إبنتي غزة..

8 2 1
                                    

"أبو البنات"

ذاك هو اللقب الذي كنتُ أنادَىٰ به عادةً، لأن لي ثلاث بنات، ورغم أن الناس يفتخرون بالاولاد إلّا أن بناتي كنّ أفضل لي من أي ولد، كنّ حنونات عليّ ويهمهن أمري  ، يعتنين بي وبمرضي، وبالأخص بعد وفاة أمهم جراء قصف علي احد المساجد التي كانت تدرس فيها..
عشنا بحزن بعد موتها ولكن بناتي كنّ لي خير عوض...

ـ أبي تناول دوائك فصحتك تتدهور في الفترة الاخيرة.
ـ لا أريد يا عائشه، ثم كيف أكون بخير في هذه الأحوال.
ـ كن واثقا بنصر الله يا أبي.
ـ ونِعم بالله اللهمَّ لا إعتراض علي قضائك.

كانت هذه عائشه أصغر بناتي وأقربهن إلي، دائماً ما تُشعرني بأنني إبنها وليس العكس، إتكأتُ علي عكازي وخرجت لأبحث لهن عن ماء فلقد نفد محصول الماء الذي لدينا، غادرتُ خيمتنا لِأبصر الدمار الذي حولي فلقد تحولت الأرض إلي رُكام المنازل المهدومه وفوقها خيام النازحين، مشيت طويلا بحثا عن مياه عذبة ولكني لم أجد، وفي الوقت نفسه لم أستطع العودة إلي بناتي من دون ماء جلست القرفصاء بضعف وأنا أتني لو تعود فلسطين حرة ذات يوم، ويعود السلام والامان إلي النااس، هطلت دموعي بحرقه فماذا بوسعي أن أفعل، أنا مجرد شيخ يتكئ علي عكاز ولا حول لي ولاقوه، قمتُ بصعوبة وملات الوعاء ماءا مالحا...

ـ أبو البنات كيف حالك.
ـ أنا بخير يا ياسر والحمد لله.
ـ من منا بخير في هذه الأيام.
ـ أنت مُحق لا أدري متى ينتهي كل هذا..؟
ـ ربك علي كل شيء قدير، تعالَ معي فلدينا من الماء ما يكفي.
ـ شكرا لك جزيلا.
ـ لا تقل هذا فأنت كأخي.

كان ياسر دائماً ما يؤثر الناس علي نفسه، ولكن هذه المرة شعرت بأنني ممتن له كثيراً، اعطاني بعض الماء فأمسكته بحرص شديد وإنطلقت إلي خيمتنا لأسقي بناتي..
كان المنظر مروّعا، وللوهلة الأولي ظننت أنها ليست خيمتنا ولكن كيف لي أن أخطئها!؟
لقد أطلق الإحتلال صاروخا نزل في وسط خيمتنا، ودمّر الخيام التي بجانبنا، كانت صرخات الأمهات تشل اذني، ولكن لحظه أين بناااتي..؟ عاائشة..! هل حدث لها مكرووه.. لااا اللهمَّ لا تبتليني في بنااتي! إنهنّ كل ما أملك..
رميت عكازي وإندفعت بقلق إلي الداخل لأجد سارة مرمية وإلي جانبها يارا.. أخذت أحركهما

ـ ساارة..  ردييي علي.. يااراا.. بنااتي أحضرت لڪن الماء.. أرجوووكم.. أنا والدكم ردوو عليّ.

يقولون أن الرجال لا يبكون ولكن في هذا الوضع ماذا بيدي سوي البكاء؟! علت شهقاتي ولم أعد أحتمل.. سمعت صوتا خافتا من مكانٍ ما، وكأنني تذكرتُ عائشة..
ماذا عائشة! أهي حيّة؟
حاولت القيام ولكن قدماي لم تسعفانني!
زحفت علي الأرض حتى وصلت إلي عائشة كانت الدماء تسيل منها، لم أحتمل ان أري إبنتي الصغيرة هكذا.

ـ أبـ...ـي لاتـ..ـبكي رجـ.. ـاءا، ننتظرك فـ.. ـي الجنـ.. ـة..
ـ لااا! حتي أنتي يا عائشه.

كنت في حال يُرثى لها، دفنت بنات وعقلي لا يستوعب أنني أصبحت في هذه الحياة وحيدا، سرت طويلا وأنا لا أدري إلي أين أذهب، وجدتُ نفسي عند منزل ياسر صديقي،
لم أتخيل أن منزل ياسر أيضاً قد قُصف، رأيت إبنه الصغير عالقا بين الأنقاض يستغيث، ذهبت إليه وبكا ما املك من قوة دفعت من عليه الصخور وبالفعل إستطعت إنقاذه، ولكني تعثرت لتقع الصخور فوقي، حاول الصغير إنقاذي.

ـ إهرب يا بني، إنه اجلي، إذهب هيا.

غادرني وإنتظرتُ أنا الموت، لكنني لم أمت بقيت أتألم لا أنا أستطيع الموت ولا أنا أستطيع الحياة، أشرقت شمس الألم لأري صحفيا يصور الوضع إنتبه إلي فأسرع محاولا مساعدتي..
طلبتُ منه أن يصورني علّ أحداً من الصامتين يتحرك وبالفعل وجّه الكاميرا نحوي والأنقاض تخطيني بالكامل ولايظهر من وجههي إلا القليل قلت بخفوت...

ـ لقد أصبحتُ مع بناتي، ولكن بقيت واحده، إنها إبنتي غزّة إهتمو بها رجاءا.

أدركت أنها كلماتي الأخيرة ثم أغمضت عيناي وأنا أتنمي لفلسطين عصرا خال من رائحة الدماء، خالٍ من الأنقاض والمتفجرات، عصرا خالٍ من الألم..
أتمنى السلام لإبنتي غزة..

#_ بل ــ هو ــ واقع.

بقلم/ مريم طارق

ليسُو أرقامًا..! 🥺") حيث تعيش القصص. اكتشف الآن