الغشّ

13 8 0
                                    

- وِجهـة نظـر:
لا أجدُ معنى لحياتي، روتين مرهق، ما الذي قد أستفيده من الدراسة ؟ لا أكاد أفقه شيئاً من شرح المعلمين، و.. امتحانٌ آخر، لم أكتب درساً بعد، وسأتلقّى توبيخا شديدا من والديّ.. علي أن آتِي بالإجابات.

- وِجهـة نظـر:
شعورٌ جيّد، أنهيتُ حِفظ دروسي ومستعدٌ للإمتحان، سأجتازه ثم أبدأ بإنجاز مخططي، واثق أنّ ما نخوضه الآن ليس هدفاً بل وسيلة، فأتوكلُ على الله وأخذُ بِالأسباب، لن أُعطي امتحاناً أكثر من قدره، ولن ألجأ للغش مهما حدث.

تشعرُ بالتوتر مع اقترابِ كل امتحان،
يُسيطر عليك اليأس وأنت ترى دروسک قدْ تراكمت،
فتشعرُ بالفشل وتفقدُ الأمل في النجاح ..
شيطانٌ يُوسوس لك وأنت تقرأ أسئلة امتحانک:
«مرةٌ واحدة .. هذه المرة فحسب ! صدّقني لن تخسر شيئا ! »
تُـراقب حركات المُراقب فتنتظر غفلته، لِـتفعلهـا ..
وتغشّ!


هـلّا توقّفنـا هُنا للحظـة؟!
أكَـان ذاك الخيار الصائب! أمَـا كان ممكناً عدم الوصول لهذه النتيجة ؟
تسـائلتُ مرة .. ما بـال أولئك الذين ارتضوا الغشّ سبيلاً للنجاح!

إنّ مفهوم الغشّ فِي الحقيقة ليس نفسه طوق النجاةِ الذي يراه الغاش عندما تضيق به الحِيل، بل هو في جوهره فِعل شنيع يحوي أرَاذل الأمور .. ولن تتضِح لك سوءات هذا حتى تتحرر من قيود الخوف والتشتت التي تحوم حولک حِين اقتراب الامتحان.

أتُراك تدري خوفك الشّديد هذا والقلقُ الذي يحيطك ثمّ اندافعك نحو هذه الخطوة -الغش- ما سببه ؟ لن تتوقع ربما، أن ضُعف إيمانِك قد يكون السبب الأول!

بلى.. فإنّ من يلجأ للغش غالبا يكون ضعيف الإيمَان، قليلُ الخوف من الله، بل يخاف أكثر من الرسوب ونظرة المجتمع المتدنية إليه. ومعَ ذلك، فإن أكثر من نصف هذه الفئة لا يهتمون لِدروسهم، معتمدون على خربشات دُوّنت في بضع وريقات، بينما لو فُضح أمرهم قد يُدمّر مستقبلهم فعلا .. ناسين، أو متناسين أنّ خالق هاته النفوس عليمٌ خبيرٌ بِها، قريبٌ سميعٌ بصيرٌ .. شديدُ العِقـاب، وغفورٌ رحيمٌ لمن تاب.
فلو استحضرتَ حقيقة أن الله بصيرٌ بك، ويعلم ما تُسر، وأنّ رسوبك لا يعني دمار العالم، وأنك لا تقِل قدرة عن ذاك الذي يدرس متوكلا على الله مستعينا بجهوده، لما أقبلت على الغش.

ثمّ إن السبب الآخر هو عدم اهتمامك بدروسك وبحياتك كلها ربما، وكذا دنو همتّك، فتهمل الفهم والحفظ وتستتر بالحل الأسهل.

إِضافة لعدمِ تحملك للمسؤولية، وعدمِ امتلاكك لأهدافٍ مستقبلية فلا تدرك أن دراستك هذه في أساسها ليست سوى وسيلة لبلوغ غايتك، فتستمر على نفس الروتين الممل بالنسبة لك..

وَمع مرورِ الزمن يَنتج عن هذا الفعلِ إنسانٌ فارغٌ، جاهلٌ في أبسط الأمور، بل فاشلٌ بِالمعنى الحرفي .. بَينما كان بإمكانه أن يُصبح العكس ببذل القليلِ من المجهود.

وإنّ الأسوء هي تلك الفئة التي تقرأ حديث الرسول فتمضي متمّة فسادها ولا كأنها قد صادفت شيئا!
ففي حديث للرسول قال: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا » وفي هذا ذمٌ واضح للغشّاشين.

وَبينما نفترض نجاحك وتفوقك خلال جميع سنواتك الدراسية -عن طريق الغش- ثم حصولك على عمل، أترضى أن يكون رزقك حراماً ؟

- أنت بغشّك، تخون نفسك قبل أي شخص، وتتهاونُ بنظر الله إِليك، وإنّك لظالمٌ لنفسك ولغيرك ظلماً شديدا، وترتكب ذنباً عظيما.

وإنّنا يا إخوة نتناصح فيما بيننا ولا ننتقد شخصاً بل فعلا مذموما محرّما، فإن الأمر بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ واجب، وإنّ ما نراه من تساهلٍ في هذا، وتسمية المحرمات بغير مسميّاتها، وما تنعكس به أمثال هذه الأفعالِ على المجتمع .. يستدعي نهضة في توعية الأمة الإسلامية بأهمية الامتثال بما أمرنا الله به.

أخيرا .. هوّنوا عليكم يا إخوة، فـالله خلق الإنسان لعبادته ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾، وإنّ قدرتك على الدراسة نعمة يتمناها غيرك، ومن ذا الذي لا يريد النجاح والتفوق في مسيرته ؟ لكن لا تمضِ في طريقك إلا بالحلال، فإنّ الدنيا دار بلاء وشقاء، لا تنتظر أن يأتيك النجاح وأنت مستلقٍ على سريرك! عليك بذل جهدك والتحلي ببعض الجديّة، والأهم أن تجدد إِيمانك وتقويه، صدّقني لن تكون في حاجة للغش بعد ذلك.

ولا تنسَ أن باب التوبة مفتوحٌ أمامك، ففي حديث آخر للرسول : « الإسلامُ يهدمُ ما كان قبلَه، والتوبةُ تَجبُّ ما كان قبلَها ».
تُب الآن، لا تقُل سأتـوب غدا أو فيما بعد! فلا تدري متى تمـوت، فإن النّدم والحسرة لا ينفعـانِ بعد فواتِ الأوان!
قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾.

وقد قال أحدهم:
يَـا بـائـعـاً بِـالغشّ أنْـت مُـعَـرّضٌ
لِـدعوة مظلـومٍ إِلـى سـامـعِ الشّكـوى

فـكُـل مِن حـلالٍ وارتـدع عـن مـحـرّم
فلـست على نَـار الـجحيـم غداً تقـوى!

هذا .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 🤍

بِشْرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن