عام ١٩٨٣ وتحديدًا في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، تبدأ قصة الشاب المسكين "جيمس غاندي" بميلاده، ميلاد صاحب القصة الأكثر تعقيدًا في تاريخ المرضى النفسيين... ربما كانت مأساوية..
في أسرة من الطبقة المتوسطة ومنزل يتسع لستة أفراد، كان "جيمس" الأخ الأصغر بين أربعة إخوة متقاربين في العُمر، "ويليام" الأخ الأكبر، "لوسي" الأخت الوسطى، وأخيرًا "مايك" يكون الأخ التوأم لـ"جيمس".
ترعرع هذا الطفل في حي فوضوي للغاية، حيث تكثر به أصوات سيارات الشرطة، ما بين التحقيق في قضية قاتل متسلسل مجهول ينفذ عمله بالجوار، أو مطاردة سفاح خطير هارب من السجن، أو ربما اللحاق بغريب أطوار مُنتحل شخصية... وغيرهم من المجرمين بإختلاف أنواعهم.
إن الشرطة لم تكن تتكاسل قطعًا في أداء عملها، لكن الحي بالأصل ليس آمِنًا، ولسوء حظ الطفل أنه وجد نفسه يعيش وسط تلك المهزلة... وهذا ليس ذنبه، في الحقيقة هذا ليس ذنب أي شخص يسكن بهذا الحي؛ فالشقق هنا رخيصة للغاية حيث يتمكن الفقير من تدبير ثمنها للإستقرار بها بدلًا من الشارع.
لقد كان والد "جيمس" يعمل كموظف حكومي بسيط، لذا فليس من المتوقع أن يجد الإبن نفسه يعيش في قصرٍ مثلًا بينما بالكاد الطعام في البرّاد يكفيهم، إذًا فهو مُتقبل ظروف والده وحال أسرته بصدرٍ رحب ويحاول التعايُش منذ سنواته الأولى دون أن ينطق بحرف إعتراض.
كانت عائلة "غاندي" حذرة للغاية، صارمة في مواعيد العودة للمنزل، وحريصة على عدم ترك أي فردٍ منها يخرج من المنزل دون مرافق ما دام الإبن لايزال طفلًا؛ لذا تمكنوا بشكل أو بأخر قضاء سنوات عديدة في هذه المنطقة بأمانٍ تام.
أما بخصوص حياتهم الأسرية داخل جدران هذا المنزل، فمن المؤسف قول أنهم أسرة على الورق فقط، أو هذا ما يبدو عليهم رغم أنهم يخافون على بعضهم بشدة ويخشون فقدان أي فرد من أسرتهم، لكن ما يظهرونه عكس ما هو مكنون داخلهم، فلا يهتمون ببعضهم البعض، ولا يخصصون وقتًا لبعضهم، لا يوجد بينهم أي تفاهم وخصوصًا الوالدين، كان جميعهم بعيدين كل البُعد عن بعضهم على الرغم من أنهم يعيشون تحت سقفٍ واحد.
إنهم كانوا جميعًا غير راضين بهذا التفكُك بإستثناء "جيمس" لأنه في الحقيقة غير متضرر أبدًا، هو يقضي الكثير من الوقت مع والده، ويتشارك معه كل شيء حتى أنهم يخرجان سويًا وحدهم.
نتيجةً لإمضاء الوقت مع والده؛ علّمهُ الأب كيفية إستخدام السكين والمنشار والأدوات الحادة في المرأب التي كان يستخدمها في نحت التماثيل الخشبية، فلقد كانت تلك هواية والده المفضلة منذ أن كان بمثل عمر إبنه، ليصبح هذا سببًا في إعطاء "جيمس" الكثير من المهارات في ذلك.
وعندما حان وقت محاولته الأولى لنحت تمثالًا، هو نجح بالفعل في نحته بإتقان لكنه لم يكن تمثالًا عاديًا كباقي التماثيل، قد كان مشوهًا ومخيفًا للغاية، إذ كان يبدو كتلك الرسومات التي يرسمها "جيمس" في وقت بؤسه، ومن المتعارف عليه حينها أن الفتى كثيرًا ما كان يرسم أشكالًا غير مفهومة، ومع ذلك حصل نموذج "جيمس" الأول على إعجاب شديد من أبيه، لدرجة أنه ظل يمدحه ويثني على تمثاله طيلة النهار، فبدى من الواضح له أن والده محبًا للكيانات غريبة الشكل والهيئة، وهذا ما شجّع الفتى الصغير ذو العشرة أعوام على إبتكار المزيد لينال الإعجاب من قدوته الوحيد، ولم يدرك أحدًا منهم أن تلك الهواية قد تتخذ منحنى أخر في وقتٍ لاحق.
أنت تقرأ
انتقام لأجل وإلى مقبرة
Short Storyأكثر ما آلمني في وفاة أبي أن الكون لم يتوقف حتى إشارة المرور في شارعنا استمرت بالوميض، واصلت الحياة ركوضها اللعين دون أن تلتفت إلى مصابي الأليم. - دوستويفسكي