.

213 25 95
                                    




.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.
.

ثمينةٌ و نفيسة.. أمي جوهرة.
لطالما بدت لي أمي كذلك.. لا لسبب سوى لأفعال والدي تلك..

"أنزله ببطء.. ببطء...  بروية! "
هكذا نطق بهمس ما إن شدوا الحبال ليلامس التابوت الأرض الرطبة.. و كذلك صاح الشاب في وسط ترانيم القس بـ"تمهل! "
إلا أن صوته قد سبب الفزع للأول فانزلق الحبل من يده..
و هكذا استقر جثمان أبي في مرقده الدائم منذ اللحظة.

بدء القس يتلو بصوتٍ رخيم مجدداً إبان حملقته بالرجلين بوعيد لما أحدثاه من جلبة و ما اسمته والدتي لاحقا بـ"الإستهتار"  بقُدسية المراسيم.

كانت نسمات الرياح تمر بحنو محملة برائحة الخزامى فحين أُغلِق عيني و أنصت ..ترتسم لي صورةُ الليلك وهو يتهادى مع سمفونية الرياح و ينحني حين تحط عليه إحدي النحلات فيبدو سيدًا نبيلاً..

ابتسمت لدى وقع الفكرة فاستدركت أنني ما أزال في نفس الموقع.. حيث بدأوا بردم القبر تاليًا، كان العاملان يبتسمان في راحة.. فبالنسبة لهما العمل سهل اليوم.. بدءاً من الحفر حتى الردم؛ ذلك أنها أمطرت أمس فساعد ذلك في العمل بجهد أقل..

كنت ما أزال ممسكا بيد عمي الأكبر.. لم يذرف دمعةً و لم يُسمع له صوت منذ عاد بوالدي من الحرب جسدًا دون روح..
كانوا مذهولين لعودة عمي سالمًا بدون أي جرح يُرى، ولم يفصح عن أي مما جرى..
غير تصريحه بـ'أن والدي قُتل حين لم ينتبه لغارات الطائرات المروحية..'

هكذا قال..  و ببساطة صمتَ بعدها ولم ينبس ببنت شفة.. إني حائرةٌ عما يتوارى خلف صرح السكون الذي يبنيه..

مسح على رأسي حين أطلنا التحديق ببعضنا البعض فأعدت نظري لمرقد والدي .. كانوا يثبتون الشاهد الرخامي الأبيض.. و قد زخرف عليه بعض الحروف

أغلق القس كتابه و انحنى قليلاً عند الشاهد .. ترك بعض الحضور باقات أزهار الزنبق البيضاء و على غفلة مني وضع عمي باقة كبيرة من الأقحوان في يديّ و أشار لحيث والدي.. أومأت له و تقدمت لأضعها بحذر فوق بقية الأزهار.. و عدت إليه مبتسماً كأنني المنتصر الاخير

لا ادري لكن نشوةً وحشية اخذتني حيث الخزاما البرية.. نظرت لهم من هناك من بين الازهار و قد كانت لثيابهم السود حضورا يكتسح المحيط و يجذب النظر.. يبتعدون في جماعات عن مرقد والدي كلٌ يسير في دربه مولين اياي ادبارهم

" قادم!.."

صحت بها لعمي ما ان اشار لي و انطلقت اجري نحوه حاملا الكثير من بتلات الازهار كنت حينها كزجاجة عطر متجولة تقطع الحقل بسرعة شهاب

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Dec 02, 2023 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

|| لا تنظر إلى أنعكاسك / Don't look at your reflection ||حيث تعيش القصص. اكتشف الآن