هذا المنزل وذلك الرجل. ¹'²

64 4 1
                                    


...

في شمس أغسطس الحارقة، كان يقف أسفل شجرة كبيرة؛ ليحمي نفسه تحت ظلالها، كان يتذمر وهو يمسح حبات العرق المتساقطة أعلى جبينه، أفرغ زجاجة المياه بأكملها في جوفه بعد أن غسل وجهه قبلًا.

صدح صوت هاتفه مُعلنًا عن وصول إتصال له، أجاب مصطنعًا البهجة:
-ازيك يا امي، عاملة ايه وحشتيني، لا أنا بخير الحمدلله .. أنتِ بس عارفة الحر وعمايله معايا .. ايه؟ صوتي؟ لا لا مفيش حاجة يا ست الكل متقلقيش.

صمت قليلًا؛ ليستمع إليها ثُم ودعها واغلق الهاتف وهو يلعن تحت أنفاسه قائلًا:
-أنا كان مالي أنا بالهم ده كله، كان لازم تطوير الذات واسافر اشتغل برا واسيب قريتي الجميلة يعني .. اديني مش لاقي سكن عدل أهو.

فتح هاتفه مرة أخرى بعد أن جلس و أسند ظهره إلى الشجرة، تصفح بعض المواقع التي تخبره عن العقارات التي يُمكنه تأجيرها بثمن قليل، لما أصبحت كل الأشياء غالية الثمن هكذا؟

غفى قليلًا، سمع همس بجواره، رمش بعينيه عدة مرات قبل أن يفتحهما، يقف أمامه ثلاثة أطفال، يبدون من أطفال الشوارع، لا يهتم بهم أحد، قال بسرعة قبل أن يركضوا من أمامه:
-استنوا استنوا ..

أمسك بأقربهم إليه وفتش جيوبه؛ ليجدها فارغة، قال بغضب:
-محفظتي فين ياض منك ليه؟

قال أكبرهم بغضب مماثل:
-احنا مخدناش منك حاجة، سيب محمد ف حاله.

أمسكه بقوة حتى يبحث عن أشيائه أولًا، حين وجدها كاملة ترك ملابس الفتى الصغير؛ ليركض ويقف بجوار زملائه، قال بحرج:
-أنا آسف.

نظر له الثلاثة بذهول، إنه يعتذر، قال أكبرهم ثانية:
-أنت باين عليك راجل محترم ايه اللي راميك ف الشارع؟

ابتسم وقال:
-لقمة العيش مُرة، وكمان مش لاقي مكان أقعد فيه يكون رخيص يكفي الفلوس اللي معايا الشهر ده.

نظر له أوسطهم وقال:
-طب ما في بيوت هنا كتير ما تشوف واحد، في بيت ف شارع المدرسة اللي على الناصية ده في واحد هناك بيأجره.

قال بشك:
-وأنت عرفت منين؟

قال بفخر:
-يا استاذ دي منطقتنا اكيد عارفين فيها كل حاجة يعني، ولو مش مصدقنا اسأل أي حد كبير ماشي ف الشارع.

حمل حقيبته وابتعد عنهم، سأل بعض المارة في الشارع وتأكد من صحة حديثهم، نظر ناحيتهم بعد الإنتهاء من السؤال ولكنه لم يجدهم، هؤلاء المخادعين الصغار؛ لقد أخذوا حقيبة الطعام التي تركها أرضًا وهربوا.

اتجه إلى المكان الذي وصفه الناس إليه، مر بجوار المدرسة و ذهب إلى آخر الشارع وانحرف يمينًا، وجد لافتة تشير أن المنزل للإيجار بثمن بخس للغاية، انفرجت أسارير وجهه وطرق الباب المجاور له.

ابتسم قائلًا حين فَتح الباب عجوز ينظر له بشك:
-مساء الخير يا عم إبراهيم، أنا كنت جاي اسأل على السكن اللي موجود هنا للشباب، سمعت إنك أنت المسئول عنه.

ذُرْوَة الفَزَع.✓حيث تعيش القصص. اكتشف الآن