على النافذة نَرْسُم نافذة مفتوحةتأليف
حسين عبد الحسن محسنيا مُطرِب الآفاق
ما كان حُبّكِ إلا طيش قَلْب
ثار لَمَّا فاته شبح القِطَار ،
ويهجوني الزمان بأشعاري استباقًا ،
كأن قريحتي يَختار منها أقذع الأشعار ،
وما عتبي عليكِ لأنكِ استبدلتِني بدميمة ،
لكنما أقدارنا تَستبدل الأقدار ،
طَلَل على طَلَل هي الأيام ،
أخشى عليكم أن يطول على الديار وقوفكم أعوام ، جَمَالكِ عابث لا ينتقي أشباهه ،
هيهات إن كانت نشازًا تُطرِب الأنغام ،
يا مُطرِب الآفاق أطرِب روحي السَّكْرَى
وأنشِدني عتيق الوهم أحسبه خَمْرَا ،
أطلّ على عينيكِ أسترق الأغاني ،
أطلّ على عينيكِ نافذة الدموع كأنها نُطَف الأماني ،
يا مُطرِب الآفاق قد جار البيان على البيانِ ،
يَقِيءُ الرِّيش رِيحًا على أكتاف طير هائم الطيرانِ ،
وللغُصْن ارتعاش الخَصْر من فتور ،
ويُحدِث السكون موجة بين الندى وذابل الزهور ، ويَعكس المغيب لونه من الخدود الشاحبة ،
ونلتقي مثل التقاء الساكنَين على الحروف الغاربة ،
يا مُطرِب الآفاق إن الكأس موعدنا ،
إن شئتَ أعفيناكَ إن الدهر منشدنا ،
عيناكِ تَعكس ضوء الشمس
حتى يستمدَّ بضوئها القَمَرَا ،
عيناكِ تَعكس نورًا كي يَرَى القَمَرَا ،
كالسَّهْم كان العمر مخبول بسرعته ،
يحتكّ بالريح ويقدح نَصْله شَرَرَا ،
ترسو بنا الأيام فوق حطامها ،
حُلْم بلا حُلْم رأيتُ منامها ،
وفراشة قاست صروف الدهر وهي رضيعة ،
كالصَّبْر ذوقها للرحيق فلا تسأل بلوغ فطامها ،
من عين ماء يَدْفُق السراب ،
وفي الصباح يبزغ الشَّكّ مرايا من عتاب ،
يحسبه الظمآن وهمًا رغم أن الماء في طَيّ اللُّعَاب ،
يا هجرة الحروف في الرفوف نحو موطن الغياب ،
من فهرس الغبار حتى فهرس الكتاب ،
كم نمزج الألوان بالألوان لا لونٌ سوى الضباب ، في القلب مثل شقوق الأرض من ظمأ ،
تُسقى فتهتزّ ويعلو مِلْحها التراب ،
أُرجوحتي تغتابها طفولة الظلال ،
أُرجوحتي حبالها مَدٌّ وجَزْرٌ من تجاعيد لأمواج الزوال ،
تهتزّ بي وتهزّ ذاكرتي فأجنح للخيال ،
ونعود من فرط الخمول كأنما يتأرجح التمثال في تمثال ،
هل يَعرف العمر حدادًا غير لون الشيب للعزاء ؟ ونسأل الربيع والخريف عن أوراقنا الخضراء والصفراء ؟
هل أزهرَت أشجارنا ؟
هل سقطَت أوراقنا ؟
هل ما تزال الذكريات على اللحاء ؟
وخواطر تَنصبّ في قدح الجفون تردُّدًا ،
حتى كأن العين تبلع رِيقها وتشتهي البكاء ،
كعاشقَين برزخ بينهما الزمان والمكان ،
أيديهما تمتدّ كالأثير من صَبَابَة فيبغيان ،
وأنا المسافِر بين شَعْركِ والنسيم إلى الجِنَان ،
بلا ضَرْب على وَتَر يهتزّ شَعْركِ عزفًا بالنسيم كأوتار الكمان ،
يزداد أحمر الشفاه حُمْرة من شفتيكِ منبع الألوان ، يا قُبْلَة تنسيكَ وَقْع الجاذبية في الزمان وفي المكان ، فلا تدري هبوطًا كان أم طيران ؟
ويمضي الوقت تغزله رموشكِ لحمة وسداة ،
عيناكِ يا ضِفَّتا قَمَر تعرَّت واستحمَّت فيه أحلى الأُمنيات ،
عيناكِ رحلة زورق لم يَتسع بحر له ولا محيط ، هامدة أعلامنا فوق القِمَم ، لكن على شَعْركِ كم يُرفرف الشريط ،
عيناكِ يا متاهتان لم أرى أجمل منهما تَيْهٌ ولا ضياع ،
عيناكِ رحلة زورقي ، فالرِّمْش يأسر ريحًا مثل ملتحم الشراع ،
تلك التواريخ على أعقابها انقلبَت ،
كم طال بحثها عن معنًى فما وجدَت ،
عيناكِ تهدي كالنجوم وربما حتى النجوم بعيناكِ اهتدت .