بَحر

84 18 12
                                    

الأشجار تتمايل بأغصانها الفارغة؛ مستغِيثة أن تكسوها أحد الأوراق.
واقفة أمام نافذتها تراقب كل شيء بهدوء، بينما غرابيتاها تروي روايةً ما، كسرت صمتَ المكان الموحش: لقد حان وقت الرحيل.


أمسكت بحقيبة سفرها، وتوجهت للأسفل بخطى بطيئة، وبهدوءٍ كما حالها دائمًا ارتدت معطفها، وفتحت الباب ببطء، وخرجت.


التفتت لمنزل كساه الألم والحسرة، ظاهرًا عليه علامات الحزن، ربتت على جدرانه هامسة: لقد حان وقت الرحيل.

أعطت ظهرها للمنزل، وبدأت تتوجه إلى جهتها التالية، إلى حياتها الجديدة، لا تعرف أتقول أهي ستكون سعيدة أم حزينة؟
في كلتا الحالتين "السعادة" ليست شيئًا يمكنها الحصول عليه، قد تذوقتها مرة واحدة، ومن يتذوق السعادة مرة، لن يتذوقها مرة أخرى.

جرى البواب إليها قائلًا باحترام: سيارتك جاهزة آنسة «داليدا».

جال بخاطرها ذكرى هذا الاسم؛ فابتسمت ناظرةً له: شكرًا لك عم «سعيد».


فُتحت البوابة السوداء الضخمة، والتي تشابه جميع المنازل الفاخرة الموجودة بالحي.
نزل السائق فور رؤيته لها، أمسك حقيبتها، من ثم فتح لها باب السيارة باحترام، بعدها توجه لصندوق السيارة واضعًا الحقيبة.

بدأت السيارة بالتحرك، وهي تراقب الطريق بصمت بعيون ملأها حزن طاغٍ على نظراتها الذابلة.
وصلت لوجهتها أخيرًا حيث محطات القطار، كتب بخط كبير «سكك حديد مصر». تنهدت بثقل، وأخذت حقيبتها، وأشارت للسائق بالرحيل.

توجهت حيث مقاعد الانتظار، وجلست تنتظر قطارها كما تنتظر دومًا قدرها الحزين، قدرٌ يعزف أوتارًا من الألم؛ فعلامات موسيقى القدر ظاهرة على وجوه كل من حولها، ليست الوحيدة من تعاني حربًا على الأقل.

دوى صوت صافرة القطار معلنة وصوله، تأهبت «داليدا» ووقفت من مقعدها، تتطاير الفستان تزامنًا مع وصول القطار. بدأ فوج من الناس يدخلون له، بينما هي أخذت تبحث عن عربتها حتى وجدتها.

همهمت تناظر العربة: العربة رقم 7، المقعد 25.

وضعت قدمها داخل القطار، وبدأت بالبحث عن مقعدها حتى وجدته، وضعت حقيبة سفرها بالمكان المخصص، وجلست على الكرسي بجانب النافذة واضعةً رأسها عليها، وبدأت تناظر الناس بوجه يشوبه حزن مُدثر بين طيات اللا مبالاة.

منهم من كان يودع بعضه، ومنهم من كان يبكي، منهم من كان يلوح لأحد أقربائه. فرت منها دمعة خائنةً العهد بينها وبين مقلتيها، وتألمت لذكرى الوحدة التي تؤانسها، مسحت دمعتها بسرعة، واستعادت وضعها الأول.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jun 10 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

رحيلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن