"الفصل الأول"

12 0 0
                                    


كان الطريق من منزلها إلى مكان عملها لا يستغرق النصف ساعة، لكن كالعادة لم تستطع الإستيقاظ مبكرًا كما وعدت نفسها قبل استغراقها بالنوم مساء أمس،
-بجد يا سلمى هتفوقي لحياتك امتي؟
استرقت النظر إلى ساعة يدها التي أشارت بأن الساعة حاليًا التاسعة إلا ربع، حثت قدميها على الجري أسرع وكعادتها ألقت تحية الصباح على حارس الأمن الماكث بجوار باب البنك التي تعمل به: صباح الخير يا عم إبراهيم
رد عليها تحية صباحها من بين قهقهاته: صباح الخير يا آنسة “سلمى” ثم أكمل: مش هتيجي يوم بدري
نظرت إليه ثم عادت تنظر أمامها وهي تركض: بحاول والله بحاول
توقفت أمام باب مكتبها، أنحنت قليلًا تحاول التقاط أنفاسها، ثم أخذت نفسًا مطولًا زافرة إياه بإريحية هامسة لنفسها: أوك اهدي كده، إن شاء الله هيكون مش جوا
لكن سرعان ما وضعت يدها على الباب تدفعه ببطئ، حتى لمحته واقف أمامها قائلًا: الله الله، أخيرًا صاحبة البنك وصلت
تيبثت مكانها وهي تذدرق ريقها بصعوبة قائلة بتلعثم: أنا آسفة يا مستر حسن أنا بس، أصل المواصلات..
قاطعها حسن بغضب: ايه هو مافيش غيرك بيركب مواصلات ولا ايه يا أستاذة سلمى، ثم اقترب منها ليقف أمامها وجهًا لوجه، ومع تلك الحركة توقف كل شيء بجوارها فجأة وكأن الزمن توقف، رفعت نظرها عاليًا تنظر هنا وهناك بريبة، رمشت بضعة مرات بأهدابها وهي تنظر إلى مديرها الذي ظل محافظًا على تعابير وجهه الغاضبة لكن دون حركة، طرقعت بأصابعها أمام وجهه لكن دون فائدة، وكأنه، كأنه أصبح تمثالًا، رفعت سبابتها لتلمسه لكنها توقفت عندما آتاها صوتًا يؤمرها بتحذير: إياكِ
جحظت عيناها وقتما سمعت صوته الغليظ وكأنه آتي من الجحيم، التفتت حولها بذعر متسائلة بتلعثم: ميـ.. مين اللي.. بيتكلم؟
جاءها صوته من خلفها: استجمعي شتات نفسك أيتها الأنسية، أنا من كان معكِ منذ أخذك لنفسكِ الأول
استدارت خلفها بسرعة: مين اللي بيتكلم؟
جاءها صوته غليظًا: أنا من كُتب على جبينك إلى آبد الآبدين، استعدي لقد اقترب الموعد
تلفتت حولها كالمجاذيب تحاول أخذ نفسها بصعوبة: لو أنت شجاع اظهر
-لا تحاولي استفزازي فإن ظهرت لكِ الآن من الممكن أن يتوقف نبض قلبك الذي أريده أن ينبض حتى تحين ساعتي، ثم استطرد الصوت في الحديث بجانب أذنها اليمنى هامسًا بصوت مسموع: لكن وعد لحظة اللقاء قد اقتربت لذا كوني على إستعداد، ثم أكمل بجانب أذنها اليسرى: صحيح، نسيت فجأة تحول صوته إلى صوت أجش: لا تحاولي الإقتراب كثيرًا من الجنس الآخر وإلا ستكون العواقب وخيمة ولن يتحمل أحد الذنب سواكِ، والآن إلى لقاء قريب
بعد آخر كلماته رجع كل شيء إلى ما كان عليه، إلا من غضب مديرها الذي رحب بها عندما وجدها أمامه، وكأنه لا يتذكر بأنها آتت متأخرة كعادتها، جلست على كرسي مكتبها تحاول إلتقاط أنفاسها التي تزاحمت داخل قفصها الصدري وكأنها أبت الخروج من مضجعها إلى أن يختفي ما حدث منذ قليل
أخرجها من شرودها صديقتها “خديجة” وهي تهزها من كتفها: سلمى، أنتِ يا بنتي!
لفحتها سلمى بنظرات زائغة: خديجة هو أنتِ شوفتي اللي حصل من شوية؟
تعجبت خديجة مما قالته لكنها سرعان ما ابتسمت قائلة: اه
أجابتها بلهفة: بجد، يعني..
ابتلعت جملتها عندما قاطعتها خديجة وهي تضحك: أخيرًا جيتي بدري وحزلقوم مازعلقكيش زي كل يوم
سلمى: لا مش قصدي كده، بس.. بس..
مدت خديجة يدها لتلقط “الفأرة” التي تخص حاسوبها وهي تتحدث دون النظر إلى صديقتها: بس ايه يا سلمى ما تقولي!
توقفت عن الحديث وهي تسترجع ذكريات الأسبوع الأخير، فمنذ بدايته والأحداث الغريبة تتوالى بالظهور، مرة سيارة كانت على وشك صدمها إلا أنها نقلت من مكانها بلحظة، ثم هناك من كان يسير خلفها وهو يرميها بعبارات الغزل ووقتما التفتت له للدفاع عن نفسها وجدته وقد فقد صوته تمامًا، ثم عندما كانت على وشك أن تحترق من اللبن الفائر إلا أن الشعلة أغلقت من تلقاء نفسها وأحداث أكثر بكثير، لكن ما حدث اليوم لم يكن يشبه ما حدث، ترى هل أفقد رشدي، عليّ بالذهاب إلى طبيب نفسي في أقرب وقت ممكن
بمكان بعيد عن ضجيج المدينة وصخب العالم، كان يجلس على حافة جبل يراقب كل ما يحدث حوله بهدوء، يحاول تخطيط ما يريده بتروي وهدوء حتى لا تندلع عاصفة معها ستجلب الخراب إلى عالمها وليس عالمه فقط، عليه التخطيط جيدًا قبل إتخاذه أي قرار من الممكن أن يضع حياتها في خطر، تنهد ثم قام وبدون أن يرمش له جفن كان قد انتقل من قمة الجبل إلى الأرض بعدها بدأ يدور حول نفسه مادًا فاهه أمام كف يده ينفخ ما به ثم بدأ بترديد بضع كلمات بهمس: عليك بتحصينه، فما به ملكٍ لي، بعدما نفدت المادة الحمراء اتي بيده أخرج حجر الأوبال الذي بيده ثم وضعه أرضًا يخفيه جيدًا.
قام من مكانه وهو يبتسم: انتهت المهمة الأولى، والآن لنبدأ بالثانية
ما الذي تنوي فعله؟
التفت خلفه بلا مبالاه ثم انحنى يتصنع الإحترام: مولاي، أهلًا بك لم أرك
وقف أمامه بهيبة وملامح الغضب تظهر بتجلي على قسمات وجهه: كُف عما تفعله يا داغر وإلا ستكون العواقب وخيمة
تصنع دم الفهم: وما الذي فعلته؟
آصف: أعلم جيدًا بأنك طلبت بأخذ حجر الأوبال
داغر: وماذا في ذلك؟ أنسيت بأن مكانتي تسمح لي بإستخدام الأحجار النادرة!
ضم ذراعاه أمام صدره قائلًا: لا لم أنسى ذلك، لكنك نسيت بأنني صديقك وأعلم جيدًا ما الذي تخطط له؟
وقف أمامه بثبات دون أن يرمش له جفن: وما هو ذا؟
آصف: دعنا نفكر قليلًا، ثم أكمل حديثه بعدما مثل التفكير قائلًا: سلمى مثلًا
حاول إخفاء تعبيرات وجهه قدر الإمكان عندما نطق باسمها: ومن هي؟
آصف بغضب: لا تحاول مراوغتي يا داغر فنحن أعز أصدقاء وأنا أعلم صديقي جيدًا
داغر: صديقي! وهل الأصدقاء يتناقلون أخبار بعضهم البعض مع ملوكهم
تلعثم آصف قائلًا: هذا أبي
وقف أمامه داغر بهيبة تساوي هيبته: الإمبراطور قبل أن يكون والدك لا تنسى ذلك يا ملك الجنوب، ثم انحنى بعدها: والآن إن سمحت لي
لكنه توقف يعطي ظهره له عندما قال: داغر أنا خائف من خسارتك، تعلم جيدًا مخاطر ما تقوم به
أجابه دون الإلتفات: أفضل الموت عن عنها مثلما فعلت
ثم اختفى من أمامه قبل أن يرف له جفن، أما عن الأخير فظل ينظر إلى أثره عندما تذكر ما حدث لها بعدما تخلى عنها، همس قائلًا: لم يكن الأمر بيدي لم أستطع فعلها، لم أستطع
في المساء وبعدما ذهب الجميع إلى النوم، استيقظت على صوته الغليظ يهمس بأذنها باسمها: سلمى
انتفضت من مكانها بذعر وهي تقول بتلعثم: مـ.. مين؟ ماما، بابا؟
لا إجابة، استعاذت بالشيطان الرجيم وحاولت العودة إلى نومها لكنها فجأة شعرت بيد أحد ما تجذبها من قدماها قبل أن تستطع حتى وضع رأسها على مخدتها، صرخت ثم قامت بفزع من على سريرها وهي تقرأ آية الكرسي، لكن الصوت عاد من جديد وتلك المرة كان يكمل الآية معها ثم ضحك قائلًا: لو أردتِ أستطيع قراءة القرآن كله معكِ
وضعت يداها على أذنها وهي تقول: لا لا أكيد بيتهيألي
بعدها نظرت إلى باب غرفتها وقبل أن تمد يدها إلى إليه لتفتحه وتهرب من غرفتها، شاهدت ظل أسود طويل يقف أمامها، رجعت للخلف بخطوات بطيئة تقرأ المعوذتين وقبل أن تدري بما يحدث وجدته أمامها شاب طويل القامة وسيم المحيا يقف أمامها بإبتسامة ساخرة قائلًا: أخبرتك بأنه حان الوقت
سلمى بدون وعي: عفريت وسيم الواحد طلع محظوظ في حاجة
بعدها دعت نفسها تذهب إلى تلك الدائرة السوداء مرحبة بها من كل ما يحدث حولها، وقبل أن تفقد الوعي تمامًا شعرت بنفسها وهي بين ذراعيه يضحك على ما حدث لها قائلًا: كنت أعلم بأن هذا سيحدث لكن لا بأس

يتبع
#رحاب_قابيل

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jun 22, 2023 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

عشقني جنيًا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن