ظلت بمفردها في غرفتها المظلمة جالسة علي كرسيها الذي أصبح جزء من حقيقتها ساندة على مكتبها المرتب بصورة جيدة، الذي يعلوه كرة ثلج بداخلها عروسة مرتدية فستانها الأبيض اللامع، رافعة احدى رجليها الى اعلى وممسكة بأخرى في اتزان، وكأنها راقصة باليه، تدور في بطئ ليس بشديد مع مزيكتها الهادئة التي تشعرك بالنوم، كانت الفتاة محدقة لتلك الكرة الثلجية على ضوء خافت جاء متسللًا لغرفتها من النافذة المغلقة امامها، كانت تلمع عيناها البنية وكأنها تتذكر آلامها واحدة تلو الأخرى وتعقد حاجبيها كلما كان ما تتذكره مؤلمًا بالنسبة لها، ظلت هكذا حتي انفصلت عن عالمها الحزين بسبب دقات الباب خلفها الذي بدا لها وكأنه عالٍ جداََ ولكنه أصبح رقيقًا حين استعادت تركيزها، صدر الصوت الرقيق من خلفه مرة اخرى قائلًا: حبيبتي.
وكررتها عندما لم تجد ردًا: حبيبتي، انتِ نمتي!
ردت الفتاة قائلة: لا يا ماما انا صاحية.
بنفس النبرة الحنونة، أردفت الام: طب الاكل جهز مش هتيجي تاكلي!
_ حاضر يا ماما هاجي ابدئي انتِ.
فأرجعت نظرها الى كرتها الثلجية، وادمعت عينها قليلًا وتحركت بكرسيها الى الخلف واتجهت خارج غرفتها، اقفلت باب الغرفة ورائها بسهولة ويسر، فقد اعتادت وضعها الجديد في الشهور العديدة التي مضت، كانت والدتها تحضر أطباق الفطور من مطبخها وكان منزلهم متوسطًا وبسيطًا، مرتبًا وجميلًا -كل منا يتمني أن يعيش في منزلٍ مثله-
فقالت والدتها مداعبة لها : يلا يا ملوكة علشان تاكلي
فأجابتها مبتسمة ابتسامتها الرقيقة: حاضر يا ماما مانا مبعملش حاجه غير أني باكل
= ليه بقا الكلام ده مش قولنا نبطله ونقول الحمدلله على كل حال
_ اكيد الحمدلله على كل حال وقدر الله وماشاء فعل
وبدئا في تناول الفطور معًا وظلا يتحدثان ويضحكان ويداعبان بعضهما، فكان لا يوجد في المنزل سواهما فكانت ملك وحيدة ابويها، وكانت غارقة في دلالهما، فكان والدها يعمل موظف حكومي في احدي المؤسسات الحكومية، وامها ربة منزل عادية وبسيطة، فملك احبتهما كثيرًا فهما كل حياتها -والافضل دائمًا ان تجد من يدعمك في اشد الظروف تعقيدًا، واذا جاءك من العائلة فهنيئًا لك لامتلاكك الدنيا وما فيها- كانت تحلم دائمًا أن يكون لديها اخت لتحكي معها ولكن امها عوضتها عن ذلك وكانت صديقتها واختها فحلت محلها كي لا تشعر ملك بوحدتها فكفي ما حدث لها، ملك كانت تمتلك في ملامحها البساطة و الطفولة، فبالرغم من انها في الخامس والعشرين من عمرها الا ان ملامحها كانت تعبر دائمًا عن طفولتها، كانت تمتلك من الجمال ما يجعلها تجذب نظر كل من ابصرها عن بعيد قبل القريب، فقد كانت جميلة لانها هي، الفتاة البسيطة ذات العيون البينة والشعر الطويل والبشرة القمحاوية والشفاة الوردية و المقام الممشوق نسبيًا، تحب قراءة الكتب كثيرًا، اعتادت ان تقرأ كل يوم كتاب مختلف، اذا تحدثت معها ستجد حتمًا معلومات كافية في عقلها، تعثرت بالكتب في محنتها، فأخذتها لعالمها الصغير الذي لطالما ايقنت ان رواية من الروايات ستتحقق يومًا ما، فكانت دائمًا تحلم ان تصبح طبيبة لتعالج آلام البشر، ولكن ما مرت به جعلها في حالة سيئة جدًا، اخذ من عمرها الكثير واوقفها من تحقيق حلمها، لازالت لا تصدق ما حدث لها في الأونة الاخيرة، مازالت واقفة مكانها في ذلك اليوم المشئوم بالنسبة لها،قررت عدم الخروج من منزلها منذ سنتين مضت بسبب حالتها النفسية التي مرت بها، وهي الأن تحاول ان تساعد نفسها, لتخرج من حالتها التي قررت قبل 5 اشهر ان تكون حبيستها الى الابد، ولكنها وجدت انه دون فائدة ان تبقى حبيسة الفراش، غيرت رأيها حين سمعت صوت أمها الباكي في صلاة الفجر ليلة امس، وهي تدعو الله ان يساند ابنتها الوحيدة وان يبقى بجانبها ويعوضها خيرًا عما جرى، فقررت ان تخرج للحياة مرة ثانية لأجل أمها، وتبقي في افضل حال، ولكن كل ما كان يشغل بالها يدور حول نظرات مجتمعنا الفاشل، وكيف سيتقبلها الجميع؟ هل سيبتعدوا عنها؟ ام يسخروا من حالتها! فحالتها من الممكن ان يتعرض لها أي شخص، فقد كان نصفها الاسفل لا يتحرك بالكامل وذلك بسبب حادث تعرضت له، فليس بيدها ما حل عليها من قضاء ربها، فلو كان بيدها ان تختار, فكان اختارت ان تكون في جامعتها مع اصدقائها تضحك وتجري مثل طفلة في العاشرة من عمرها، كانت كل احلامها بسيطة جدًا ليست معقدة لم تطلب الكثير، فقد تمنت ان ترجع لحالتها الاولي وترجع صديقاتها مثل السابق معها، فابتعدوا بمجرد ان عرفوا ما حل ع رأسها، وظلت صديقتها المقربة بجانبها فقط، ولكنها ظنت في نفسها انها مثل الباقيات, فحاولت ابعادها عنها بكل الطرق ولكن صديقتها تمسكت بها، لم تفعل كما فعل الاخرون، فكانت ضحى تحبها دون مقابل ولكن من صدمة ملك في صديقاتها ظنت من نفسها انها مثلهم، ولكن ضحي لم تستسلم ابدًا في وقوفها بجانبها وراعيتها في حالتها النفسية التي مرت بها وكانت تأتي الي منزلها دائمًا دون ان يخبر احد ملك بمجيئها، وبالرغم من قسوة ملك على ضحى الا انها كانت تفكر بها ولم تغِّب ابدًا عن افكارها، وكانت تريد دائمًا التواصل معاها والاعتذار منها عما بدا تجاهها في الفترة الاخيرة ولكنها كانت محرجة من ذلك، وكانت دائمًا تدفعها امها لفعل هذا ولكنها ترفض وبشدة وتخشي ان تسمع كلمات قاسية من صديقتها المقربة، وبالرغم من استيقاظها على صوت موسيقى الكرة الثلجية التي جلبتها اليها صديقتها سرًا وهمست في اذنها: لن اتركك مهما حدث يا صديقتي. بعد ان مسحت بيدها على خصلات شعرها وكانت ملك غارقة في نومها ولكنها احست بما حدث وحين سألت امها من اين اتت تلك الكرة؟ اجابتها بتلعثم واضح: ابوكي، شافها في السوق وهو جاي وقال اكيد هتعجبك. تجاهلت ملك حينها تلعثم امها وظلت محدقة بالكرة الثلجية والذي اصبح من عادتها اليومية، وتذكرت حين قالت لصديقتها انها تمنت طوال حياتها ان يهديها احدهم تلك الكرة وان تحتفظ بها، فلمعت عيناها بعد ان تيقنت من ان صديقتها هي من جلبتها لها معلنة استمرار علاقتها بها.
أنت تقرأ
رواية نظرة أمل
Romanceكل المجتمع صدك وانتي هربتي واستخبيتي خوفتي تواجهي اي حد ويكسفك فسبتيه ومشيتي مفكيش حاجه اتغيرت بس هما اللي مبيشفوش كل خوفك طلع على الفاضي اشمعني هما مبيستخبوش حتي وجعك مهما كان اوعي تسبيه جواكي قومي واخرجي للدنيا ده ربنا هو اللي حياكي متخليش حد يحكم...