مقدمة

1.2K 25 1
                                    

بسم الله الرحمن الرحيم

قطرات من الودق تتساقط على الزجاج بغزارة حتى أحالته للون الأبيض، وفي ليلة شتوية شديدة البرودة وشديدة الهدوء، كانت تلك الأصابع الصغيرة ترسم على الزجاج باستخدام بُخار المياه الذي أمكنها من رؤية ما ترسمه.

تنعكس بشرتها الخمرية وعينيها البندقيتين على لوح الزجاج الذي أبرز ما تحتويه تلك الفتاة الصغيرة من شجنٍ يعتمر قلبها، فهي لا ترسم من أجل مليء فراغها والمُتعة، هي فقط تستخدم الرسم كحركة تستقطب بها عقلها الصغير كي يبتعد عن تلك المعارك التي تدور بذهنها، فمن قال أن الصِغار لا تفهم أن الحياة قاسية، فالحقيقة أنهم ينسجون واقعهم بواقعٍ بريء حتى تصدمهم الحياة بحقيقتها وتجبرهم على الانصياع لقراراتها رغم نعومة أظافرهم وبراءة ملامحهم ... فالواقع المرير لا يُفرق ما بين كبيرٍ وصغيرٍ ... فالكل ينال شِقًا من الضيق، والكل ينال شِقًا من الألم ... لكن الطريقة هي فقط ما تختلف ...

- إيه إللي مضايقِك ؟

خرج هذا السؤال من والدتها بصورة حنونة جعلتها تخرج من قوقعة ضيقها وصمتها كي تلتفت لها وتعتدل في جلستها، أنكست رأسها الصغير لأسفل مع لمحات من الحُزن تتقاطر من عينيها وهي تُجيب :

- أنا عايزة أشترك في مسابقة الرسم

بان الضيق على ملامحها رغم أن الخبر ليس بهذا السوء ..

- حلو ... إنتِ بتعرفي ترسمي و أكيد لو اشتركتي هتكسبي 

قالتها والدتها بتشجيع وسعادة تعتمر قلبها، لكنها آجابت بأكتافٍ مُتهدلة وصوتٍ مُنكسر :

- بس أنا لو اشتركت هخسر 

قالتها بخُذلانٍ وكأنها تعلم حقيقة العالم رغم صِغر سنها، وضعت والدتها أناملها الرقيقة التي احتوت وجنتا الفتاة كي تسألها بحاجبين معقودين :

- ليه بس بتقولي كدة ؟؟ ... إنتِ موهوبة 

أبعدت الفتاة يد والدتها بضيقٍ وقد رفعت من نبرة صوتها قليلًا وهي تتحدث عن أسبابها التي تمنعها من تحقيق حُلمها :

- عشان مش هكسب ... أماني هي إللي هتكسب في الآخر زي كل سنة ... مع إني برسم أحسن منها، بس هما بيخلوها تكسب عشان مامتها الـsuper visor " رئيسة القسم " وهي إللي بتكسٌبها

أدلت كلماتها بتذمر وأعين تكاد تذرف الدموع، ربطت ذراعيها وهي تواصل الحديث بحسرة :

- أنا خلاص مش هرسم تاني ... محدش في المدرسة بيشجعني، كلهم بيقولو إن أماني بترسم أحسن

آرادت في تلك اللحظة أن تلقي بأحلامها وطموحاتها في سلة المُهملات، فلا وجود لطاقة داخلها كي تتحمل مكابد الفشل وهي لا تزال بأول الطريق، فالموهبة وحدها لا تكفي طالما هي بغابة لا يوجد بها سوى الوحوش التي تتكاتف سويًا ضد بقية الكائنات حتى تثبت لهم أنهم بلا فائدة، فهي مجبورة على دفن موهبتها لأن لا أحد سيكتشفها مهما مرٌت الأيام ..

بقيت على هذا الوضع حتى آحاطتها والدتها بذراعيها لتضمها أكثر حتى تلتصق بصدغيها وتتنعم بدفئها الذي يُغنيها عن تلك الليلة الباردة، كانت تُريد إزالة الدمعة المتلألئة عن وجنتها الصغيرة وترسم مكانها ابتسامة لطيفة تبعث الإشراقة بالنفوس، لكن مع الأسف، كيف تجعلها سعيدة وهي في ذاك العالم ؟

أيدت والدتها حديثها الصادق بنبرة هادئة حكيمة :

- أنا عارفة يا حبيبتي إن إللي عايزينه مش دايمًا يتحقق ... بس ده مش معناه إننا نوقف حلمنا

اعترضت حديثها بنظرة مستنكرة :

- أيوة بس_

قطعتها والدتها بصوتها الهاديء الرخيم الذي يحمل معه الثقة :

- عارفة ... هتقوليلي إن مفيش فايدة من إللي بتعمليه ... بس الكلام ده مش حقيقي ... مش معنى إن في حد حقق حلمه بدري يبقى هو موهوب وإنتِ لأ ... الناس يا حبيبتي نوعين ... في إللي بينجح من أول مرة ... وفي إللي بينجح بعد مرة واتنين وتلاتة وحتى عشرة ... المهم إنه هينجح في يوم من الأيام .... لأن الفشل مش معناه إن الواحد يجرب ويفشل ... الفشل معناه إن الواحد ميجربش أصلًا

تشابكت كلماتها الحكيمة داخل رأسها الصغير الذي آبى فهم هذه الكلمات العميقة، فهي لا تزال بالعاشرة من عُمرها حتى تفقه الطريقة المُثلى التي ستساعدها للتعامل مع تلك الحياة المُعقدة، التفت برأسها التفاتة صغيرة لتواجه والدتها وتسألها بنبرة بريئة :

- يعني إيه ؟

تنهدت والدتها أثناء محاولاتها للعثور على إجابة توٌضح بها مقصدها، فكرت لبرهة قصيرة من الزمن انتهت باقتراحها :

- إيه رأيِك أحكيلِك حكاية حلوة ؟؟

رسمت بسمة هادئة على ثغرها وهي توافق والدتها وتعتدل بجلستها كي تنصت لها بامعان، فما هي إلا لحظات حتى بدأت تستمع إلى حكاية تجمع ما بين المثابرة والفشل والشجاعة ... 

حكاية تحتوي على الآلام، لكنها تحمل معها الأمل أيضًا ...

يُتبع 💕❤

أتمنى تكون مقدمة النوفيلا عجبتكم وبالمناسبة النوفيلا دي صغيرة خالص مش هتكمل عشر فصول حتى وأنا كتبتها عشان ترجٌع شغفي للكتابة قبل ما أبدأ الرواية التالتة ليا لأني لسة بظبط أفكارها ..

وعمتًا النوفيلا دي مفيهاش رومانسية خالص ومفيهاش كوميدية كمان ونوعًا ما مأساوية بس إن شاء الله تعجبكم وتكونو إستفدتم منها ... وآخر حاجة متنسوش الفوت 😘


نوفيلا " ويبقى الأمل " ( مكتملة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن