت وهو يراقب شحوب ملامحها.. وما إن اقترب أكثر حتى وجد والدها يقف خلفها ويتحدث معها.. فتظاهر بمصافحة أحد الضيوف واستدار من خلفهما ليسمع والدها يقول:
"أتعلمين.. أنا لا أحسد كايدن المسكين.. لقد ابتلي بك بصفقة خاسرة.. أنا كسبت شريكًا مهمًا وقويًا.. وهو كسب ماذا؟. أنت.. فوضى عارمة مثيرة للشفقة.. لا تستطيعين حتى أن تقفي قرب زوجك كامرأة واثقة من نفسك!"
لم ترد فقط ظلت تحدق أمامها وكأنها لا ترى كليًا.. فاقترب ولم يستطع أن يستمع أكثر.. وتجاوز جسد والدها متعمدًا ورمقه بنظرة جليدية جعلت الرجل يتراجع للخلف.. ثم أحاط خصرها من الخلف وهمس في أذنها:
"لنتحرك!"
شعر بخطواتها متيبسة متصلبة.. ولكنه تمسك بها وهو يتجه لممر جانبي فنظر حوله قبل أن يجذبها إليه ويختفيان خلف ستار مخملي ضخم.. وما أن أصبحا بعيدًا عن مرمى البصر حتى أدارها واسندها للجدار خلفها وهو يقول بخفوت:
"تحدثي إليّ!"
هزت رأسها بلا وهي تقول:
"لا.. قبلني فقط!"
لأراد فقط أن يخبئها بداخل قلبه ويغلق عليها للأبد.. ولكنه اكتفى بابتسامة حانية وهو يحيط وجهها بيديه ويقول:
"أمرك مجاب سيدتي"
وأخفض رأسه يمتلك شفتيها بشغف حارق أشعلهما على الفور.. وهي تتمسك به بقوة تئن أسفل ضغط جسده على جسدها.. هبطت يداه متلهفا لملمسها الذي اشتاقه.. وتمتم من بين قبلاتهما الصاخبة:
"تبا لم اخترتِ فستانًا طويلًا"
ابتسمت وعيناها مازالتا تتلألأن بحزنهما.. ولكن احمرار وجنتيها فضح إثارتها:
"امم عفوا سير غلاديسون.. أنت من اخترت الفستان"
تراجع خطوة للخلف وهو يربت على ذقنه يتظاهر بالتفكير وقال:
"اذا أول قرارات السير غلاديسون هي..."
وبحركة جعلتها تشهق ركع أمامها ورفع رأسه وهو يغمزها بشقاوة:
"لا فساتين طويلة لليدي غلاديسون"
ارتفعت غصة الحزن بداخلها وهي تسمعه لأول مرة يشير إليها بلقبه.. فوضعت يدها على شفتيها تحدق بذلك الفخور الوسيم.. فارسها المحافظ.. يركع أمامها ويرمقها بنظرات أملت أن تفسرها بشكل صحيح..
يا إلهي اجعله يحبني.. فقط يحبني!
التقت نظراتهما للحظات يدور بينهما الكثير والكثير من الكلمات.. وهمست"
"كايدن ماذا تفعل؟"!
لمعت عيناه يثبتها بنظراته وتصميم معين يرتفع بداخله وقال:
"كايدن على وشك أن يتصرف بشكل مندفع ومتهور لم ولن يحدث في تاريخ عائلة غلاديسون"
وببطء رفع فستانها كاشفا عن ساقيها المرمرية وسمعها تشهق معترضة:
"كايدن!!"
ستقوده للجنون حتما.. تحذير بنبرة رجاء!!
امرأة التناقضات الجميلة والحلوة..
امرأته هو.. زوجته هو..
حبيبته هو..
أجل.. حبيبته!
اقترب أكثر زارعًا قبلات صغيرة فوق ساقيها صاعدًا بخفة للأعلى.. وهي تتمسك بخصلات شعره بأناملها الناعمة تقوده للجنون.. وقد فعل.. بيد ممسكة بفستانها ترفعه وبشفتيه أشعل الحرائق في طريقه حتى جسدها الذي كان أكثر من مستثار له.. فأخذ يداعبها بقبلاته ولمسات يده حتى شعر بساقيها ترتعش أمامه ضعفًا.. وجسدها ينتفض بقوة.. فابتسم أمام جسدها و همس مداعبًا:
"أنت ملكي فاليريا"
أومأت تعض شفتيها تسيطر على أناتها كي لا يفتضح أمرهما.. فعاد ليقول ويده الحرة تداعبها مثيرا جنونها:
"قوليها فال"
فهمست بذهول لاهث وهي تكاد تفقد السيطرة:
"أنا لك... ملكك كايدن"!
ابتسم بشراهة وهو يمتلكها بقبلاته وشفتيه.. حتى شعر بها تنتفض بقوة وهي تتمسك بخصلاته وتستند على كتفه.
يا للجحيم كم هي لذيذة!
رتب ملابسها ووقف يحتضنها مثبتًا جسدها المشتعل ووجنتيها المحمرتين بشدة تفضح ما كانا يفعلانه لتوهما.. وانحنى ليقبلها برقة أذابت آخر دفاعاته.. ثم اسند جبينه لجبينها وهمس بيأس:
"إن انسحبنا ستكون إهانة للتقاليد الملكية"
ضحكت فأسرع يكتم ضحكتها بشفتيه ثم تراجع وهي تقول:
"ما فعلناه للتو كان إهانة لكل الإمبراطورية كايدن"!
ابتسم بمرح وغمزها:
"من سيقول أنني لست بمتهور الآن؟!"
رفعت حاجبها بغرور:
"لن يجرؤ أحد على تحدي مغامرتك هذه!"
ثم مررت يدها في خصلات شعره ترتبها وقالت:
"سأبحث عن حجرة السيدات.. وأنت اذهب لنجلس على مائدة العشاء"
أسرع ليقبلها بقوة وكأنما لا يطيق ابتعادها وهو بالفعل لا يفعل..
وقد قرر الليلة سيخبرها إنه يحبها..
الليلة ستكون ذكرى زواجهما... الحقيقي!
*****
مرت خمسة عشر دقيقة على غيابها وهو يجلس على طاولتهما التي يتشاركانها مع السير ساينت ريدلر والدها واللورد مايكلوب سبنسر وزوجته.. بدأ يلتفت حوله يبحث عنها فقد بدأ الخدم بتقديم الطعام ولكن والدها نظر إليه بأسى وقال باشمئزاز:
"لن اعتمد على ظهورها.. فهذه هي فاليريا لا يمكنها أن تبقى في حفلة رسمية لا يوجد فيها صحف صفراء.. أو إنها ستفتعل فضيحة.. لقد راهنت على هذا وها أنا وللأسف أفوز"
رماه كايدن بنظرة صارمة وقال:
"سير ساينت ريدلر من فضلك.. أنت تتحدث عن زوجتي ولا داعي لأذكرك بآداب الحديث فلابد أنك تعلمتها صغيرا.. ولكن دعني أخبرك بشيء عني.. أنا أبدا لن أتساهل مع أي إهانة توجه لزوجتي"
للحظة صمت والدها.. ولكن مع اقتراب أحد الخدم منه وهمسه له بشيء ما جعل والدها يبتسم بسخرية وهو يقول:
"أرجو أن تكون ثقتك في محلها حين تكتشف اختفائها"
عبس كايدن متسائلًا:
"ماذا تعني؟"
بنظرة آسفة وساخرة كذلك وكأنه يتألم لما سيقوله أجابه:
"لقد شاهدها أحد الخدم وهي تخرج من القصر لوحدها قبل دقائق"
صمت كايدن متجمدًا للحظة لا يعرف كيف يتصرف.. وهل يصدق هذا الرجل المصر على الانتقاص من زوجته في كل فرصة أم ماذا؟. ثم وقف ببرود واعتذر من اللورد سبنسر بتهذيب
"سيدي.. سيدتي"
ربتت ساره سبنسر فوق راحته وهي تقول:
"اذهب خلفها بني.. واسمع أسبابها"
وقال اللورد مايكلوب:
"سأغطي عليك بني.. اذهب"
أومأ لهما وانسحب من القاعة بهدوء وسيطرة رهيبة حتى وصل للمدخل الخارجي.. فأخذت خطواته تتسارع مندفعا خارج البوابة يبحث عن حراسه في حشد رجال الأمن المنتشرين حول القصر.. وقبل أن يرفع هاتفه ليكلم باولو كان قد وصل إليه وهو يقول بسرعة:
"من هنا سيدي"
وأشار لسيارة جاهزة للخروج من البوابة الحديدية الضخمة.. فأسرع يصعد إليها لتنطلق عبر شوارع لندن وهو يضغط رقم فاليريا ولكنها لا تجيبه رغم أن الهاتف يرن.. هتف في باولو:
"كيف عرفت؟"
رد حارسه بسرعة:
"شاهدها أحد الحراس وهي تخرج من بين حشد الصحافة والسياح حول القصر.. وما أن وصل إلينا أنا و رود حتى فات الأوان وأضعناها.. رود الآن يتفحص كاميرات المراقبة كي يرى إن أخذت سيارة أجرة"
تبا.. تبا!
لماذا فعلت هذا؟
لماذا هربت؟!
جرب الاتصال بها مجددًا ولكن لا رد بعد الرنين المتواصل اللعين..
بحق الجحيم الدموي.. أين أنت فاليريا؟!
***
":اهدأ كايدن.. لابد أنها ذهبت لأحد أصدقائها!"
هتف كولين عبر الهاتف لشقيقه ولكن كايدن تذكر كل كلامها عن أصدقائها.. وعلم أنها لا يمكن أن تذهب إليهم.. إذاً أين هي بحق الجحيم؟!
صرخ عبر الهاتف ومازال في سيارته التي تجوب شوارع لندن باحثة عنها:
"لا.. لن تذهب لأي أحد.. إما منزلي أو منزل والدها.. أنا اعلم هذا.. أن..."
هتفت إيزيس من خلف كولين مقاطعة كلامه ولافتة انتباهه لشيء ما:
"كولين انظر!"
صمت شقيقه فصرخ به غاضبا:
"كولين ماذا يجري؟!"
ولكن كولين لم يرد فكاد أن يصرخ به مجددا حين التفت إليه باولو يهتف:
"وجدناها سيدي"
أغلق هاتفه بسرعة وسأل حارسه بلهفة:
"أين هي؟!"
رد باولو بارتباك:
"إنها في مستشفى مارسدن الملكي.. لقد تعرضت لحادث سيارة"
وتحطم قلب كايدن تماما!
******
الفصل السابع
لماذا يؤلمها قلبها؟
حاولت تحريك يدها لتضغط فوق قلبها ولكن لم تستطع.. ألهذه الدرجة هي غارقة في النوم؟.
يجب أن تستيقظ لكي تستعد مبكرا للحفل.
ولكن هناك شيئًا ما يخيفها من الاستيقاظ.. وكأنها ستواجه كل مخاوف العالم حين تفتح عينيها..
لا.. لن تفعل.. لا يوجد شيء لتقلق بشأنه.. ستستيقظ وتجد كايدن جوارها يحتضنها ويحبها ويبتسم لها كما فعل بالأمس.. وهو يخبرها كم هي جميلة ومميزة.
مممم...
تمتمت بلذة ولكن حين حاولت تحريك جسدها تحول أنين ذكرى حبهما لتأوه.. بسبب ذلك الوجع الذي ضرب جسدها في كل مكان.. حتى كادت روحها أن تزهق من شدة الألم.. فتحت عينيها بقوة وبرعب.. ففوجئت بسيدة ترتدي ملابس الممرضات تقترب منها وهي تبتسم بخفة:
"لا تتحركي صغيرتي واسترخي.. سأحقنك ببعض المسكن في المصل وستشعرين أنك أفضل.. الشكر للرب أنك نجوت من ذلك الحادث"
عبست بعدم فهم وهي تهمس:
"حادث؟!"
وفجأة ضربها كل شيء..
الحفل.. كايدن.. وروجر!!
تأوهت بيأس والدموع تنهمر من عينيها بينما تنهال الذكريات تجلدها جلدًا لتحطم كل شيء.. لقد كان الأمر مجرد خدعة حقيرة.. خدعة لـ...
":جيد أنك استيقظتِ!"
ارتفع صوته الحبيب البارد فحاولت رفع رأسها ولكنها تألمت.. فأسرعت الممرضة تضغط زرًا بجوار السرير فارتفع قليلًا يجعلها في وضعية شبه جالسة.. واستأذنت خارجة تاركةً إياهما وحدهما..
ليتها لم تخرج..
لأن النظرات التي كانت تشتعل حبًا بالأمس.. أصبحت متجمدة تنظر إليها باحتقار رهيب وازدراء مؤلم.. أكثر ألمًا من أوجاع جسدها.
همست بخفوت:
"كايدن.. اسمعني فقط!"
كان يقف بعيدًا عند طرف السرير ولم يقترب.. لم يتحرك مقدار شعرة فقط حتى وهي ترفع يدها بارتعاش مع استجدائها له.. أما ملامحه...
يا إلهي.. لماذا لم تمت؟!
لم تستطع السيطرة على دموعها.. ولا على شهقات بكائها المرير وهو يرفع رأسه ينظر إليها.. وبكل برود وبدون أي لمحة شعور قال:
"تبكين.. لماذا.. هل تتألمين.. أم أنك خائفة على عشيقك.. روجر أظن؟. ممم أجل روجر اسمه هكذا في هاتفك.. حسنا يؤسفني أن أخبرك أن روجر تركك أمام ذلك المكان اللعين.. وهرب!"
هزت رأسها وهي تهمس:
"لا!"
":-فقط اخرسي"!
بنفس النبرة الجامدة الميتة.. لم يصرخ ولم يغضب:
"اخرسي.. لا تدافعي عن طبيعتك الحقيرة والتافهة فاليريا.. الخطأ هو خطأي لأني سمحت لعاهرة مثلك أن تبقى على اسمي.. فقط لأجل تحدي تافه ونزعة حمائية!"
شهقت تهز رأسها برفض فابتسم بسخرية:
"ماذا.. هل ظننتني أحببتك؟. يا إلهي يا لك من غبية فعلا.. أخبرتك سابقًا أن الجنس لا علاقة له بالحب.. وأنت فاليريا كنت أرخص عاهرة في الكون!"
عضت شفتيها بذهول..
يا إلهي.. يا إلهي!!
لم يحبها.. أدركت بغباء.. أجل.. فلو كان قد أحبها ولو للحظة لغضب أو صرخ أو حتى افتعل شجارًا أو أي شيء.. لمنحها فرصة تلو الأخرى كما فعل كولين لإيزيس.. وكما فعلت إيزيس لكولين.
ولكن الفرص فقط تمنح لمن نحب.. وهو فقط لم يحبها!
أدركت هذا بقهر وبقلب خسر آخر قطعة به.. فتناثر محطمًا بداخلها تاركًا خلفه فراغًا أسودًا باردًا.. وكأن الهواء الجليدي يمر بداخلها يخترقها ولا تبالي.
رفعت يدها ببطء تمسح دموعها ورفعت رأسها وهي تهمس بصوت أبح متحشرج:
"هل انتهيت؟!"
مط شفتيه بقرف:
"انتهيت.. وانتهينا"!
وخرج كما دخل.. بكل صمت وبكل برود.. لم يلقي بنظرة حتى على إصابتها.. لم يطمئن على آلامها.. ولكن مجددا هذا ما يفعله المحبون فقط!
أما هي فلم تكن سوى شوكة في خاصرته وقد ارتاح ما أن انتزعها.. أما هو فسيبقى قهرًا بداخل روحها.. ثقبًا أسودًا يمتص كل ما هو جميل ليدمره.. ولن تنساه حتى لو ذهب..
هي انتهت لديه.. وهو زرع بداخلها للأبد!
":ألم تكتفي يا حمقاء؟!"
هتف والدها الذي دخل حجرتها وأغلق الباب خلفه بغضب وهو يقترب منها وتابع:
"روجر مجددًا.. ألن تكفي عن هذا الهوس.. ألن تتوقفي؟. كل مرة تدمرين شيئًا من حولك وهذه المرة دمرت زواجك!!"
ابتسمت بسخرية ترمق والدها:
"يا إلهي أبي أفق.. زواجي لم يكن صالحًا لكي يدمر"
اقترب منها يرمقها بحزن وإشفاق والكثير من الكره والاحتقار:
"أنت مثلها.. نسخة منها.. ستظلين تدمرين كل شيء حتى تؤلمي كل من حولك!"
صرخت به:
"اخرج.. فقط اخرج!!"
وصلت الممرضة مسرعة على صوتها فتابعت بحرقة قلب:
"لا أريده.. لا أريد أحدًا.. أخرجوهم جميعااا!!"
فأسرعت الممرضة تطلب من والدها بتهذيب:
"سيدي من فضلك"
رفع يديه وهز يرميها بنظرة أخيرة ويقول:
"أنا انتظرك في المنزل"
أدارت وجهها وهي تشهق ببكاء عالٍ وتضرب بيدها فوق قلبها وتهمس بوجع:
"لماذا.. لماذا.. لماذا تركتني.. لماذا لم تحبيني.. لماذا أمي؟!"
وغرقت بذهول أسئلتها.. والممرضة تحقنها بمهدئ سريع المفعول رماها في غيبوبة عميقة هربت إليها بعيدًا عن كل من يكرهونها..
ويا إلهي كم ترغب بالهرب لآخر مرة!
*****
قبل 24 ساعة...
اتجهت فاليريا لحجرة السيدات تحاول إصلاح زينتها وإخفاء آثار مغامرتهما هي وكايدن.. يا للهول لقد فقدا عقلهما بكل تأكيد!
ابتسمت بخجل وهي تحدق بصورتها في المرآة وتضع يدها فوق شفتيها المتورمة.. وأحمر شفاهها ملطخ بشكل واضح.. فتحت المياه الباردة تمسح وجنتيها.. وبمنديل جاف مسحت آثار أحمر الشفاه.. ثم اتسعت عيناها بارتياع وهي تفكر أنه لابد أن شفتي كايدن ملطخة كذلك.. فأسرعت تخرج هاتفها من حقيبتها الصغيرة لكي تطلبه.. ولكنها وجدت العديد من المكالمات الفائتة من رقم روجر الخاص.. لقد كانت قد وضعت الهاتف بوضعية صامتة لأجل الحفل.. فأسرعت تطلبه بلهفة لم تخيب حين سمعت صوته يقول لها:
"لدي أخبار سارة!"
يا إلهي كم انتظرت مثل هذه الجملة!!
عشر سنوات.. منذ أن كانت في السادسة عشر.. وهي تنتظر كل يوم اتصالًا يحمل هذا الحلم المتحقق.. وها قد أتى!
لم تفكر.. لم تستطع التفكير ولا الانتظار.. نظرت نحو قاعة الطعام وهي تدرك أن كايدن يجب أن يبقى هنا.. فهذا الحفل على شرفه هو ومجلس اللوردات.. ولن يكون من المنطقي أن تجره خلفها.. وأيضًا هي لم تخبره أي شيء...
فكيف ستفسر؟!
لا وقت.. لاحقًا ستحكي كل شيء له وتخبره بالحقيقة كاملة.. ولكن الآن الوقت يداهمها.. فروجر أخبرها أن أمامهما وقت قصير للغاية.
خرجت راكضةً من القصر واستقلت سيارة أجرة.. بلهفة أخبرت السائق العنوان وجلست لعشرين دقيقة كاملة تأكل أظافرها حرفيًا على حافة اللهفة والتوتر.. هبطت ما أن توقفت السيارة ونظرت في الرسالة التي تخبرها رقم الحجرة.. واندفعت تدخل الفندق بجنون ثم تصعد لتطرق الباب الذي يحمل نفس رقم حلمها.. ولكن حين فتح الباب.. انفجر الجحيم أمامها!
حدقت حولها بالمكان المدنس البشع.. كان وكرًا.. وكرًا لممارسة الجنس والمخدرات وكل أنواع البشاعة والشذوذ..
موسيقى شيطانية وأجساد متلاحمة ورائحة مقززة!!
أفيون.. أم شيء ما؟!
كانت رائحة مدوخة مؤكدًا.. فقد تلفتت حولها للحظة وهي تبحث بعينيها عن روجر وعن حلمها.. ولكن كلما استدارت حول نفسها في وسط ضباب الدخان الكريه كلما شعرت بأن رأسها يدور.
كانت دقيقة فقط حين أدركت أن هناك شيء ما خطأ.. لابد أن روجر أخطأ المعلومة.. وبكل رعب اتجهت نحو الباب تريد الخروج.. ولكن وجها مألوفًا ظهر أمامها وبدأ يلتقط لها الصور وهي تحاول تجاوزه ولكنه كان يقف في طريقها.. وكلما حاولت أكثر كلما شهقت وتنفست هذا الدخان المقزز وشعرت برأسها يدور أكثر وأكثر.. حتى استطاعت أخيرًا أن تصل للباب وسط وميض الكاميرا التي يحملها!
فتحت الباب وخرجت ركضا وهي تتعثر وتسقط وتتمايل.. تحاول استنشاق الهواء النقي كي تصفي ذهنها.. خرجت أخيرًا واللعين يتبعها ويصورها.. فتلفتت حولها ذعرًا ثم اندفعت بدون تركيز تعبر الشارع لتوقف سيارة أجرة.. وحينها سمعت صوت صرير إطارات حاد وأظلمت الدنيا تماما!
*****
بعد ثلاثة أيام
":أين هو روبي؟"
سأل كولين الخادمة والتي أشارت بحزن للمكتب:
"في مكتبه سيد غلاديسون.. لم يتناول الطعام منذ يومين!"
ربت على كتفها وقال:
"احضري لنا بعض القهوة والكثير من الشطائر"
أومأت وأسرعت باتجاه المطبخ.. بينما تحرك كولين للمكتب وطرق بابه قبل أن يدخل.. ليجد كايدن يمسك بهاتفه ويتحدث بعملية:
"أجل جون.. اهتم أنت وباريس بهذا الشأن.. أريد قصة محبكة ولا يهمني كم تكلفني.. وأريدك أن تحضر لي ملفات صفقة مصنع النسيج وتأتي لشقتي قبل المساء.. لابد أن ننتهي منها"
أغلق هاتفه واستدار يحدق بكولين وسأله بكل برود:
"ماذا تفعل.. أليس لديك زفاف لتنظمه؟!"
وضع كولين يديه على خصره ورد نفس السؤال:
"أليس لديك زوجة لتهتم بها؟!"
عبس كايدن وقال:
"هذا الموضوع انتهى.. أنا وفاليريا سنحصل على الطلاق قريبًا"
هتف كولين بعدم تصديق:
"لماذا بحق السماء؟! بالله عليك كايدن لا يمكنك أن تصدق ما تتناقله الأخبار.. لابد أن هناك تفسيرا منطقيا"!
رمى كايدن هاتفه وانفجر لأول مرة منذ الحادث صارخًا:
"أي تفسير كولين.. أي تفسير يجعلني أبرر لزوجتي خروجها في منتصف حفل رسمي كانت تقف به جواري و... وتخرج لتذهب لوكر حقير وملهى للممنوعات.. وتتعاطى شيء لعين ما وتخرج لكي تصدمها سيارة لم تستطع تفادي ترنحها.. أي تفسير يجعلني أشاهد صورها مترنحة بين ذراعي رجل ما بعد أن كانت... بين ذراعي؟!"
صمت كولين للحظة يحدق بذهول في انفجار شقيقه النادر للغاية.. والذي تابع بنفس الانهيار وهو يضرب منضدة صغيرة ليحطمها:
"زوجتي أنا.. امرأتي أنا.. كل مرة أحاول نسيان تصرفاتها الحقيرة.. صور مارلون وحفل فرنسا والصحفيين و... و... لكن كل مرة تثبت لي أنها لن تتغير أبدًا.. لن تتغير!!"
انتهى من انفجاره الصارخ.. وتوقف في منتصف المكتب يرفع ذراعيه ليحيط عنقه من الخلف وهو يزفر ثم يقول:
" لقد انتهينا كولين.. هذا يكفي"!
اقترب منه كولين وقال بهدوء:
"لن أناقشك في كل ما قلته فأنت لابد تعتقد أنك محق.. ولكن دعني أسألك.. هل طلبت منها تفسيرًا لتصرفاتها.. هل حاولت مرارًا وأصررت عليها أن تخبرك بأسباب فعلها لهذا؟. أتعلم لا تجب عن أسئلتي.. سأخبرك بما أنا متأكد منه.. فال تحبك لا بل تهيم عشقا بك.. ومن تحب بهذا الشكل لا يمكن أن تخون كايدن.. فكر بهذا"
ثم استدار وهو يراقب اقتراب الخادمة وقال:
"وبحق السماء تناول بعض الطعام.. فعلى الأقل حين تأكل سأصدق أنك انتهيت بحق منها ولا تحترق لغيابها"
وخرج وكايدن يراقبه بصمت.. بينما وضعت روبي الصينية المليئة بالشطائر وكوب قهوة أمامه.. فرمقهم باشمئزاز وهو يقول:
"أعيديهم روبي لا رغبة لي!"
وصعد لجناحه يريد فقط أن يبتعد عن كل شيء يذكره بها.. ولكن ساقيه قادتاه لجناحهما الذي هجره تمامًا منذ الحادث.. ودخله بخطوات متثاقلة يراقب آثار ليلة استعدادهما للحفل..
مجوهراتها.. عطرها.. كتابها!
اقترب من الكتاب الأسود ومرر يده عليه.. وأدرك أنه من مكتبة منزلهما الريفي في جرينيتش.. هه رواية عاطفية.
تبا لها!
أمسك بالكتاب ورماه فوق الجدار ليسقط أمامه ويفتح.. ليلفت انتباهه بعض الخربشات بين صفحات الكتاب.. فاقترب وحمله وجلس فوق السرير يفتش في كل العبارات التي وضعت تحتها خطاً بحماقة.. تفسد طبعة أولى من رواية كلاسيكية!!
ابتسم بسخرية ماتت بعد لحظات وتحولت لعبوس وهو يقرأ:
(أنا أحبك دائما.. وإذا أحب الإنسان فإنه يحب كل شيء في الشخص كما هو.. وليس كما يتمنى أن يكون)
وكتبت أسفلها بخط بشع:
"وأنا أحبك رغم كرهك لي.. رغم سخريتك مني.. أحبك بكل ما فيك كايدن"
قلب يبحث أكثر فوجد عبارة أخرى:
(أعرف الجواد الأصيل من خطواته.. والعاشق أعرفه من عينيه ولسانه)
وكتبت أسفلها:
"أتمنى ألا يعبر لسانك عما في قلبك.. أتمنى أن تصدق عيناك على كذب لسانك"
عبارة أخرى:
(المعذرة إن بكرت في الحضور.. ولكني لم أجد ما يشغلني عن الشوق)
ورسمت قلبا أسفلها واسمه بداخل القلب.
:(كثيرًا ما أظن أن الرجال لا يفهمون ما يتصل بالشرف.. مع أنهم لا يفتأون يتحدثون عنه و يتشدقون به)
ورسمت أسفلها قلبًا مكسورًا.
آه يا امرأة التناقضات المؤلمة.. ما الذي تفعلينه بي؟
كيف تكونين بهذا الشكل؟!
رمي بجسده للخلف واحتضن الكتاب وأغمض عينيه.. ورائحة زهرة الأقحوان تحيط به وتحطم قلبه!
*****
":سيدتي السيد غلاديسون وخطيبته الآنسة سبنسر هنا للقائك"
لم تتحرك فاليريا من أمام النافذة التي تجلس على حافتها في حجرتها.. ولم تلتفت حتى للخادمة وهي تلوح بيدها بدون اهتمام:
"اصرفيهما.. لن أقابل أحدًا"
وعادت لتحتضن ساقيها التي مازالت تؤلمانها من الحادث.. ولكنها شكرت الرب أن ما أصيبت به كان مجرد رضوض شديدة فقط.. على الأقل لم تخسر الكثير...
فقط قلبها!
ابتسمت بسخرية وهي ترمق الشارع المليء بالثلوج الخانقة.. ثم عادت ونظرت نحو هاتفها تحدث صفحة الأخبار.. ولكنها وجدت أن كل الصور التي التقطت لها في ذلك اليوم قد اختفت.. أحسنت عملًا كايدن!
لابد أنه يريد أن يحظى بطلاق نظيف بدون فضائح.. فتحت بعض الصور الخفية وأخذت تقلب فيها بحزن وهي تهمس:
"لأجل أن أصل إليكِ خسرت الكثير.. ولكني لن أخسركِ على الأقل لربما أجدكِ"
اختفت الصورة وحل محلها اتصال من رقم خاص.. فرفعت الهاتف بلهفة:
"روجر!!"
هتف بها باستياء:
"يا إلهي فاليريا.. لقد أخطأت بعنوان النزل.. كيف فعلت هذا؟!"
عبست بعدم فهم وهي تقول:
"لا لم أخطئ.. أنت بعثت لي بالإحداثيات روجر!"
صاح بيأس:
"لا فال.. لقد أخطأت بواقع خطوة فقط عن باب البناية المقصودة.. ولكن لا تقلقي الوضع تحت السيطرة!"
بلهفة سألت
"ماذا تعني روجر؟"!
رد بسعادة:
"أعني أنني أقف الآن أمام ما تريدين"
انتفضت من مكانها وأسرعت تخرج من حجرتها تهبط بلهفة وهي تهتف:
"إياك أن تتحرك روجر أنا في طريقي إليك.. ابقى معي على الهاتف!!"
واندفعت خارجة من باب منزلها لتوقف سيارة أجرة وتصعد بها.
وعلى بعد بضعة خطوات كان كولين وإيزيس يجلسان في سيارته حين شاهداها.. فعبس كولين بقلق وقال:
"إلى أين تخرج فال بهذه السرعة؟!"
أضافت إيزي بنفس القلق:
"وبهذا الشكل؟!"
التفت إليها يسألها:
"ماذا تعنين؟"
هتفت به وهي تخرج هاتفها المحمول:
"اتبع سيارة الأجرة وسأخبرك"
أدار المحرك وانطلق مسرعًا يلحق بالسيارة السوداء.. بينما رفعت إيزيس هاتفها وانتظرت للحظة ثم قالت بنبرة آمرة جدية:
"استمع إلي كايدن.. لديك خياران إما أن تعرف الحقيقة التي أؤمن أن فاليريا تخفيها لسبب ما.. أو أن تستمر بنكرانك لمشاعرك وتغلق الخط في وجه شقيقتك بالقانون!"
ابتسم كولين بمرح وهتف:
"هذه هي قمريتي المجنونة!"
احمرت إيزيس خجلًا وهي تضربه وتتابع لتقول:
"أنا وكولين نتتبع فاليريا التي خرجت من منزلها بسروال جينز مهترئ وقميص رياضي.. ولن يخرجها بهذا الشكل إلا أمر رهيب و..."
صمتت فجأة فسألها كولين بصدمة:
"أغلق الخط؟!"
هزت رأسها بلا ثم ردت:
"سأربط هاتفينا بالاتصال بالموقع"
وأرسلت إحداثيات مكانهما.. ثم وضعت هاتفها جانبا وصفقت جذلًا:
"لقد تصدع قلبه الصخري"
ليرتفع صوت كايدن السوداوي يقول من خلال مكبر صوت الهاتف:
"أنتِ تدركين أنني مازلت أسمعك إيزي؟"
هزت رأسها بمرح:
"أجل.. ولكن لا يمكنك أن تنكر هذا.. هيا الحق بنا بسرعة!"
***
خرج كايدن من منزله مسرعًا ولكنه هتف بباولو:
" لا.. أريد أن أخرج وحدي"
تجمد حارسه للحظة ثم أومأ يناوله مفاتيح السيارة.. فأسرع يصعد ويضع هاتفه أمامه كي يشاهد موقع كولين و إيزي وانطلق محاولًا اللحاق بهما.
أما لماذا استمع حتى لكلام إيزيس فهذا مالا يدركه.. هل أثرت به قراءته لكلماتها.. أم أن مواجهة كولين صباحًا جعلته يدرك إنه يحبها؟. وحبه هذا هو من تسبب له بالألم.. فالأولى أن يحاول الفهم على الأقل.. أجل.. إنه يستحق أن يفهم!
توقفت إشارة موقع كولين على الخارطة وشكر الرب إنه قريب منهما.. فزاد من سرعته مغامرًا بإيقافه.. حتى وصل لمكان خارج المدينة.. كان يبدو وكأنه مصنع قديم مقفر ومهترئ..
ماذا تفعل فاليريا هنا؟!
أوقف سيارته خلف سيارة كولين وترجل منها.. وحين وصلها أشارت له إيزيس بحنق باتجاه خلف المبنى:
"لقد ذهبت بهذا الاتجاه وكولين تبعها"
فانطلق خلف شقيقه.. ومن خلفه تمتمت إيزي بحنق:
"تبا لهما يحظيان بكل المغامرة!"
بخطوات سريعة وصل لجدار محطم يقبع خلفه كولين فوقف جواره.. وراقب امرأة التناقضات التي ستقتله شوقًا إليها وألمًا بما تفعله به.
راقبها تقف بملابس عادية تحتضن جسدها متوترة وكأنها في انتظار أحدهم.. وخلال لحظات وصل!
كان رجلًا في العقد الرابع من العمر.. وما أن شاهد لهفتها إليه حتى شعر بالغثيان يضربه.. وقبضة الألم تعتصر قلبه.. ولكنه همس لكولين بكل برود:
"اذهب واتركني"
أومأ كولين متفهمًا أن شقيقه لا يريد أن يكون شاهدًا على ألم قلبه لو اتضح أن فاليريا تخونه بالفعل.. ولكن حدسه أخبره أن يتراجع قليلًا للوراء كي يعطي كايدن مساحة شخصية يستمع بها لذلك اللقاء أمامه.
أما كايدن فقد تحفزت كل عضلة في جسده وهو يراقبها تركض نحو الرجل بلهفة وتمسك بيده و...
ولكن اللعين أمسك بذراعها بعنف وأخذ يهزها ويصرخ بها.. ولم يتوقف كايدن لكي يسمع ما يقال.. لا يهمه ما يقال.. لا أحد يضع يده على امرأته!
قفز بسرعة وانطلق يركض قاطعا المسافة بينه وبينهما.. وبدون أن يسأل حتى اندفع كالصاعقة يكيل لكمة لوجه الرجل وهو يشتم غاضبًا:
"ابتعد أيها اللعين عن زوجتي!!"
سقط الرجل أرضا على ظهره.. فأسرع كايدن يمسك بطرفي سترته وأخذ يوجه له اللكمات وخلفه تصرخ فاليريا:
"توقف كايدن توقف!"
حاولت جذبه من سترته ولكن كولين أمسك بها من كتفيها وقال:
"ابتعدي فال.. هل أنت بخير.. هل أصابك بأي أذى؟!"
هزت رأسها بنفي.. فتركها وأمسك بكتفي شقيقه يبعده عن الرجل الذي أصبح وجهه مدمى من ضربات كايدن.. ولكن ما أن ابتعد الشقيقان عنه لخطوة حتى وقف بسرعة وهتف بفاليريا:
"أقسم أن أجعلك تدفعين الثمن أيتها الـ..."
ضربة أخرى وجهها كايدن لما بين ساقيه.. فركع الرجل صارخًا بألم وهو يقول له بحنق:
"اخرس أيها اللعين!!"
واستدار لفاليريا يسألها بغضب:
"من هذا؟!"
تراجعت للخلف فوقف كولين بينهما وهو ينظر لشقيقه:
"هااي يا رجل.. اهدأ"!
أزاحه كايدن واقترب منها وهو يقول بأنفاس متقطعة وقلب مليء بالألم:
"لمرة لعينة واحدة في حياتك أخبريني الحقيقة!!"
رمشت بعينيها والدموع تتساقط منهما ثم همست باستسلام:
"هذا روجر التحري الذي يبحث لي عن أمي"
من بين كل الإجابات التي توقعها.. كانت هذه أكثرها صدمة!
فتجمد للحظة وهو يقول متسائلًا:
"ولكن أليست والدتك ميتة؟!"
هزت رأسها بنفي وهي تشهق:
"لا.. أمي لم تمت.. هذا ما أعلنه السير ساينت ريدلر العظيم كي لا تملأ حياته الشائعات والأقاويل!"
اقترب منها ولكنها ابتعدت ومدت يدها توقفه بخوف حطمه.. ولكنه سأل متجاهلًا ألمه:
"إذاً أين هي؟"
ابتسمت بألم وهي ترفع يديها بيأس:
"هذا ما أحاول معرفته منذ أن حصلت على أول بطاقة ائتمان تخصني.. وظفت التحري تلو الآخر.. ولكني لم أفقد الأمل.. اللعنة أنا أعيش على هذا الأمل.. عرفت أنها في فرنسا فسافرت هناك بحثا عنها ولم أجدها.. أقصى ما وصلت إليه كان مربية تعمل لديها.. وعلمت منها أنها تحب أن تتابع دومًا صفحات المشاهير.. فقررت أن أظهر دائمًا عليها.. أترى أنا نسخة من أمي.. أشبهها في كل شيء.. لهذا كنت أعلم أنها ما أن تراني فستعرف أنني ابنتها.. وأنني رائعة ومشهورة.. وربما توافق أن تقابلني"
اتسعت عينا كايدن بذهول وهو يرمقها بنظرات جديدة كليا!
كل هذا لأجل أن تجد والدتها.. لأن تلفت انتباهها؟!
ولكن.. لماذا ترفض والدتها أن تراها؟!
ويبدو أن حبيبة قلبه فهمت سؤاله فشهقت باكية:
"عاشت حياة سيئة مع والدي.. ولكنه أجبرها بطريقة ما على البقاء حتى أنجبتني.. حينها أخبرني أنها ألقت نظرة واحدة علي وقررت أنني لا استحق أن تقضي حياتها برفقتنا أنا وهو"
هز رأسه رافضًا لتلك الفكرة وقال مستفهمًا:
" والصحفيين.. وسانت كلير؟!"
بألم ابتسمت:
"كنت أدفع لهم كي يلاحقوني وينشروا صوري علها تراني.. أما سانت كلير فهو فنانها المفضل.. وقررت أن أجعله يرسمني واثقة أنها ستشاهد المعرض وتدرك أنني مثلها ولا أشبه والدي بأي شيء.. ولكن مارلون رفض رسمي وعرض علي فكرة الصور.. ويا للهول كم كنت يائسة حينها.. فهي خطوة مؤكدة للوصول إليها!"
اقترب خطوة وتجمد حين همست بحرقة:
"وأنت أحرقتها!"
ابتلع غصة بداخله وسألها بيأس:
"لماذا لم تخبريني.. بالله عليك فاليريا لماذا لم تقولي كل هذا؟. تركتني أتهمك بكل هذه الاتهامات!!"
هزت كتفيها وهي تقول بكل بساطة أدمت روحه:
"أنت لم تحبني كايدن.. كنت تحتقرني وتشمئز مني منذ البداية.. فما بالك حين أخبرك أن حتى والدتي ألقت علي نظرة واحدة وقررت أنني لا استحق.. أنت يا ابن العائلة المثالية كيف ستفكر في حب امرأة رفضتها أمها؟!"
هز رأسه برفض فأومأت بألم مسيئةً فهم حركته:
"أجل.. كنت أدرك هذا!"
بفزع اقترب يحيطها بذراعيه:
"لا فال..."
ولكنها صرخت به بقوة وهي تنفض يديه:
"إياك.. إياك أن تشفق علي.. أنا قوية وسأظل أبحث عنها"!
قاومها مشددًا من احتضانه لها.. ولكنها أصبحت هيستيرية وهي تصرخ.. فأسرع كولين يتدخل بينهما:
"كايدن اتركها قليلًا"
برعب أفلتها وهو يراقبها كيف تتعلق بشقيقه وتبكي بانهيار.. فارتعشت شفتيه وهو يهمس:
"فاليريا!"
ولكنها استدارت ورمته بآخر رصاصة في جعبتها:
"لم أتمنى أن تحبني بمقدار ما تمنيت أن تثق بي!"
وتحركت بانهيار تتمسك بكولين الذي أشار لكايدن أن يبقى مكانه ولم يكن يحتاج لمثل هذه الإشارة.. فقد شعر وكأن كل جسده تجمد فلم يستطيع الحركة.
كل هذا كان يحدث معها وهو وبكل غروره وكبريائه وضعها في خانة التافهة.. ولم يكلف نفسه أن يبحث حتى!
حكم عليها وظلمها.. ولم يثق بها.. وبحبها.. بينما هي وبكل براءة قدمت له كل شيء!
ظل جامًدا في مكانه حتى سمع صوتًا مألوفًا من خلفه يقول:
"سيدي ماذا أفعل بهذا؟"
استدار ليجد باولو حارسه الأمين يقف ممسكًا بالتحري من ياقته.. فعلم أنه تبعه مخالفًا أوامره.. ولكنه الآن يحتاجه كي يستخلص الحقيقة الأخرى من هذا الوغد.
اقترب منهما وأمسك بفك روجر بين أصابعه بقوة وقال بنبرة جعلت الرجل الآخر يشحب تمامًا:
"أتدرك من هذا الضخم؟. إنه ضابط سابق في ال أم آي 6.. ويستطيع بكل بساطة أن يقتلك بألف طريقة وسيجعل الأمر يبدو كحادث.. والآن أتريد الموت بحادث أم أن تخبرني الحقيقة.. ولماذا أوقعت بفاليريا بهذا الشكل؟!"
تلعثم الرجل ولكنه شعر بأصابع باولو فوق فقرات حنجرته فارتعش رعبًا وأخذ يتحدث كعصفور يحكي كل مافي جعبته:
"كنت أعمل لأجلها.. وحين علم اللعين والدها حطم عملي بنشر سمعة سيئة حولي.. فلم يعد هناك من يوظفني سوى ابنته الـ...حسنا.. ولكنها توقفت عن دفع الأموال منذ ثلاثة أشهر وأكثر.. وحين حادثتها أخبرتني أن والدها جمد أرصدتها.. فقررت أن أنتقم من الذي قطع مصدر رزقي مرتين!"
شدد باولو قبضته فوق عنقه وكايدن يقترب منه ويقول بغل وحنق:
"دمرت سمعتها لأجل انتقامك أيها الوغد؟. لأقسم أنك لن تفلت هذه المرة!"
وأشار لباولو الذي أمسك به وأخرج من جيبه أصفادًا وكبله.. ثم غادر به وهو يصرخ مستغيثًا بكل يأس يظن أنه ذاهب لقتله.. حسنا يستحق أن يشعر بالرعب حتى يصل به باولو لقسم الشرطة بتهمة الاعتداء والنصب.
غادر مسرعًا بسيارته بعد أن علم من كولين أنه اتجه بفاليريا نحو شقة إيزيس الخاصة.. وتبعهم وكله تصميم على أن يفوز بزوجته مجددًا..
يجب أن يفعلها وإلا لن يسامح نفسه أبدًا..
وهو يعلم الطريقة المثالية لهذا!
****
":لا أريد رؤيته!"
همست فاليريا بضعف من أسفل الأغطية ولكن إيزيس لم ترد عليها.. فعادت لتغمض عينيها تحاول الهرب بالنوم علها تنسى كل ما حدث.. ولكن رعشة جسدها أنبأتها بوجوده.. فأغمضت عينيها بقوة تتصنع النوم وهي تشعر به يقف أمامها.. ثم تحرك ليهبط حتى أصبحت أنفاسه على بعد شعرة منها.
أنفاسه الحبيبة!!
تمسكت بالغطاء بأصابعها بقوة وهي تسمعه يهمس لها:
"فاليريا غلاديسون.. أنا أعلم أنك مستيقظة وأعلم أنك تسمعينني.. سأتحدث وأخرج.. ولكن فقط صدقي ما سأقوله.. كنت تحبينني ولم أصدقك ولم أثق بك.. والآن أنا أعلم أنني أعشقك فاليريا ولكنك أنت من لا تثقين بي.. ولك الحق في هذا فلا عذر لدي.. لن أتحدث عن الشرف وأنا آخر شخص يمتلكه.. فاليريا أنا لن أخسرك.. ليس بعدما وجدتك.. أنتِ التهور الأكبر والمغامرة الأروع.
ولكني أعدكِ بهذا.. أعدكِ أن اختفي الآن ولن أعود إلا وأنا فائز بأميرتي وقلبها وثقتها.. أعدكِ أنني لن أريك وجهي إلا حين أن تعود تلك النظرة التي أعشقها إلى عينيك.. أحبك يا أميرتي.. انتظريني"
وغادر!
*******
الخاتمة
وضعت إيزيس صينية الطعام أمام فاليريا التي مازالت منغلقة على نفسها منذ ليلتين حينما حدثت المواجهة بينها وبين كايدن.. ولم تخرج من حجرة الضيوف التي تحتلها في شقة إيزيس.
":هذا يكفي ستتناولين الطعام أو سأجبرك.. لأنك لو بقيت على هذا الحال ستظهرين بجسد أنحف مني في يوم زفافي.. وحينها سأرمي نفسي من فوق برج لندن وسأعود لأطاردك كشبح مدى الحياة"
ابتسمت فاليريا رغمًا عنها.. ورائحة الخبز المحمص والزبدة تجبر معدتها على الهدير معترضة.. فاعتدلت من مقعدها وبدأت بتناول الطعام.. ولكن تحديق إيزيس المستمر بها جعلها ترفع عينيها نحوها وتسأل:
"ماذا.. لماذا تحدقين بي؟"
رفعت إيزيس ساقيها لتتربع جالسة فوق المقعد الوردي الناعم وسألت بفضول:
"و هل ستجيبين؟"
قضمت فاليريا قطعة من الخبز وأومأت برأسها.. فأسرعت إيزي لتسأل:
"لماذا لم تخبري كايدن بأنك تبحثين عن والدتك؟"
أحنت فاليريا رأسها للحظة ثم عادت لتحدق بإيزي وردت:
"أتعلمين.. كنت أسأل نفسي هذا السؤال للتو.. طوال عمري و والدي يتعامل مع هجر والدتي لنا وكأنه عار.. وكأننا معيبان سواء أنا أو هو.. وطبعا الذنب الأكبر يقع علي أنا لأنها اكتفت بنظرة واحدة لي ليجن جنونها.. وتقرر أنها لن تظل في هذا المنزل للحظة واحدة وأنا فيه.. هذا ما ظل يخبرني به بكراهية طوال حياتي.. فأصبح هجرانها لنا ذنبي وكذلك عاري.. فأنا فقط وبكل بساطة إما بشعة للغاية.. أو لا أستحق أن أُحب"
شهقت إيزيس باعتراض:
"هذا شيء غبي!. أووه اعتذر"
ابتسمت فاليريا بسخرية ولوحت بيدها:
"لا عليك.. أعلم الآن أنه غبي.. ولكن أخبري هذا لطفلة تنشأ و تكبر و تصبح شابة تحت ظل رجل كل يوم وفي كل فرصة يذكرها بعارها وذنبها"
سألتها إيزيس بتعاطف:
"لماذا لم تتمردي.. لماذا لم تتركي القصر وتتركيه؟"
هزت كتفيها:
"وأفعل ماذا.. وبأي أموال سأعيش بدونه؟. أنا كنت فتاة فاشلة واستغل هذا بالسيطرة علي ماديًا.. و كنت احتاج المال لأبحث عنها"
انتهت من تناول طعامها وأمسكت بكوب الشاي الدافئ.. فألحت إيزي عليها:
"إذاً.. لماذا لم تخبري كايدن؟. لابد أنكما وصلتما لمرحلة ما من الصراحة بينكما تجعلك تخبرينه بكل أسبابك"
هربت فاليريا بنظراتها من تحديق إيزيس لا تعرف ماذا تخبرها!
أتخبرها أن زواجها كان باردًا صامتًا جليديًا حتى قرر كايدن أن يحولها لعشيقة.. ثم لمذنبة.. ثم ليعلنا هدنة مشوبة بالتردد والخوف؟!
أتخبرها أنها أحبته وهو فقط كرهها؟
أتخبرها أنها كانت مهووسة بإيجاد شخص يحبها ويتقبلها.. فلم تنتبه أنها يجب أن تكون واضحة مع من تحب؟
أتخبرها أن تحقيقها لحلمها في إيجاد والدتها كان الخطوة الأولى لكي تفتح قلبها وتخبره بكل أسرارها؟
ما الفائدة الآن؟!
وهذه كانت إجابتها.. فقد هزت كتفيها وغمغمت بخفوت:
"فات الأوان على إجابة هذا السؤال إيزي.. لقد انتهينا"
تنهدت إيزي بحزن وقالت:
"إن كولين يكاد يفقد عقله.. فقد اختفى كايدن منذ أن جاء لشقتي تلك الليلة و لم يظهر في المدينة ولا أحد يعلم أين هو.. جون و باريس مساعديه يشدان شعرهما حرفيا في مواجهة كم الأعمال التي خلفها وراءه.. هذا ليس طبع كايدن أبدًا.. أظن أن ادعائك بأنكما انتهيتما خاطئ"
قلق فطري تمركز بداخلها وهي تسأل:
"ماذا تعنين باختفى؟!"
وقفت إيزي وهي تقول:
"اختفى.. فال.. أي أنه لابد حزين لفراقكما"
وخرجت وهي تتابع مهددة:
"أقسم أني لن أدعكما تجعلا زفافي يومًا من الجحيم.. ستتصالحان وستعيشان سويا بسعادة وإلا ..."
أكملت فاليريا:
"سترمين بنفسك من فوق برج لندن"
غمزتها إيزي:
"لا سأرميكما أنت وهو من فوق البرج.. أنا مازلت أريد أن أتزوج لصي الوسيم"
وخرجت وفال تبتسم لمرحها المعدي.. ولكن ابتسامتها السطحية لم تتعدى حدودها وظل ذلك الثقب الأسود بداخلها يتآكلها مدمرًا كل شيء.
*****
في اليوم التالي.
وقفت فاليريا تحضر الشاي بالليمون في مطبخ إيزيس.. وهي تفكر أنها يجب أن تواجه والدها في وقت من الأوقات.. لن تظل تعيش كركام محطم في منزل شقيقتها بالقانون.. السابقة!.
ستستجمع قواها وستخرج لتبحث عن شقة منفصلة.. ثم عليها أن تنقل أغراضها من منزلها هي وكايدن ثم أن تبحث عن عمل... يا الهي!
انحنت تستند على المنضدة وهي تتنفس بذعر.. بينما تتخيل كم الصعوبات التي ستواجهها وحيدة!
هذا الأمر لا يحتاج لشاي بالليمون.. بل لبعض الكحول القوي الذي يخدر الألم والمشاعر.. بحثت حولها في الأرفف وتركتها مفتوحة خلفها بفوضوية.. حتى وجدت زجاجة نبيذ في ثلاجة صغيرة.. حسنا هذه تفي بالغرض وأخذتها بدون أن تحضر حتى كوبًا.. وجلست أرضًا في غرفة المعيشة وهي تشرب من الزجاجة نفسها جرعات حارقة حادة.. ولكن فجأة فتح باب الشقة يقاطع حفلة الرثاء التي تقيمها لنفسها.. فرفعت رأسها تتوقع ظهور إيزيس رغم أنه ليس موعد عودتها من عملها.. ولكن عيناها اصطدمتا بملامح حبيبة جلبت الألم مجددا لقلبها..
كان يقف أمامها بجسده الضخم وملامحه المرهقة.. ذقنه النامية بكثافة لم تعهدها.. وملابسه الغير منظمة.. هل هذا كايدن؟!
رمشت للحظة ثم رفعت الزجاجة تنظر إليها.. ولكنها لم تشرب ما يجعلها تفقد عقلها بعد.
":ماذا تفعل؟!"
":ماذا تفعلين؟"!
نطق كلاهما بالسؤال معا.. فوقفت مسرعة تضع الزجاجة جانبا وهي تقول بأكبر قدر من الكبرياء:
"أشرب النبيذ.. ماذا يظهر لك أنني افعل؟"
مط شفتيه واقترب منها فتراجعت:
"لا أعلم.. تبدو لي كجلسة انهيار عاطفي"
هزت رأسها وهي تقلد حركته بمط شفتيها:
"لا.. لا.. أنت مخطئ.. أنا فقط شعرت برغبة في شرب النبيذ"
أشار إلى الأرض:
" على الأرض؟"
أومأت بغرور:
"أجل!"
أشار للزجاجة يريد أن يتابع أسئلته ولكنها قاطعته:
"ما الذي تفعله هنا كايدن.. وكيف فتحت باب الشقة؟؟
لوح بمفتاح صغير:
"جلبت مفتاح كولين.. وماذا أفعل.. آخذك في رحلة صغيرة"
تراجعت أكثر ولكنه كان قد وصل إليها وأمسك بمعصمها.. وبسرعة البرق انتشرت الشرارات الحارقة من يده القوية لجميع جسدها.. لتستقر في قطعة محطمة من قلبها ملقاة في جوفها.. وتمنحها نبضة!
رفعت عينيها إليه وقالت:
"كايدن.. أرجوك نحن..."
":-لنعقد صفقة"
رمشت بدون فهم فاقترب منها وأمسك بذقنها بإصبعيه كعادته.. فزادت النبضة نبضتين:
"كلما تقولين نحن انتهينا سأقبلك وأقبلك.. وحسنا أظنك فهمتِ ما أعنيه.. و إن ذهبت معي في رحلتي فسأكون مهذبًا ولن أقترب منك طوال الوقت حتى تطلبين مني ذلك"
اعترضت وهي تضرب الأرض بقدمها:
"لابد أنك تمازحني.. أنا لن أذهب معك أبدًا.. نحن انتهي..."
وبتأوه انحنى وتناول شفتيها بفمه مقبلا.. فأسرعت تتمسك بقميصه وكأنها ستسقط من فوق شيء ما إن تركها.. شفتيه القوية وقبلته المتطلبة الشغوفة والتي تركتها محطمة على حافة العالم حين تراجع وهمس أمام فمها:
"أووه كم تمنيت أن تنطقيها.. والآن يمكننا أن نظل ننتهي إلى أن نصبح في حجرة نوم الضيوف.. أو ستأتين معي.. ورغم أني سأموت وأحظى بلحظة نوم واحدة.. إلا أنني سأطلب منك أن تمنحيني جزء بسيط من الثقة.. جزء تافه واستعيديه بعدما ننتهي بحق.. وتعالي معي"
لم تعرف بماذا ترد.. عيناه المرهقتان تقتلانها.. وخطوط العبوس المرسومة فوق وجهه تشي بمدى تعبه وإحباطه.. ماذا يمكن أنه يريد منها؟
وهل تستطيع أن تمنحه ثقتها مجددا؟
لمعة عينيه اليائسة أخبرتها أن تذهب.. فلن تخسر شيئا على كل حال!
أومأت وهي تقول بخفوت:
"حسنا.. دعنا ننتهي من هذا الأمر"
ابتسم لها برقة ورد:
"هذه ال(ننتهي) تحتسب!"
وعاد ليقبلها مجددًا ولكن هذه المرة شعرت به يتمسك بها بشكل أقوى.. وكأنه يريد إخبارها بشيء ما.. ورغمًا عنها دفعته بيأس فهي لا تريد أن تتألم.. ولكنه تراجع بنفسه لاهثا:
"قبلتان كثير على سيطرتي.. هيا بنا"
وبيده التي لاتزال تمسك بيدها تمنحها شرارات تعيد انعاش شظايا قلبها المحطم.. تحرك خارجًا بها من الشقة والبناية.. متجها لسيارته حيث يقف باولو الذي انحنى لها.. و ابتسم لأول مرة في حياته وهو يقول:
"ليدي غلاديسون.. أرجو أن تكوني بخير"
زمجر كايدن بحنق وأصابعه تتشدد فوق معصمها بينما ترد:
"شكرا باولو أنا بخير"
بالكاد انتهت من جملتها حين حملها كايدن حرفيًا ليضعها في المقعد الخلفي وهو يهتف بعبوس:
"هيا لننطلق!"
وخلال دقائق كانوا يقطعون المدينة ويخرجون منها نحو الريف الإنجليزي.. حتى وصلوا لضاحية صغيرة جدا.. وتوقفت السيارة بهم أمام مبنى يبدو وكأنه منزل رعاية.
التفت إليها كايدن وأمسك يدها الأخرى بيده وقال بقوة حانية:
"فال.. لقد وجدت والدتك"
اتسعت عيناها بذهول.. وتجمد كل جسدها لدقيقة كاملة وهي تراقب ملامحه.. متسائلة إن كان يعبث بها؟!
ولكن لا.. هذا كايدن وليس رجلًا آخر.. أو تحري يطمع بأموالها!
رمشت بدون تركيز وهمست:
"ه... هل تتحدث بجدية؟!"
أومأ بابتسامة رقيقة:
"أجل فال.. قضيت اليومين الماضيين في تحريات مكثفة أنا وباولو.. مستخدمين صلاته في ال إم آي 6 ولم نيأس حتى استطعنا إيجادها.. كل أولئك التحريين كانوا يبحثون في فرنسا.. بينما والدتك لم تغادر البلاد أبدًا"
لم تعي أنها تبكي إلا حين مد يده يمسح دموعها وهو يجذبها إليه:
"ابكي يا صغيرتي ابكي"
تمسكت بعنقه تدفن وجهها وشهقاتها قطعت نياط قلبه وهو يشدد من ذراعيه حولها.. يريد زرعها بداخله وإبعادها عن كل الألم الموجود في هذه الدنيا.. تركها تفرغ قهر و وجع سنوات ضياع طوال قضتها تبحث وتيأس وتأمل وتحلم وتتحطم!
فاليريا.. كما يعني اسمها القوية.. الصلبة والمقاتلة!
أبعدها قليلًا وهمس يثبتها بنظراته يحاول البقاء قويًا لأجلها:
"حلمك هنا.. على بعد خطوة فال.. ولكن هناك ما يجب أن تعرفيه"
عضت شفتيها وهي تنظر إليه ومازالت يديها تتمسك بقميصه بقوة.. وكأنها تتوقع ما سيقوله وتخافه:
"هل... هل هي..."
هز رأسه بأسى وقال:
"لا فال.. ليست بخير.. استمعي إلي جيدًا صغيرتي.. والدتك تعاني من نوع نادر من أمراض الذهان المبكر.. يدعى وهم كابغراس"
تمتمت خلفه بارتياع:
"وهم كابغراس؟!"
أومأ متابعًا:
"أجل أنه مرض نادر يصيب أربعة بالمئة فقط ممن لديهم الخلل العقلي المسبب للذهان"
بحزن سألته:
"هل ستموت؟"
احتضنها أكثر وقبل جبينها:
"لا حبي.. لا يشكل هذا المرض خطرًا على حياتها بشكل مباشر.. خاصة أنها هنا في مركز رعاية خاص.. ولكن أعراضه هي التي جعلتها تبتعد"
":أريد أن أراها كايدن.. أرجوك!"
همست بأنين مكتوم في صدره.. فتحرك بها خارجًا من السيارة نحو مركز الرعاية وهو مازال يحتضنها.. وهناك استقبلتهما سيدة في منتصف العمر و ابتسمت لهما وهي تقول بعاطفة واضحة:
"لابد أنك فاليريا.. يا إلهي كم تشبهين والدتك يا صغيرتي"
قدمها كايدن إليها:
"فال حبي.. هذه السيدة ماجروت وهي المسؤولة عن هذه الدار.. سيدة ماجروت هذه فاليريا غلاديسون زوجتي"
صافحتها السيدة اللطيفة بحنان وربتت على كفها وهي تقول:
"كانت تحكي لنا عنك طفلتي.. حين... حين كانت تستطيع هذا"
أدارت فاليريا عينيها باستغراب بين كايدن والسيدة ماجروت بعدم فهم.. فشجعها كايدن:
"دعينا نذهب للقاء والدتك حبي ثم سنتحدث"
و مشى بها في ممر جانبي يحوي العديد من الحجرات حتى وصل لآخر حجرة وفتح بابها..
و تجمدت فاليريا!
يا إلهي المجيد!
والدتها!!
السيدة التي طالما فكرت بها ورسمت صورتها في خيالها.. التي لم ترها أبدًا ولا حتى في أي صورة رسمية لها.. التي اكتفت بحفظ اسمها كأنه لها...
جانين فان جيمسون!
تقدمت خطوة مرتعشة وهي تبعد ذراعي كايدن من حولها.. واكتفت بأن احتضنت جسدها المرتعش بذراعيها وهي تخطو بثبات مهزوز.. ودموعها تنهمر بغزارة وهي تراقب السيدة الجميلة التي تجلس في المقعد أمامها.. في بداية الخمسينات من عمرها ولكنها فاتنة وجميلة للغاية.. بعض الخطوط تحد شفتيها وجبينها فقط.. وعينيها زرقاوين تشبه عينيها.. حتى شعرها الأشقر الطويل الذي تخللته خصلات بيضاء زادتها فتنةً وجمالًا كان يشبه شعرها.. شامتي وجنتها وعنقها.. أنفها.. كلها!
إنها تنظر لمرآة تجعلها ترى كيف ستبدو خلال خمس وعشرون سنة.
يا إلهي.. والدتها حقًا!!
ركعت أمامها وبتردد مدت يديها.. ولكنها عادت عن فعلتها وهي تهمس:
"أ... أمي!"
لم تلتفت لها المرأة في البداية.. فعادت بصوتها الباكي تنادي:
"أ... أمي!"
انتبهت جانين لها وفي عينيها شرود قتلها.. ثم همست بدون تركيز:
"شعرك جميل"
بشهقة باكية ضحكت فاليريا وهزت رأسها بلهفة:
"أجل.. أجل.. مثل شعرك!"
لم يبدو أن جانين انتبهت لكلماتها.. فقط رفعت يدًا مهتزة ومررتها في خصلة شاردة من شعر فاليريا و تابعت بنفس الذهول وانعدام التركيز:
"كان لدي طفلة بشعر أشقر جميل.. قتلوها.. سرقوا طفلتي.. وأبدلوها بوحش بشع شرير.. كان يريد قتلي ولكني هربت!"
رمشت فاليريا بعدم فهم.. ثم اقتربت من أمها أكثر وهي تضع يدها على ركبتها:
"أمي أنا ابنتك.. فاليريا!"
تراجعت جانين للخلف وحدقت بشرود من النافذة وهي تكرر كأسطوانة مشروخة بصوت رتيب لا حياة فيه:
"كان لدي طفلة بشعر أشقر جميل.. قتلوها.. سرقوا طفلتي.. وأبدلوها بوحش بشعر شرير.. كان يريد قتلي ولكني هربت"!
أصرت فاليريا وهي تهز ركبة والدتها:
"لا.. أنا لم أمت.. أمي انظري إلي!"
ولكن لمسة خفيفة فوق كتفها جعلتها تنتفض وترفع رأسها لترى كايدن يهمس:
"فال"
سألته ببكاء:
"لماذا تقول هذا كايدن.. لماذا لا تتعرف علي؟!"
انحنى وأحاط كتفيها وهو يرفعها ويقول بحنان:
"دعينا نخرج لنتحدث قليلًا حبيبتي"
ترددت لحظة وهي تنظر لوالدتها التي مازالت تسترخي كنبات وعينيها جامدتين وتكرر برتابة:
"كان لدي طفلة بشعر أشقر جميل.. قتلوها.. سرقوا طفلتي.. وأبدلوها بوحش بشعر شرير.. كان يريد قتلي ولكني هربت!"
عضت على شفتيها بألم.. واستندت بظهرها على صدر كايدن الذي قادها لخارج الحجرة.. ثم خارج المنزل الضخم حتى وصلا إلى حديقة واسعة.. وجعلها تجلس فوق مقعد حجري حيث ناولتها السيدة ماجروت كوبًا من الماء وهي تبتسم بإشفاق:
"اشربي قليلًا من الماء طفلتي"
لم تستطع أن تمسك بالكوب.. فتناوله كايدن وساعدها لتشرب وهو يقول:
"هيا حبيبتي.. لابد أن تكوني قوية لأجل والدتك"
لا تدري لماذا كانت هذه الجملة مصدر قوة لها وهي تسألهما:
"أخبراني لماذا تقول هذه الكلمات؟"
تنهدت السيدة ماجروت وكايدن يمسك يديها بين يديه ويجيبها:
"هذا هو المرض الذي تعاني منه والدتك.. ذهان من نوع وهم كابغراس.. المريض المصاب بهذا المرض يصبح مقتنع تمامًا وبكل عنف أن أحد أفراد أسرته هو شيء شرير استبدل بالفرد الحقيقي.. كانت والدتك تعاني من الذهان.. ولكن ما أن ولدتِ حتى أخذت تقول أنك شيء شرير وأنك لست ابنتها"
عضت شفتيها بألم وهي تسأله:
"إذاً هي لا تعرفني.. لا تكرهني؟!"
بشفقة أجابت السيدة ماجروت:
"لا يا صغيرتي.. إنها لا تدرك أنك هنا.. ففي عقلها ابنتها قد ماتت.. وتلك الطفلة التي رفضتها هي شيء شرير استبدل بها.. ويريد أذيتها"
وتابع كايدن وهو يرفع ذقنها و يقول:
"فال حبيبتي إنها لا تكرهك ولم تكرهك.. بل العكس تحبك لدرجة أنها مازالت تتذكر كيف كنت وأنت طفلة.. ما تلى ذلك هو تصرفات الذهان "
لم تعرف بماذا تفكر؟
كيف ينقلب عالمها كله بهذا الشكل؟!
طوال حياتها ظنت أنها لن تجد الحب إلا إذا وجدت والدتها وجعلتها تتقبلها.. وها هي تجدها و اكتشف أنها لطالما أحبتها.. ولكن ظروف مرضها جعلتها تتصرف كما فعلت برفضها لها..
وجدت والدتها ولكنها لن تستطيع أن تجعلها تتقبلها.. ستضطر أن ترضى برؤيتها فقط رغم عدم تعرفها عليها.. كل ما فعلته كان هباءً.. وكل تصرفاتها كانت ذات أساس خاطئ.. بقاءها مع أب يدمرها ويذكرها بذنبها كان خطأ.. استجداءها الحب و بحثها عنه في كل طريقة ومع أي كان.. كان خطأً.. حتى طريقة بحثها وإهمالها لحياتها في سبيل هذا البحث كان خطأ!
والآن ماذا؟!
عالقة في زواج مدمر.. وأم لا تتذكرها...
وألم في قلبها!
أخفضت عينيها لتنظر في يدي كايدن التي تتشابك مع يديها.. ورفعت رأسها نحوه وهمست:
"كل شيء فعلته كان بلا فائدة!"
تحركت السيدة ماجروت من أمامهما وهي تستأذن:
"سأترككما لوحدكما"
ولكن أيا منهما لم ينظر لها.. فقد كان كايدن ينظر إليها بعاطفة خافت أن تكون شفقة.. و لكنها تابعت بألم مرير:
"قضيت حياتي كلها أمشي في طريق خاطئ لأبحث عن الحب.. عن أمي.. عن رضا الآخرون عني"
ثم هزت كتفيها وهي تتشرب ملامحه الحانية بعينيها وكأنها تودعه:
"وها أنا ذا.. وجدت أمي التي لا تدرك أني هنا.. و عالقة مع أب يكرهني ولن يتغير رأيه أبدًا.. و زواج كارثي!"
رفع يده يحيط جانب وجهها وبقوة التمعت في عينيه:
"لا فال أنت مخطئة.. أنت وجدت أمك المريضة التي تحبك وتحتاجك الآن.. و والدك لابد سيندم على كل لحظة لم يقضها يشكر الرب لإنجابه أجمل وأرق وأروع امرأة في الكون.. أما زواجنا..."
وأسند جبينه إلى جبينها وتابع بشغف تمنته دوما وعشق واضح النبرات:
"أنا مدين لك باعتذار فال إن قبلته.. فأنت امرأة أكبر قلبا مني.. آسف.. آسف لأنني لم أمنحك فرصة.. لأنني لم أصدقك.. لأنني حكمت عليك بكل غرور وأنا من يستحق أن يحاكم"
تحسس وجهها براحتيه فهمست بيأس خائف:
"كايدن..."
ولكنه هز رأسه الذي لا يزال يستند على رأسها:
"لا.. دعيني أكمل.. لو لم تسامحيني فأنا استحق.. ولكن يجب أن تعلمي فال أنك تركتني مهزوما بحبك.. وأنك من تمتلكين قلبي للأبد.. أحبك.. أنا سأحبك دائمًا.. إذا أحب الإنسان فإنه يحب كل شيء في حبيبه كما هو وليس كما يتمنى"
شهقت وهي تتذكر الاقتباس الذي قرأته:
"أووه كايدن!"
فتابع بعاطفة أحاطتها كغطاء دافئ رائع:
"يكفيك أن تعلمي أنني وقعت رأسا على عقب في حبك منذ أول مرة سمعت فيها صوتك الأبح.. وازداد حبي حين رأيت عينيك الدامعتين المغويتين وابتسامتك الجانبية الشهية.. أحبك بكل تناقضاتك.. ببراءتك وإغوائك الشهي.. باندفاعك الجريء وخجلك الرائع.. أحببتك حتى وأنا أقنع نفسي أني أكرهك.. وأريدك كما أنتِ بدون أن تتغيري فاليريا"
اندفعت الدموع من عينيها بقوة وهي تقول:
"يا إلهي كايدن.. توقف فقط توقف.. أنا أحبك أيضًا!"
احتضنها بقوة يكاد يحطمها بين ذراعيه.. ولكن هذا لم يهمها فهو وحضنه هما ملاذها الآمن..
هل زواجهما محطم ويحتاج الكثير؟. أجل.. ولكن الحب كفيل بإصلاح كل شيء.. هي تؤمن بهذا.. اللعنة أجل أنها تؤمن بهذا...
وتؤمن بفارسها الوسيم المحافظ أكثر!
******
بعد مرور شهرين
":أين ذهب كايدن؟. لقد أخبرني أنه سينتهي من اجتماع مجلس اللوردات في الوقت المناسب لحفل الافتتاح!"
هتفت فاليريا بحنق وهي تتلفت حولها بعصبية.. فاقتربت منها بريجيت تهدئها:
"اهدئي فال.. العصبية ليست جيدة لكِ"
التفتت إليها بغضب فتراجعت بريجيت وفال تهتف:
" تبا ريجي.. الكل يخبرني أن العصبية ليست جيدة.. وهذا الطفل المستفز يصر على إخراج أسوأ المشاعر بداخلي.. ويجعلني دوما على حافة الانفجار!"
ابتسمت بريجيت بشفقة:
"تبا يا امرأة.. أنت مرعبة بحق.. أكره قصر قامتي الذي يجعلني قزمة أمامك!"
تنهدت فال بحزن وعينيها تغرورقان بالدموع:
"لم أقصد إخافتك.. أرأيت؟. إنه يتلاعب بي مثل والده.. وها أنا سأبكي!"
أدارت بريجيت عينيها بيأس واحتضنت فال وربتت على ظهرها:
"ششش اهدئي وسيطري على انفعالك الهرموني اللعين.. أقصد الذي يشوش تصرفاتك!"
كان منظرهما مضحكًا بحق.. فبريجيت بقامتها التي لا تتجاوز الخمسة أقدام تحتضن بطن فال المنتفخة قليلًا والتي يبلغ طولها خمسة أقدام ونصف.. كلتاهما تتناقضان بكل شيء!
":أتعلمان.. هذا مشهد كوميدي بحق.. والآن متى سننتهي من هذا الافتتاح لكي احتفل بليلة عزوبيتي يا أسوأ إشبينات في العالم؟!"
التفتت بريجيت وفال نحو إيزي التي وقفت بفستان ذهبي جميل وهي تحمل تاج مرصع بكلمة (العروس) بيدها فدافعت بريجيت:
"نحن أسوأ إشبينات؟!"
اقتربت إيزي منهما موبخة:
"اجل.. وإياكِ أن تجادليني.. أنتِ تختفين لمدة شهر كامل في رحلة لكي تكتبي مسرحيتك الجديدة ولا أعرف عنك أي شيء.. وهذه المجنونة بانشغالها بالافتتاح وطفلها المجنون مثلها.. أتعلمان سأجعل إيزاك إشبيني"
صفقت المرأتان بفرح وهما تهتفان بسعادة:
"هل جاء؟!"
قفزت إيزي جذلًا وهي تقول:
"أجل.. لقد وصل بالأمس وهو يرتاح في فندقه.. ولكنه سيكون غدًا في الكنيسة في الموعد.. يا إلهي أنا سعيدة للغاية يا رفاق.. لقد حضر شقيقي أخيرًا"
احتضنتها صديقتيها وهما يهنئنها بوصول إيزاك الذي كانتا تعرفان تماما أنه يهم إيزيس بشدة..
قاطعتهما باريس التي أصبحت مساعدة فال منذ بداية مشروعها هذا:
"سيدة غلاديسون يجب أن نبدأ.. لا نستطيع تأخير الجمع أكثر من هذا"
التمعت عينا فال بالدموع بسرعة جعلت صديقتيها تتنهدان بيأس.. وبريجيت تقول مشجعة:
"لا.. لا بكاء.. هيا ستفتتحين المشروع وسيحضر كايدن في الوقت المناسب ليحضره.. هيا الآن"
أخرجت إيزي منديلا ومسحت دموع فال ورتبت زينتها وهي تقول:
" هيا أيتها الدجاجة الأم أبهريهم"
أخذت فاليريا نفسًا عميقًا وأمسكت بيدي صديقتيها وهي تتقدم في الممر أمامها باريس التي أشارت لها لسلم خاص وهي تقول:
"من هنا سيدتي"
رسمت فال ابتسامة هادئة متقنة وهي تصعد السلم.. لتقف فوق المنصة الصغيرة وتواجه الحشد المألوف أمامها وبدأت بالتحدث:
"مرحبا بكم جميعًا في حفل افتتاح مشروعي الأول الخاص.. مركز الرعاية الخاصة بالنساء اللواتي يعانين من أمراض الذهان.. فمرض الذهان هو مرض العصر.. و ربما يتواجد فينا جميعا بدرجات متفاوتة.. من اندفاع هرموني يعبث بعقولنا.. لاضطراب ثنائي القطب.. لوهم كابغراس.. للخرف المبكر واكتئاب ما بعد الولادة.. جميع أمراض الذهان المعروفة و الغير واضحة تحتاج لرعاية خاصة و لتوعية كبيرة.. العديد منا يعيش حياته ولا يعلم أنه يعاني من أحد أنواع الذهان.. ولهذا أنشأت هذا المركز والذي أتمنى بدعم أصدقائي ودعمكم أن يصبح أكبر وأوسع.. لنستطيع نشر الوعي بين أكبر فئات المجتمع.. والآن ضيفتي السيدة ماجروت مديرة أحد مراكز الرعاية الخاصة ستتحدث بشكل أدق عن هذا الموضوع.. فأرجوا أن ترحبوا بها"
والتفتت للمدخل الجانبي جوارها تنتظر خروج مديرة مركز الرعاية الخاص بوالدتها.. ولكن من خرج كان كايدن!
عبست بعدم فهم.. ولكن لمسة خفيفة من إيزيس بجوارها وهي تغمزها وتجذبها لتجلس على مقعد في الصف الأمامي فهمست:
"ماذا يجري؟"
أشارت لها بريجيت نحو المسرح وهي تختبئ خلف الستار كعادتها.. فنظرت نحو زوجها الذي وقف أمام المنصة وبدأ يتحدث:
"لقد طلبت من السيد ماجروت أن تمنحني هذه الفرصة لكي أتحدث عن هذا المشروع.. مركز فاليريا للرعاية.. فاليريا تعني المرأة القوية المقاتلة وهذا يلخص تقريبا سبب تسميتنا لهذا المركز باسم (فاليريا).. ولكن ما لا تعرفونه أن فاليريا تعني الخيالية والساحرة.. وأنا أملك نسختي الخاصة من فاليريا كما تعرفون"
ارتفع صوت ضحكات في الحشد فاحمر وجهها خجلًا وهي ترمقه بحب.. وعينيها لا تشبع من روعته وهو يحدق بها بتينك العينين العاشقتين واللتان لا تنظران أبدًا إلا بحب لها.
":فاليريا الخاصة بي ليست مقاتلة قوية وسحرية فقط.. بل امرأة عاطفية للغاية.. مدمنة للروايات الرومانسية!"
وأدار عينيه بيأس فازدادا الضحكات.. ولكنه توقف أمامها وتابع بنبرة جدية:
"في إحدى المرات أخبرتني عن قصتها المفضلة.. عن شابة بريئة تقع أسيرة وحش كريه بغيض.. ثم يأتي أمير وسيم لينقذها من بين براثنه.. حسنا.. ربما لا تعرفون هذا ولكن أنا الوحش في هذه الرواية"
ضحك الجميع يظنونه يمزح.. ولكنها وحدها من عرفت أنه لا يمزح.. فرفعت يدها لتكتم شهقتها وهو يتابع ولم ينزل نظراتها من عليها:
"ولم أكن لأسمح لأي أمير وسيم بأن يخطف فتاتي مني.. لهذا استخدمت نفوذي الشريرة وطلبت وتوسلت وبكيت لكاتبة فاليريا المفضلة لكي تكتب هذا القصة"
ورفع رواية تحمل صورتيهما من حفل التنصيب الرسمي كغلاف.. فصاحت بذهول وهي ترى اسم كاتبتها المفضل (دانيلا نوبل) و كايدن يقلب الرواية ليتابع ويقرأ الملخص:
"قصة ملخصها عن سياسي محافظ ممل وسخيف.. يخطف أميرة ويحبسها في قصره.. ولكن هذه المرة سيفوز الوحش بالأميرة.. ولم يسمح لأي أمير أن يمس فتاته الرائعة"
هبط من المنصة واقترب منها يمد يده إليها لتقف وهو يتابع:
"فاليريا مقاتلتي الساحرة والقوية والخيالية والرائعة.. أميرتي و زوجتي ووالدة طفلي.. أحبك وفخور بك.. دعيني أقدم لك هذه الهدية بمناسبة افتتاح مشروعك الأول.. ولأخبرك كم أنت مميزة ورائعة بطريقتك الخاصة"
شهقت وهي ترمي بنفسها تحيط عنقه بذراعيها وهي تنفجر بالبكاء وهو يحتضنها.. فأمسكت إيزي الميكروفون منه و هتفت بالحشد:
"والآن لنفتتح المركز!"
وضغطت زرًا صغيرًا فسقط الستار من خلفها وأضيئت القاعة بأكملها والممرات المحيطة.. كاشفة عن أكبر وأضخم مركز لرعاية النساء.. وتقدم حشد الممرضات اللواتي تقدمن للعمل في المركز وإدارته المتمثلة في السيدة ماجروت.. والضيوف من الصحافة الجادة وبعض الأصدقاء وأفراد العائلة لكي يأخذوا جولة في المكان.. بينما بقي كايدن وفاليريا يقفان في منتصف قاعة الاستقبال الرئيسية وهو يحتضنها.. يحتوي انهيارها العاطفي الذي اعتاده منذ اكتشفا حملها.. فهذا الطفل يعبث كليا بها!
وحين توقفت عن البكاء رفع ذقنها و همس:
"هيا الآن.. ألا تريدين قراءة روايتك الخاصة والوحيدة من نوعها؟!"
هزت رأسها بلهفة:
"أووه كايدن.. أجل دعني أراها!"
أمسكت بالرواية وفوجئت بالغلاف الجميل واسم الرواية: (أميرتي.. تهوري الخاص).. فصاحت بسعادة واندفعت تقبله بقوة:
"يا إلهي حبيبي.. كيف فعلت هذا؟"!
ابتسم لها ثم تصنع الغرور وهو يقول:
"أنتِ تستهينين برتبة فارس الصليب الأزرق!"
أحاطت عنقه بذراعيها وهي تلتصق به بحب:
"فارسي الوسيم!"
احتضنها يلصق جسدها به وهو يهمس:
"أنا أفكر بطريقة شكر أكثر فاعلية سيدتي الفاتنة"
اتسعت عيناها وهي تقول بشقاوة:
"ستقتلني إيزي.. يجب أن نذهب لحفل عزوبيتها"
انحنى يهمس في أذنها بحرارة:
"إن استطعنا العبث بين ستائر قصر باكنغهام والملكة على بعد إنشات منا.. فسنستطيع الهرب من إيزي"
التصقت به بإغواء وهي تهمس:
"ماذا تنتظر إذاً؟. دعني أحبك وأشكرك كما تستحق.. وإلى الأبد"
امتلك شفتيها بقوة وشغف وهو يفكر:
(بل أنا من سيظل يحبك ويشكرك لأنك فقط في حياته...
الى الأبد)
وقد فعل!
*******
في اليوم التالي...
وقفت بريجيت ترتدي فستانها القرمزي الجميل وهي تتمتم باعتراض:
"كيف سمحت لكما بإقناعي بهذا.. حقا أنا ارتدي القرمزي!"
اعترضت فال التي تقف خلفها في ممر الكنيسة تستعدان لدخول قاعة المراسم.. وخلفهما إيزيس و والدها اللورد مايكلوب يتأبط ذراعها:
"بالله عليك تبدين فاتنة به!"
ردت بريجيت وهي تضبط وضعية باقة الزهور التي تحملها:
"لا.. أنت يا شقراء من تبدين جميلة.. أما أنا فهو يتعارض مع لون شعري بشكل مزري"
تدخلت إيزي تهتف بهما:
"اصمتا.. ريجي أنتِ فاتنة ولكنك متوترة لأنك ستكونين محط الأنظار.. بحق السماء لا يوجد بالداخل سوى عائلة غلاديسون و والدي وشقيقي و والد فاليريا فقط.. توقفي عن جنونك!"
أحنت ريجي رأسها للحظة ثم استدارت واحتضنت صديقتها المفضلة وهي تهمس:
"شكرًا.. وآسفة.. أعلم أنك ومنذ أن كنا صغارًا تحلمين بزفاف الأميرات"
دمعت عينا إيزي وهي تقول:
"وما الفائدة إذا لم تكوني إشبينتي به؟"
وبختهما فال:
"هيا لقد بدأت الموسيقى الافتتاحية انطلقي ريجي!"
فتح خادم الكنيسة الباب الخشبي الضخم.. وتقدمت بريجيت بخفة تحمل باقة زهور من الياسمين الأبيض وزهور الأقحوان الأبيض.. وتقدمت بخطوات كما تدربن كثيرا مع الموسيقى.
ابتلعت غصة كانت تخنقها منذ الصباح.. شيء غريب يسد روحها ويستفز غريزة البقاء بداخلها...
الغريزة التي تجعلها تهرب دوما.. كما هربت الشهر الماضي!
كفي عن هذا يا حمقاء.. لن يحدث شيء.. من بالداخل هم عائلتك تقريبًا.. والقس الذي سيجري المراسم.. ولا أظن أنه خطر عليك..
هيا ارفعي رأسك وابتسمي!
رفعت رأسها تبتسم بارتباك غريب وكأن هناك من يمرر ريشة على مؤخرة عنقها لساره التي تجلس في الصف الأول وبجوارها والد فاليريا.. ثم الناحية الأخرى حيث برايان وسارينتي غلاديسون والديّ كولين.. ثم رفعت رأسها لتبتسم للعريس الذي كان يبدو فاتنًا وهو يقف بجوار شقيقه كايدن و ...
لا!
لا يمكن هذا!
تجمدت مكانها لدرجة أن فاليريا اصطدمت بها من الخلف ولم تلاحظ...
كيف يمكن أن يحدث هذا؟!
اتسعت عيناها بارتياع وهي تكتشف هوية مصدر رعبها طوال الشهر الماضي بأكمله..
كيف يمكن؟!
لا.. هذا مستحيل!!
هذا يعني أنه...
إيزاك سبنسر؟!
تراجعت خطوة متعثرةً بطرف فستانها فمسكتها فال وهمست:
"ريجي.. ريجي..."
ولكن كل ما سمعته وذلك الوغد اللعين يرمقها بذهول وعينيه اللتين طاردتاها دومً وأبدًا تتسعان وفمه يهمس باسمها(ريجي)
هو:
(اهربي!)
وبلمح البصر أمسكت بذيل فستانها واستدارت تركض في ممرات الكنيسة متجاوزة إيزي الذاهلة والحراس وكل شيء!
وخلفها يهتف صوت لعين:
"توقفي!!"
*****
تمت
انتظرونا في الجزء الثالث من سلسلة لمسات مخملية