الجزء الثاني

46K 39 0
                                    


جرس الباب جعلها تنتفض في مكانها وبلا وعي تقبض على البرنص بيديها
حمدية تدخل وتجلس معها منتشية هادئة،
- شكلك النهاردة غير إمبارح
تضحك بخجل ونظراتها موحية وصوتها يعود للهمس مثل الأمس
- ما أنا النهاردة ريحته
جملتها كخنجر يصيب شهوة هدى وترد المس بهمس
- طب ما كان من الأول بدل الخناق والبهدلة
- وغلاوتك يا ست هدى ده راجل يهد حيل الجمل، تصدقي يا ستي عمل إمبارح بالليل وكان زي الطور السعران وبرضه عمل تاني الصبح
هدى ترفع حاجبيها بدهشة حقيقية وجسدها يسخن كمن تجلس فوق نار مشتعلة
- يا لهوي، بالليل والصبح.. ليه كده؟!
- طور یا ست هدى ما بيهمدش
- ده انتوا يا بنتي متجوزين بقالكم سنين، الظاهر أنه بيحبك اوي وبيموت فيكي
- ولا حب ولا دياوله يا ست هدی ده طور هايج ما بيهمدش
الشهوة تسيطر على عقل هدى وحمدية تجلس بالقرب منها وتشعر بها وبما يحدث لها حمرة وجهها تفضحها ورجفة شفتيها ونظراتها الزائغة،
- بس عيني عليكي باردة يا ست هدى، وشك منور اوي
النهاردة
جنحت ببصرها نحو ساق هدى الظاهر من البرنص المتوقف عند ركبتيها
- وشكل حمام النهاردة كان نواعمي
قالت وهى تضحك بمياعة وهدى تفطن لمقصدها وتضحك بخجل وهي تضربها في كتفها بدعابة،
- بس يا بت انتي عيب
- وماله يا ست هدی، تعيشي وتدلعي نفسك
- يا بت عيب بقى انا كبرت على الكلام ده من زمان
- فشر.. كبرتي ايه ده أنتي أصبا من كل ستات العمارة وزي فلقة القمر
- دي نضافة عادية علشان الشكل العام بس مش أكتر
حمدية تجالسها منذ وطأ قدمها البناية والعيش بصحبة عوض في حجرة بطن السلم الضيقة،
تساعدها وتقضي لها بعض الطلبات ومن وقت لأخر تضع هدى بيدها بضعة أوراق مالية تساعدها على المعيشة،
أغلب سكان البناية من البسطاء ولا يجني عوض وحمدية منها غير الفتات في الأصل هم موجودون لحماية البضائع المخزنة بالطابق الأرضي بجوار حجرتهم المملوكة لصاحب البناية،
الأيام تتوالى والحديث بين حمدية وهدى يزداد همس وخصوصية
هدى تجد بعض السلوى والتعويض في تلك الأحاديث وتستدعي وصف حمدية في المساء وهى تداعب موطن عفتها الذي أصبحت حريصة على نظافته ولمعانه،
"سارة" إبنة هدى تزورها في منتصف اليوم وتجلس معها حزينة عابثة، مر عامان على زواجها ولم تحمل حتى الآن،
الطبيب المعالج أخبرهم أنها تعاني من تكيس على الرحم والأمر يحتاج لمتابعة العلاج والصبر حتى يحدث الحمل،
تزوجت في الثانية والعشرون من عمرها فور تخرجها من الجامعة من ابن عمها "كمال"،
حزن سارة ليس على عدم الإنجاب، فقط لأن حماتها توقع اللوم عليها بشكل دائم وتحملها مسؤولية عدم إنجاب لها أحفاد
صوت بائع الأنابيب يخترق سمعهم وهدى تنادي على عوض لجلب أنبوبة منه،
أصبحت رؤية عوض أمر بالغ الصعوبة لهدى،
كلما تعاملت معه ترتبك وتتلعثم وتهرب من نظراته وتكتفي بتفحص وجهه وملامحه وجسده عند إلتفاته لناحية غير ناحية وجهها المكسو بحمرة خجل كلما غابت عادت وكست وجنتيها من جديد
عوض يصعد لهم بالأنبوبة ويضعها بالمطبخ ويحمل
الفارغة معه للخارج،
ولإنها أصبحت مهتمة بتفحصه وتأمله، لاحظت تلك النظرات المتبادلة بينه وبين سارة،
لأول مرة تلحظ ذلك وتنتبه له، عوض ذو بشرة شديدة البياض و ملامح ملونة وأعين شبه خضراء وشارب بني اللون يزين وجهه ويتم وسامته رغم رقة حاله وهندامه وجلبابه الفلاحي، وبالطبع جسد معتدل لا يعيبه شئ،
القلق بادي ويتضح على سارة ولم تمر عشر دقائق بعد مغادرة عوض وكانت تظبط هندامها وتودع أمها،
وقفت هدى في البلكونة القريبة من الشارع تتابع خروج إبنتها وتطمئن عليها بعاطفة الأمومة،
دقيقة .. إثنان.. ثلاث.. عشر ولم تخرج سارة بعد من من
البناية
أين تكون ولماذا تأخرت، لعلها قابلت حمدية وأخرتها
بثرثرتها المعهودة
نصف ساعة كاملة حتى ظهرت سارة تخطو بتوتر وهرولة وتخرج من المدخل
كاد الأمر ينتهي لولا أن لمحت هدى حمدية تأتي من بعيد ناحية المدخل
إذا أين كانت سارة كل هذا الوقت؟!، هل صعدت لأحد الجيران لزيارتهم قبل الخروج أم ماذا؟
الحيرة تتمكن من هدى لكنها على كل حال لم تشك مطلقًا أن هناك أمر غير مطمئن
الشجار بين حمدية وعوض لا يحتاج لأسباب، سرعان ما يبدأ ويرتفع صوتهم ويتدخل بعضهم حتى يعود الهدوء للبناية من جديد
لو أن صاحب البيت يسمح بحجرة إضافية لهم ولأبنائهم لسارت الأمور اهدأ بكثير،
ستفعل ذلك وتطلب منه بنفسها، هو رجل طيب وكريم وقد يوافق ويهبهم حجرة من حجرات الشقة في الدور الأرضي الحاوية لبضائعه،
حمدية تجلس مع هدى والأخيرة تلحظ تلك البقعة الحمراء  في عنقها،
- ايه اللي في رقبتك ده يا حمدية ؟
تشيح بوجهها بخجل طفولي لا يخلو من الدلال والمياصة
وتهمس
- ده اللي ينتقم منه عضني
فتحت هدى فمها بدهشة كبيرة،
- عضك؟!
- آه.. هو لما بيبقى هايج ومتلهوج بيعمل كده
شردت هدى لثوان وصمتت تمامًا بعكس جسدها الصارخ
بقوة،
- هو انتوا يا بنتي عرسان جداد؟!.. هو ايه اللي هايج ومتلهوج ؟!
هو إنتي يا مقصوفة الرقبة انتى بتعملى فيه ايه مخلياه متجنن كده؟!
لا تعرف كيف وصلت هدى لمثل هذا السؤال وإنجرفت نحو الغوص فى خصوصيات فراش عوض وحمدية وإقتحمته،
- والنعمة يا ست هدى ولا بعمله حاجة، ده هو اللى هايج
كده ليل ونهار وما بتهدش،
أقولك ايه بس ما هو قاعد لا بيهش ولا بينش طول اليوم ومفيش وراه غير قطم وسطي
وجهة نظر لا غبار عليها، ماذا يمنعه عن ذلك وهو بالفعل لا يفعل شئ سوى الجلوس بمدخل البناية وقضاء بعض الأمور البسيطة من وقت لآخر،
نور يخبر أمه أنه وجد فتاة أحلامه وقرر الإرتباط بها، "حنان" زميلته في العمل وتصغره بعام،
فتح لها هاتفه وشاهدت صورها جميلة رقيقة تشبه نجمات السينما،
- حلوة اوى يا نور يا بختك بيها ويا بختها بيك يا حبيبـ
تسلمي يا حبيبة قلبي يا ست الكل انتي
- بس دي باين عليها رفيعة اوي يا واد يا نور
- يا ست ماما هو في بنات مليانة دلوقتي ما كل البنات بتعمل دايت علشان تبقى سمبتيك ورشيقة
- يا واد بس دي معضمة شوية يعني
- لا معضمة ولا حاجة هى لبسها واسع، لكن ما تقلقيش على إبنك عندها إمكانيات زي الفل
ضحكا سويًا وهي تداعبه،
- يعني أطمن على مستقبلك يا شقي
- صدقيني دي جسمها قريب من جسم سارة أختي اوي
فكرة
- لو كده يبقى كويس
سارة أنحف من أمها ، لكن جسدها أكبر من جسد حمدية على
الأقل،
لها نهدين بارزين واضحين الأبعاد وخصر مستوي بارز مهتز بشياكة وجمال
الخطوبة في القريب وأكدت عليه أمه أنها مستعدة لذهابه والعيش بشقة جديدة مع عروسته، ليخبرها وهو يقبل يدها أنه يرفض ذلك وحنان تتفهم أيضا ومتقبله العيش معها في نفس الشقة،
فتاة طيبة عطوفة ولا يحمل قلبها مشاعر كراهية أو قسوة، هدى تقف فى البلكونة وترى سارة قادمة من بعيد لا تتأخر على زيارتها أكثر من يومان أو ثلاثة،
إنتظرتها في الصالة ومر الوقت بطئ وتكرر الأمر نفسه،
مجرد صدفة قادتها أن تراها وهي قادمة،
لم تسمع هدى جرس الباب قرابة الساعة حتى وصلت سارة ويبدو عليها اللهث رغم أنها لم تصعد غير طابق واحد،
إستقبلتها وهى تشم رائحة السجاير تفوح من ملابسها
- مساء الخير يا ماما
- ايه يا بنتي كنتي فين كل ده؟
- ما أنا كنت هنا من يومين يا ماما
- مش قصدي، أنا شيفاكي جاية في الشارع من أكتر من ساعة، والمرة اللي فاتت برضه خرجتي من العمارة بعد كتير اوي
إرتبكت سارة بشكل بالغ وواضح وتلعثمت وهى تخطو وتلقي بجسدها فوق الأريكة في الصالة،
- ايه يا ماما أنتي بتراقبيني ولا ايه؟
حاولت أن تداعبها علها تجد تفسير أو تهرب من الإجابة
- لأ بس دي حاجة غريبة، المرة اللي فاتت فكرت حمدية الرغاية عطلتك بس لقيتها راجعة من برة بعد شوية، قلت أكيد طلعتي تزوري حد من الجيران
وكأنها ألقت لها بطوق النجاة،
- ايوة يا ماما طلعت أسلم على طنط نجاة، قاعدة لوحدها وواجب برضه أزورها
والنهاردة برضه طلعتيلها ؟
- بالظبط أصلي قابلتها على السلم وطلعت معاها لحد فوق وطبعًا إضطريت اقعد شوية معاها،
المهم احكيلي ايه الموضوع المهم اللي كنتي عايزاني فيه
- أخوكي لقى عروسة وناوين نروح نزورهم قريب ونقرا الفاتحة وطبعًا عايزاكي معانا أنتي وكمال
- ألف مبروك يا ماما، كبرت يا سي نور
طالت الجلسة بينهم حتى إنصرفت سارة ووقفت هدى تتابعها من البلكونة
سارة تنظر للبلكونة وتراها وتشير لها بيدها لكن إرتباكها
وقلقها واضحون
تحدد موعد زيارة الخطوبة وجرت الأمور بشكل هادئ ومبهج وسعدت هدى بحنان بشكل كبير ولمست بها طيبة ورقة واضحون،
حمدية فور عودة هدى ونور ظلت تزغرد بسعادة وتبارك لهم وطنط نجاة تطرق بيتهم وتخبرها هدى بالخبر وتهنئ نور
وتجلس معها رغم تأخر الوقت لأكثر من ساعة وعند مغادرتها تلقى بحجر ضخم في الماء الراكد وتُفسد بهجة هدى وسعادتها،
- ابقي خلي سارة تعدي عليا أسلم عليها الندلة دي بقالها  3 شهور ماشفتهاش
كانت نسيت أمر تأخر سارة والآن نجاة تنفي وتلغي ما
قصته عليها،
الحيرة تتمكن منها وتُجزم بداخلها أن هناك سر ما أو أمر جلل تخفيه سارة،
ماذا تفعل؟، لو سألتها من جديد قد تقص عليها أي كذبة جديدة أو تقرر عدم الحضور والإبتعاد عنها أو التصرف
بحمق،
يجب عليها أن تعرف السر وحدها وتكتشفه دون معرفة
سارة،
في اليوم الثاني بعد الخطوبة أخبرتها سارة أنها ستزورها الغد،
منذ الصباح ظلت هدى متوترة مترقبة تنتظر وصول سارة لمعرفة سرها،
راعت أن تقف خلف ستائر البلكونة حتى لا تراها سارة
وصلت بمنتصف النهار ولكنها لم تتأخر غير دقيقة وكانت تضرب جرس الباب
طوال جلستهم يتحدثون في أمور زواج نور وترتيب الإستعدادات عندهم وفرة في النقود ودخل نور جيد ومعاشها كبير ولا توجد أي معوقات مادية لتأخير الزفاف وإتمام الزواج،
هدى مشغولة حائرة وتجاهد نفسها ألا تسأل سارة بشكل
مباشر عن شئ،
قررت سارة المغادرة فور دخول أمها المطبخ لإنهاء الطعام،
نهضت فجأة وغادرت بعجالة وهى تجدها فرصة مناسبة أن أمها في المطبخ وليس البلكونة،
لم تعلم أن هدى تشك في أمرها وهرولت بعد غلق الباب لتقف خلف الستارة مرة أخرى ويحدث ما توقعته
لم تخرج سارة حتى مرت خمس دقائق
فتحت باب الشقة ووقفت تنظر في صحن فراغ السلم
لا تعرف أين تبحث عنها، هل في الأعلى أم في الأسفل،
من شدة رغبتها في المعرفة ظلت واقفة لا تفعل شئ لأكثر من نصف ساعة حتى شاهدت سارة فجأة في صحن مدخل البناية تهرول وتخرج من الباب،
الصدمة أوقفت عقلها عن التفكير والحيرة تمكنت منها،
هل كانت بالأسفل عند حمدية؟
هرولت نحو البلكونة وشاهدت سارة وهي تتلفت على البلكون وتمشي بعجالة واضحة بعد أن إطمئنت أن أمها لا تقف وتراها،
عادت مرة أخرى ونادت على حمدية،
الإجابة بلا شك عند حمدية،
لياتيها صوت عوض من الأسفل وهو ينظر لها
- مش هنا يا أم نور، تأمري بأي خدمة
- لا خلاص لما ترجع بقى
أغلقت الباب ودقات قلبها تكاد تقتلها من فرط الإنفعال،
سارة كانت بالاسفل ولا يوجد غير عوض هل من المعقول أن يكون بينهم شئ ما؟!
عقلها لم يتوقف دقيقة عن التفكير ويقينها أن بين سارة وعوض علاقة تجعلها تجالسه بالساعة والنصف ساعة،
التفكير يتحول لتخيل بالتدريج والتخيل يتسلل لشهوتها ويتحول غضبها لغضب مصحوب ومغلف بالشهوة وتعود صدفة البرنص لتحتل عقلها من جديد،
تتلوى في فراشها وهى تتخيل عوض مرة مع سارة ومرة
معها هي،
لكن لماذا؟
لماذا تفعل سارة هذا وزوجها كمال شاب وسيم ولا يعيبه شئ والأهم يحبها منذ صغرهم،
يتبع ....

مجرد صدفة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن