1879
زفَر أنفاسه يترائا ماتستطيع احتوائه عينه ذلك الدائخ المسحور برشفات خمر العيون
"أيُّ سِحرٍ يُداعبُ أطرافَ قلبي؟ أتكونُ أنتَ من يسكنُ روحي قبلَ أن أعرفَ وجهَك؟"
قالها وكأنَّ كلماته نابعةٌ من أعماقِ الأرضِ ذاتها.
فتَوهج غرور روح دَريادس
"أنا الريحُ التي تحملُ الكلمات، أنا النورُ الذي يُداعبُ الأزهار، لكنني أيضًا الظلُّ الذي لا يُدركهُ أحد. أتبحثُ عني، يا ابنَ الأرض؟"
كلماته كانت كالأنغام، تنسابُ بين أغصانِ الأشجارِ وترقصُ بين الأوراقِ.
"أبحثُ عنكَ، أو ربما أبحثُ عن نفسي في عينيك. كيفَ تكونُ الأحلامُ أقربَ من الواقع؟"
وقفا هناك، تحتَ سماءٍ تُمطرُ نجوماً، بين أصواتِ الليلِ التي تُحاكي الهمسَ الدفينَ في الصدور.
__
تحت سُمرة الليل ووهج النجوم المتساقطة، لم يكن الزمانُ سوى شريطٍ يتقلص بين أصابعِ الدقائق
تُمزق حوافر الخيل اوراق الشجيرات العاثرة
فارسٌ من فرس لواء أتيكوس يدلي بصيحات
رجالية ويتبعه صداهمايفصل هذا الفارس وحبل مشنقة اللواء
صندوق من الألماس يحوي قلب دَريادسفي قلب غابةٍ مسحورة، حيثُ تتعانقُ الأشجارُ في رقصةٍ سرمديةٍ مع الرياحِ العليلة،
يُطِلُّ فارس اللواء بارك بهيبته الَوحشية وفأسه المتعطش
"أن كان أقتلاع روح دَريادس هو ثمن دماء نَحري فها أنا يا أبن المُلك جأتك ساعيا"
ترجل من فـَرسه مرتجزا بفأسه يقلبه بيده ساخرا
تحتَ ستار القَمر يتحدى أللاهاً"انا الرجلُ الذي تسعى إليه الأشواقُ كما يسعى القمرُ إلى بحرهِ تعال يا أبن دريادس أريك شوقي لدمائك"
يُطِلُّ دَريادس بيكهِيِّوِنِ بجمالٍ مُبهرٍ من بين الأغصان.
هو كائنٌ ليس كأيِّ كائن، يتنفسُ النورَ كما تتنفسُ الأوراقُ قطراتِ الندى،
عيناهُ كنهرينِ متشابكي الأسرار، وهالته تُضيءُ المكانَ كأنه شمسٌ بين ظلالِ الشجر.
حينَ تلاقى بصرُ تشانِيِّوِلَ بعيني دَريادس، كان وكأنَّ الريحَ تلاشت، والأصواتَ خمدت. كان هو
"يا ابنَ الأرض، قد تنمو الجذورُ عميقةً في قلبِ التربة، لكن الأغصانَ لا تعرفُ سبيلاً إلا إلى السماء. إن أردتَ الاقتراب، فاحذر، فالاقترابُ قد يكونُ هلاكاً."
كانت كلماته كالأسرار، تحذيرٌ مغلفٌ بالعذوبة
صوته حور وعيناه جحر مذكورتباسم ثغر الفارس فما بقى له من رباط جأشه يمزقه هذا المعبود
"لستُ أخشى الهلاك، إن كان فيك، يا سيدَ الغابة. أخبرني، هل الروحُ تحترقُ أم تزهرُ إن عانقتك اضلعي او فأسي؟"
بصوته تردد صدى التوق، توقٌ إلى ما لا يُمكن لمسه، لكن الشعور به أشدُّ من أي شيء.
اقترب بيكهِيِّوِنِ ببطء، خطواتهُ على الأرض كأنغامِ خُطى الغزلان، حتى وقف أمام تشانِيِّوِلَ،
تكادُ أنفاسهما تتشابكُ مع الرياح. رفع يدهُ بنحلها، وكأنها نسمةٌ باردة،
ليمسحَ جبينَ الرجل الذي أتى يبحثُ عن الخلاص في حضنِ الغابة، جاء سعيا لاقتلاع روح دَريادس وانقاذ نفسه
"الروحُ يا بارك، كالزهرةِ إذا سُقيت بماءِ العشق، تزهرُ حتى وإن احترقت.
هل ستسقيني حبّاً، أم ستُزهقني عطشاً؟"ترددت الكلمات في الهواء كما يتردد صدى الرياح بين الجبال، وتراقصت النجومُ في عيني تشانِيِّوِلَ.
بدا وكأنه عاجزٌ عن الإجابة، فكل كلمةٍ كان يمكن أن يقولها بدت ضئيلة أمام عظمة الجمال الذي يقفُ أمامه.
"جأتك بفأسً...وتطالبني بسقي روحك؟"
كانت كلماته الجامدة عطرا مسموم
ابتسم بيكهِيِّوِنِ، وكأن الزهورَ بدأت تتفتح على شفتيه، قبل أن يلتفتَ بخفةٍ ليرقصَ مع الرياح بين الأشجار، تاركاً تشانِيِّوِلَ يتبعه ببصره،
"والله ما رأيتُ ألاهاً غجريا سواك يا دَريادس بيكهِيِّوِنِ،"
___
أنت تقرأ
رُوح دَريادس
Paranormalيُبديكَ وُدًّا حينَ يلقاكَ باسمًا ويَطوي ضِميرهُ، فيهِ السُمُّ والعَطبُ -دَريادس بيكهِيِّوِنِ -بِارك تشانِيِّوِلَ