مَرت أيامٌ بالفِعل، وهيونا ما تَزال تَسيرُ سِرًا خلف القِطة السّمينةِ بُنية الشَعر، وكالعَادةِ اليوم، وَجدَت ذَاتها تَجلسُ القُرفصاءَ مُختبئةً خلف صَناديقِ المياهِ المُرتبةِ أمامَ واجِهَةِ المَتجرِ الصَغير، ولَكن بَدلَ ما إعتادتِ ارتدائَهُ حين مُلاحقَتهَا لِهدفهَا المُعتاد، من ملابِسٍ رياضيةٍ وقُبعة التِنس البيضاء، قررتِ إرتداء مَلابِسٍ أنيقةٍ أكثر اليوم، بالرُغمِ أنها تَكافِحُ لإبقاء هِندامِها أنيقًا، نظَرت لإنعكاسها عَلى الزُجاجِ القَذرِ للمَحل، فتاةٌ غايةٌ في الجَمالِ هي ما صورهُ ذلكَ الانعكاسُ المَشوبُ بالتُرابِ وقذارةٍ مَجهولةٍ المَصدرِ تُفضل الفتاةُ بقائها مَجهولة"ألستِ أجمَل النساءِ؟ أنتِ أجمَلُ من خُلقَ على هذهِ الأرضِ، مُحالٌ أن يَرفُضَكِ العَاقِل و المَجنون!"
تَمتمَت بجُملها الغريبَةِ التي كررتهُم بالفعلِ بعضَ المَراتِ أمامَ مِرآةِ غُرفتها قَبل خُروجِها،
تَوجهت نَحو مقعد الحديقة، لتفاجئ بكونه فارغًا، والقطةُ تَجلسُ بهدوءٍ عليه، تَنهدت بخفةٍ، لتجلسَ عليه كذلِكَ، مَدت يدها لِتَمسحَ على ظهرِ القطِة بلطفٍ حَتى لا تُوقظها مُستغربةً غيابَ صاحِبتها، شَعرت بإحباطٍ كبير تغَلغل في قلبها، وخَيمت الخيبةُ على تَفكيرها، هَل لَبست أجمَل ما في خِزانتها لأجلِ لا شَيء؟ مَاذا عن زِينتها؟ نَومها المَحبوب الذي تخلت عنهُ هذا الصباح؟
فجأة قفزت القطةُ عن المقعد، لتُغادرَ عكس اتجاه عَودتها المُعتاد مع صاحبتها، فكرت الفتاةُ لدقائقَ تختار بين البقاءِ ونَدبِ حَظها، او مُلاحقةَ القطة، لِتُلاحقها نهايةَ الأمرِ،
توقفتِ القطةُ في النهايةِ عِندَ زُقاقٍ ما، وهيونا سَمعت صوتَ ضربٍ مِنه، تَوقفت، تَنفست بِهدوءٍ، لِتُطلَ بنظرها للزُقاق، كانت ذَات الفَتاةِ التي كانت تَنشدها مُنذ الصَباح، بِشعرٍ مُبعثَر، تضربُ رَجُلًا بقوةٍ، بِمُجرد تَوقفها، اختبئت هيونا سَريعًا، دَقائق لِتعودَ بأنظارها للزُقاق، والفتاةُ الأُخرى تحمِل القطةَ البُنيةَ في الهَواءِ تُلاعبُها
عاودتِ الاختباءَ، مُقرِرَةً الرَحيلَ كما لو لَم ترَ شيئًا، لَم تتَحرك إنشًا، حَتى شعرت بيدٍ تَشُدّ كَتفَها بِقوةٍ ضربَت ظهرَها بالحَائطِ مُسَببَةً ألمًا طفيفًا
"اعتَقدتُ أنكِ رَجُل، اعذريني"
إستفهَامُ كَبيرٌ رُسمَ على وَجهها، حتى تَاهَ مِنها لِقربِ وَجهِ الأخرى، عَيناها دُونَ وعيٍّ قَد انتقَلت بينَ مَلامِحِ صَاحبةِ القطة، انفُها المِثاليُّ، ذو طرفٍ مُرتفِع، عَيناها الواسِعتانِ، وَخُصلاتُها الطَويلةُ التِي دَغدغت خَدها لقُربهما،