~ فــراشــة الحــب - ج ٢ - ( ١ ) .

40 3 0
                                    

~ فــراشــة الحــب - ج ٢ - ( ١ ).

عادت بعد الوداع الأخير وهي محطمة القلب فلقد رحل من كان يسكنه!!
رحل حبيب قلبها وبلسم روحها والدها الرسول..
رحل إلى حيث مكانه الحقيقي في أعالي الجنان حيث لم يصل لتلك المنزلة ولذلك العلو أحد لا قبله ولا بعده!!
فأي بشر كان؟ وأي حزن ترك في قلب ابنته الوحيدة؟!
هو الآن في مقامهِ المحمود وأما هي ففي حزنها العميق..
ما إن دخلت حجرتها تاركةً زوجها علي يجهز رسول الله من حيث الغسل والتكفين والدفن حتى عادت إليها الذكريات إلى تلك الأيام الخوالي..
تذكرت يوم دخل عليها رسول الله ليراها في ثوبها الجديد الذي اشتراه ليوم زفافها فتفاجأ أنها ما زالت ترتدي ثوبها القديم!
حينها وما أن أخبرته بأنها تصدقت بثوب العرس على إنسانٍ فقير حتى ضمها إليه وهو يهمس في أذنها كلمات الحب والمودة والرحمة..
كم هي مشتاقة الآن لتلك الكلمات ولذلك الحضن الدافئ المشبع بالعطف والحنان!
تذكرت كيف عاتبها على فعلتها تلك بابتسامته الجميلة وكيف استقبل جوابها بفرحٍ غامر حينما أخبرته أنها ما تصدقت بثوب عرسها إلا إمتثالاً لقول الله تعالى (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْ‏ءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ).
نعم كانت تحب ثوب عرسها كثيرًا حالها حال أي فتاة شابة تتلهف أن تكون أجمل الجميلات في عين زوجها الحبيب..
لكنها في الوقت نفسه كانت تحب ربها أكثر من حبها لبعلها الكرار، كانت تحب تعاليم والدها الرسول أكثر من حبها لليلة زفافها، وكانت تحب الفقراء أكثر من حبها لذلك الثوب الجميل...
لذلك قررت أن تتصدق بما تحب لأجل من تحب!
هكذا حاولت إقناع والدها الحبيب حتى لا يحزن من أجل ثوب زفافها..

ذكر ابن الجوزي وهو من علماء أهل السنة والجماعة:
( أنَّ النبي صلى الله عليه و آله صنع لفاطمة قميصًا جديدًا ليلة عرسها وزفافها، وكان لها قميص مرقوع، وإذا بسائل على الباب يقول: أطلب من بيت النبوّة قميصًا خلِقًا - أي قديمًا باليًا - فأرادت أن تدفع إليه القميص المرقوع، فتذكرت قوله تعالى: (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) فدفعت له الجديد.
فلمّا قرب الزفاف نزل جبرئيل، وقال:
يامحمّد! الله يقرؤك السلام، وأمرني أن أُسلّم على فاطمة عليها السلام وقد أرسل لها معي هديّة من ثياب الجنّة من السندس الأخضر.
فلمّا بلغها السلام، و ألبسها القميص الّذي جاء به لفّها رسول الله صلى الله عليه و آله بالعباءة، ولفّها جبرئيل بأجنحته، حتى لا يأخذ نور القميص بالأبصار.
فلمّا جلست بين نساء كافرات وفي رواية يهوديات - جئن يشاهدنها في يوم عرسها - رفع جبرئيل جناحه ورفع العباءة، وإذا بالأنوار قد طبقت المشرق والمغرب.
فلمّا وقع النّور على أبصار تلك النسوة خرج الكفر من قلوبهنّ وأظهرن الشهادتين).

تذكرت كذلك تلك اللحظة التي دخل فيها والدها الرسول منزلهم هي وعلي وأولادها، فوجد وجوههم مصفرة وأجسامهم ذابلة وعيونهم غائرة!
حينها ضجت به عاطفته فصار يبكي لحالهم وهو يسأل عما جرى لهم وكيف أصبحوا هكذا دون أن يخبروه!!
آه .. أين هو الآن ليرى حالك من بعده يا زهراء وأنتِ تمسكين قلبك وتحنين ظهركِ من الحزن والألم عليه؟!
تذكرت كيف صاروا يروون له قصة المسكين واليتيم والأسير الذين وقفوا عند بابهم لثلاث ليال يسألونهم الطعام فتقوم الزهراء مع زوجها علي بجمع ما خبزوه من أقراص خبز الشعير ليعطوه لكل واحد منهم يوميًا ويبقون هم صائمين ليلهم كما نهارهم!!
ثلاث أيام وفاطمة مع زوجها وأولادها لم يدخل جوفهم لقمة طعام واحدة!!!!
نعم فلقد نذرت الزهراء صيام ثلاثة أيام إن شافي الله ولديها من مرضهما الذي حلّ بهما فجأة..
ولم يرضَ أفراد تلك الأسرة الرسالية أن تصوم فاطمتهم لوحدها بل شاركوها جميعًا الايفاء بالنذر بل حتى خادمتهم فضة كانت تشاركهم صيامهم ذلك وصدقتهم تلك!
هنا رفع رسول الله يديه الشريفتين إلى السماء وصار يدعو لهم بالرزق الاخروي والدنيوي فنزلت فيهم سورة كاملة تروي قصة ايفاءهم بالنذر وتصدقهم على المسكين واليتيم والأسير لثلاث ليال متتالية ثم تصف مقامهم الرفيع عند رب العزة، كل ذلك في سورة الإنسان والتي تبدأ بقوله تعالى ( هَلْ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً .... ).
ثم نزلت لهم مائدة من السماء فيها ما لذَّ وطاب من طعام الجنة.
تذكرت الزهراء كل هذا فصار قلبها يسألها بحرقة وحسرة :
هل فعلاً أن رسول الله لن يدخل علينا بعد يومنا هذا؟!
هل فعلاً أن القرآن انقطع منذ اليوم عن النزول؟!
هل فعلاً لن تسمعي بعد اليوم صوت أبيكِ وهو يقف عند باب بيتكِ.
وهو يردد : السلام عليكم يا أهل بيت النبوة والرسالة؟!

#نــهايــة_الفــصـــل
______

🖊 الكاتبة : رويدة الدعمي .
📚 فراشة الحب ج ٢ .
~ في أمـان اللّٰه ورعايـة ١٤ معصوم 🌸.

MAHDI_1188

فراشة الحب، الجزء الثاني / الكاتبة : رويدة الدعمي . حيث تعيش القصص. اكتشف الآن