تَمهِيد

111 23 14
                                    

    ليست جميعُ المنازلِ تستيقظُ على رائحةِ الخبزِ المحمصِ والبيضِ المقلي، أو على قبلاتٍ رقيقةٍ يطبعها الوالدانِ على جبينِ أولادهم، لتشجيعهم على تركِ أسرتهم والاستيقاظِ بنشاطٍ لبدءِ يومهم المدرسي. يحضرونَ لهم علبَ طعامهم ويودعونَهم مع ابتساماتٍ عريضة، داعينَ لهم بالنجاحِ والتوفيقِ.

    فِي حَالَة سِيليسْتيال، اَلتِي اِعْتادتْ أن تَستيْقِظ على صَوْتِ وَالدِها وَهُو يُدَاعِب خُصلات شِعْرهَا النَّاريَّة ويوزِّع قُبلات على جَبينِها، لَم تَكُن قد نَامَت هَذِه اللَّيْلة كسابقاتهَا من اللَّيالي. اِندفَع جَسدَها بِخَوف عِنْدمَا دفع باب غُرْفتِهَا، وَلكِن روَّعهَا قد سَكنَ عِنْدمَا رأتْ أُمهَا تَقِف فِي اَلْباب والشُّحوب بادٍ على وجْههَا، يَبدُو أَنهَا اَلأُخرى لَم تَنِم أيْضًا. لَقد أَصبَحت أُمهَا تقْصدهَا وتطْلب مِنهَا إِحضَار أَشيَاء لَهَا عن طريق نَافِذة غُرْفتِهَا، وَالتِي تُوجَد فِي الطَّابق الثَّاني، بدلًا مِن أن تَدعُوها كالسَّابق لِتناول الأطْباق اَلتِي تُفَضلهَا.

    – «سيلي، صَباحُ الخَير ابنتي. أرجُوكِ، اسرِعِي لإحضار العِلاج لأخِيكِ. الوصفَة مَعكِ صحيحة. لقد نَفذت مُسكِناته وهو لا يَتَوقف عَن تَحطِيم كُلِ شيء. تأكدي أن تُحضِري بَعضَ الضِمادَات أيضًا، فرأس والدكِ يَنزُف. هَيا، اسرِعي!»، قَالَت أُمهَا كَلَامهَا ثُمَّ خَبطَت اَلْباب سريعًا عِنْدمَا سَمعَت صَوْت صُرَاخ فَتِي وَصوَّت مُتَحشرِج يَرُج البيْتُ رجَا، مَا دفعهَا إِلى التَّعَـثُر فِي خُطواتهَا وَهِي تُهروِل لَه. اِبتعَدت سيلِي عن الغطَاء وحمَّلت نَظرَها إِلى غُرْفتِهَا بِعيونهَا السَّماويَّة الكئيبة. التَّجَهُّم اَلذِي على وجْههَا كان يَترُك آثار تَجاعِيد وَاضِحة على جَبينِها وَعبُوسًا على ثغْرهَا اَلجاف.

    دَفَعتهَا صَرخَة أُخرَى مِن أَخِيهَا وَصوت والدهَا وَهُو يِتوسله أن يهدأ إِلى الإسراع وفتْح نافذتهَا بَعد أن دَسَّت قَدَميهَا فِي حِذائِهَا، لَامَس وَجهُها هَوَاء الصَّبَاح البارد، وَتَلذذَت بِدفء أَشعَّة الشَّمْس اَلتِي تَلقفَت وجَّههَا بِرقَة مُمْسِده على ملامحهَا، ومحاولة التَّهوين عليهَا فِي حَالتِها هَذِه. شعرت بِبَعض المواساة عِنْدمَا وقع نَظرُها على صَديقِها دِيميَان وَهُو يَتكِئ بِجذعه إِلى درَّاجَته النَّاريَّة وسيجارة بَين أَصابِعه، يَنظُر إِلى الفرَاغ وَشرُود يُغطِّي وَجهُه. حَتى أَنَّه لَم يُلَاحِظ اِندِفاع سِيليستيال مِن نافذتهَا وَسيرِها على الإفْريز. وعنْدَمَا تَعلقَت يديْهَا بِحافَّته، اِندفَع مِن مَكانِه يُراقبهَا بِعيونه الرَّماديَّة الدَّاكنة، وَالتِي بِالْكَاد يُمْكِنك أن تُلَاحِظ أَنهَا مُلَونَة لِشدَّة عَتمتِها. كان لَديه عِظَام وجْنتَيْنِ بَارِزة وَبشرَة شَاحِبة. دائمًا مَا كَانَت سِيليسْتيال بِسببِهَا تَطلَّب مِنْه أن يُحَولهَا إِلى مَصَّاصة دِمَاء لِتَفر مِن اَلمنْزِل معه إِلى مَكَان بعيد. وَهُو كان يَكتَفِي بِأن يَبتَسِم لَهَا ويُربتُ على كَتِفهَا.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Dec 08, 2023 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

ترابينث: صراعُ المماليكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن