عشتُ عمرًا متمنّيةً أن يُمحى "أيلول" من رزنامةِ الزّمن، آخذًا معه ما تبقّى من ثورات و غضبٍ يدمّر ما حاكته الطّبيعة طيلة أشهر.
كنتُ أخالُهُ حارسًا عجوزاً بشِعًا، حاقدًا على الأرض و أهلها، يفتحُ عليها أبواب وَحْشِهِ الشّتويّ ليمزّق بأنيابه ثوب الدّنيا الحريريّ الأخضر، و ليخطف إلى أعماق صدره نسائم الدّفء النّاعمة.
لا أدري كيف دارت بي الأيّام، و صار "أيلول" أغلى صديقٍ على قلبي. فذلك الحارس اللّئيم، أدخلني إلى حديقته السّريّة الحلوة حيث رآكَ قلبي للمرّة الأولى، قبل أن يفقد بصره و يقع فريسةً للفخّ الأكبر: الحبّ.
أذكر جيّدًا صوت أوّل نبضةٍ لهذا القلب الرّقيق، كما أذكر بوضوح، كيف لمعت الشّمس على نافذة حكايتي، و كيف غطّت طيور الحبّ على أغصان يوميّاتي.
اكتشفت حينها أنّ الأيّام و التّواريخ و الفصول ستتبعثر كلّها خارقةً روتين حياتي و من فيها. أدركتُ أنّني سأعيش الرّبيع و الشّتاء و الخريف و الصّيف في آنٍ معًا، و أنّني سأسافر بك إلى عالم قصائدي و كتاباتي، إلى أغاني فيروز و ماجدة و كاظم. لن تصدّق كم كانت أقلامي تتوق شوقًا إلى رؤيتك بعد أن استنزفت كلّ دمائها فداءً لعينيك. أمّا قهوتي المرّة، فراحت تتراقص فرحًا على نيران الشّوق و الهوى، و سرعان ما ملّت من كثرة أحاديثي عنك. ليتك تعلم كم تحبّك أقلام حُمرتي و تنتظرك على أملٍ أن تنطبعك على شفتيك سُكّرًا و عسلًا.
لن أخفي عليك أنّني أسمع صدى صوتك بين أبيات "درويش" و أبحث عنك بين صفحات الرّوايات و الدّواوين بعد أن مسحتَ عنها غبار النّسيان.
آهٍ يا "أيلول"، ماذا فعلتَ بي؟ أهكذا تنتقم من أعدائك؟ أأنتَ و الحبُّ متآمران على قلوبٍ ناعمة تهوى الحرّيّة و الدّفء؟ كنتَ يا حارسَ الشّتاء في دنيايَ نسمةَ برودة أطفأت اشتعال الفراغ و الوحدة. و لكنّك، في الوقت نفسه، أغلقت على المحبوب وحده أبواب القلب، بعد أن فتحت عليّ عواصف الهوى و جنون الإشتياق.
كوين أبو أنطون