13 7 0
                                    

كان كل شئ بينهما يبدو طبيعيا، كما يبدو بين كل فتى
وفتاة.. ليس فيه شذوذ، ولا غرابة ، ولا ينذر بمأساة ..
كان شقيقاً لإحدى صديقاتها، وكانت تراه دائما كلما رأت
شقيقته، ثم أصبحت ترى شقيقته كلما رأته، ثم أصبحت تراه
دون أن ترى شقيقته!..
وإذا بها في شوق دائم إليه .. إلى وجهه الأسمر في لون البن المحروق .. وعينيه السوداوين الذكيتين، وقامته المديدة كأنه فـرعـون صغير، ولم يكن يميزه عن فـرعـون إلا أدبه الكثير، وصوته الخفيض، وكلماته التي ينطقها ببطء وكأنه ينتزعها من بئر عميقة، وينطقها بلهجة صعيدية يحرص عليها رغم أنه لا يزور الصعيد إلا في كل عام مرة أو مرتين ليجمع محصول أرضه ..
وإذا بهـا تـعـيش دائـمـا مـعـه، في ذكـرى لـفـتـاته ولمـسـاته
وابتـسـامـاته النادرة . وإذا بها تضحك كلما تذكـرت لـهـجـتـه الصعيدية، ثم تقلده فيها حتى كادت هي الأخرى تنطق بها
ولم تكن في شك من أنه يحبها .. إنها تقرأ الحب في عينيه،
إنها تحبه .. ولكن إلى أين؟ .
إلى أين، هذا الحب ؟!! ..

وحاولت أن تهرب من تساؤلهـا .. حاولت أن تهرب من
مستقبلها... حاولت أن تهرب من الحقيقة التي تجاهلتها منذ أن رأته ومنذ أن أحبته ..
إنه قبطى ..
وهى مسلمة..
ومـضـت بـهـا الأيام في عـذاب، وذبلت عيناها تحت ثقل
دموعها، وذوى عودها حتى كأنه جف، وسقطت سحابة فوق وجهها فبدت كأنها تعيش دائما في سحاب.. وكانت تراه فترى في عينيه، وترى عـوده في سباق نحو الجفاف، وتراه يعيش معها في سحاب .. كانت تعلم أنه يتعذب مثل عذابها، وأكثر ..
رغم ذلك لم يواجها الحقيقة
لم يقل لها إلى أين ..
ولم تسأله إلى أين ..
ولكنها لم تستطع أن تهرب طويلا من تساؤلهـا، ولا من
مستقبلها ..
وكـان يجب أن تبحث عن حل ..عـن نـهـايـة يـسـتـقـر
عندها حبها.
وبدأ تفكيرها يتخذ خطوطا عملية .. إنه يستطيع أن يشهر
إسلامه .. ويستطيع بعد ذلك أن يتزوجها
إنها مجرد شكليات .. أن يذهب إلى المحكمة الشرعية ويقول
أمام القاض: « أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، .. ثم يصحبها بعد ذلك إلى المأذون!..
واستراحت إلى هذا التفكير، وقررت أن تدفعه إليه ..
وكأنهما كانا على موعد.. فلم يكد يلتقى بها حتى قال بصوته الخفيض وكأنه ينزع كلماته
من بئر عميقة:
ـ لقد فكرت طويلا .. يجب أن ننتهى إلى حل ..
قالت وكأنها تزغرد:
- هل تشهر إسلامك؟!..
وصمت طويلا وكأن شفتيه الرقيقتين قد اختفتا من وجهه.
وعادت تقول وقد انهارت فرحتها:
ـ إنك لا تريد .. لا تريد أن تتزوجني.
وتحركت شفتاه ببطء:
ـ لي سؤال واحد ..
ماذا ؟ ..

ـ هل لو طلبت منك أن تخرجي عن دينك.. تخرجين؟.
وأجابت فورا، وكأنها لم تفكر، ولا تريد أن تفكر:
. نعم ..
ثم سكتت ولم تعلق بشئ، وكأنها أحست بخطورة ما وافقت عليه.. أحست بأن شيئا كبيرا مجهولا قد تخلى عنها، وتركها مطلقة بين السماء والأرض، وسلط عليها هواء رطبا يملأ صدرها ويعصف في عروقها..
وابتسم ابتسامة حانية وقال وهو يحتضنها بابتسامته، ويمسح
بيده فوق رأسها كأنها يد قسيس طيب تباركها:
- إلى هذا الحد؟!!..
قالت وهي لا تنظر إليه، وليس في صوتها سوى حشرجة:
ـ لقد قلت إننا يجب أن ننتهى إلى حل .. أي حل!!..
قال وقد أحس ما بها :
- إن كل منا يريد أن يضحى للآخر بأعز ما يملك.. ولكني لا
أريد أن تضحي، أو على الأقل لا أريدك أن تشـعـرى بأنك
ضحيت وإلا لما غفرت لي أبدا هذه التضحية.. كما أني لا أريد أن أضحى بديني لمجرد أنه مفروض في أن أضحي به.. لنترك الله يختار بيننا .. فهو صاحب دينك وديني..
- وكيف يختار الله ؟!!..

الله محبةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن