رحلة تحت البروق

8 2 2
                                    

صياح أمّه انسل عبر الأشجار المتراقصة والصخور الجاثية يغطي هدير النهر الجاري، وحين اقتربت اليد الحاملة للخنجر من خلفهما، انقض حارس شجاع بسرعة ومهارة يعترضها في اللحظة الحاسمة، وانحدر يصارع المهاجم الغادر من أمامهما إلى أسفل الوادي، قد يبتلعهما النهر!.

الجثث حوله كأوراق الخريف تنسج سجاد الموت والدماء، وقذائف الهالة  تنهال متتابعة كشموس صغيرة تحرق الأجساد، أبوه يزمجر محاولا حمايتهما، لكن الفزع جعل الأحداث ممتزجة متداخلة من حوله، كان هناك رجل أشقر يرتدي السواد يرمق الجميع بنظراته الحادة ووجهه الجاد، ورغم أنه ثابت بعيدا في مكانه إلا أنه كان الأعظم إرعابا.
تسارع الوقت ومعه نبضاته، سحبته أمه معها وجرت به فوق الجسر هاربين، توقفت فجأة ودموعها تنهمر، قبلته وضمته وهمهمت بكلمات لم يفهمها للرجل المرافق لهما ثم ضمته من جديد وقالت له: " أنا وأبوك نحبك من أعماق قلوبنا يا ناران، (لمست صدره)، نحن معك هنا في قلبك دوما."
انطلقت في الاتجاه المعاكس للجسر تاركة إياه صارخا،" أمي ،أمي، لا تتركاني يا أمي."
التفت حوله يد الكهل وضمه إليه منطلقا به إلى  طرف الجسر الآخر، لم يتوقف صراخه ولم تجف دموعه، ولم يتغير اتجاه نظراته، كانت دوما متجهة نحو المكان الذي ظل فيه والداه يقاتلان،" أمي، أبي"، حتى كممت فمه راحة يد الكهل، وحتى لمح سيف أمه عاليا في السماء وهو يبث شرر البرق الأزرق.

" استيقظ، استيقظ يا ناران."
فتح الطفل ناران عينيه على وجه الكهل نظام، كان الحلم ذاته الذي يراوده منذ ثلاث سنوات.
واصل نظام كلامه: " سنستأنف رحلتنا الى الصومعة، جدك المهاب سوازين في انتظارنا."

كانت السماء مغطاة بالسحب السوداء، وكانت أشجار الغابة حولهما تمد العالم بظلها القاتم، إنها أيام الشتاء القارصة، والطريق إلى جبال الهاملات مليئ بالمخاطر.

ثبّت نظام عمامته ولفّ الجزء المرخى منها حول نحره حتى اختفى ذقنه كثيف اللحية، لباسه يوحي أنه من مملكة الرمال  وحقا قضى فيها مدة من الزمن في العامين الماضيين، لكنه قضاها كلاجئ بعد سقوط ملك مدينة النار، اعتاد من قبل لبس الدرع النحاسي اللون الذي يلتمع في وسطه رسم النجم المحترق رمز عائلته العريقة.
انقضت تلك الأيام التي كان يدعى فيها نظام النجم الملتهب رفيق الملك شعاع ابن زناد ملك الناريين المبجل، وكل ما تبقى له منها سيفه المتوهج بهالة اللهب المحترقة والرياح العاصفة تعبث فيها يمنة ويسرة، والمطر الغزير يحاول هباء إطفاءها، كانت الشعلة في سيفه المتوهج نور طريقهم الوحيد بعدما ابتلعت السحب السوداء القمر ونجوم السماء، في ذلك الظلام الدامس والحصانان المربوطان ببعضهما يعاندان الريح ويطيعان على مضض سوط نظام وقد سبق ناران ذو الثمان سنوات، وذو المتاعب الكثيرة من أمامه ومن خلفه، فعالم السرمد كله يبحث عنه ويطارده، لقد وضع الامبراطور هوبة، امبراطور أراضي السطوع سيد مسخري الرياح جائزة مغرية على رأسه، ووعد بإجزال العطاء لمن يحضره، حيا كان أو ميتا.
زمجرت السماء بروعودها، ونمت فروع البرق فيها كجذور مشتعلة تلمع من حين إلى آخر، ورداء الطفل ناران تتجاذبه يداه ويدا الريح العازفة.
" تشبث جيدا، قريبا بعد أن نجتاز العاصفة سنصل إلى مدخل الناجين أسفل جبال الهائلات."

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jan 22 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

حكايات عالم السرمد حيث تعيش القصص. اكتشف الآن