.

29 0 0
                                    

قرأت يوماً بأن شخصاً أحب فتاة روسية أثناء دراسته ولم يتزوجا، بعد ٨٠ عاماً كتب بوصية "اتركوا باب الضريح مفتوحاً؛ لعلها تأتي"، فهل حقاً يستحق من أحببناهم ولم يأتوا أن ننتظرهم إلى ما بعد الحياة؟ تسائلتُ كثيراً وقتها، لكنني أرى بأن الحياة لا تمنحنا أبداً ما نريده في اللحظة التي نعتقد أنها اللحظة المناسبة.

في كل حال أنا لا أهتم حقيقةً لقد تمنيتُ الموت مراتٍ عديدة، لكن عندما أتذكر بأن الموت لا يعني الراحة أنهضُ بأملٍ جديد فلست كذلك الرجل الذي يعتقد بأن فتاته من الممكن أن تعود من خلال باب الضريح مازال متمسك بأملٍ واهٍ، فأنا أعلم بأن بعد الموت ستقوم الساعة وقتها لن يقول سوى "نفسي نفسي"

بالنسبة لي سأقول نفسي نفسي حتى لو لم يكن الوضع كذلك، لأنني لا أريد أحداً ممن عرفتهم في هذه الدنيا....

وهي تتحرك في أرجاء الغرفة تقوم بجمع بعض من أغراضها بجانب حقيبة متوسطة الحجم أمسكت بكتاب فوقعت منه صورة، من الواضح أنها قديمة بعض الشيء، دنت فأمسكت بها ثم وقفت متأمِلة:

حقيقةً لقد أحببت شخصاً ذات مرة وانتظرتُ طويلاً عودته من أجلي لكنه لم يأتي وحتى لو عاد لن أقبل بعودته وانا ما زلت على قيد الحياة فكيف لو مت! تتسألون من هو!؟

إنها أُمي نعم هي، لماذا؟! 
منذ اللحظة التي بدأت فيها استيعاب ماحولي لم أكن اسمع غالباً سوى الصراخ لذلك كنت كثيرة البكاء، أبي عنيف جداً ليس بقلبة ما يسمى رحمة لم يتفق مع والدتي مطلقاً أستغرب حقاً كيف تزوجا وانجباني، لم يتبادر في ذهني سوى هذه الفكره " يجب فعل كل شيء ولكن لا يجب أن تتزوج بدون عاطفة" ف حقيقة أن الزوجين يعتقدان أنهما متماثلان أو أنهما يعرفان بعضهما البعض جيداً مسبقاً لن يجلب لهما السعادة على الإطلاق. تتزايد الاختلافات أكثر فأكثر حتى تصبح لا تطاق؛ من الأفضل دائماً معرفة أقل قدر ممكن عن الشخص الذي ستشاركه حياتك. فوالديَّ تربيا معاً تحت سقفٍ واحد ولكن يبدوا انهما لم يتزوجا باردتهما. لأنه مما رأيته لا تجمع بينهم أيُّ عاطفة. لست أدري حقاً تفاصيل حياتهم السابقة ولكن كل هذا تخمين مما عشته معهم. وفي تلك الفترة كانت أمي تبكي كثيراً. كبرت وأصبحت في السابعة من عمري ولم يتغير شيئاً. رغم صغر سني وقتها الا أنني كرهت العيش أردت الموت حقاً.

*الموت* كانت تتردد كثيراً في مسمعي ، وأبي من كان يرددها ل "أمي" مما فهمته كان يعني أنه يجب عليها أن تختفي لذلك أردت أن يحدث لي أيضا هذا الموت، أريد أن أختفي للأبد.

رغم أن أمي قاسية علي لكن لا ألموها على ذلك فهي تتحمل الكثير وأنا أعلم أنها تفعل ذلك من أجلي، إلى أن أتى هذا اليوم : قررت والدتي الرحيل ولم يمكن قرارها بما تعنيه الكلمه فقد طردها والدي بقوله : "فلتغربي عن وجهي انتي وابنتك فأنا لا اعرفكما " ترددت هذه الجمله في مسمعي وكنت سعيدة عندما سمعتها، أخيراً أتى هذا اليوم، سأنجوا من هذا العذاب.

ولكن اختفى الأمل من أمامي في لحظة سماع آخر جملة قالتها أمي: "لا شأن لي بها فهي ابنتك"

كانت كبيرةً علي لدرجةِ أن قلبي توقف وانعقدَ لساني وتجمد الدم في عروقي. مالذي يحدث؟! تتخلى عني؟ بهذه السهوله! ماذا تعني ابنتك؟! الستُ ابنتها أيضاً؟! لقد احببتها رغم اني لا أعرف معنى الحب حقاً لأن ليس له وجود في هذه البيئة ولكن أحببتها لا أريد الابتعاد عنها لا أريد البقاء وراءها، كيف ذلك؟!؟

لم أذرف دمعة ولم أصرخ حتى أنني لم انطق بكلمة، لم أعلم إذا ما كان تأثير الصدمة أم أنني فقط تقبلت الواقع..

رحلت ولم تنظر إلي، رحلت ولم تنطق بكلمة أخرى، وحصلت على جزائي وكان ضرباً مبرحاً، يبدوا أنني عبئاً ثقيلاً عليهم، لم أتألم وقتها فقدت مشاعري من تلك اللحظة لم أعد أهتم بشيء.

استمرت حياتي أو بمعنى أصح معاناتي مرت أشهر ومازلت متمسكة بطرف الأمل لعلها تأتي وتأخذني معها انتظرت وانتظرت وندمت لو أنني لم أصمت وقتها، لو أنني صرخت وتكلمت ربما رق قلبها وأخذتني معها ولكن تضل " لو " بدون اي فائدة. أصبحت في التاسعة من عمري وهنا تأكدت أنها لن تأتي مهما انتظرت. وأصبحت ألومها كلما لامس الضرب جلدي، كلما اشتدت معاناتي اشتد كرهي معها.

وها أنا ذا أصبحت في الثانية عشرة. هل مازالت معاناتي مستمرة؟ نعم إنها مستمرة لم تتغير الحياة كثيراً، ولكن انا تغيرت.

بعد سرحانٍ استمر طويلاً وضعت الصورة من يدها وأكملت ما كانت تفعله.

انا الآن ذاهبة في رحلة مع هذا الذي يسمى "أبي" لا أعلم اتجاهها تماما فأنا انفذ الأوامر فقط.



كل ما تعانيه من الظلم والقهر والخيبات تستطيع تجاوزه، لكن ماذا عن ألم السؤال الذي يراودك بين حينٍ وحين؟

مواجهةٌ مع الموت حيث تعيش القصص. اكتشف الآن