I

1.4K 106 46
                                    


إن تاجي في قلبي ، لا على رأسي .
غير مرصع بالماس ، ولا بجواهر الهند .
ولا تراه العين ، إن تاجي ليسمى القناعة ،
وهي تاج قلما ينعم به الملوك .

- وليام شكسبير -



























كانت بريتاني تزداد برودة يوماً بعد الآخر ، و تزداد شوارعها ضحالة و تتهالك بيوتها من كثرة الأمطار و يحجب الغمام الداكن ضوء النهار ليجعل ليلها يمتد الى ما لا تطيقه النفس احياناً ..

لقد كرهت بريتاني و برودتها و المزارع المتفرقة فيها و سكانها الذين كانت العدوى تتفشى بينهم كلما حل الشتاء فيلجأون لوالدتي في مثل هذه الأيام فتمزج هي أوراق شجرة الكينا مع العسل و الزعتر لينظروا هم لها بنظرات متسائلة لا تخلوا من الشك ..

كنت شاكراً ان مزرعتنا كانت تبعد عنهم مسافة بضع ساعات ، عند أعلى تل تحيطه غابات كثة من جهتين حتى ان ابي كان يوقد النار طيلة فترة الليل لابعاد الذئاب عن خنازيرنا ..

ما ان مرت هذه الخاطرة على فكري رأيته يخرج من ورشته بكومة حطب ليرميها قرب حضيرة الخنازير ثم عاد مرة ثانية ليخرج قطعة الحديد من الآتون و يبدأ بالطرق عليها بقوة حتى اني كنت اسمع تلك الطرقات من مكاني حيث كنت استند على جذع احدى الأشجار و اجلس على فرعها ..

و من بين الأوراق السميكة التي لم يكن يراني من خلفها احد ، كنت اكاد اقسم إني استطيع رؤية بريتاني بكاملها من هذا المكان ..

لاحظت ان شرار النار الصادر من طرقات الحديد بدأ يزداد سطوعه و بدأت السماء تزداد حلكة لذا قفزت من مكاني الى الأرض و رحت اتسلل بين الأشجار بهدوء لكي لا افزع أبي بصوت حفيفها ..

نزلت من المرتفع و اسرعت خطواتي حتى دخلت المزرعة ثم البيت من بعده و جلست على الطاولة أراقب جسد امي النحيل و معصميها الدقيقين الذان كانا بالكاد يستطيعان حمل قطع الخشب لتضعها تحت المرجل و بدأت تمزج محتوياته ببطء ..

مر الوقت على هذا الحال و ازداد جوعي ، لم تحدثني اختي التي كانت تطرز قطعة من القماش في احدى زوايا الغرفة و لم تلتفت لي أمي و شعرت للحظة اني لم اكن موجوداً ، لم اكن منهم و لم يروني لذا أغمضت عيني لثواني بسيطة بإنهاك و رأيت في حلمي ضوء ساطع يتلألأ تحت بركة شديدة الصفاء و لم يكن يحجب سطوعه غير مياه تلك البركة ..

هزت والدتي كتفي لافتح عيني مرة ثانية و قد مرت اكثر من ساعة و انا نائم على هذا الحال ، وضعت أمامي صحن خشبي و فعلت ذات الشيء مع أختي التي تركت جلستها و جلست تقابلني على الطاولة ثم جلس ابي الى جواري و بدأت أمي تغرف الحساء و تقسمه على صحوننا و وضعت لي اكثر من أبي هذه المرة لسبب أجهله ..

كاميلوت حيث تعيش القصص. اكتشف الآن