أسبوعان هو مايفصلني على عتبة السابع و العشرون... و لأول مرة أشعر بهذا الضعف و الهشاشة اللتان جعلتاني أصغي إلي همس ذلك اللعين دون تفكير...
كثيرًا ما كنت أقول أن كثرة المشاعر أيًّ كانت هذه المشاعر و الأحاسيس؛ فهي تسكرنا تمامًا كما الخمر و تغيب عقولنا، لذا تجدنا ننجرف نحو القاع بسرعة فنخال لوهلة أننا نحلق، لكننا في الواقع مقدمون على وقوع سحيق تنقطع من خلاله أعناقنا...
فكرة وحيدة لعينة و بائسة هي ما كان يكررها في عقلي على مدار عشرين سنة كل مايجدني ضعفت فيها، و أنغلقت السبل و الأبواب في وجهي، أو لعله هذا فقط ما يصوره ذاك البالس البائس لي؟!
لست أدري، لكن ما أدريه حقًا أنني هذه المرة، أنزلقت قدمي في منعطف طريقه و بقوة.. ربما لأن الفكرة كانت تتردد على عقلي منذ سنين سحيقة؟
كل ما كنت أرغب فيه هو بعض السلام...
حياة هادئة وردية، عالم بطريقة أفلاطونية على طريقتي الخاصة؛ فيطغى عليه الحب...لكن الواقع غير ذلك....
في لحظة ما من نهار هذا اليوم الرمادي، و بسبب الضغط النفسي شعرت ببوادرها؛ بوادر نوبة الهلع ( panic attack) ، ثقلت أنفاسي، وحل الألم بجانب صدري الأيمن، و بداية تنميل تغتصب وجهي و أطرافي.. فهرعت إلي أقراصي المهدئة بنية أخذ قرص واحد، لكن ذاك الصوت في الخارج حال دون ذلك....
مع كل كلمة نارية حارقة كانت توجه إليٌ فتصيب قلبي في مقتل، كنت أخذ في قرص إضافي بغية إقاف كل شيء، إيقاف ذاك الصوت و سيل السباب الصادر منه و اللذي لم أخل في يوم أنني قد أسمعه خصوصًا من شخص مقرب مثله، رغبت في إيقاف كل شيء حرفيا؛ المكان و الزمان، ضربات قلبي الموجوعة، الإحساس القميئ الذي شعرت به، و حياتي...
أخذت قرص وراء آخر بيد مرتعشة و نبضات عشوائية تكاد تخرج من قفص صدري لشدتها، أنهيت العلبة فنطلقت يدي تبحث عن مزيد من الأقراص و جميع الأدوية التي أمتلكها.. مضغت و إبتلعت أكثر من خمسين حبة دواء خلال لحظات....
ظننت أن كل شيء سينتهي، لكن صوت خرج من أعماقي صم أذاني منعني من أن أسمع أو أدرك أي شيء غيره...
لم أرى في مخيلتي أي لون غير الرمادي، بينما رمادية و التي هي أنا واقفة في مكانها تتخبط حسرة و ندم، الجسر الوهمي الذي أقف عليه ينهار شيء فشيء، لا سبيل للعودة ولا سبيل للإستمرار، فقط واقفة في مكاني، بينما دموع دامية متحجرة في مدمعي...
هل أنا الآن في البرزخ؟!
إبتلعني بعد ذلك الظلام، فصرخت الطفلة في داخلي باكية؛ المغفرة، فقط المغفرة يا الله...
شعرت أنني معلقة في الهواء بدون اللاشيء، الظلام يحيط بي من كل حدب و جانب، فقط أقف على بقايا جسر رفيع، لا أول له ولا آخر، بدايته و نهايته حيث أقف، أسفل مني الجحيم الأسود يتأجج غضبًا ينتظر في وقوعي ليبتلعني حيث خسارتي الأزلية...
الرحمة، الرحمة يارب، رحمتك وسعت كل شيء، فأطمع أن تسعني أنا كذلك...
أدري أني قد خسرت مع خوفي و ضعفي الإختبار... إختبار الدنيا صعب يا الله، و ثمن الجنة غالي للغاية، لكني مازلت آمل أن تدخلني إياها برحمتك...
كافرة، ضيعتي الأمانة...
صوت من الجحيم صفعني، فحرق وجهي الرمادي مبهم المعالم...
بلى لقد ضيعتها، هذا الجسد الفاني سبب المأسي، هو أمانة الخالق لي، أمانة ثقيلة للغاية، لم أقدر على تحملها....
لكن بئس المصير مصيري، لو كان السعير هو مثواي الأخير....
كيف غاب عقلي، لدرجة نسياني تلك الصورة المطبوعة في وجداني؟
رمادية ساجدة فوق طريق ضيق معلق في الهواء، الجحيم أسفلها، و الرماد يحيط بها من كل حدب و جانب، لكن أخر طريقها ضوء مريح يحضنه السلام، حيث ريح الجنة هناك، و مفتاح تلك الجنة، هو الصلاة و المحافظة على الأمانة، و إتباع النواميس التي سنها الله في كتابه و سنة نبيه الكريم صل الله عليه وسلم....
هل من فرصة أخرى لهذه البائسة يا الله ؟!..
لست أدري كيف ببتلاعي لتلك الحبوب مازلت على قيد الحياة!؟، في الأفلام و المسلسلات يأخذون بضع حبوب ثم تراهم بعد لحظات أموات، لكن لعلها تذكرتي الأخيرة؟!
لست أعلم كيف دفعت بنفسي دفع لكي أنهض و أتحرك بخطوات مترنحة، أخذت جسمي الفاني للحمام ثم أجبرت نفسي على التقيء؛ بينما فكرة وحيدة تراودني...
لا أرغب بالموت ككافرة، ستة و عشرون سنة من حياتي ضاعت هباء، لم أعش بها كما يلزم، ولم أعبد الله حق عبادته...
-يا بائسة تعالي الي هنا!
-أصمت أيها اللعين، ستة وعشرون سنة تراودني و تزين لي فكرة الإنتحار، لكن ما نهايتها؟ نهايتها السعير، أي أهرب من جحيم الدنيا الي سعير الأخرة؟-لكن الله رحمن، رحيم، يبقى سعيره أكثر رحمة بك من عباده!
-بلى الله رحمن رحيم، لكنه كذلك شديد العقاب، لا أيها البائس اللعين، صحيح أنني أشتاق إلي مغادرة سجن الحياة و سجن جسدي الفاني، لكن ليس بهذه الطريقة وبيداي، بل سأنتظر قدوم عزرائييل ملك الموت في الوقت اللذي كتبه الله لي، فلكل كتاب أجله، و مؤكد أجلي سيأتي مهما طال الزمان أو قصر...
و مزالت الطفلة الصغيرة تبكي متألمة، تصيح قائلة؛ الرحمة، الرحمة يا الله...
04:04 //15-10-2023
#AmOoLaHmer
أنت تقرأ
هواجسي الملّعونة
Horrorكتاب أسود ملعون، إن كنت صغير فلا تقترب!!.. بل اركض بعيدا ولا تلتفت خلفك، حتى لا ينقض عليك شيطاني الرجيم، وينفث برآسك سمومه... خيالي المريض.. حيث يقتن عزازيل الذي بلس من رحمة الرحمن... حيث الشيطان يعزف.. و الملائكة تغني.. و انا أرقص ثملة بجنون...